بقلم سايمون هندرسون/ موقع الحرة
خلال شهر آذار/مارس، من المتوقع أن تعلن السعودية عن مقدمي العروض المفضلين لمشروعين للطاقة النووية تبلغ قيمة عقودهما مليارات الدولارات. ويمكن تبرير الحاجة إلى الطاقة النووية في المملكة، التي تملك أكبر احتياطيات النفط التي يمكن استخراجها بسهولة في العالم، بتحرير المزيد من النفط للتصدير وتوفير كمية أساسية من الطاقة لتوليد الكهرباء لا يمكن التوصل إليها بواسطة الطاقة الشمسية. ويتنافس اتحاد من الشركات الأميركية بقيادة "وستنغهاوس" مع عروض من شركات روسية وصينية وفرنسية وكورية جنوبية على طلبات قد تصل في النهاية إلى إنشاء ما مجموعه ستة عشر مفاعلا على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة. ومن أجل تحسين الفرص الأميركية في الفوز، أفادت التقارير بأن إدارة ترامب تنظر في تخفيف الأنظمة المتعلقة بمراقبة الانتشار أو عدم تطبيقها.
ولو كانت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، هي الدانمرك، لكان ذلك مجرد مسألة ضمان التوافق مع القانون الأميركي. ولكن في الشرق الأوسط، تسود المخاوف من أن أي تنازل عن هذه الضوابط قد يفتح الباب على مصراعيه أمام الانتشار. وبصرف النظر عن ترسانة إسرائيل النووية القائمة منذ أمد طويل والمعترف بها ضمنيا، فإن القوة الإقليمية الأخرى الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية هي باكستان التي يميل تركيزها الاستراتيجي إلى الاتجاه الجغرافي الآخر، أي الهند. إلا أن تقنية الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم التي تملكها باكستان قد تم بيعها إلى ليبيا وإيران، فضلا عن تسليم معدات مماثلة من أوروبا إلى نظام صدام حسين في العراق.
يعتقد أن الرياض تريد، على الأقل من الناحية النظرية، أن يكون لها الحق في تطوير قدرتها على التخصيب أو إعادة المعالجة
وفي حالتي العراق وليبيا، تم تدمير هذه التكنولوجيا في عامي 1991 و2003 على التوالي. أما برنامج إيران، الذي تدعي طهران أنه كان غير عسكري فقط وما زال كذلك، فقد أصبح مقيدا الآن بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة" لعام 2015 والمعروفة بالاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وشركائها. ولكن هناك أمرا مهما أيضا وهو أن "خطة العمل الشاملة المشتركة" تسمح لإيران بمواصلة التخصيب، على الرغم من أنه لا يسمح لها وهي غير قادرة تقنيا على استخدام هذه العملية لإنتاج اليورانيوم المعد لصنع الأسلحة. وبموجب الاتفاقية، لا تستطيع إيران إعادة معالجة البلوتونيوم، الذي هو وسيلة بديلة لتصنيع المتفجرات النووية.
اقرأ للكاتب أيضا: الاضطراب والإرهاب في الشرق الأوسط متجذران في ارتفاع أسعار النفط عام 1973
ويعتقد أن الرياض تريد، على الأقل من الناحية النظرية، أن يكون لها الحق في تطوير قدرتها على التخصيب أو إعادة المعالجة. وفي عام 2009، أقنعت واشنطن دولة الإمارات بالتخلي عن كلا التقنيتين قبل أن توقع الدولة الخليجية اتفاقا مع كوريا الجنوبية يقضي بإقامة أربعة مفاعلات للطاقة النووية. ولكن إذا ما تجنب بلد آخر في المنطقة أي قيود من هذا القبيل، فإن دولة الإمارات تحتفظ بحقها في إعادة النظر في "اتفاق 123" ـ بالإشارة إلى المادة 123 من "قانون الطاقة الذرية الأميركي" الذي ينص على ضرورة إبرام اتفاق سلمي للتعاون النووي لنقل المواد أو المعدات أو المكونات النووية من الولايات المتحدة.
وعادة ما يشار إلى الاتفاقية الإماراتية ـ الأميركية المبرمة باعتبارها مقياسا ذهبيا، وانعكاسا لنضج دولة الإمارات ومسؤوليتها. وكان الإنجاز الأميركي للقيود لافتا بشكل خاص نظرا لتاريخ الإمارات المتقلب مع عبد القادر خان، العالم النووي الباكستاني المسؤول عن نشر الأسلحة النووية. فلسنوات عديدة، سمحت أبوظبي لخان بتشغيل شركاته الوهمية من دبي المجاورة. وبمساعدة مسؤولين إماراتيين سهلوا دخوله إلى البلاد وخروجه منها، استخدم خان إمارة دبي ـ إلى حين إلقاء القبض عليه عام 2003 ـ كحلقة وصل للتكنولوجيا المخصصة للبرنامج الباكستاني للأسلحة النووية وكنقطة عبور للتكنولوجيا التي يجري تهريبها إلى ليبيا وإيران. وكان خان على علاقة وثيقة مع زعماء دولة الإمارات واستضافهم أيضا في باكستان.
وما يثير قلقا مماثلا فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية زيارة قام بها وزير الدفاع آنذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى محطة التخصيب الباكستانية في كاهوتا خارج إسلام آباد عام 1999، أي بعد عام من إجراء باكستان تجارب نووية باستخدام قنابل تحتوي على يورانيوم عالي التخصيب. وتذكر إحدى الصور التي نشرت في ذكرى زيارة الأمير سلطان، هذا الأخير وهو يظهر جالسا إلى جانب رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك نواز شريف والدكتور خان. كما يظهر في الصورة قائد الجيش الباكستاني في ذلك الحين الجنرال برويز مشرف، الذي أطاح في وقت لاحق برئيس الوزراء شريف واعتقل خان فيما بعد.
أما الزيارة التي ظهر فيها الوفد السعودي وسمح له بالاطلاع على أجزاء من سلاح نووي باكستاني وفقا لبعض التقارير، فقد أدت إلى تقديم احتجاج دبلوماسي رسمي من قبل الولايات المتحدة وعززت الشائعات التي لا تزال منتشرة بأن السعودية متفقة مع باكستان على نقل الصواريخ المزودة برؤوس نووية خلال فترة الأزمات. (ومنذ عام 1988، تملك السعودية صواريخ صينية ذات قدرة نووية ولكنها مجهزة بأسلحة تقليدية ويمكنها الوصول إلى طهران).
هل يمكن إقناع السعودية بالتخلي عن التخصيب وإعادة المعالجة، حتى بشكل مؤقت، مقابل اختيار التكنولوجيا الأميركية لخططها الطموحة للطاقة النووية؟
هذا ما حدث آنذاك. ويبقى السؤال المطروح.. ما هو الأسلوب العملي حاليا، منذ اعتراف "خطة العمل الشاملة المشتركة" بحق إيران في التخصيب؟ لقد أصبح الحكم على ذلك أكثر صعوبة في أعقاب الزيارتين التي قام بهما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي هو أيضا وزير الدفاع السعودي، إلى باكستان في كانون الثاني/يناير وآب/أغسطس 2016 منذ أن أصبح والده ملكا عام 2015. وفي المقابل، قام القادة الباكستانيون بسلسلة من الزيارات رفيعة المستوى إلى السعودية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، قام رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا بزيارة الرياض للقاء الأمير محمد بن سلمان "لبحث الأمور ذات الاهتمام المشترك والروابط العسكرية". وكانت هذه المرة الثانية التي يزور فيها باجوا المملكة خلال شهرين. وفي السياسات الحالية لباكستان، لا يعتبر باجوا الزعيم الرائد في السياسة الخارجية والأمنية لبلاده فحسب، بل إنه شخصية أكثر نفوذا عموما من الرئيس أو رئيس الوزراء. وفى 10 شباط/فبراير، أعلن الجيش الباكستاني اتفاقا ينص على إرسال آلاف العسكريين الباكستانيين في مهمة تدريبية غير محددة إلى السعودية.
اقرأ للكاتب أيضا: رياح التغيير السعودية تعصف بالأمير الوليد بن طلال
وقد أثارت هذه الأخبار احتجاجات في "الجمعية الوطنية الباكستانية" التي منعت قبل ثلاث سنوات طلبا سعوديا لمشاركة القوات الباكستانية في القتال في اليمن. وخلال النقاش، تبين وجود 1600 جندي باكستاني إضافي في المملكة، وتم تدريب 10 آلاف عسكري سعودي في أكاديميات ومؤسسات عسكرية باكستانية غير محددة. وخلال الأسبوع الماضي فقط، ظهرت إشارة أخرى إلى مدى التقارب بين البلدين ومدى تصرف الرياض بشكل مستقل عن رغبات واشنطن، عندما شاركت السعودية لفترة وجيزة في عرقلة محاولة أميركية لوضع باكستان على قائمة دولية لمراقبة عمليات تمويل الإرهاب.
إن مسألة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقدم أي تنازلات نووية لكسب صفقة مربحة، تأتي قبل قيام محمد بن سلمان بزيارة مطولة إلى الولايات المتحدة بهدف إظهار قوة العلاقة الثنائية وتشجيع الشركات الأميركية على بناء شراكات مع المملكة العربية السعودية لتنفيذ خطط ولي العهد للتحول الاقتصادي والاجتماعي المعروفة بـ "رؤية السعودية 2030". وعلى الرغم من الوضع غير المؤكد لـ "خطة العمل الشاملة المشتركة"، نظرا للشكوك المتكررة التي أعربت عنها إدارة ترامب، إلا أن المعضلة بسيطة، وهي: هل يمكن إقناع السعودية بالتخلي عن التخصيب وإعادة المعالجة، حتى بشكل مؤقت، مقابل اختيار التكنولوجيا الأميركية لخططها الطموحة للطاقة النووية؟ قد تؤدي صفقة البيع الخاطئة إلى تقويض الوضع الراهن الهش والارتقاء بالخصومات الإقليمية إلى مستوى أعلى.
سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
المصدر: منتدى فكرة
ــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)