ينتظر مصيره (أ ف ب)
ينتظر مصيره (أ ف ب)

المصدر: قناة الحرة 

بقلم نضال منصور/

كل النقاشات والحوارات بيني وبين أصدقائي وهم في الغالب من خلفيات يسارية وقومية، منفتحة من دون قيود ولا تفضي إلى خصومة وغضب، ولا تفسد للود قضية، إلا نقاشات ما أطلق عليه "الثورة السورية" إبان الربيع العربي، ولاحقا بعد تقهقره سميت "الحرب الأهلية" ثم صارت الحرب الدائرة في سورية.

هذه القضية تثير الحساسية، وإن جاز التعبير "الفتنة" حتى بين الرفاق، وتحولت إلى "تابو" وإلى خط أحمر إذا أردت أن تحتفظ بما تبقى من ود لأصدقاء عشت معهم عمرا.

لم يكن هذا هو الحال قبل سبع سنوات، حين اعتقل الأمن السوري 15 طفلا في مدينة درعا جنوب سورية كتبوا "الشعب يريد إسقاط النظام" على جدران مدرستهم، كنا في ذلك الوقت نهتف معا بحياة هؤلاء الأطفال وشجاعتهم، وندين بعنف وحشية الأمن في التعامل معهم وتعمد إذلالهم.

أنا اليوم كما كنت سابقا لا أناصر طاغية، ولن أقبل بإمارة جديدة لطالبان في سورية

​​كنا نؤمن بأن من حقهم أن يرفعوا صوتهم، ولم نكن نتحدث عن مؤامرة كونية على سورية، وعلى نظام "المقاومة والممانعة"، بل كنا نؤمن بأن من حق الشعب السوري المطالبة بالحرية والكرامة الإنسانية، مثلما وقفنا مع حق الشعوب في رفض الاستبداد في تونس ومصر وليبيا واليمن.

كنت وكانت الكثير من الأصوات تحمل موقفا واحدا، وبوصلة واحدة، ومسطرة واحدة، مختصرها أن الحق في الحرية والديمقراطية للشعوب ليس أمرا قابلا للتفريط والمساومة.

اقرأ للكاتب أيضا: هل الأردن في خطر؟

سيذكرونني بأن الأمور تغيرت وثورة سورية السلمية "تعسكرت"، وبأنها باتت مختبرا للصراع الدولي والإقليمي، وسيقولون لي "هنا على الأرض السورية جرى تصنيع "داعش"، وزجت الدول وأجهزة المخابرات كل "التكفيرين" من كل صوب ليخوضوا معاركهم ومعاركها، واستقطبت المعارضة فأصبحوا وكلاء لعواصم عربية وإقليمية ودولية، فعن أي ثورة سلمية تتحدث أنت؟

يذكرونني بذلك بعد سبع سنوات من الموت، وسأوافق على كثير من الحقائق، ولكنني سأبقى على موقفي رافضا أن أسلم رايتي لأي من "الجلادين". لن أكون في صف "الظلاميين" الذين يريدون أن يكونوا وكلاء الله في الأرض مهما كانت مسمياتهم "داعش، جبهة النصرة، أحرار الشام، كتائب خالد بن الوليد"، ومهما غيروا من جلودهم وصورهم، ولكنني أيضا لن أقف مع الطغاة المستبدين، لن أصفق "للنظام الشرعي" حين يشيد نصره على جثث الأطفال.

سألت وما زلت أسأل بعد سبع سنوات من الدماء في سورية، ألا يوجد متسع لخيار آخر، غير إرهاب وطغيان باسم الإسلام، أو إرهاب وطغيان باسم "القومجية" التي تاهت من عقود، و"المقاومة" التي لم تطلق رصاصة واحدة منذ زمن لا نذكره؟

حين تقرأ الأرقام في التقارير الدولية والمراصد الحقوقية عن الوضع في سورية بعد سبع سنوات تكتشف حجم الفاجعة والكارثة، فهناك نحو نصف مليون شخص قتلوا منذ أن بدأ الصراع، منهم أكثر من 100 ألف مدني، هذا عدا عن إصابة أكثر من مليون شخص بجروح مختلفة وإعاقات جسدية دائمة.

وتكشف الأرقام رغم صعوبات التوثيق والتحقق عن 210 ألف معتقل بحسب تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2017، والمخاوف بأن يكون قد قتل 15 ألفا جراء التعذيب في السجون والمعتقلات.

ووفق إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن النازحين واللاجئين يقدرون بأكثر من 12 مليونا يعيشون ظروفا قاسية سواء في الداخل السوري أو في دول الجوار.

وتستمر الكارثة، فالبنك الدولي يفيد في تقرير له أن الاقتصاد السوري خسر 226 مليار دولار، وأن 60 في المئة من السوريين يعيشون فقرا مدقعا و75 في المئة بلا عمل.

ويفيد ذات التقرير بأن 27 في المئة من الوحدات السكنية دمرت تدميرا كاملا أو جزئيا، فيما تضررت نصف المنشئات الطبية.

المتصارعون في حمام الدم السوري يقرأون هذه الأرقام فلا ترهبهم، ويستمرون في حربهم، ويوسعون سيطرتهم، حتى لو كانت طريقهم مرصوفة بجثث الضحايا.

خارطة السيطرة في سورية الآن تشير بوضوح إلى تقدم النظام السوري بدعم روسي فاضح، وشراكة إيرانية مباشرة أو عبر وكيلها حزب الله. المعلومات الإعلامية تقول إن الجيش السوري يسيطر على 57.5 في المئة من الأراضي السورية، وقوات سورية الديمقراطية على 26.8 في المئة، والفصائل المقاتلة الإسلامية 12.7 في المئة، والقوات التركية 1.9 في المئة، وهيئة تحرير الشام 8.9 في المئة، والفصائل المدعومة أميركا 1.9 في المئة، وتراجعت سيطرة داعش لتصل إلى 2.9 في المئة، وجيش خالد بن الوليد التابع لداعش 0.13 في المئة.

هذا التقدم الواضح للجيش السوري وانتصاره في الغوطة، واستعداده لحسم معركة الجنوب السوري يأتي بالتزامن مع تصريحات مفاجئة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن سحب القوات الأميركية، فهل هذه التصريحات المفاجئة مقدمة لصفقة في سورية وتفاهمات مع روسيا، أم أن الأمر لا يزيد عن كلام لا يقدم ولا يؤخر.

يستحق مقال دينس روس في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الدراسة وهو يصف إدارة ترامب بأنها لا تقوم بأكثر من ثرثرة سياسية ضد إيران ولا يوجد أي عمل حقيقي على الأرض.

منذ عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، واستمرارا في عهد ترامب، اليد الروسية مطلقة في سورية. تغير الوقائع، والخرائط السياسية على الأرض، وتقلب التوازنات بما فيها تمكين إيران من السيطرة العسكرية، والتغلغل في نسيج المجتمع، وفرض هويتها الثقافية. المرة الوحيدة التي غضبت فيها أميركا وغيرت قواعد اللعبة، حين اتهم النظام بضرب مدينة خان شيخون "بغاز السارين" فشن الرئيس ترامب هجومه على قاعدة الشعيرات الجوية.

 فهل يمكن بعد كل ذلك أن نتحدث عن تغيير ومفاجئات، أم أن الطريق باتت معبدة للرئيس بشار الأسد للسيطرة على سورية موحدة؟

اقرأ للكاتب أيضا: قصة الإعلام العربي.. "تابوهات" وسلطة تسحق الحريات حين ترتدي بزة عسكرية أو "عمامة"

المصالح الدولية والإقليمية للدول المتنازعة في سورية تعقد المشهد، وتجعل من أصحاب الأرض (سلطة ومعارضة) الأقل تأثيرا في المستقبل السوري. فبعد كل جولات المفاوضات والمنازعات والتسويات، أصبح من الصعب أن يستبعد الأسد من أي صفقة قادمة، وفي هذا السياق يقول السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد بكل علانية "علينا أن نكون واقعين، فهو لن يرحل" ويقصد بذلك بشار الأسد.

سورية إذن في أحسن الأحوال تذهب إلى التقسيم سواء جغرافيا أو تقاسم نفوذ، وهناك من ينظر لولايات (علوية، كردية، وسنية)، أو نظام فيدرالي لا مركزي، والحل الوحيد للحفاظ على سورية موحدة هو التوصل "لاتفاق سلام" بين كافة الأطراف، وهو أمر صعب جدا وشاق، ويحتاج إلى وقت طويل حتى لو حسم الأسد كافة معاركه السياسية، واستعاد السيطرة على كافة الأراضي السورية.

أندرو تيبلر المتخصص في الشأن السوري بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يقول: "لا أتوقع أن تطلب روسيا أو إيران من الأسد أن يتنحى لكن علينا أن نتأهب لاحتمال أن يتعرض الأسد في المناخ المتقلب للاغتيال بسبب كونه ـ هو شخصيا ـ حائلا أمام التسوية".

سورية في أحسن الأحوال تذهب إلى التقسيم سواء جغرافيا أو تقاسم نفوذ

​​الهوة في المواقف الدولية تتسع، واللجوء للحسم العسكري كما يفعل النظام في الغوطة، وكما يطمح في الجنوب السوري توطئة للسيناريوهات القادمة.

عموما في كل السيناريوهات المقبلة الخاسر الأول والأخير الإنسان السوري، وفي ذيل القائمة يأتي الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية.

كل القوى المتصارعة في سورية وحتى العسكر الذين يدوسون على رؤوس المتظاهرين بـ "البساطير" ويقولون لهم "بدكن حرية" يعرفون كل الجرائم التي حدثت في سورية، فهم إما مخططون ومنفذون، أو صامتون ومتواطئون، أو ممولون، وكلهم في نهاية المطاف بذات المركب الذي أغرق سورية ببحر من الدم.

في 2 كانون الأول/ديسمبر 2011 خلص تقرير للجنة تحقيق شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى ارتكاب السلطات السورية وأفراد القوات المسلحة لانتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان ترتقي لجرائم ضد الإنسانية.

قرارات مجلس حقوق الإنسان تداس بالأحذية حين تتعارض مع مصالح الدول، ولا يصغي لها أحد، ولهذا لم توقف جرائم القتل والتعذيب والاختفاء القسري، ولم نسمع سوى الإدانات.

لم تفجع دول العالم بالبراميل المتفجرة، كانت كل الدروب سالكة في وجه المتحاربين، حتى أصبح القتل مشروعا تحت سمع وبصر المجتمع الدولي، ما دام خال من استخدام الأسلحة الكيميائية وهو السلاح الوحيد الممنوع في هذه الحرب القذرة.

مقارنة ذكية قرأتها عن غضب أوروبي أميركي من تسميم المعارض الروسي في بريطانيا، وطرد العشرات من الدبلوماسيين الروس من عواصمها، في حين سكتوا عن كل عمليات القتل التي نفذتها القوات الروسية وحلفائها في سورية. باختصار الدم السوري رخيص جدا.

لست حائرا بعد سبع سنوات على المذبحة، ولا يهمني أصدقائي ورفاقي وأصحاب "العمامات" إن غضبوا أو فرحوا، فأنا اليوم كما كنت سابقا لا أناصر طاغية، ولن أقبل بإمارة جديدة لطالبان في سورية.

هل من حقي أنا أحلم بسورية ديمقراطية خارج كل هذا السواد... سورية جديدة نشتم بها رائحة الياسمين بدل البارود؟

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

مواضيع ذات صلة: