المصدر: قناة الحرة
بقلم كوليت بهنا/
أعلن مؤخرا عن براءة الممثل اللبناني زياد عيتاني من تهمة العمالة للعدو، وهي تهمة فاحت منها رائحة الفساد منذ بداياتها قبل أشهر استنادا لمعرفة تعقيدات الوضع اللبناني وتشابك السياسي والطائفي والأمني بالقضائي فيه، ومتابعة ما نشر من حيثيات للقضية، إضافة لبعض الحدس المرتبط بتاريخ هذا الفنان. لن تفي كل الكلمات المنمقة التي صيغت لاحقا في الإعلان الرسمي عن براءة عيتاني والاعتذارات والإشادة بوطنيته الصادرة عن أعلى مستويات الدولة حقه وكرامته اللذين استبيحا كما تستباح كل يوم حقوق وكرامات الناس بأشكال مختلفة.
لا يمكنك أن تنظر إلى هذه القضية على أنها شأن لبناني خالص يتعلق بمتهم تحول من مذنب كاد يصل إلى حبل المشنقة بتهمة الخيانة إلى غير مذنب، بل هي قضية إنسانية عامة عابرة للحدود تتعلق بمفهوم العدالة وهاجسها المستمر ومدى انسجام القوانين مع هذا المفهوم.
هاجس العدالة الذي سيعيد للذاكرة أحداث الفيلم الأميركي "اثنا عشر رجلا غاضبا" لمخرجه الراحل "سيدني لوميت" الذي حقق تحفته السينمائية هذه قبل ستين عاما. يعود ويتوهج هذا الفيلم كبصمة فنية وجدانية في كل حديث عن العدالة، أو بشكل أدق في كل مرة يراد لهذه العدالة أن تتحقق.
اقرأ للكاتبة أيضا: ما يطلبه السياسيون
"اثنا عشر رجلا غاضبا" ليس تحفة سينمائية لا تزال تحتل مراتب الصدارة في قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (IMDB) كواحد من أعظم ما أنتجته السينما الأميركية فحسب، بل هو "أثر حضاري وتاريخي وجمالي" اختير عام 2007 وفقا لهذه المعايير للحفظ ضمن الأرشيف الوطني السينمائي من قبل مكتبة الكونغرس، يضاف إلى أن كل من شاهده مرة، سيترك بداخله الأثر ذاته، كمرجعية أخلاقية لكل زمان ومكان، يمكنها أن تلجم ضمير المرء قبل إطلاقه حكما متسرعا وتعسفيا اتجاه الآخر.
الفيلم، باختصار شديد، يتحدث عن شاب متهم بقتل أبيه، تقرر هيئة المحلفين المكونة من اثني عشر رجلا التداول فيما بينها لإقرار حكم الاعدام بحقه. الجميع سيدخل إلى قاعة المداولات الخاصة بالهيئة مقتنعا أن الشاب مذنب ويريد البت بالحكم والانتهاء من هذه المهمة بسرعة للخروج ومتابعة حياته، باستثناء واحد فيهم سيعمل ضميره ويتمهل ويتمهل ويتمهل. ثم سيعترض محاولا إثبات براءة المتهم.
هنا تبتدئ الحكاية الحقيقية الكامنة في أعماق أحد عشر عضوا محلفا مختلفي المشارب والأهواء، حيث ستكشف الحوارات المكثفة للفيلم الذي يتخذ شكلا ممسرحا، عن مكامن كل شخصية على حدة، والدوافع الشخصية الدفينة الكثيرة التي ستتضح أكثر فأكثر وأدت إلى التسرع بإصدار قرار إعدام رجل بريء بالكرسي الكهربائي.
اقرأ للكاتبة أيضا: فئران التجارب
هكذا ببساطة وعجالة وكأنهم سيرسلونه في نزهة، ليتحول الحكم بالإثباتات المقنعة من مذنب إلى غير مذنب، ومع هذا التحول المصيري لإنسان من محكوم بالموت إلى بريء حر طليق، تتكشف عورات القضاء، وفساد المنظومة الأخلاقية العام، وسينجح الفيلم في تحقيق هدفه وتحريك الضمائر عبر طرح السؤال الأصعب: كم مظلوما أرسلنا للموت بعجالة؟ كثر الذين يرسلون للموت ظلما كل يوم في شتى أنحاء العالم، أو لا يزالون يقبعون في ظلام السجون الذي لا يختلف عن ظلام القبور، من دون محاكمات، وإن حدثت هذه المحاكمات من يمكنه التحقق من نزاهتها وإقرارها للعدالة حقا؟
المتهم في فيلم "اثنا عشر رجلا غاضبا" كان محظوظا بالتأكيد أن أوقف القدر في طريقه رجل حق وعدل يغضب وينصفه. الممثل اللبناني زياد عيتاني امتلك بدوره بعض الحظ القدري عبر وقوف بعض الغيورين الغاضبين من أصحاب الضمائر ودفعهم باتجاه إظهار براءته وتغيير مصيره. لكن لو افترضنا أن ذلك لم يحدث وأعدم الرجل ومن ثم ثبتت براءته بعد موته، من كان سيتحمل وزر جريمة قتل بريء؟ أم أنها كانت ستبرر كالعادة بأن البشر خطاؤون ويطلبون المغفرة من عدالة السماء؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)