المصدر: موقع الحرة
بقلم سناء العاجي/
من المعتقدات الشائعة في المجتمع المغربي، تلك التي تتعلق بالتوقف عن استهلاك المواد الكحولية أربعين يوما قبل رمضان. اعتقاد مترسخ لدى الكثيرين، تغديه تصورات مختلفة منها مثلا أن الكحول تبقى في الدم لمدة أربعين يوما بعد استهلاكه، وبالتالي فالشخص الذي استهلك المواد الكحولية خلال الأربعين يوما قبل رمضان، سيبلغ الشهر الكريم وفي دمه كحول.
علميا، هذا المنطق عبثي بكل بساطة؛ إذ أن الكحول لا يبقى في الدم إلا بضع ساعات. وإلا، لنتخيل مثلا نتائج اختبار نسبة الكحول في الدم، في البلدان التي تقوم بهذا الإجراء. هل نتخيل مثلا أن هذه الدول ستسن قوانين تمنع قيادة السيارات لمدة أربعين يوما، على كل شخص شرب كحولا؟
لتبسيط ذلك، دعونا نتأمل الحالة التالية: إذا احترمنا منطق "الأربعين يوما"، فإننا سنجد أنفسنا أمام شخص شرب بضعة كؤوس من النبيذ أو الجعة، في بلد لا يمنع فيه القانون ولا الدين هذا النوع من الاستهلاك. لكن، أربعون يوما بعد احتفائه بمشروبه، سيوقفه شرطي المرور لإجراء اختبار نسبة الكحول في الدم؛ وسيجد كحولا بدمه. يبدو كل هذا غير منطقي، أليس كذلك؟ ببساطة لأن العلم يقول بأن الكحول تبقى في الدم لبضع ساعات فقط، وليس لمدة أربعين يوما.
اقرأ للكاتبة أيضا: مجتمع متدين بطبعه!
من الناحية الدينية أيضا، فإن الأمر عبثي ولا يتجاوز التحايل الذي يجيده الكثير من مواطني بلداننا، في تدبير علاقتهم بالدين وبالتقاليد. لنقلها إذن بكل البساطة الممكنة وبكل الوضوح اللازم: إن مجرد القبول بهذا المبدأ (أي بكون عدم شرب الكحول لمدة أربعين يوما قبل رمضان هو أمر شرعي يمكن المسلم من صيام رمضان من دون بقايا كحول في دمه) يعني ببساطة أن استهلاكه ممكن شرعا خلال باقي أيام السنة. فهل هذا هو المغزى من الأربعينية التي نتحدث عنها؟
ربما يكون من المفيد أيضا أن نشير إلى أن هناك مدارس فقهية تعتبر بأن تحريم استهلاك المواد الكحولية هو أمر لم يرد في القرآن بشكل صريح، وإلى كون الأخير يدعو لاجتنابه فقط، من دون تحريم قطعي. لكن، لندع هذا الاختلاف جانبا ولنعتمد على القراءة الفقهية الشائعة في معظم بلدان المنطقة، ومنها المغرب الذي يعتمد على القراءة المالكية التي تعتبر استهلاك الكحول حراما بشكل قطعي. من هذا المنطلق، فإن الحديث عن الانقطاع عن استهلاكه أربعين يوما قبل رمضان هو تحايل ساذج يعني ضمنيا أن استهلاكه في باقي أيام السنة لا يطرح أي إشكال ديني.
اقرأ للكاتبة أيضا: المرأة... ذلك البعبع المخيف
هذه ليست دعوة لاستهلاك الكحول بدون ضوابط، لكنها ببساطة دعوة لكي نوقف هذا التحايل المرضي الذي يربط الكثيرين مع الدين ومع القانون. تحايل يجعل الكثير من الممارسات تتم في الخفاء، حفاظا على صورة سليمة أمام الآخرين. تحايل يجعل الكثيرين يلوون عنق الحقيقة العلمية والمنطق، لكي يحققوا بعض التوازن بين اختياراتهم الشخصية وبين الدين أحيانا والتقاليد أحيانا أخرى.
في الدول المتقدمة، يتم تقنين استهلاك الكحول، حيث يمنع استهلاكه قبل سن معينة، وتمنع قيادة السيارة بعد استهلاكه، كما يتم تشديد العقوبات عند ارتكاب جنحة أو جريمة في حالة سكر.
في نفس الوقت، توفر هذه الدول مراكز حكومية أو خاصة لعلاج الإدمان على الكحول. أما عندنا، فنحن نكتفي بالتحايل على العلم والدين والقانون. ونكتفي معه بالمنع القطعي (في العلن)، من دون إيجاد حلول منطقية تحترم اختيارات الأفراد في استهلاك الكحول أو عدمه، مع تقنين هذا الاستهلاك بشكل عقلاني، لحماية المجتمع من الاستهلاك المفرط.
كل أربعين يوما قبل رمضان وأنتم بكامل المنطق!
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)