يصنع الفريق محمد مدين، المعروف باسم توفيق، الحدث في الجزائر، رغم التزامه الصمت، وبقائه بعيدا عن الدوائر الرسمية، وذلك منذ قرار الرئيس بوتفليقة تنحيته وإحالته على التقاعد، أواخر سنة 2015.
ظل المسؤول السابق لجهاز "الدياراس" يمثل لغزا حقيقيا في منظمومة الحكم الجزائري، منذ توليه مهام الإشراف على جهاز المخابرات بداية التسعينات إلى غاية إحالته على التقاعد، إذ لم يسبق له الإدلاء بأي تصريح إعلامي أو الظهور عبر أي وسيلة إعلامية.
وقد شهدت نهاية سنة 2015، أول وآخر ظهور إعلامي للفريق توفيق عبر رسالة وجهها للرأي العام، كشف فيها موقفه بخصوص قضية محاكمة الجنرال حسان، المسؤول السابق عن مصلحة مكافحة الإرهاب بجهاز المخابرات.
فهل انتهى فعلا دور هذا الرجل في الحياة السياسية بالجزائر، أم أن هذا الحراك الكبير في البلد، والذي تغذيه التحضيرات الخاصة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، قد يخرجه من الكواليس؟
"يريد فرض نفسه"
كشفت صحف محلية، مؤخرا، عن إمكانية "عودة قوية" للجنرال توفيق، وأشار بعضها إلى احتمال تولي الرجل القوي لمنصب كبير في الدولة.
في هذا الصدد، يرى المحامي والضابط السابق في جهاز المخابرات، محسن عمارة، أن "خبر اعتزال الفريق توفيق للحياة السياسية في الجزائر ليس صحيحا"، ويستطرد قائلا "من غير المعقول تصديق هذا الكلام المجانب لما تفرزه الساحة الوطنية من أحداث مستمرة، خاصة في الآونة الأخيرة".
ويوضح المحامي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن حضور الفريق توفيق في المشهد السياسي "يترجمه حضور قوي لجناح سري يسيره خلف الكواليس، وينشط بأوامر مباشرة منه".
ويستدل عمارة على بما أسماه "التركة الكبيرة التي خلفها في عهدته من ضباط سامين وسياسيين نافذين ورجال أعمال ونقابيين يعتبرون صناعة خالصة للجنرال توفيق، وبالتالي لا يمكن لهؤلاء أن يقطعوا صلتهم به بين عشية وضحاها".
ويتهم المصدر ذاته الجنرال بكونه "المتسبب والمخطط لكل الإضرابات التي عرفتها الجزائر مؤخرا" مضيفا "إنه يرفض البقاء بعيدا عن الأحداث، ويريد فرض نفسه في الساحة تحسبا لمواعيد سياسية معينة، مثل الرئاسيات المقبلة".
"انتهى دوره"
في المقابل، يعتقد الإعلامي والمحلل السياسي، فيصل ميطاوي، أن "دور الفريق توفيق في الحياة السياسية بالجزائر تراجع بشكل كبير، منذ إحالته على التقاعد بقرار من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة".
وأضاف، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، "قد يكون حضوره أمرا واردا في بعض الملفات والقضايا، ولكن ليس بنفس الثقل الذي كان يتمتع به في السابق".
ويوضح ميطاوي "كما يعلم الجميع، فقد أشرف الفريق توفيق على جهاز المخابرات الجزائرية لمدة ناهزت 25 سنة، وهي مرحلة سمحت له بالتحكم في العديد من الملفات، وعليه من المرجح جدا أن يلجأ إليه المسؤولون الحاليون لاستشارته في بعض القضايا والقرارات المصيرية".
ويقلل المصدر ذاته من صدقية التحليلات التي تؤكد "تورط" القائد السابق لجهاز "الدياراس" في بعض الأحداث التي عرفتها الجزائر في الفترة الأخيرة مؤكدا أنه "هو من تقدم بطلب رسمي إلى الرئيس بوتفليقة للخروج على التقاعد".
اقرأ أيضا: محاكمات الجنرالات.. هل تنهي 'نفوذ الجيش' بالجزائر؟
الدولة المدنية.. والرئاسيات!
أما القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إدريس فاضلي، فيربط النهاية السياسية للفريق توفيق بالتطور الكبير الذي عرفه مشروع تحديث الدولة الجزائرية، قائلا "الرئيس بوتفليقة قرر منذ مجيئه سنة 1999 العمل على تحديث المؤسسات الجمهورية، وتحويل الدولة من المنطق الأمني الذي كانت تسير به في مرحلة الإرهاب نحو منطق آخر يتمثل في الدولة المدنية".
ولم ينف المتحدث التأثير الكبير لجهاز المخابرات في جميع الأحداث التي عرفتها الجزائر في وقت سابق، لكن "كل ذلك صار من الماضي".
ويبرر إدريس فاضلي غياب الفريق توفيق من المشهد السياسي في الجزائر خلال الظرف الراهن بـ"تلك القوانين العسكرية التي تمنع الضباط السامين في المؤسسة العسكرية من الانخراط في العمل الحزبي أو السياسي بعد خروجهم على التقاعد، وتلزمهم بواجب التحفظ لسنوات معينة يحددها القانون العسكري".
لكن الإعلامي فيصل ميطاوي يعود للحديث عن الدور المستقبلي للفريق توفيق، فيشير إلى أن الأمر يبقى مرتبطا بتطور الأحداث الخاصة بالتحضير للرئاسيات "فالمرشح الذي ستختاره السلطة في هذه الاستحقاقات سيحتاج لدعم ومباركة القائد السابق لجهاز المخابرات، بالنظر إلى الوزن الذي يتمتع به في الحياة السياسية".
المصدر: أصوات مغاربية