إضاءة شموع تكريما لهوكينغ (أ ف ب)
إضاءة شموع تكريما لهوكينغ (أ ف ب)

بقلم توفيق حميد/ موقع الحرة 

مات العالم والأسطورة ستيفن هوكينغ، وانبرت أقلام الملايين تذكر إضافاته للعلم وللإنسانية. كانت رحلة حياته مزيجا من الألم والتحدي وصناعة المستحيل لرجل أصيب بشلل كامل ومرض عضال منذ أن كان شابا حتى توفي في السبعينات من عمره.

وللأسف الشديد بعد موته مباشرة، وفي حين كانت الملايين حول العالم تنعي ثراه، انطلقت أقلام المئات ـ إن لم يكن الآلاف ـ من الإسلاميين لتسخر من الرجل وتتوعده بشتى أنواع العذاب في الآخرة.

وبأمانة شديدة لم أكن أعرف أن ضمير الإنسان قد يموت تماما ـ بل وقد يتعفن ـ حتى قرأت تعليقات الكثير من هؤلاء الذين لم تمنعهم لحظات الموت وآلام غيرهم من البشر من التهجم على العالم الجليل ستيفن هوكينغ بكلمات يعف اللسان عن قولها ويتمنع القلم عن كتابتها.

ولهؤلاء "الضباع" الذين سخروا من الرجل وتهكموا عليه بعد موته ـ وأعتذر للضباع لأني شبهت هؤلاء بهم ـ أطرح سؤالا في صميم عقيدتهم التي يبرأ منها الله ورسول.

البشر أيا كانوا ليس لهم الحق في حساب غيرهم من الناس، وليس لديهم أي حق في نعتهم بأنهم من أهل الجنة أو من أهل النار

​​والسؤال هو إن كان هؤلاء قد أعطوا أنفسهم الحق في الحكم على مصير ستيفن هوكينغ، والحكم بأنه من أهل النار، فهل يا ترى يستطيعون أن يخبرونا بيقين هل الشيخ الشعراوي سيدخل الجنة أم النار؟

وأكاد أرى أن البعض بعد قراءة هذا السؤال يستعيذ بالله من مجرد طرح الفكرة، ففي نظر الكثيرين فإن دخول الشعراوي الجنة أمر مفروغ منه وغير قابل للمناقشة.

اقرأ للكاتب أيضا: هل الحجاب فريضة؟

والآن دعوني أطرح رد القرآن على هذا السؤال وهو الآية الكريمة "وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ". أي أن الرسول نفسه ـ تبعا للقرآن ـ لا يدري ماذا سيفعل به شخصيا.

فإن كان رسول الله نفسه لا يعرف ولا يدري ماذا سيفعل به، فهل يدري هؤلاء المتنطعون ماذا سيفعل بالشيخ الشعراوي؟

قد يصرخ البعض الآن بأن الشعراوي عالم مسلم جليل نطق الشهادتين، وهنا يأتيهم الرد التالي من القرآن "لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ" فقول كلمات الإيمان لا ينفي أن يكون الإنسان كافرا!

وسيقول البعض إن الشعراوي كان يفسر القرآن ويعلمه للناس، وهنا يأتيهم رد القرآن التالي "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ" أي أن إعجاب الناس بكلام الرجل، وإشهاده لله على ما يقول لا ينفي عنه احتمالية دخوله النار.

عدم إصدار الأحكام على الآخرين يتسق مع مبدأ رئيسي في القرآن الكريم وهو أن حساب البشر حق لله وحده

​​وأنا هنا لا أقول إن الشيخ الشعراوي سيدخل النار أو سيدخل الجنة، فهذا ملك الله تعالى وحده. ولكني أقر بحقيقة قرآنية جلية وواضحة، وهي أنه ليس من حق البشر التدخل في حساب غيرهم من البشر وليس لديهم معرفة ولا علم بما سيحدث لهم هم شخصيا ـ فما بالنا بإطلاق الأحكام على غيرهم من البشر؟

وعدم إصدار الأحكام على الآخرين ليس فقط أمر منطقي، لأننا لا نعرف دخائل النفوس وظروف الإنسان، ولكنه أمر يتسق مع مبدأ رئيسي في القرآن الكريم وهو أن حساب البشر حق لله وحده وليس لأحد ـ حتى الرسول عليه السلام ـ أن يتدخل فيه.

وإليكم بعض الآيات التي تدعم هذه النظرة "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم" و"فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" و"وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ".

اقرأ للكاتب أيضا: درجات الفهم القرآني

والآيات المذكورة ترسي مبدأ هاما في القرآن، وهو أن البشر أيا كانوا ليس لهم الحق في حساب غيرهم من الناس، وليس لديهم أي حق في نعتهم بأنهم من أهل الجنة أو من أهل النار.

فهل يفيق هؤلاء الذين كسروا كل القواعد الأخلاقية والإنسانية، وهاجموا الراحل الأسطوري ستيفن هوكينغ بأبشع الكلمات؟ هل يستيقظون من سكرتهم وهل يدركون أنه طبقا للقرآن فإن الرسول نفسه لا يدري ماذا سيفعل به كما ذكرت الآية "وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ" وأن ليس لديهم أي حق أن يصدروا أحكاما على غيرهم من البشر كما ذكرنا في الآيات السابقة؟

فإن كان هؤلاء لديهم قرآن آخر يسمح لهم بأن يحاسبوا الآخرين، وأن يطلقوا الأحكام عليهم بصورة يقينية، فليأتونا بهذا القرآن لو كانوا صادقين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

مواضيع ذات صلة: