بقلم إيلان بيرمان/ موقع الحرة
إلى أي مدى يمكن أن تصل الإصلاحات في السعودية؟ شاع في واشنطن مؤخرا تفاؤل غير محدود بشأن ما اعتبر على نطاق واسع تغييرات اجتماعية واقتصادية كاسحة تحدث في المملكة التي عرفت بالركود خلال تاريخها.
للوهلة الأولى، يبدو أن السعودية سائرة في هذا الاتجاه. فمنذ إعلان خطة التحول الوطني في العام 2016، أشرف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المعروف بـ "MBS"، على مبادرة طموحة لإعادة تشكيل الاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي.
وبشكل بارز، أدى هذا إلى حصول المرأة على مكاسب، منها حقوق طال انتظارها مثل قيادة السيارات وحضور المباريات الرياضية والانخراط على نحو أكبر في قطاع الأعمال. وبالتوازي مع ذلك، بدأت المملكة تقليص ثقافة الدعم الاقتصادي المتجذرة والمكلفة والتي طغت خلال الأعوام الأخيرة. وبدورها بدأت الحكومة السعودية جهدا حقيقيا لتغيير للابتعاد عن الاعتماد المفرط على صادرات قطاع الطاقة باتجاه اقتصاد ما بعد النفط.
لكن ما لم تتضمنه الإصلاحات هو إعادة تفكير حقيقية في المبادئ التي تقوم عليها الدولة السعودية. في خطابات وتصريحات عدة، أوضح "MBS" أنه لا ينوي التخلي عن عقيدة المملكة أو التنصل من الفهم الوهابي المتزمت للإسلام الذي يعد الأساس الأيديولوجي للبلاد.
ولم يعط محمد بن سلمان كذلك أية دلائل على رغبته في أن يفرض سلطته على حاملي هذه الرسالة الأصولية، وهم الدعاة المحافظون ذوو النفوذ في البلاد.
اقرأ للكاتب أيضا: هل نشهد طلاقا بين واشنطن وأنقرة؟
الأكثر شهرة بين هؤلاء هو محمد العريفي، الداعية الوهابي الذي يعد من نجوم منصة التواصل الاجتماعي توتير بأكثر من 21 مليون متابع، ويشغل حاليا المركز 88 بين قائمة حسابات تويتر حول العالم التي تحظى بأكثر عدد من المتابعين، متفوقا على أسماء مثل الحاصل على جائزة الأوسكار ليوناردو دي كابريو، والدالاي لاما. إن العريفي وآخرين مثله لا يزالون محصنين في السعودية، لسببين الأول قاعدتهم الجماهيرية العريضة وتأثيرهم المجتمعي العميق، وثانيا لأن آراءهم المتطرفة تواصل الانتشار داخل المملكة ولها صدى خارج حدودها.
الرياض، حتى الآن على الأقل، توجه طاقتها بشكل كبير نحو أولويتين رئيستين.
على المستوى الاقتصادي، يحاول آل سعود وقف انحدار البلاد إلى ما يبدو على نحو متزايد ركودا حقيقيا طويل الأمد. خلال السنوات الأخيرة تقلص نمو اقتصاد المملكة بشكل ملحوظ نتيجة لتراجع سعر النفط في الأسواق العالمية. خلال العام الماضي أيضا، كان نمو اقتصاد المملكة خاملا، على الضد من توقعات صندوق النقد الدولي بقفزة اقتصادية. كل ذلك يعزز القناعة المتزايدة بين المسؤولين السعوديين بحتمية المضي سريعا في تنويع مصادر اقتصادهم المتمركز حول النفط.
في هذا الأثناء تحرك، على الجانب السياسي، الوريث لعرش المملكة بشكل حاذق لإزاحة منافسيه المحتملين على العرش من خلال حملة لمكافحة الفساد ضد مجموعة مختارة من الأشخاص بعناية. حتى الآن، حملة التطهير التي بدأها محمد بن سلمان وهيئته الوطنية لمكافحة الفساد، جمعت ما يقرب من 500 فرد من الأسرة المالكة واحتجزتهم وانتزعت ممتلكاتهم في ما قد يوصف بأنه نسخة شرق أوسطية مترفة من الإقامة الجبرية.
اقرأ للكاتب أيضا: استراتيجية ترامب الجديدة.. ماذا تعني للشرق الأوسط؟
ولكن، حتى الآن، لم توجه المملكة اهتمامها صوب تخفيف أيديولوجية الدولة أو الحد من التصدير المستمر لتلك الأفكار الإقصائية إلى الخارج.
وهذا هو بشكل عام، سبب وجود موقف أكثر تشكيكا لدى الدول الإقليمية، من الموقف السائد في الغرب.
ومن وجهة نظر عدد من جيران المملكة، كل ما فعله ولي العهد السعودي حتى الآن، يمكن نقضه بسهولة.
ولا يعني أي من هذا أن التغييرات التي تجري في السعودية الآن يجب تجاهلها أو عدم أخذها في الاعتبار، ولكن بالنسبة لواشنطن فإن التفاؤل بالإصلاحات السعودية يجب يصاحبه فهم بأن التغيير الحقيقي لا يقاس بمستوى الحراك فحسب، بل يجب الحكم على حجم فاعليته في تغيير وجهة المملكة نحو مسار أيديولوجي جديد وبناء. وعلى هذا القياس، فإن الحكم الحقيقي يبقى مؤجلا.
ــــــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)