المصدر: موقع الحرة
بقلم كوليت بهنا/
في السادس والعشرين من الشهر الجاري، ذكرى مرور ثلاثة عشر عاما على خروج الجيش السوري من لبنان، رفع لبنانيون في إحدى المناطق لافتات تتسم بالعنصرية الشديدة والبغضاء. قبلها بيومين لقي لاجئ سوري مصرعه إثر الاعتداء عليه بالضرب المبرح، وهو شاب يعيل ثمانية أطفال ووالدته وزوجته وشقيقاته، وشقيق لأربعة شبان قتلوا سابقا إثر اجتياح عناصر "حزب الله" لمدينة "القصير"، في الوقت الذي كانت فيه إحدى محطات التلفزة اللبنانية الخاصة تبث أغنية هزلية راقصة تهزئ بعبارات جارحة من السوريين بشكل عام.
يكاد لا يمر يوم واحد إلا وتسجل فيه حادثة مشابهة تتسم بالعنصرية، تصدر أحيانا كسلوك عملي من قبل أفراد عاديين أو كتصريحات من قبل بعض الرسميين أو موظفين حكوميين أو من إعلاميين، ناهيك عن اشتعال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل دائم بحرب تحريض لفظية عنصرية ضد اللاجئين السوريين الذين يصل عددهم إلى ما يقارب مليون لاجئ.
يعيش معظم هؤلاء أو يعملون بصفتهم عمالة رخيصة بشروط غير إنسانية لا تليق بكرامة الانسان، ويجري تحميلهم مسؤولية كل المشاكل التي تعصف بلبنان وفي مقدمها المشاكل الاقتصادية. على الرغم من أن نظرة سريعة في هذا الإطار تثبت أن عددا كبيرا من الأثرياء السوريين يقيمون في لبنان مع أموالهم الضخمة المودعة في البنوك منذ بدء المحنة السورية أو ما قبلها، كما أن معظم الفنادق تعمل بوتيرة عالية بسبب كثافة النزلاء السوريين والاجتماعات وورشات العمل التي لا تتوقف لمنظمات المجتمع المدني الخاصة بالشأن السوري. هذا بالإضافة إلى ازدهار نشاط المطاعم والعدد الكبير من البيوت اللبنانية التي تم تأجيرها لسوريين بأسعار خيالية، مما ينفي مسؤولية السوري عن تدهور السياحة أو شح المياه الناجم عن التغيرات المناخية أو انقراض الثعالب في الجرود اللبنانية.
اقرأ للكاتبة أيضا: الصداقات الحذرة
الكراهية المعلنة أو المبطنة التي يبديها عدد من اللبنانيين تجاه السوريين ليست جديدة وتمتد جذورها التاريخية والسياسية والنفسية وغيرها إلى أزمنة بعيدة. بعض أسبابها معروفة لم يلعب الزمن دوره في طيها، ولا زالت تستعمل كمبررات تتخذ سمة العنصرية التي تمارس على السوري البسيط وتحميله وزر كل أخطاء الماضي ومسؤولية السياسة وساستها. هذا السوري البسيط بذاته، وعلى المستوى الشعبي، لم ينظر تاريخيا لجاره اللبناني إلا بإعجاب ومحبة وأبدى أكثر من مرة سلوكا متعاطفا صادقا إثر كل محنة كان يمر بها لبنان، وهذا ما فجر اليوم كل هذا القهر السوري من سوء المعاملة التي يلقونها وتترجم ضدهم بسلوك شوفيني أو عنصري غير مبررين.
بالمقابل، نشطت في السنوات الأخيرة بعض منظمات المجتمع المدني اللبناني التي تناهض العنصرية بشكل عام وضد السوريين بشكل خاص، وحاربت بكفاءة شعارات العنصرية بشعارات واعتصامات مناهضة، وقدمت ما أمكنها من دعم مالي ولوجستي ونفسي للاجئين وغير اللاجئين من السوريين.
اقرأ للكاتبة أيضا: عن التخصص وضروراته: الفنون نموذجا
وفي كثير من الأحيان، آزر أفراد عاديون وعائلات لبنانية من مختلف الطوائف نشطاء منظمات المجتمع المدني، في دعم اللاجئين. ولم يتوانوا لحظة عن تقديم المعونات الممكنة في مختلف الظروف المناخية القاسية التي تعصف كل حين بالمخيمات المزرية للاجئين، وأهم ما قدموه هو إحساسهم الصادق بضرورة حفظ كرامات الناس على كافة المستويات.
ينضم إلى كل هؤلاء الشرفاء الذي ترفع لهم القبعة، عدد كبير من المثقفين والإعلاميين اللبنانيين الأحرار الذين لم يتوقفوا منذ بدء المحنة السورية عن إبداء كل احترام وتعاطف معنوي ونفسي عبر كل مادة إعلامية قاموا بنشرها أو نشاط شاركوا به ليساعدوا في التخفيف من وطأة الكارثة السورية وتحجيم ما أمكن من سيل الكراهية والعنصرية البشعين.
سيعود اللاجئون السوريون في يوم من الأيام إلى بيوتهم ولو كانت ممزقة مثل قلوبهم التي مزقتها آثار الكراهية والعنصرية الأليمتين، لكنهم أيضا لن ينسوا وجوه الشرفاء اللبنانيين وأصواتهم الطيبة الذين يأمل المرء أن تكون البلسم، والأولوية تقتضي اليوم بإيقاف أسباب اللجوء بأسرع وقت، والباقي قد ينجح الزمن في معالجته على المدى الطويل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)