صنعاء- غمدان الدقيمي:
تجني التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية ملايين الدولارات سنويا من هجمات السطو المسلح على بنوك ومصارف وعربات لنقل الأموال ومحلات لبيع الذهب والمجوهرات وقطاعات اقتصادية حيوية فضلاً عن اختطاف الشخصيات المعروفة للحصول على فدية كبيرة.
العمليات التي نفذها تنظيما داعش والقاعدة من هذا النوع تكررت على نحو لافت خلال السنوات الأخيرة، خصوصا في العراق وسورية واليمن وليبيا.
وتندرج هذه الهجمات ضمن ما تطلق عليه الجماعات الإرهابية بـ “الاحتطاب”.
والاحتطاب هو مصطلح تحفل به أدبيات الجماعات المتطرفة كتأصيل فقهي لتبرير استباحة واستحلال نهب وسلب وسرقة أموال من تصفهم بـ “الكفار”، لتمويل عملياتها الإرهابية.
والاحتطاب هو كناية عن جمع الحطب، وفيه يخرج الحطاب بفأسه ليغنم من الطبيعة ما يريد.
ملايين الدولارات
وحسب الدكتور عبد السلام القصاص، وهو باحث مصري في مجال الأديان، فإن مفهوم الاحتطاب من المفاهيم العقائدية للممارسة الجهادية في الإسلام المبكر، “هو ليس سوى تحديث لمفهوم الغنيمة التي كانت مصدرا رئيسيا لبيت مال المسلمين”.
يضيف الدكتور القصاص لموقع (ارفع صوتك) “العامل الاقتصادي لتمويل العمليات الإرهابية هو الهاجس الرئيس لهذه الجماعات، لذلك اتجهت إلى السرقة عن طريق استحضار مصطلح جهادي قديم هو الاحتطاب في سياق المشروع الجهادي المعاصر”.
وتذهب التقديرات إلى أن تنظيم داعش جنى أكثر من 400 مليون دولار من عمليات السطو على خزائن فرع البنك المركزي العراقي بمدينة الموصل في حزيران/يونيو 2014.
وكذلك الحال أيضا بالنسبة لتنظيم القاعدة في أعقاب سيطرته على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت (شرقي اليمن)، ومينائها الحيوي على بحر العرب خلال عام 2015.
فعلاوة على استيلائه على نحو 1.4 مليون دولار من شركة النفط الوطنية وودائع بنكية، تحدث مسؤولون في الحكومة اليمنية أن التنظيم الإرهابي حصل آنذاك على قرابة مليار دولار من الرسوم على السلع وشحنات الوقود التي تدخل ميناء المكلا، الذي يعد ثاني أكبر الموانئ الاقتصادية في اليمن.
لكن حملة عسكرية ضخمة بدعم اقليمي من التحالف الذي تقوده السعودية ودولي من الولايات المتحدة الأمريكية، نجحت لاحقا منتصف العام 2016 في طرد مقاتلي التنظيم من المدينة الساحلية، بعد أن بسطوا نفوذهم عليها لمدة عام.
إجماع العلماء
“وفقا لعلماء السلف، يجوز أخذ أموال الكفار لأهداف تتعلق بالجهاد حتى لو كان من دون جيش أو إذن إمام”، يقول القيادي البارز في تنظيم القاعدة أنور العولقي، الذي لقي مصرعه بطائرة أمريكية دون طيار، أواخر أيلول/سبتمبر 2011.
يؤكد العولقي، وهو الذي كان أحد أبرز ملهمي ومنظري تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، “كل العلماء أجمعوا على جواز أخذ أموال الكفار في دار الحرب سواء بالقوة أو بالسرقة والاختلاس”.
العولقي وصف مرارا الحكومات العربية والإسلامية “بالمرتدة”.
ودعا في مقالة نشرتها مجلة “انسباير” التي كان يحررها باللغة الانجليزية، إلى استهداف “الممتلكات الحكومية، البنوك، الشركات العالمية، ثروة الكفار المعروفين بعدائهم للمسلمين”.
يقول العولقي “بدلا من أن يمول المسلمين الجهاد من جيوبهم، ينبغي أن يمولوه من جيوب أعدائهم”.
غزوات لتحصيل الموارد
ويرى منظرو الجماعات الإسلامية المتطرفة أن البعد الاقتصادي بعداً هاماً جداً من أبعاد الجهاد.
في كتابه الشهير “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية”، أفرد أبو مصعب السوري، وهو أحد أبرز منظري ومؤسسي الجماعات الجهادية، فصلاً كاملاً حول مسألة جواز “الاحتطاب”، وسلب أموال ما وصفها بـ “الحكومات المرتدة وأملاكها العامة”، وكذا أموال كافة “الكفار الأجانب” في بلاد المسلمين.
يقول أبو مصعب “لو نظرنا في غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه لوجدنا قسماً كبيراً منها قد رصد لتحصيل الموارد”.
مثل الصيد!
وتستند الجماعات الإرهابية إلى آراء واجتهادات متطرفة تطفح بها كتب التراث الإسلامي تعتبر أموال غير المسلمين “فيء” و “غنيمة”.
وعلى سبيل المثال يستشهد أنور العولقى برأي الفقيه الحنفي أبو بكر العبادي، الذي قال في كتابه “الجوهرة النيرة” إنها “تعتبر مالاً مباحا مثل الصيد أو جمع الحطب”.
ويوضح العولقي أن “سبب مقارنة الأخشاب والحيوانات البرية بأموال الكفار، أي أن الأموال التي في يد الكفار ليست ملكا لهم بسبب كفرهم”.
ويرى أنه بعودتها للمسلمين تكون قد عادت إلى “أصحابها الأصليين”.. مضيفا “لذلك يقول علمائنا إن الله اسماها بالفيء، أي رجوع الشيء”.
والفيء هو ما أخذ بدون قتال، أما ما يؤخذ بالسيف فهو “غنيمة”، حسب العولقي.
لكنه يؤكد أن كلا من الفيء والغنيمة “يجب استخدامهما لإعلاء كلمة الله”.
لم تخفت
ويؤكد الباحث المصري في مجال الأديان، الدكتور عبد السلام القصاص، أن ظاهرة الاحتطاب لم تخفت خلال العصور المتعاقبة منذ صدر الإسلام.
لكن وفقا للدكتور القصاص فقد أبدع الإسلام السياسي في استغلالها، ايما استغلال لاستحلال السرقة “سواء في مصر خلال السبعينيات لتمويل عملياته الحربية ضد النظام، وكالمثل في تونس، بالسطو على بنك الأمان بالقصرين، وأخيرا في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش”.