لاقت عشرات القصص الإنسانية التي نشرناها صدى وتفاعلاً عالياً من قبل متابعينا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من خلال الدعم أو عرض المساعدة أو التعاطف، لكن بعض هذه القصص لم تلق المثل، بل لوماً للعائلات الفقيرة وتحميلها المسؤولية عن فقرها، بسبب عدم اتباعها تنظيم النسل وإنجاب "الكثير" من الأولاد.
وهذه بعض الأمثلة:
وبالنظر إلى أرقام وزارتي الصحّة والتخطيط، يبدو بالفعل أن زيادة عدد السكان لافتة في السنوات الأخيرة، ونلخصّها كالآتي:
ولكن ما تفسير زيادة النمو السكاني في العراق رغم الأزمات السياسية المتتالية منذ عام 2003؟ يقول باتريك غيرلاند من قسم التقديرات والتوقعات السكانية التابع للأمم المتحدة إن أعداد المواليد تجاوزت نظيراتها من الوفيات.
وهذه الزيادة تعتبر مؤشراً إيجابياً بالنسبة لعديد الدول، لكن في بيئة مثل العراق، يُفترض وجود عوامل موازية لهذا النمو من أجل استثمار الطاقات البشرية في النهضة والتنمية.
وفي ذلك يقول الباحث في التنمية والدراسات الإستراتيجية حمد جاسم محمد إن "الزيادة السكانية تتحول إلى عبء حقيقي على التنمية عندما لا يجري استغلال الموارد المتاحة بما فيها قوة العمل بصورة صحيحة ومنطقية"، علماً أن العراق يعاني اتساع ظاهرة الفقر فيه ليتجاوز الـ 11 مليون عراقي. (وزارة التخطيط 2018).
وأضاف محمد خلال أحد مقالاته المنشورة أن "هيكل السكان في العراق ورث كغيره من الدول العربية مشاكل التركيب العمري ونسب الإعالة والزيادة الواضحة في أعداد النساء في سن الإنجاب وارتفاع نسبة شريحة الشباب والمراهقين وحاجاتها ومستوى تعرضها لمخاطر الأمراض المعدية ومنها الأمراض المنقولة جنسيا، وتيارات الهجرة الداخلية والخارجية للسكان".
هل يعني ذلك أن العراقيين بحاجة أكثر لتنظيم النسل والاهتمام بالصحّة الإنجابية بسبب الظروف المحيطة بهم التي تجرّهم إلى العوَز أكثر منها إلى التنمية والتقدّم؟
وجدنا أن هذا في محور اهتمام وزارة التخطيط منذ عام 2012، حيث أورد تقرير "تحليل الوضع السكاني في العراق" تقييما لدور الحكومة في هذا السياق، وهو "ليس بالمستوى المطلوب":
كما جاء في التقرير نفسه "يتأثر الطلب على خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة إلى حد كبير بمستوى الخدمات ونوعيتها وتكلفتها وسهولة الوصول إليها".
وأظهر المسح متعدد المؤشرات 2006 أن النساء الشابات أقل ميلاً لاستخدام وسائل تنظيم الأسرة من النساء المتقدمات بالعمر. كما تصل نسبة الاستخدام إلى 53 % بين النساء في المناطق الحضرية و 44 % في المناطق الريفية.
ورغم ظهور تأييد لافت لإقرار قانون "تحديد النسل" وفقاً لاستطلاعات رأي أجرتها مؤسسات مدنية في العراق، إلا أن هذا الأمر ليس بالأمر الممكن بسبب "وجود أفكار دينية وقبلية تتعارض معه على الرغم من تبني وزارة التخطيط سياسة وطنية تنموية لتحديد النسل وتقليل الفقر والبطالة"، وفق الناطق الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي.
وترى الباحثة في علم الإجتماع فوزية العطية، ترجمة لقيم اجتماعية تربط بين الإنجاب وتوفير اليد العاملة في الأراضي الزراعية (الأرياف)، مضيفة في حوار سابق مع (ارفع صوتك): "القيم الآن تغيرت، ولا بد من إعادة النظر بما ظل منها حاضراً وفاعلاً، فقانون الأحوال الشخصية الشيعي يبيح زواج البنت في التاسعة من عمرها، وهو ما يعني عدم إحساس بمسؤولية الانجاب، فهو ليس مهمة شخصية، ولا أمراً عائلياً، إنه مسؤولية اجتماعية واسعة. فمن سيأتي إلى الحياة يحتاج إلى موارد تكفل له الصحة والتربية والترفيه، وبهذا فإن مولودين اثنين يبدو خياراً واقعياً هو نقيض خيار ثمانية إلى 10 أطفال وهو معدل سائد في كثير من المجتمعات الفقيرة وذات الحظ الأقل في الوعي بمسؤولية الإنجاب".
وتشير العطية إلى دراسات وبحوث خلصت إلى أن "الهجرة العشوائية التي أدت إلى ترييف بغداد، صاحبتها قيم تؤكد على كثرة في الإنجاب، وهذه ومع عدم تلبية الحاجات الأساسية للمواليد الجدد".