المصدر: موقع الحرة
بقلم فارس خشّان/
حال فرنسا، في هذه الأيام، أشبه بفيلم "غران تورينو" لكلينت إيستوود.
في الفيلم، لم يجد إيستوود دواء لإرهاب العصابة الآسيوية المهاجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، سوى التضحية بذاته على مرأى عشرات الشهود بعدما تبين له، بالتجربة المرة، أن التصدي للعنف بالعنف يرفع منسوب العنف ويضاعف مخاطره، لا أكثر ولا أقل.
ولأن مفهوم التضحية بالذات، في سبيل قضية عادلة، لم يعد مقبولا في المجتمعات الغربية بسبب إدراج العمليات الانتحارية ضمن قائمة الاٍرهاب، لبس إيستوود شخصيته المضحية مرضا قاتلا.
وكما "غران تورينو"، كذلك فرنسا التي تعاني هجومات إرهابية متتالية ينفذها أشخاص غالبيتهم يحملون جنسيتها، وهم من أصول عربية أو أفريقية، ويتحركون تحت راية تنظيم "داعش".
حاولت فرنسا، حتى الآن، كل ما أمكن للتصدي للموجة الإرهابية، لكنها تظهر عاجزة أمام هؤلاء الذين لا يأبهون بالحياة.
اقرأ للكاتب أيضا: مدرسة الانتقام بالاتهام
في الهجوم الأخير الذي استهدف جنوب غرب البلاد، بدا أن وطن فيكتور هوغو وجد بطله في العقيد الدركي آرنو بلترام.
استشهد بلترام، بعدما قدم نفسه للإرهابي في مقابل تحرير امرأة كان يأخذها رهينة.
ومنذ قتل الإرهابي هذا العقيد، عاشت فرنسا على إيقاع دقات القلوب الخافقة لهذا الضابط الرفيع الرتبة، الذي افتدى بنفسه شخصا مدنيا لا حول له ولا قوة.
وجدت فرنسا في عقيدها الشهيد مثالا تقدمه لصورة البطل الحقيقي.
وبدت المقارنة كافية ليستخلص الجميع الدرس: عقيد يضحي بنفسه لإنقاذ امرأة مغلوب على أمرها، في مقابل إرهابي يستعمل السلاح للاستقواء به على الضعفاء مدعيا أنه يحمل قضية دينية كبرى.
وهذا الأسلوب الفرنسي في التعاطي مع تضحية العقيد بلترام، يثير الإعجاب، ليس بسبب تعظيم التضحية الكبرى، فحسب بل أيضا بسبب تقديم ترياق جديد لمكافحة الاٍرهاب.
ترياق كان حتى الأمس القريب مجرد خيال أدبي وسينمائي، فأضحى حقيقة ملموسة.
في واقع الحال، ومع إجراء المراكز الفرنسية المختصة مسحا شاملا للإرهابيين الذين هاجموها أو سعوا إلى ذلك وفشلوا أو أفشلوا، يتبين أن غالبية هؤلاء يعانون من عوارض التهميش الاجتماعي، لأسباب كثيرة من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تدني مستوى التعليم، ومشاكل مع القانون العام.
ويطمح هؤلاء إلى احتلال موقع معنوي متقدم في مجتمعهم الإسلامي، من خلال تقديم أنفسهم أبطال الدين الذين لم يلتزموا به وبفروضه طوال حياتهم، سابقا.
والتركيز على بطولة العقيد الفرنسي، من شأنها أن تساهم في ردع من يمكن أن يفكر بتنفيذ عملية إرهابية، إذ إن ذلك سوف يحط من قدره وليس العكس، لأن البطولة ستكون مستحقة حصرا لمن يتصدى له.
اقرأ للكاتب أيضا: سورية: ثورة لفظتها الجغرافيا
وكانت التوصيات الرامية إلى مكافحة الاٍرهاب قد شددت على وجوب عدم تركيز الإعلام على الإرهابي واسمه وحياته، لأن ذلك يدخل ضمن عوامل التشجيع للراغبين بالانتقال من التهميش إلى النجومية.
وحتى تاريخه لم يلتزم الإعلام بذلك.
في الحالة الفرنسية الراهنة انتقل الاهتمام إلى الضحية وليس إلى الإرهابي، وسجل الفعل البطولي في خانة الضحية فيما سجل، بالمقارنة، العمل المخجل في خانة الإرهابي.
ومنذ مدة طويلة نسبيا، خلا المجتمع الغربي من صورة البطل، على الرغم من أن شرط نجاح أي رواية أو أي فيلم يتمحور حول مواجهة طاحنة بين بطل مقدام من جهة أولى، وبين مجرم شرير، من جهة ثانية.
فرنسا، ومن دون قصد منها أو من مراكز أبحاثها ومعاهد العلوم السياسية والجنائية فيها، وبفعل مبادرة تلقائية من عقيد مشبع بالمبادئ والقيم السامية، اهتدت إلى ما يمكن أن يكون بداية علاج: البطولة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)