صنعاء- غمدان الدقيمي:
يعتقد مجد خالد، وهو شاب يمني سني بأن جماعته هي “الفرقة الناجية” في حديث منسوب للرسول محمد (ص) يقول فيه "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة".
في المقابل يؤمن شاب يمني آخر ينتمي إلى جماعة الحوثيين الشيعية الموالية لإيران ويكنى أبو القاسم، بأنهم الفرقة المقصودة في هذا الحديث المثير للجدل.
وتعكس هذه الردود الانقسام الحاد بين الفرق والطوائف الإسلامية المتعددة عبر التاريخ الإسلامي، حيث تزعم كل طائفة منها بأنها وحدها على الحق، فيما غيرها على ضلال.
واستغل فقهاء ورجال دين وجماعات متطرفة هذا الحديث للتأصيل الديني والسياسي لفكر الاقصاء والتكفير وتأجيج العنف والصراع الطائفي، الذي بلغ ذروته خلال العقود الأخيرة.
يقول عبدالعزيز بن باز، وهو أحد أبرز شيوخ السلفية الوهابية، إن “الفرقة الناجية”، هم أهل “السنة والجماعة”، واعتبر أن كل فرقة تخالفهم “متوعدة بالنار”، في إشارة إلى فرق إسلامية كالجهمية والمعتزلة والمرجئة، والشيعة الاثني عشرية الذين وصفهم بـ“الرافضة”.
في الجانب الآخر يقول الشيخ لطف الصافي، أحد أبرز المراجع الشيعية، بأن "الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية وأتباع علي والأئمة من ولده عليه السلام، والفرقة الهالكة هي المتخلفة عنهم".
وفي كتابه “تلبيس إبليس” (ص 19 - 24)، قدم ابن الجوزي، وهو من كبار فقهاء السنة في النصف الأول من القرن الثامن الهجري، عرضا لنحو 72 فرقة إسلامية وصفها بالضالة.
واستلهمت كثير من الجماعات الإسلامية، اجتهادات ابن الجوزي واراءه الفقهية.
ونقل موقع “الإسلام سؤال وجواب”، وهو أحد مواقع الفتاوى العربية على شبكة الإنترنت، عن علماء السنة والجماعة في كتبهم حول الفرق الضالة القول، “ولا يعني ذلك أن كل فرقة تنتسب إلى الإسلام أنها مسلمة، بل قد تكون كافرة مرتدة كغلاة الرافضة وغلاة الصوفية والفرق الباطنية كالدروز والنصيرية وغيرها، فهؤلاء جميعا خارجون عن ملة الإسلام ولا يُعدون من الفرق الواردة في الحديث”.
في المقابل يرى الشيعة الاثني عشرية بأنهم المقصودون بـ "الفرقة الناجية"، ويستدل هؤلاء على ذلك بحديث الثقلين المنسوب للنبي محمد الذي يقول فيه "إني مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي".
وكذلك حديث “علي وشيعته هم الفائزون”.
تغيير المناهج
وأجرى تنظيم داعش الإرهابي، خلال سيطرته على مناطق واسعة من سورية والعراق، تغييرات شاملة في المناهج الدراسية لكافة المراحل.
ومن بين المقررات التي فرضها التنظيم، كتابي “التوحيد والفقه والسلوك” وكتاب “الفرقة الناجية”، الذي ادعى فيه التنظيم بأنه "الفرقة الناجية".
وحسب هذا الكتاب فان الفرقة الناجية هي الفرقة التي تجتمع على أمير، في إشارة إلى أميرهم أبو بكر البغدادى.
تسييس الدين
ويؤكد أحمد الشوربجي، وهو كاتب وباحث مصري في الشؤون الإسلامية، أن “مصطلح الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة يعود إلى صدر التاريخ الإسلامي، تحديدا منذ الانشقاقات الكبرى فيما يطلق عليه الفتنة الكبرى المتمثلة بخلاف علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان (37 هجرية)، ثم انشقاق الخوارج على سيدنا علي، هؤلاء (الخوارج) تسببوا بمسألة تسيس الدين الإسلامي”.
ويعتقد الشوربجي، أنه في تلك المرحلة بدأ الخلاف على أمر سياسي تحول إلى شأن ديني ثم من شأن ديني فقهي إلى شأن عقائدي.
يضيف “بنيت على ذلك أحكام التكفير والكفء والإيمان أعقبه القتال”.
يقول الشوربجي، لموقع (ارفع صوتك) أن "هذا الحديث الذي تستند عليه كل الفرق بانها الناجية، حديث مختلف فيه من ناحية السند، أي لا يصلح للتدليل وفقا للقاعدة الشرعية المعمول بها”.
ودلل على ذلك بقول الفقيه المشهور ابن حزم، "طعن بهذا الحديث، ولا يقبل به مطلقا، بل ويصحح رواية أخرى أنه تفترق أمتي على 72 شعبة كلها في الجنة إلا واحدة”.
ضيق الرؤية
من جانبه يقول الأستاذ الدكتور محمد سنان الجلال، وهو أستاذ أصول الفقه في كلية الشريعة بجامعة صنعاء، إن معنى الحديث دعوة الناس للالتزام بأصول الشرع كما كان عليه النبي وأصحابه.
واستدرك “لكن للأسف كل فرقة حصرته بنفسها وهذا غير سليم. أخذوا الموضوع من منطق من لم يكن معنا فهو ضدنا وخارج عن الإسلام، وهذه هي المشكلة”.
يضيف الدكتور الجلال لموقع (ارفع صوتك) "من ينجو هو كل من عمل بفرائض الله”، قائلا إن النبي لم يذكر جماعة بعينها ما يعني أن الناجي يمكن أن يكون في جماعة، ويمكن أن يكون فردا.
ويؤكد الأكاديمي اليمني في مجال أصول الفقه، أن تعصب الفرق الإسلامية لفكرها ومذهبها، دفع لناحية الاقصاء والعنف الطائفي والاستعباد، “هذه كارثة حقيقية”.
نقمة لا رحمة
ودعا أحمد الشوربجي، إلى “التصدي لهذه القضية الخطيرة، التي فاقمت مشاكل التكفير والحكم على المجتمعات بالردة والظلال، والعنف والتحريض بين الجماعات الإسلامية بعضها البعض”.
ويؤكد “مصطلح الفرقة الناجية يعبر عن أزمة هذه الأمة، وجعل الدين نقمة على المسلمين بدلا مما هو رحمة للعالمين”.