بقلم حسين عبد الحسين/ موقع الحرة
مذهلة هي كمية النفاق والكذب التي تبثها الدعاية الإيرانية. ثماني صفحات من النسخة الإنكليزية لصحيفة كيهان المقربة من النظام الإيراني كافية لتقديم كمية هائلة من التزوير والحقد الذي تبثه الجمهورية الإسلامية. في كل مقالة، تحريض ضد الولايات المتحدة، واتهامها بنشر الإرهاب في العالم، والحرص على تقسيم الشعوب. حتى في الصفحة الاقتصادية، مقالة تتوقع نجاح روسيا والصين في تعزيز احتياطيهما من الذهب لتقويض الدولار الأميركي كعملة العالم.
في افتتاحية الصحيفة اتهام إيراني لأميركا برعاية الإرهاب في سورية وتقويض مجلس الأمن الدولي. يكتب محررو الصحيفة الإيرانية، من دون أن يلاحظوا بلاهة المفارقة التي يقدمونها، أن واشنطن دعمت، على مدى ثماني سنوات، نظام الأقلية البعثية في العراق في حربه على إيران، وأن أميركا تدعم اليوم بالطريقة نفسها إرهابيي سورية. لا يلاحظ المحررون الإيرانيون أن نظامهم يساند الأقلية البعثية في سورية.
ثم تتهم الصحيفة الولايات المتحدة بالتلاعب بمجلس الأمن، وتقول إن أميركا لم تستصدر قرار وقف إطلاق نار في مجلس الأمن أثناء الحرب العراقية الإيرانية إلا بعدما بدأت القوات الإيرانية تحقق انتصاراتها ضد العراقيين. لكن "سيد العصر" روح الله الخميني رفض القرار، مرددا أن "السلام المفروض أسوأ من الحرب المفروضة". ثم فشل "الاستكبار العالمي"، وانتصرت الجمهورية الإسلامية في حرب السنوات الثمان، حسب الصحيفة.
كيهان لا تكذب فحسب. كيهان تزور التاريخ. إيران لم تنتصر في حربها ضد العراق، والخميني وافق في العام 1988 على قرار مجلس الأمن رقم 598 القاضي بوقف إطلاق النار، وشبه خطوته بتجرع السم. الرواية الرسمية الإيرانية عن الحرب مع العراق هي كذب في كذب.
اقرأ للكاتب أيضا: هارفرد تستعيد 'الآيات الشيطانية'
وكما تكذب الجمهورية الإسلامية عن حربها مع العراق، وعن أحداث سورية، كذلك تكذب حول أحداث الكوريتين. حسب الصحيفة الإيرانية، تشعر واشنطن بالاستياء لتوحيد الكوريتين وفديهما أثناء الألعاب الأولمبية لأن الولايات المتحدة ترغب في رؤية الشعب الكوري منقسما وفي حالة حرب حتى تبقي على قواعدها العسكرية الضخمة في كوريا الجنوبية. لا يفيد أن لا كوريا الجنوبية وحدها، بل اليابان والفليبين وأستراليا، كلها عاتبت الولايات المتحدة وطالبتها بتعزيز قوتها العسكرية لمواجهة صعود الاستبداد الصيني واستيلائه على مساحات بحرية أوسع مع مرور الأشهر. لكيهان روايتها الخيالية التي تتمسك بها.
أكاذيب إيران ليست سطورا في جريدة تابعة للنظام، بل هي دعاية يصدقها كثيرون، خصوصا من ليبراليي الغرب ممن يصرون أن الامبريالية هي سبب مصائب الإيرانيين، وأن التاريخ بدأ مع الانقلاب على حكومة محمد مصدق في الخمسينات.
لكن قصة الانقلاب على مصدق، مثل قصص إيران الكثيرة، انتقائية. مثلا، يعتقد الكثيرون اليوم أن الخميني وصدام كانا عدوين منذ الأزل، فيما الحقيقة هي أن صدام ساهم في رعاية وإطلاق حركة الخميني في بداياتها كجزء من مواجهة صدام شاه إيران، ويوم حاضر الخميني عن الحكومة الإسلامية ونشرها في كتاب، كان ذلك في النجف تحت عيون ورعاية استخبارات صدام الساهرة. ولم يتخل صدام عن الخميني إلا يوم أجبره شاه إيران محمد رضا بهلوي على توقيع اتفاقية الجزائر لتفادي هزيمة عراقية عسكرية كانت مؤكدة.
اقرأ للكاتب أيضا: لماذا يكره العالم أميركا؟
ثم عاد الخميني إلى إيران برعاية غربية، واتصل قادة الثورة بمسؤولي إدارة الرئيس السابق جيمي كارتر، مثل في لقاء مهدي بازركان ومستشار الأمن القومي الأميركي الراحل زبيغنيو بريزينسكي في الجزائر. ولم ينقلب الخميني على أميركا ويعلنها شيطانا أكبر إلا بعدما شعر بالتفاف "حزب تودة" الشيوعي الإيراني عليه، فالتف الخميني باقتحام أنصاره السفارة الأميركية لاستقطاب قاعدة الشيوعيين المعادين لأميركا، وأعلنها عدوا لإيران. وفي العام 1986، فيما كان الخميني ما يزال مرشدا للثورة، زار بد ماكفرلين، مستشار الأمن القومي للرئيس الراحل رونالد ريغان طهران سرا، والتقى شابا ثوريا اسمه حسن روحاني، في مناورة إيرانية للحصول على سلاح ضد صدام.
اليوم، يكرر الإيرانيون، ويصدقهم غربيون كثيرون، أن طهران لا تكذب في برنامجها النووي، وأن جل ما تفعله هو ممارسة "حقها" النووي. طبعا، لا تقول إيران إنها كانت تبني مفاعل فوردو النووي الجبلي المحصن سرا، وإن المفاوضات لم تكن لتجري لو لم تكتشف الاستخبارات الغربية الخديعة الإيرانية.
التاريخ ليس أسودا وأبيضا كما يعتقد بعض ليبراليي الغرب، والتاريخ حتما ليس مزورا كما يقدمه النظام الإيراني، وهو ما يدفعنا للتساؤل: إن كانت أحداث جرت في الماضي القريب الذي ما يزال حيا في ذاكرة كثيرين قد تم تحويره على هذا الشكل، فما هي نسبة الكذب في التاريخ الذي وصلنا من ماض أبعد، وكم عمر الدعاية والكذب الذي يبدو أنه تقليد يلازم حكام إيران، وحكام دول كثيرة أخرى؟ وكيف يمكن لغير العارفين تمييز الواقع من الوهم؟
ــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)