استمع للمقال
في الرابع من نيسان عام 2004 قتل ثمانية جنود أميركيين، وجندي سلفادوري، و22 مسلحا عراقيا في اشتباكات عنيفة ببغداد والنجف.
اعتبر هذا اليوم وقتها "يوما عراقيا داميا" بسبب تسجيل أكبر عدد من القتلى منذ انتهاء عمليات (تحرير العراق) قبلها بعام.
الاشتباكات اندلعت بعد أن قامت القوات الأميركية بإغلاق جريدة (الحوزة) التي كانت تنشر مقالات تحريضية ضد الوجود الأميركي في العراق.
في خطبته الأسبوعية، دعا الصدر وقتها إلى حمل السلاح و"محاربة المحتل".
بعدها، أصبح مقتل 30 شخصا في اليوم الواحد في العراق، شيئا عاديا، متوقعا، ولا يثير المفاجأة. دوامة العنف ظهرت في ذلك اليوم ولم تنته حتى الآن.
ظهور جيش المهدي
بعد دخول القوات الأميركية إلى بغداد في نيسان عام 2003 بثلاثة أشهر تقريبا، أعلن الصدر تشكيل "جيش الإمام المهدي" الذي قال إن أعضاءه سيكونون جزءا من الجيش المستقبلي لـ"الإمام المهدي" الإمام الثاني عشر للشيعة، الغائب بحسب عقيدتهم الدينية.
شكل تأسيس هذا الجيش تحديا كبيرا للقوات الأميركية وللدولة العراقية الجديدة بعد 2003.
الحاكم المدني الأميركي وقتها بول بريمر اعتبر أن مقتدى الصدر (خارج عن القانون) فيما أدان رئيس مجلس الحكم العراقي وقتها مسعود البارزاني "العنف المرفوض من قبل الشعب العراقي".
مقتدى الصدر قال في خطبة تأسيس جيش المهدي في تموز عام 2003 إنه سيفتتح سفارات "إسلامية" في مختلف بلدان العالم، بالإضافة إلى تأسيس محاكم إسلامية، ومجلس وزراء إسلامي، بل واقترح رئيسا إسلاميا.
وفي نهاية الخطاب دعا "الرأي العام" إلى مساندة "الدولة الإسلامية الجديدة".
خلال الأعوام التي تلت هذا الخطاب، اعتبر جيش المهدي او الميليشيات التي تفرعت عنه مسؤولا رئيسيا عن جزء كبير من أعمال العنف التي شهدتها البلاد.
في الواقع، تقاسم جيش المهدي وتنظيم القاعدة المسؤولية عن الغالبية العظمى من الاغتيالات والهجمات المسلحة التي شهدتها البلاد، مع "تفوق" للقاعدة باستعمال السيارات المفخخة التي أصبحت علامتها المسجلة.
خلال الأعوام 2005-2009 شهدت البلاد عمليات تصفية طائفية محمومة.
كانت نقاط التفتيش تقتل العراقيين على الهوية، في البداية كان نقص الحظ والأسماء التي تشير إلى الانتماء الطائفي كافيين للقتل. بعدها انقسمت الأحياء في العاصمة بغداد مثلا إلى أحياء للشيعة وأخرى للسنة، ولا ينتقل بينهما سوى المغامرين الطائشين.
في عام 2008 شنت القوات العراقية مدعومة بقوات التحالف عملية سميت بـ"صولة الفرسان" في الجزء الجنوبي من العراق وخصوصا في البصرة.
استهدفت العملية ميليشيا جيش المهدي في الأساس، بالإضافة إلى ميليشيات أخرى كانت تدير عمليات الابتزاز والاختطاف وتهريب السلاح والمخدرات في البصرة.
رد الصدر وقتها كان تجميد عمل ميليشياته ورفضه أن تشارك في عمليات مسلحة ضد الجيش العراقي، ما أدى إلى انقسام كبير في صفوف ميليشياته.
يقول ن.غ وهو أكاديمي عراقي وطالب سابق في الحوزة وأحد تلاميذ آية الله محمد صادق الصدر والد مقتدى، إن "جيش المهدي كان منذ بداية تأسيسه مركز تجمع للميليشيات المسلحة الشيعية، حتى تلك التي ينتمي عناصرها إلى مرجعيات فكرية مختلفة مع الصدر، بل وأحيانا معادية له".
يشرح الأكاديمي العراقي "انتمى لجيش المهدي عناصر من منظمة بدر، التي كان يقودها آنذاك محمد باقر الحكيم، المعروف بتصريحاته المناهضة لمحمد صادق الصدر، والد مقتدى، والمقربة من الحرس الثوري الإيراني".
في الواقع، يظهر إلى جانب مقتدى الصدر في خطبة الإعلان عن تأسيس جيش المهدي أربعة معممين، على يمينه قيس الخزعلي، الذي يقود الآن ميليشيا عصائب أهل الحق القريبة من إيران، وعلى يساره جلال الشحماني عضو البرلمان الحالي عن ائتلاف دولة القانون، والذي تثار بشأنه أسئلة عن اشتراكه في قيادة ما يعرف بالمجاميع الخاصة.
أكرم الكعبي، قائد ميليشيا النجباء التي تقاتل في سورية، ومحمد الطباطبائي نائب أمين سر العصائب، كانا أيضا ضمن الحلقة الضيقة التي تحيط بمقتدى الصدر.
انفضت هذه الحلقة بعد تجميد جيش المهدي خلال معركة "صولة الفرسان"، ولاحقا ذهب كل هؤلاء إلى العمل قريبا من إيران.
المفارقة أن المعترضين على تجميد جيش المهدي ومنعه من قتال القوات الحكومية العراقية خلال صولة الفرسان، تحالفوا فيما بعد مع رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أصدر أمر إطلاق العمليات بعد محاصرته في أحد القصور الرئاسية في البصرة.
دعم الدولة
بشكل فاعل، انتقل الصدر إلى دعم العملية السياسية في العراق، وإلى إطلاق تصريحات تحث على التصالح الطائفي والوحدة الوطنية. بل أنه اعترف بتسمية (الخلفاء الأربعة) في أحد خطاباته.
بعدها كسر مقتدى الصدر "حظرا" إيرانيا على التقارب الشيعي مع السعودية حينما زار المملكة العام الماضي والتقى بالملك وولي عهده.
بدأ التقارب السعودي العراقي بالظهور بشكل أكثر وضوحا بعد هذه الزيارة، مع أن مقتدى الصدر تلقى هجوما كبيرا من مؤيدي إيران في العراق، ومن عراقيين ساخطين أيضا.
ومع أنه أعلن مرارا عن حل جيش المهدي، إلا إنه احتفظ بتشكيلاته المسلحة، وان كانت أقل ظهورا على الساحة.
بعد سقوط الموصل أعلن الصدر تشكيل (سرايا السلام)، وتكونت بشكل رئيس من الوحدات التي بقيت على ولائها للصدر.
بقيت السرايا خارج التشكيل الإداري للحشد الشعبي، ما حرم مقاتليها من التمويل والرواتب والتعويضات، وحتى التسليح، لكن هذا حافظ على استقلالية قرارها، وتولت مهام حفظ الأمن في مدينة سامراء بشكل أساس.
سامراء كانت شرارة الحرب الطائفية عام 2006 بعد تفجير مرقد العسكريين فيها.
حافظت السرايا على قدر معقول من الاحتراف وسجلت معدلا منخفضا نسبيا من الانتهاكات بالنسبة لغيرها من الميليشيات. ومع أن مقتدى الصدر أعلن أنه سيحلها تماما بعد طرد داعش من جميع الأراضي العراقية إلا أنها بقيت عاملة حتى الآن.
ومع أن الصدر يحرص على إظهار السرايا بمظهر القوات الخاضعة لسيطرة الدولة، إلا أنها عمليا وتقنيا لا تخضع لأي سلطة أو قيادة غير قيادته هو.
قبل يومين قتلت قوات من سرايا السلام العميد شريف إسماعيل المرشدي، قائد اللواء 57 المكلف بأمن تحركات رئيس الوزراء حيدر العبادي الثلاثاء قرب مدينة سامراء شمال بغداد، بحسب نائب في البرلمان العراقي.
ويشير النائب شعلان الكريم إلى أن قوات الشرطة الاتحادية التي كانت موجودة في نقطة تفتيش الحويش "لم تحرك ساكنا" اثناء حصول الاشتباكات بين سرايا السلام واللواء 57.
ويقول الكريم وهو نائب عن محافظة صلاح الدين لموقع "الحرة" إن "نوابا في البرلمان العراقي ومسؤولين في محافظة صلاح الدين يتعرضون لمضايقات من قبل تلك الفصائل أو في بعض الأحيان يتم منعهم من دخول المحافظة".