شرطي عراقي في الموصل (أ ف ب)
شرطي عراقي في الموصل (أ ف ب)

بقلم هيثم نعمان/ موقع الحرة 

أصبح العراق موضوع تنافس بين إيران والولايات المتحدة، والمتتبع لهذا السباق لا بد وأن يستحضر تلك القصة المدهشة عن سباق السلحفاة والأرنب، إذ إنه في الوقت الذي تراجع فيه النفوذ الأميركي في العراق، تسير إيران ببطء ماكر، ويتسع نفوذها هناك شيئا فشيئا. وقد بدأ سباقهما هذا، في العام 2003، وذلك بعدما تحول العراق إلى نظام إسلامي شيعي، بمشاركة الإخوان المسلمين من الطرف السني وقوميين وماركسيين وإسلاميين أكراد. وقد أضحى العراق معسكرا خلفيا لإيران، يساهم في دعم جبهاتها في كل من سورية ولبنان ومناطق أخرى.

وعلى الرغم من جميع التحليلات المختلفة التي تصدر من واشنطن، لا توجد قراءات حقيقية للمشهد العراقي، فتلك التحليلات تخلو من أي إدراك عميق وحقيقي لواقع بلاد الرافدين، حيث أن وسائل الإعلام والجمهور والكونغرس يرون أن الإدارة الأميركية قد حققت انتصارا ثلاثي الأبعاد للسياسة الخارجية في هذا البلد: البعد الأول تمثل في بناء دولة عراقية ديموقراطية، وتمثل الثاني في نجاح القوات الأميركية في القيام بانسحاب مرن إلى ديارها، وأما البعد الثالث فتمثل في تحقيق الاتفاق النووي الإيراني.

ومع ذلك، فإن الحقيقة المرة هي أن تلك الأبعاد ليست بنجاحات حقيقية، بل إن الأمر برمته لم يكن سوى مضيعة للوقت؛ الشيء الذي هيأ للسلحفاة الإيرانية الفرصة للاقتراب من خط الفوز، في حين صار الأرنب (أميركا) بعيدا عن مصالحة وصورته المثلى، بل إن الأبعاد الثلاثة الحقيقية التي على أرضية الواقع، هي: تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وازدياد التطرف، وتهيئة أبواب مشرعة مفتوحة لخلق عدو أشد قوة من سابقيه.

ويتجلى التهديد الإيراني في القوى المسلحة التي أتاحت لها المشاركة في الانتخابات؛ من أجل السيطرة على البرلمان وتملك القوة التشريعية والعسكرية على الأرض؛ حتى تصبح جزءا أساسيا من حكومة العراق، حيث بإمكانها آنذاك أن تفرض أيديولوجيتها عبر المقاربة القمعية.

يجب إدراج الفصائل المسلحة التي صدرت عنها تصريحات تهديدية ضد أميركا ضمن قوائم الإرهاب

​​وفي المقابل فإن ملامح تراجع الدور الأميركي تتجلى في تزايد حالة العداء العلني للولايات المتحدة من قبل الحرس الثوري الإيراني، وانهيار الدور الكردي والسني في العراق، دون أن ننسى التقارب التركي الإيراني التكتيكي.

وفي ما يتعلق بالحرس الثوري الإيراني ـ الذي نجح في بسط هيمنته داخل التراب العراقي ـ وما يضمره من عداء نحو التواجد الأميركي في المنطقة، فقد أكد الجنرال محمد إسكندري ـ قائد فيلق الحرس الثوري من محافظة همدان وسط إيران، أن الحرب في سورية هي في واقع الأمر، حرب بين إيران والولايات المتحدة، وأن قادة الحرس الثوري جهزوا 42 لواء و138 كتيبة لمواجهة من وصفهم بـ "الأعداء".

وفيما يخص العراق، فنستحضر ما جاء في حديث للباحث العراقي المقرب من التيار الإسلامي السني في العراق، الدكتور عمر عبد الستار، إذ أكد في إحدى المقابلات أن "المقاومة" التي خاضها السنة ضد الجيش الأميركي بعد عام 2003، لم تكن إلا خطوطا أمامية للحرس الثوري الإيراني ضد مشروع الولايات المتحدة في العراق.

وقد أكدت مجريات الواقع العراقي صدق تلك الادعاءات يوما بعد يوم، خاصة في الشهر الماضي، الذي أدلى فيه نائب قائد الحرس الثوري في إيران العميد حسين سلامي، بتصريحات أكد فيها أن "الجيشين العراقي والسوري يشكلان عمقا استراتيجيا للجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وأن إيران ترى في الخيار العسكري حقيقة قائمة، سواء أعلن العدو ذلك، أم أضمره. كما أكد سلامي أن إيران طورت بدقة الصواريخ البالستية؛ وذلك من أجل استهداف حاملات الطائرات الأميركية في أي مواجهة محتملة، حتى قبل أن تدخل ميدان المعركة.

أما فيما يخص مسألة التقارب التركي الإيراني، ومدى تأثيره على النفوذ الأميركي في المنطقة، فإن هذا التقارب جاء على مرحلتين: كانت أولاهما في ظل رفع الضغوط والعقوبات الأوروبية والأميركية على إيران خلال الفترة الماضية، في حين كانت ثانيتهما بعدما حاول الأكراد تعزيز موقفهم في العراق من خلال إجراء عملية الاستفتاء على الاستقلال.

وهو الاستفتاء الذي حث تركيا على تسريع وتيرة بناء علاقاتها مع طهران، على أساس المصالح المشتركة، ما يعني فرض واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط، في ظل تراجع النفوذ الأميركي وغياب مشروع عربي حقيقي بإمكانه تأسيس كتلة لها القدرة على التنافس مع القوى الإقليمية الإيرانية التركية لحماية مصالحها وأهدافها. وقد أدى هذا التقارب التركي الإيراني في نهاية المطاف إلى حصار إقليم كردستان وإنهاء سيطرة الأكراد على كركوك.

فقدت أميركا ورقة الجوكر الكردية التي تعول عليها في خططها لرسم خريطة المستقبل العراقي

​​ومن المعلوم أن الأكراد كانوا حلفاء استراتيجيين للأميركيين في العراق، حيث تحولت أربيل والسليمانية إلى مواقع آمنة لإدارة المصالح الأميركية. بل إن الأكراد كانوا ينعمون بالسيطرة على أربعين مقعدا في البرلمان العراقي، ما سمح لهم بلعب دور ورقة الجوكر التي تغير اللعبة، وتختار رئيس الوزراء، حتى جاء قاسم سليماني، والذي فرض إرادته بعد هزيمة تنظيم داعش، فاتبع سلوكا شبيها بسلوك صدام حسين في إدارة التناقضات الداخلية العراقية. ليتمكن سليماني من فرض إرادته فعليا، حيث قام بتفكيك الأكراد، وتمزيق تحالفهم بعد عملية الاستفتاء.

يضاف إلى ذلك الحصار غير المباشر لأربيل من قبل تركيا وإيران، وغلق الحكومة العراقية لمطار أربيل الدولي، وقطع الرواتب الذي أشعل الرأي العام الكردي المناهض لحكومة الإقليم، وأجبر مسعود بارزاني على التنحي.

كل ذلك انعكس سلبا على الطرف الكردي الذي صار يعيش تراجعا وعزلة بينة في المشهد السياسي في المنطقة، ولذلك ظهرت محاولات كردية للتقرب من إيران، لعل وعسى تتم استعادة بعض من المكتسبات التي تبددت، وفي هذا التحول خسارة أميركية، إذ إنها فقدت ورقة الجوكر الكردية التي تعول عليها في خططها لرسم خريطة المستقبل العراقي.

ومن ثم، وكخطوة أولى، يجب أن يكون هناك إجراء جديد بشأن الصفقة النووية الإيرانية، كما يجب إدراج الفصائل المسلحة التي صدرت عنها تصريحات تهديدية ضد أميركا ضمن قوائم الإرهاب، مع مطالبة الحكومة العراقية ـ التي تعتبر من أصدقاء أميركا ـ بضرورة تسليمهم، أو على الأقل، طردهم من التراب العراقي احتراما للعلاقات الدبلوماسية وللاتفاقية الأميركية العراقية.

كما يجب أن تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية جديدة للتعامل مع الأكراد والسنة والمجموعات الشيعية الرافضة للنفوذ الإيراني، والعمل على بناء تحالف واحد صديق للولايات المتحدة، مدعوم بقوة مالية وسياسية، وتأسيس علاقة جديدة استراتيجية.

وختاما، ولمراقبة السلوك الإيراني، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى مصلحة وطنية واضحة، من خلال تقديم ضمانات قوية لتقاسم السلطة في العراق، ولتحقيق استقلال محلي أكبر، ووضع قوات شبه عسكرية تحت قيادة الحرس الوطني، مع نهج سياسات للعفو، وإن كان عفوا محدودا مرتبطا بإعادة الإدماج السلمي.

الدكتور هيثم نعمان هو مدير "شركة الشرق للبحوث والتدريب" في بغداد.

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

مواضيع ذات صلة: