المصدر: موقع الحرة
بقلم عبد الحفيظ شرف/
أبعث بهذه الرسالة إلى الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي ما يزال يعمل على تغيير العقلية النمطية الراديكالية المنتشرة بشكل مخيف في عالمنا الإسلامي. أبعث بهذه الرسالة بسبب الخطوات الاجتماعية المشجعة التي اتخذها الأمير الشاب بداية من السماح للمرأة بقيادة السيارة ثم السماح لها بأخذ حقوقها الطبيعية مثل اختيار توقيت السفر والسفر بدون إذن مسبق من الولي. وأتمنى من كل قلبي أن تستمر هذه التغييرات لتصل إلى تمكين المرأة من فتح حسابات بنكية بدون كفالة الولي أو تسلطه.
السبب الثاني الذي شجعني على كتابة هذه الرسالة هو التغيير التدريجي الذي يقوم به الأمير الشاب لاستعادة روح الإسلام الحقيقي، دين الرحمة والإنسانية مبتعدا به عن المتشددين والمتنطعين الذين شوهوا الإسلام على مدار الخمسين سنة الأخيرة بما فاق كل العصور السابقة. وما دعاني فعلا إلى كتابة هذه الرسالة هي الزيارة الأخيرة إلى البابا تواضروس والتي كانت بلا شك نقلة نوعية كبيرة في العلاقات الإسلامية ـ المسيحية في الشرق؛ إذ كسرت هذه الزيارة بابا أغلقه المتشددون لقرن من الزمان.
أحب أن أبدأ هذه الرسالة بقول النبي محمد في معاهدة نجران بين المسلمين وإخوتهم المسيحيين وهنا أنقل بالنص: "لنجران وحاشيتها ولسائر من ينتحل دين النصرانية في أقطار الأرض جوار الله، وذمة محمد رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم، وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل من تحت أيديهم من قليل أو كثير أن أحمي جانبهم وأذب عنهم وعن كنائسهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواضع السياح وأن أحرس دينهم وملتهم أين ما كانوا بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من سكني لأني أعطيتهم عهد الله بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا للمسلمين شركاء".
هل رأيتم جمال هذه العبارات ورقيها الإنساني والحضاري؟ وهذا كان قبل ألف وأربعمائة سنة وفي زمن انتشرت فيه الجاهلية ورفض الآخر والتفريق الطبقي والجنسي والعقائدي وفي زمن الحروب الدينية ومع ذلك ترى معي هذا الرقي والعبارات التي تصلح أن تكون دستورا يحمي الأقليات ويحفظ لكل الأديان حقوقها واحترامها.
اقرأ للكاتب أيضا: سبع سنوات عجاف
تتميز هذه المعاهدة بشدة الوضوح فهي لم تقتصر فقط على أهل نجران من إخوتنا المسيحيين بل على إخوتنا المسيحيين في كل أقطار الأرض كما قال رسول الله.
يعيش المسلمون في الغرب بكامل حقوقهم ففي أميركا يسمح للمسلمين ببناء مساجدهم وأداء شعائرهم التعبدية بالطريقة التي يفضلونها ويسمح لهم بالتجمع وإنشاء المراكز الاجتماعية والمدارس والجمعيات الخيرية. وكل هذا ضمن إطار القانون بل في كثير من الأحيان يتدخل القضاء ليحكم لصالح المسلمين في بناء دور عبادتهم إذا ما كان هناك أي رفض أو اعتراض من قبل أهالي الحي أو المنطقة أو المدينة وأستطيع أن أضرب عشرات الأمثلة على ذلك.
أما في عالمنا العربي فيعيش المسيحيون تحت ضغط شديد وتضييق ديني كبير ويمنعون في كثير من الأحيان من بناء كنائسهم أو تطبيق شعائرهم رغم أن الإسلام كفل لهم كل هذه الحقوق من الحرية التعبدية وممارسة الطقوس الخاصة بهم والاحتفال بأعيادهم. إلا أن الفهم الحالي المنتشر للإسلام حرم كل هذا وجعل بناء الكنائس جرما في بلاد المسلمين تحت ذرائع واهية.
اقرأ للكاتب أيضا: سورية.. من مع من ومن ضد من؟
ألم يحن الوقت أن يعطى المسيحيون حقوقهم في الصلاة والتجمع والاحتفال والزواج على طريقتهم وبحسب شريعتهم؟ فهذه أبسط الحقوق الإنسانية، لأي إنسان يعيش على أي أرض كانت. ففي مصر، أرض الكنانة، عاش الأقباط سنوات طويلة تحت قوانين ظالمة وجائرة تمنعهم من بناء كنائسهم بشكل قانوني بالرغم من أعدادهم الكبيرة في هذا البلد، استنادا إلى قوانين عثمانية صدرت قبل أكثر من قرن ونصف. يحاول المصريون في هذه الأيام العمل على التخلص منها تدريجيا وأتمنى أن يحصل هذا في أسرع وقت. وعلى الرغم من أن القانون الجديد لبناء الكنائس في مصر ما زال يضع الكثير من العراقيل والصعوبات إلا أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.
أدعوكم جميعا لزيارة مساجد واشنطن العاصمة ونيويورك ولوس أنجلس وسان دييجو لتعرفوا جمال ما أتحدث عنه من العدالة وإعطاء الحقوق واحترام الأديان والحرية العقائدية. أدعوكم إلى تطبيق وثيقة نجران التي أصدرها رسول الله بدلا من اتباع المرجفين في المدينة والمتشددين الذين وضعوا الإسلام الجميل في صراع مع العالم بأسره ومع البشرية وحقوق الإنسان.
وفي الختام أتمنى أن أرى قريبا أول كنيسة في العاصمة الرياض، ليس لأجل الكنيسة بحد ذاتها، وإنما لأجل آلاف المسيحيين العاملين والموظفين في هذه العاصمة الجميلة، والتي ستزداد جمالا مع إعطاء الحقوق وتوفير أبسط متطلبات الفطرة السليمة باحترام الأديان وتوفير حق العبادة لمن يدينون بالمسيحية والأديان السماوية.
ـــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)