المصدر: أصوات مغاربية
تحفل صفحات تاريخ الأديان في منطقة شمال أفريقيا بعدد من التفاصيل المثيرة، من ثورات وحركات دينية، سواء مع انتشار الوثنية أو اليهودية، وبعدها مع المسيحية والإسلام.
ويعتقد باحثون أن أمازيغ شمال أفريقيا حرصوا على أن تكون لهم أديان ومذاهب دينية مختلفة عن تلك التي كانت في أوروبا، مثل المسيحية، أو في المشرق العربي، على غرار الدين الإسلامي.
اقرأ أيضا: 'بابا ربي' و'تاكولة'.. تقاليد أمازيغية أصلها مسيحي!
ومن أبرز تجليات هذه الرغبة لدى أمازيغ شمال أفريقيا، هو ظهور "حركة الدوناتيين"، أو المذهب الدوناتي، والذي انشق عن المسيحية، خصوصا كاثوليكية كنيسة روما، وقد ظهر في القرن الرابع الميلادي.
دين 'الطبقة التحتية'
يتحدث المؤرخ محمد البشير شنيتي، في كتابه "أضواء على تاريخ الجزائر القديم"، عن عدد من الحقائق التاريخية حول الدوناتيين، الذي أرادوا الاستقلال دينيا عن الرومان.
المجدد المسيحي، القديس، والثائر الآمازيغي؛“دوناتوس آمقران” مؤسّس الحركة الدوناتية.... https://t.co/7eXGY9M4QH
— belgoumri ahmed (@belgoumriahmed) 27 novembre 2017
ويشير شنيتي في كتابه إلى أن الدوناتيين اعتمدوا على "الطبقة الاجتماعية التحتية، يستمدون منها طاقتهم، ويستوحون اتجاههم ومواقفهم من مطامحها، بينما عكست الكاثوليكية الاتجاه الأرستقراطي الفوقي، واستمدت أفكارها من خلفياتها السياسية الموالية للدولة".
وعلى قدر دعوته للانشقاق عن الكنيسة الكاثوليكية في روما، إلا أن هذا التوجه الديني الجديد ظل على المسيحية، "وهكذا برزت الدوناتية كدين للفقراء المستغلين، في حين عبرت الكاثوليكية عن التحالف المصلحي بين الطبقة الأرستقراطية والسلطة الإمبراطورية"، يقول شنيتي.
ويورد شنيتي أيضا أن "الدوناتيين اعتمدوا في مجال نشاطهم على فكرة الصراع الطبقي، وكان من دواعي نجاحهم أنهم استمدوا طاقاتهم من الفئة الأكثر تضررا بالنظام الاقتصادي والاجتماعي، والمناهضة للاستعمار الروماني، عكس ما فعلته الكنيسة الكاثوليكية الرسمية التي اعتمدت على السلطة والطبقة الثرية في المجتمع".
وبعد أن كانت مجرد حركة سلمية، تحولت الدوناتية إلى مقاومة عنيفة في وجه الكاثوليك، إذ جاء في كتاب "أضواء على تاريخ الجزائر القديم" أنه في عام 347، وبمدينة باغاي، الواقعة في الجزائر حاليا، اتحدت الدوناتية بثورة الريفيين، وحول دوناتوس كنيسة المدينة إلى مخزن للمؤن والدخيرة وتم تحصينها كي تستطيع الصمود.
'الدوارون'.. الجناح العسكري
في هذا السياق، يوضح الناشط الأمازيغي الليبي والباحث في التاريخ، مادغيس أومادي، أن "الدوارين" كانوا بمثابة الحركة العسكرية للدوناتيين، مشيرا إلى أن ذلك جاء على خلفية "بطش وجبروت الرومان".
اقرأ أيضا: بينهم قديسون وباباوات.. 10 أمازيغ أثَّروا في المسيحية
أما الباحث الجزائري في التاريخ، أرزقي فراد، فيوضح، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن الدوناتية حاولت "جعل المسيحية أكثر محلية، وأن يأخذ الدين المسيحي شمال أفريقيا بعين الاعتبار، على عكس مسيحية أوغوستين، الذي كان يروج لمسيحية أوروبا".
مذاهب وفروع
لكن كيف تبنت منطقة شمال أفريقيا مذاهب مخالفة عما كان عليه نمط التدين في المشرق أو في شمال ضفة البحر الأبيض المتوسط؟
أومادي يجيب عن هذا السؤال بالقول إنه في شمال أفريقيا، نشأت ثلاثة مذاهب في كل من اليهودية والمسيحية وحتى الإسلام، "ففي اليهودية نشأت حركة الرديين، وهو مذهب ينتقد الرهبنة، ولا يعتقد أتباعه أن هناك وساطة مع الله".
وفيما يوضح الباحث الليبي أنه إسلام منطقة شمال أفريقيا شهد ظهور الإباضية والسفرية، فإنه يبرز أن الدوناتية ظهرت قبل ذلك، وكانت تقوم على عدم الاعتقاد بوجود وساطة بين الله والعبد، وأنه لا وجود لأي دور للقساوسة.
ويفسر المتحدث ذاته بروز مذاهب مختلفة في المنطقة، بـ"الحالة النفسية التي يعيشوها سكان شمال أفريقيا"، مضيفا: "هم يحبون أن يكونوا أحرارا بدون وساطة بين الخالف والعبد".
وبالعودة للدوناتيين، فيوضح أومادي أن الأمازيغ لم يرضوا أن تضع روما من كان يعذبهم في رتبة القساوسة، ما جعلهم يخترعون مذهبا جديدا.
ويضيف المتحدث ذاته أن تواجد الدوناتيين استمر إلى القرن 12 ميلاد، على عكس ما القول الذي يشير إلى أنه تم القضاء عليهم من قبل الرومان، لافتا الانتباه إلى أنهم كانوا يستوطنون الجبال والصحاري.
المصدر: أصوات مغاربية