توفي الجواهري في دمشق عن همر ناهز 98 عاما.
توفي الجواهري في دمشق عن همر ناهز 98 عاما.

"شاعر أشبه بالأسطورة، كلما ظنَّ قرّاء الشعر أنه انتهى يبتدئ، ومن حيث ما يظنُّ أعداء القصيدة أو الزاهدون فيها أنه أفرغ مخزونه كله، ينبع كالمارد ليفاجئهم بإنشاءٍ جديد فيه الجديد كله وبوارق من التجديد".

بهذه الكلمات البرّاقة وصف الأديب السوري خالد البرادعي الشاعر العراقي البارز  محمد مهدي الجواهري، الذي تمتّع بميزتين فريدتين قلّما تتكرّران في الأدب العربي، وهي موهبته الكبيرة ومعاصرته لزمنٍ كثير الحوادث والوقائع، ما أتاح له الفرصة للتعبير عنها أصدق ما يكون بفضل أشعاره التي خلّدت تاريخ العراق.

وُلد الجواهري عام 1900 في مدينة النجف. طمع أبوه في أن يُصبح ولده عالمًا –مثل أغلب أفراد الأسرة- فألبسه الجلباب والعمامة وألحقه بالدراسات الدينية في الحوزة منذ أن كان في العاشرة حيث تلقّى علوم القرآن، وخاض برنامجًا تعليميًا فقهيًا صارمًا شمل القراءة والكتابة والنحو والصرف والبلاغة والفقه.

يومها، كانت النجف تعيش حالة من النهضة الأدبية. تقول صيتة الحربي في دراستها "الحنين للوطن في شعر الجواهري": كانت النجف بيئة شعرية خصبة، وهو لدى أبنائها كالماء والهواء استسهالاً واستعظامًا. والشعر النجفي تتسع مجالاته لتشمل القضايا العامة والخاصة والمناسبات.

يوضح الجواهري نفسه: "ولدتُ في مولد هذا القرن المضطرب، كان البيت الذي وُلدتُ فيه ونشأت بقرب الصحن العلوي، ولذلك تفتحتُ اول ما تفتحتُ على هذه الفسيفساء الآدمية العجيبة، المتداخلة، المتعارضة، التي يضمها الصحن والحضرة والسور المرمري الذي يحيطها".

 

زمن الجواهري

 

شهدت هذه الفترة حراكًا شبابيًا شديدًا؛ وضعت إيران دستورها الأول عام 1906، ثم تبعتها الدولة العثمانية بعد عامين. كانت هذه الخطوة متأخرة في عُمر "الدولة العليّة" التي باتت على مشارف الانهيار، فيما شمّرت الدول الأوروبية عن أنيابها استعدادًا لالتهام تركتها، وأبرزها دول المشرق العربي، وهو ما تحوّل إلى واقع في العراق بعدما زحفت القوات الإنجليزية على البلاد عام 1914.

أشعل خضوع البلاد للاستعمار الكثيرة الأسئلة في صدور الأجيال الجديدة حول السياسة والتحرّر والنضال القومي والوطني. سريعًا، بدأ العراقيون النضال مبكرًا عبر أولى ثوراتهم ضد المحتل عام 1918م وكان مقرّها النجف، والتي مهّدت لاحقًا للثورة الثانية والأقوى: ثورة العراق الكبرى في 1920.

 

استكمال مسيرة الأجداد

 

أراد والد محمد مهدي الجواهري من ابنه أن يُكمل مسيرة جد العائلة الأكبر الشيخ محمد حسن، المرجع الديني البارز الذي ألّف كتابًا شهيرًا في الفقه حمل اسم "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام". وبحسب ما كتبه وسام الخالدي في أطروحته "الجواهري الأب شاعرًا"، فإن ذلك الكتاب لم يكن سِفرًا عاديًّا، بل دائرة معارف فقهية واسعة أصبحت "مدار البحث والتحصيل في كل محافل التدريب في الفقه" حتى إن الكتاب اعتُبر "أحد أهم مصادر المعرفة الدينية الكبرى عند الشيعة الإمامية".

بسبب ذلك الكتاب، لُقِّب الشيخ محمد بـ"صاحب الجواهر"، ولاحقًا خُلع اللقب على أهله فعُرفوا بـ"آل الجواهر" وهو اللقب الذي تحوّل مع مرور الزمن إلى "الجواهري".

كان الأب رجل دينٍ أيضًا، لكنه لم يتمتع بمكانة الجد الكبيرة والتي كفلت لعائلة الجواهري قدرًا كبيرًا من الوجاهة في مجتمع النجف، وهي الأزمة الأبوية التي عبّر عنها الجواهري نفسه في مذكراته، حين كشف أن والده كان يُعاني من عُقدة "فقد الزعامة. يحكي قائلا: "نشأت ووجدتُ أمامي عُقدة تحكم البيت، هي إحساس والدي بالضيم الشديد من ألا يكون الزعيم بجدارة الأسرة الجواهرية".

 

حكايته مع الشِعر

 

حفظ الجواهري القرآن طفلاً، كما اعتاد والده أن يطلب منه حِفظ قصيدة يوميًا من ديوان أبي الطيب المتنبي وخطبة من كتاب "نهج البلاغة"، ما أكسب الطفل الصغير ذائقة لغوية سليمة دفعته لقرض الشعر مبكرًا.

يقول الجواهري في مذكراته: "بدأت محاولاتي لكتابة الشعر وأنا في الـ14 من عُمري، لكني لم أستطع البوح به لأني كنتُ غير متأكدٍ منه. ففي النجف يتمتع الشعر بحب أبناء المدينة وكلهم يعرفون جيده من رديئه".

محاولته الأدبية الأولى كانت كتاب "حلبة الأدب" الذي خرج إلى النور عام 1919م، ونشر فيه الجواهري عدة قصائد مختارة له يُجاري فيها شعراء العرب الكبار. أما ديوانه الشعري الأول فقد صدر عام 1928 وحمل عنوان "بين الشعور والعاطفية". احتضن العراق موهبة الجواهري مبكرًا وعدّه من مصاف شعرائه، وتسابقت الصُحُف على وصفه بـ"شاعر العرب الأكبر" و"نابغة الشعر العربي" و"أمير الشعراء بعد شوقي" وغيرها من الألقاب التي لم ينلها شاعر عراقي قبله.

لم يقتصر تقديره على داخل العراق فقط، وإنما في 1950 دعاه الأديب المصري المعروف طه حسين للمشاركة في مؤتمر ثقافي تابع للجامعة العربية عُقد في الإسكندرية. في هذا المؤتمر ألقى قصيدته "إلى الشعب المصري"، قال فيها: (يا مصر تستبقُ الدهور وتعثر\ والنيل يزخرُ والمسلّة تزهر... وبنوكِ والتاريخُ في قصبيهما يتسابقان فيُصهرون ويُصهر).

خلال زيارته لمصر لم ينسَ التعريض بالنظام الملكي في العراق وتوجيه سهام النقد له، فقال "يا مصر ليس من العراق مفرِّق\ يندسُّ ما بين الصفوف ويُحشر... وإنّا لنبرأ من نصوص عندنا\ تُمضي على ما لا نحب وتمهر... تُمضي على صدع الصفوف وفوقها\ راحت يدُ المستعمرين تؤشِّر).

 

في العهد الملكي.. مُعارض دائم

 

عندما اندلعت ثورة العشرين ضد البريطانيين اشترك فيها الجواهري، بحُكم أن النجف كانت إحدى مراكزها الأساسية.

تقول صيتة الحربي: بعدما انصرم عام 1920 كانت بقايا الثورة العراقية أول موضوعات النشر، بعدما أرسل قصيدتين إلى جريدة الاستقلال في بغداد، تأخر نشرهما حتى يناير في 1921.

لم تكشف لنا صيتة شيئًا عن محتوى تلك القصائد الثورية، وإنما كتب جانبًا منها خالد البرادعي في دراسته "الجواهري.. ملحمة العراق"، بعدما أوضح أن الجواهري كان في العشرين من عُمره حينما اشتعلت ثورة العراق الأولى ضد الاحتلال البريطاني للبلاد والتي تفاعَل معها الجواهري شِعرًا بقوله "هبوا، فعن عرينه\ كيف ينام الأسد... وثورة بل جمرة\ ليعرب لا تخمد... يا ثورة العرب انهضي\ لا تقلقي ما جدّدوا".

ترك الجواهري النجف عام 1927 ليعمل مدرسًا في المرحلة الابتدائية. لكن في العام ذاته، أصدر ساطع الحصري مدير المعارف العام حينها أمرًا بإنهاء خدمته عقب نشره قصيدة "بريد الغربة" بسبب بيت لم يُعجب الحصري!

تسبّبت تلك الخطوة في ضجة كبيرة، احتواها الملك فيصل الأول بتعيين الجواهري في دائرة التشريفات داخل بلاط قصره، وخلال عمله بالقصر أنجز ديوانًا شعريًا حمل اسمه "ديوان محمد مهدي الجواهري"، كما أنشد قصيدة امتدح فيها الملك قائلاً "لله درك من خير بارع يزن الأمور بحكمة وصواب".

استقال الجواهري من البلاط عام 1930، واتجه للعمل في الصحافة حتى أصدر جريدة "الفرات"، بدعمٍ من الملك ورئيس الوزراء نوري السعيد، لكن امتيازها أُلغي في ذات عام صدورها بحجة "إثارة الطلاب في المدارس".

عاد للعمل معلمًا مرة أخرى في أواخر 1931، لكنه بقي غاضبًا على سياسات الملك فيصل. وخلال زيارة للأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود للعراق نظم قصيدة في مدحه قال فيها "إن كل بني سعود\ لهم فضلٌ على قاصٍ وداني... وإنهم الملاجئ في الرزايا\ وإنهم المطامح والأماني". أثارت تلك الخطوة غضب الملك فيصل، فأمر بنقله من محل عمله. وهو ما ردَّ عليه الجواهري بكتابة قصيدة عنيفة حملت عنوان "في سبيل الحُكم" تحدّث فيها عن مفاسد النظام الحاكم، فتمت إحالته للجنة انضباطية أوصت بفصله ثم تراجعت لاحقًا واكتفت بإنذاره.

رفض الجواهري تلك الإجراءات بحقه، وقرّر الاستقالة من مهنة التدريس والتفرّغ للصحافة.

تفاعَل سريعًا مع الانقلاب الذي قاده بكر صدقي ضد حكومة ياسين الهاشمي عام 1936، كان مؤيدًا له وأصدر جريدة "الانقلاب" للترويج لسياسات القادة الجُدد. وقال في حيثيات إطلاقها "أصدرت جريدتي الثانية مستعيرة اسم الانقلاب نفسه، متطوعًا غير ذي انتماء لأحد، ولا ذي علاقة بأحد إلا بخيط متين مما بيني وبين الناس".

اعتقد الجواهري أن تلك الحركة ستغيّر الأوضاع السياسية التي لطالما ضايقته، فكتب قصيدة "تحرّك اللحد" دعمًا لها ومنها "أتتكم زُمرة تحدو عزائمها\ ما خلفت قبلها من سيء زامر... ألقت على كل شبرٍ من مسالكها\ يلوح مما جنى أسلافها أثر".

لكنه، لاحقًا بدأ في رفض بعض ممارسات الحكام الجدد فحُكم عليه بالسجن 3 شهور وبإيقاف جريدته لمدة شهر.

حكى الجواهري عن خيبة أمله من تلك الحكومة قائلا: "خابت الظنون وتبدّدت الاحلام، وسرعان ما انكشفت الصدور وانجلت الضمائر، فإذا بها سوداء ملطخة وإذا بالشهوات والنزعات تعصف بها عصفًا شديدًا، والآن فلئن مات الانقلاب فليعش الرأي العام".

وعقب سقوط الحكومة التي فرضها الانقلاب على الملك غازي واغتيال قائدها بكر صدقي، غيّر الجواهري اسم جريدته إلى "الرأي العام"، والتي لطالما عرفت قرارات التعطيل بسبب انتقاداتها المتلاحقة للسُلطة.

وعندما قامت ثورة رشيد الكيلاني عام 1941 أيّدها، وعقب فشلها اضطر لمغادرة العراق إلى إيران قبل أن ينجح في العودة مُجددًا بالعام نفسه وأعاد إصدار جريدته "الرأي العام".

وفي 1948 فجّر الطلبة العراقيون احتجاجات عنيفة عُرفت بِاسم "انتفاضة الوثبة" احتجاجًا على محاولات نوري السعيد رئيس الوزراء حينها تجديد معاهدة التعاون مع بريطانيا، والتي كانت ستكفل لقوات الإنجليز حرية كبيرة في الحركة داخل العراق.

قتل جعفر شقيق الجواهري خلال هذه الاحتجاجات، فرثاه بقصيدة بليغة قال فيها: (أتعلمُ أم أنت لا تعلم\ بأن جراح الضحايا فمٌ... فمٌ ليس كالمدّعي قولة وليس كآخر يستفهم... يقولون من هم أولاء الرعاع\ فأفهمهم بدمٍ من هم).

وخلال احتفالٍ نظّمته نقابة المحامين العراقيين في بغداد نوفمبر 1951، عاد الجواهري لانتقاد النظام الحكام بل ويدعو للثورة عليه، إذ قال: (سلامٌ على حاقدٍ ثائر... على لاحبٍ من دم سائر\ يخبُّ ويعلمُ أن الطريق\ لابد مفضٍ إلى آخر).

نجح الجواهري مرة أخرى في إعادة إصدار جريدته "الرأي العام" عام 1953 إلا أن الحكومة عادت وعطّلتها مُجددًا في العام ذاته، بسبب قصائده المتتالية التي تنتقد النظام الحاكم والتي حرص فيها على عدم التعرّض لشخص الملك، حتى أنشد مادحًا الملك فيصل الثاني "يا ابن البتول وفيك عزّ شمائل\ من حد النور الأغر محمد".

صبر الحكومة العراقية نفد بحق الجواهري عام 1956 حينما نشر قصيدته "خلّفت غاشية الخنوع"، والتي هاجم فيها مسؤولي العراق بشدة. وفي العام ذاته قرض الجواهري الشعر بحقِّ النضال العربي في بورسعيد والجزائر.

هذه المرة طُرد الجواهري من العراق فاضطر إلى السفر لسوريا حيث مُنح حق اللجوء السياسي وعاش قرابة عامين في دمشق، وفيها أصدر الطبعة الرابعة من ديوانه الشعري. لم يشعر الجواهري بغربة كبيرة في سوريا، فالرجل سبق وأن أعلن منذ قديم الأزل مدى غرامه بجارته العزيزة بقوله "إني شامي إذا نسب الهوى\ وإذا نسبت لموطني فعراقي". على أية حال، بقي الجواهري في سوريا ولم يعد إلا بغداد إلا عام 1957.

 

في ظِل الجمهورية.. مؤيِّد ثم مطرود من البلاد

 

فور اندلاع ثورة 1958، التي أطاحت بالنظام الملكي كان الجواهري من طليعة مؤيديها بفضل علاقته الجيدة بقائدها عبد الكريم قاسم، والتي وصفتها جريدة "لوموند" الفرنسية حينها بـ"أن الجواهري أقرب شخصية إلى زعيم العراق الجديد".

قتل الملك فيصل الثاني ولم يكن تجاوز من العمر 23 عاما.
مجزرة قصر الرحاب.. نهاية دموية لحُكم الهاشميين في العراق
كان عبد الستار العبوسي في القصر لحظة خروج العائلة المالكة. ما إن رآهم حتى هرع نحوهم قفزًا.. وتأكد من الضابط المرافق لهم أنه اصطحب كافة العائلة الهاشمية، ثم رفع رشاشه وراح يُطلق الرصاص يمينًا ويسارًا حتى سقطوا جميعًا مضرجين بدمائهم.

 استأنف الشاعر العراقي إصدار جريدة "الرأي العام" مرة جديدة وخصّص صفحاتها للحديث عن الثورة وإنجازاتها، وفي هذه الأجواء انتُخب رئيسًا لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيبًا للصحفيين.

وأنشد في مديح الثورة وتفاؤله بها قائلاً: "هذا العراق وهذه ضرباته\ كانت له من قبل ألف ديدنا... وطن تطهّر إذ تطهّر قلبه\ وطن وقد عادا معًا فتوطنّا"، ومن كثرة ما كتب الجواهري في دعم حركة الجيش لُقِّب بين العراقيين بـ"شاعر الثورة".

امتدح الجواهري عبد الكريم قاسم أيضا في قصيدة طويلة قال فيها "أبا كل حر لا أبا الشعب وحده... إذا احتضن الأحرار في أمة أب... هنيئًا لك العيد الذي أنتَ رمزه\ بذكرك يستعلي وباسمك يطرب".

لكن هذا الود لم يدم طويلاً، إذ سُرعان ما نشبت الخلافات بينه وبين الحُكام الجدد فأمروا بتوقيفه وسجنه وهو ما اضطره إلى الهرب عام 1961 إلى لبنان ثم إلى براغ، عاصمة التشيك، حيث عاش ضيفًا على اتحاد الأدباء التشيكوسلوفاكيين لمدة 7 سنوات كتب فيها ديوانه "بريد الغربة".

كتب في مذكراته عن تلك الفترة المُرة من حياته: "أنا اليوم في مرحلة تتجاوز كل شيءٍ في ضراوتها وقساوتها، بل وفي تخبطي أنا بالذات في مجاهلها، والحقيقة المرة أنني كنت أحارب أكثر من جبهة واحدة؛ جبهة جهاز عبد الكريم قاسم، وجبهة الصحافة، وجبهة الأرض الخراب".

Iraqi soldiers patrol downtown Baghad 08 February 1963 after members of the pan-Arab Ba'ath (Renaissance) party led a…
انقلاب 8 شباط.. القوميون والبعثيون يستولون على السلطة
سلم رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم نفسه ظهيرة 9 شباط 1963، واقتيد إلى أستوديو التلفزيون حيث جرت محاكمته من قبل محكمة خاصة شكلت برئاسة عبد الغني الراوي، وحكم عليه ورفاقه بالإعدام رميا بالرصاص وعرضت صورهم بعد تنفيذ الحكم على شاشة التلفزيون العراقي.

عاد إلى العراق عام 1968، عقب تدبير حزب البعث ثورة قادته إلى السُلطة بقيادة أحمد حسن البكر وصدام حسين. وجّهت له حكومة الثورة دعوة للعودة إلى بغداد، حيث أعدّت له استقبالاً حافلاً، ألقى خلاله قصيدته المشهورة "أرِح ركابك"، والتي بدأت بـ"أرِح ركابك من أين ومن عثر\ كفاك جيلان محمولاً على سفر... كفاك موحش دربٍ رحت تقطعه\ كأن مغبرّه ليلٌ بلا سحر".

خصّصت له الحكومة العراقية معاشًا تعاقديًا قدره 150 دينارًا، ومنحته حرية كتابة القصائد كما يشاء، وفي العام التالي أصدر ديوانه الجديد "بريد العودة".

في عهد البعث، كتب الجواهري قصيدته "يا دجلة الخير" التي وجّه فيها انتقادات شديدة بحقّ صديقه القديم عبد الكريم قاسم فقال بحقّه "ما تزال سياط البغي ناقعة\في مائط الكهر بين الحين والحين... ووالغات خيول البغي مصبحة على القرى آمنين والدهاقين).

وشكر الجواهري قادة الدولة الجُدد على ترحيبهم به، فكتب احتفالاً بمرور 10 سنوات على ثورتهم: "نعمتم صباحًا قادة البعث أصيدا\ يسدّد خطو الصيد منكم واغلبا".

كالعادة، لم يطل الوفاق بينه وبين حُكام البعث طويلاً، فسرعان ما تجدّدت الخلافات فاضطر على إثرها للخروج من البلاد نهائيًا عام 1980.

 

سوريا.. الوِجهة الأخيرة

 

غادر محمد مهدي الجواهري العراق إلى سوريا حيث نزل في ضيافة الرئيس حافظ الأسد، الذي أكرم وفادته ومنحه أعلى وسام في البلاد، وسرعان ما ردَّ الجواهري التحية بـ"أحسن منها" بعدما ألّف قصيدته الشهيرة "دمشق جبهة المجد"، التي تُعتبر واحدة من أفضل ما قدّم من أدب، وامتدح فيها الرئيس حافظ قائلاً "سلامًا أيها الأسد.. سلمت وتسلم البلد".

عاش الجواهري في سوريا ما تبقّى من حياته حتى مات عام 1997 عن عُمر ناهز الـ98 عامًا، وشُيِّع جثمانه في جنازة مهيبة تقدّمها نائب الرئيس السوري ممثلاً عن حافظ الأسد وعبد القادر قدورة رئيس مجلس الوزراء، انتهت إلى مقبرة الغرباء التي تقع في حسي السيدة زينب، حيث دُفن إلى جوار زوجته.

 

مواضيع ذات صلة:

أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) اختيار الشاعرة العراقية نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023.
أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) اختيار الشاعرة العراقية نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023.

عُرفت بغداد باعتبارها واحدة من أهم عواصم المعرفة والعلم في العالم العربي. اشتهرت مقولة "القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ" لتعبر عن حالة الزخم الثقافي التي شهدتها بلاد الرافدين في القرن العشرين.

في هذا السياق، ظهرت العديد من الشاعرات العراقيات الرائدات، واللاتي انتشرت قصائدهن في شتى أنحاء المنطقة العربية. من هن أبرز الشاعرات العراقيات المعاصرات؟ وما هي أبرز الجوائز التي حصلن عليها؟ وكيف عبّرت أشعارهن عن الأوجاع والمآسي التي مرت ببلاد الرافدين عبر العقود؟

 

نازك الملائكة

 

وُلدت نازك الملائكة في 23 أغسطس 1923م، في محلة العاقولية في بغداد. اسم عائلتها هو آل الجبلي، غير أن الأسرة عُرفت باسم الملائكة.

تميزت أسرة نازك الملائكة بوجود العديد من الشعراء. الأمر الذي شجع نازك منذ صغرها على كتابة الشعر. في المرحلة الجامعية، درست اللغة العربية، وتخرجت من دار المعلمين العالية سنة 1944م؛ ثم التحقت بمعهد الفنون الجميلة، وتخرجت منه سنة 1949م. سافرت بعدها إلى الولايات المتحدة لمتابعة الدراسات العليا. وبعد عشرة سنوات حصلت على شهادة الماجيستير في تخصص الأدب المقارن.

بعد عودتها إلى العراق عملت نازك الملائكة كأستاذ محاضر في جامعات بغداد والبصرة والكويت. في سنة 1990م، سافرت نازك الملائكة إلى مصر بالتزامن مع اندلاع حرب الخليج الثانية. واستقرت بالقاهرة حتى توفيت عام 2007م عن عمر يناهز 83 عاماً. ودُفنت في مقبرة خاصة بالعائلة غربي القاهرة.

يرى الكثير من النقاد أن نازك الملائكة كانت من القلائل الذين تمكنوا من خلق حالة تجديدية حقيقية في ميدان الشعر العربي. فكانت أول من كتبت الشعر الحر غير المقيد بالقافية في قصيدتها المسماة الكوليرا. فضلاً عن ذلك نشرت نازك العديد من الدواوين الشعرية المتميزة، ومنها "عاشقة الليل" في 1947م، و"شظايا ورماد" في 1949م، و"شجرة القمر" في 1968م، و"مأساة الحياة وأغنية الإنسان" في 1977م، و"الصلاة والثورة" في 1978م. وأصدرت في 1962م كتابها "قضايا الشعر الحديث".

 تحدث بعض النقاد عن أثر نازك الملائكة على الوسط الشعري العراقي والعربي فقال: "نازك الملائكة لم تعد رمزاً من رموز الأدب والشعرية العراقية فحسب، بل أصبحت رائدة للشعر العربي بما طرحته مع السياب من قصيدة التفعيلة أو الشعر الحر، بل هي المرأة التي شقّت طريقها وسط الصعاب والمجتمع، لتكون الشاعرة المؤثّرة في الوسطين الأدبي والنسوي".

نالت نازك الملائكة العديد من الجوائز التكريمية في حياتها وبعد وفاتها. وفي مارس الماضي، أعلنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" اختيار نازك الملائكة رمزاً للثقافة العربية في 2023م. وذلك بالتزامن مع الاحتفال بمرور مئة عام على ميلادها.

 

عاتكة الخزرجي

 
 

ولدت الشاعرة عاتكة الخزرجي في بغداد في سنة 1924م. وبدأت كتابة الشعر في الرابعة عشر من عمرها. في المرحلة الجامعية، درست في معهد المعلمين العالي في بغداد. وتحصلت منه على شهادة بكالوريا الفنون. وبعدها، عملت كمدرسة في بعض مدارس العاصمة العراقية. في سنة 1950م، تابعت الخزرجي دراستها عندما سافرت إلى فرنسا لتلتحق بجامعة السوربون. وهناك حصلت على شهادة الدكتوراه في تخصص الأدب العربي سنة 1955م.  بعد عودتها إلى العراق عُينت مدرسة في قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية، والتي تحولت فيما بعد إلى كلية التربية.

نشرت الخزرجي عشرة كتب في مجالات الشعر والمسرحية والنقد والتحقيق. من أبرز تلك الكتب ديوان شعري بعنوان "أنفاس السحر" في 1963م، وديوان "لألأ القمر" في 1975م. وتحقيق لمجموعة من قصائد الشاعر العباسي "العباس بن الأحنف" في 1977م، فضلاً عن مسرحية شعرية بعنوان "مجنون ليلى". من جهة أخرى، تميزت الخزرجي بالقصائد الصوفية، والتي حاكت فيها الأشعار التراثية المنسوبة للصوفيين القدامى.

حظيت الخزرجي بإشادة العديد من النقاد. وامتُدح شعرها لرقته وعذوبته، حتى اشتهرت بلقب "قيثارة العراق". على سبيل المثال وصفها الباحث سيار الجميل في كتابه "نسوة ورجال" فقال "إنها الحالمة عند الغسق الرائع عندما تصفو الحياة من وعثائها.. وهي صاحبة الصوت الرخيم في غناء الشعر.. وتموسقه بهدوء ورقة". توفيت عاتكة الخزرجي في التاسع من نوفمبر 1997م، عن عمر ناهز 72 سنة.

 

أميرة نور الدين

 

تُعدّ أميرة نور الدين واحدة من الشاعرات العراقيات الأوليات اللاتي ظهرن في النصف الأول من القرن العشرين. ولدت نور الدين في سنة 1925م في بغداد لأسرة تنحدر من الموصل. واجتازت دراستها الابتدائية والثانوية في بغداد، ثم سافرت إلى مصر لتلتحق بجامعة فؤاد الأول في القاهرة سنة 1943م. وبعد أربع سنوات، حصلت على "الليسانس" في اللغة العربية وآدابها، قبل أن تتحصل على شهادة الماجستير من الجامعة نفسها في سنة 1957م. عقب عودتها للعراق، عملت نور الدين كمدرسة للغة العربية في المدارس الثانوية ثم في كلية الآداب بجامعة بغداد، قبل أن تتقلد منصب عميدة معهد الفنون التطبيقية. في سنة 2020م، توفيت نور الدين عن عمر ناهز 95 سنة.

نشرت نور الدين قصائدها الشعرية في العديد من المجلات والصحف العراقية والعربية.  وتأثرت بشعراء المدرسة الرومانسية مثل علي محمود طه وإيليا أبو ماضي. وركزت قصائدها على قضايا العروبة والوطنية والثورة على الاستعمار. الأمر الذي يتوافق مع ظروف الحقبة الزمنية التي عاشت فيها.

نالت نور الدين الإشادة من قبل الكثير من النقاد المعاصرين لها. على سبيل المثال وصفها سليمان هادي الطعمة في كتابه "شاعرات العراق المعاصرات" بأنها "بلبلة العراق الغِرِّيدة"، كما تحدث إميل يعقوب في كتابه "معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة" عن شعرها فوصفه بأنه "جيد، واقعي الموضوعات، متنوعها، صورة مبتكرة جميلة".

 

لميعة عباس عمارة

 

ولدت لميعة عباس عمارة في بغداد في سنة 1929م لأسرة مندائية معروفة. عُرفت بنبوغها المبكر في تأليف الشعر.

في خمسينات القرن العشرين، زاملت لميعة بعض شعراء الحداثة الشعرية العراقية في دار المعلمين العالية في بغداد، منهم على سبيل المثال بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد. شاركت بعدها في العديد من الهيئات الأدبية العراقية، فكانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد، كما شغلت عضوية الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد.

عشقها السياب ونشر قصائدها أبو ماضي.. من تكون الشاعرة العراقية لميعة عباس؟
بحُكم زمالتهما الدراسية، ربطت لميعة علاقة صداقة ببدر شاكر السياب، وكثيراً ما كان كل واحدٍ يقرأ قصيدة الآخر. لاحقاً تطوّرت علاقتهما إلى علاقة حب، فكتب فيها السياب قصيدة "أحبيني لأن جميع مَن أحببت قبلك ما أحبوني".

نشرت لميعة العديد من الدواوين الشعرية. منها "الزاوية الخالية" في سنة 1960م، "عودة الربيع" في سنة 1963م، "أغاني عشتار" في سنة 1969م، "يسمونه الحب" في سنة 1972م، "لو أنبأني العراف" في سنة 1980م، "البعد الأخير" في سنة 1988م، و"عراقية" في سنة 1990م.

هاجرت عمارة من العراق سنة 1978م وتنقلت بين عدد من الدول. واستقرت في نهاية المطاف في الولايات المتحدة. في يونيو سنة 2021، توفيت لميعة عباس عن عمر ناهز 92 عاماً. نعاها الرئيس العراقي السابق برهم صالح بقوله: "نودّع الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة، في منفاها، ونودّع معها أكثر من خمسة عقود من صناعة الجمال، فالراحلة زرعت ذاكرتنا قصائد وإبداع أدبي ومواقف وطنية، حيث شكّلت عمارة علامة فارقة في الثقافة العراقية".

نعاها أيضا رئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي قائلاً: "بهذا الرحيل المؤلم، تكون نخلة عراقية باسقة قد غادرت دنيانا لكنها تركت ظلالاً وارفة من بديع الشعر، وإسهاما لا ينسى في الثقافة العراقية ستذكره الأجيال المتعاقبة بفخر واعتزاز وتبجيل".

 

آمال الزهاوي

 

ولدت الشاعرة آمال الزهاوي في بغداد عام 1946م لأسرة معروفة في ميادين الأدب والسياسة. فهي حفيدة المفتي محمد فيضي، كما أنها ابنة عم للشاعرين المعروفين جميل صدقي الزهاوي وإبراهيم أدهم الزهاوي.

درست الزهاوي في كلية الآداب قسم اللغة العربية. وبعد حصولها على درجة البكالوريوس، عملت في الصحافة والتدريس. في الوقت نفسه، نشرت العديد من القصائد الشعرية المتميزة. من أشهر دواوينها "الفدائي والوحش" في 1969م، و"دائرة في الضوء ودائرة في الظلمة" في 1974م، و"أزهار اللوتس" في 1990م.

مُنحت الزهاوي العديد من الالقاب التي تشي بقدراتها الشعرية الإبداعية، ومنها "نخلة العراق"، و"إمبراطورية الشعر العربي"، كما تميز شعرها بالعديد من السمات العراقية الخالصة. في ذلك المعنى قال بعض النقاد إن "أبرز ما يميّز قصائد الزهاوي هو "أنوثة شعرها، وجمال بغداد والعراق، الذي تجلى في كل تفاصيل قصائدها، والحياة الصاخبة في بغداد الستينيات والسبعينيات، والحزن الذي بدأ يظهر شيئاً فشيئاً كلما ازدادت الحياة قسوة في بلدها". في 2015م، توفيت آمال الزهاوي عن عمر ناهز 69 عاماً بعد صراع طويل مع المرض. ودفنت في مقبرة الشهداء بمنطقة الأعظمية ببغداد.

 

أمل الجبوري

 

ولدت الشاعرة أمل الجبوري في بغداد سنة 1967م. في المرحلة الجامعية، درست الأدب الإنجليزي. وحصلت على شهادة البكالوريوس سنة 1989م. بعدها عملت الجبوري في مجالي الصحافة والإعلام لسنوات. في سنة 1998م، سافرت إلى ألمانيا. وظلت بعيدة عن العراق حتى سقوط نظام صدام حسين في 2003م.

عُرفت الجبوري بقصائدها الشعرية التي تناولت الإشكاليات الطائفية والمذهبية في العراق. من أبرز أعمالها ديوان "خمر الجراح" في 1986م، وديوان "اعتقيني أيتها الكلمات" في 1994م، وديوان "لك هذا الجسد لا خوف علي" في 2000م. من جهة أخرى، أسست الجبوري الفرع العربي لديوان اتحاد الشرق والغرب في بغداد، كما تترأس تحرير مجلة "ديوان" الثقافية التي تصدر من برلين بالعربية والألمانية.

حصلت الجبوري على العديد من الجوائز. في سنة 2003م، فاز ديوانها الشعري "تسعة وتسعون حجاباً" بجائزة الإبداع العربي من النادي العربي اللبناني في باريس. وفي سنة 2012م، حصلت على جائزة جومسكى عن ديوانها "هاجر قبل الاحتلال، هاجر بعد الاحتلال"، والذي اُختير واحداً من أفضل خمس كتب في الولايات المتحدة في 2011م. لاقى هذا الديوان الإشادة من قِبل العديد من الشعراء والأدباء. وكتبت الشاعرة الأمريكية أليشا أوسترايكر في تقديمها للديوان: "هذا كتاب أصيل لشعر نقي لم أقرأ مثيله منذ زمن طويل. سوف تأخذ الشاعرة أمل الجبوري مكانها جنباً الى جنب مع شعراء المنفى مثل باول سيلان وبابلو نيروا... هؤلاء هم شعراء المنفى... وشعراء الحقيقة".

 

دنيا ميخائيل

 

ولدت دنيا ميخائيل في سنة 1965م في منطقة الكرادة بمدينة بغداد لأسرة كلدانية مسيحية. حصلت على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد، ثم عملت في مجالي الترجمة والصحافة لفترة قبل أن تتخذ قرارها بالهجرة إلى الولايات المتحدة سنة 1996م. وهناك أكملت دراستها العليا فحصلت على الماجستير في الآداب الشرقية. ثم عُينت في وظيفة محاضر للغة العربية وآدابها في جامعة أوكلاند.

عُرفت ميخائيل بكتابتها للشعر باللغتين العربية والإنجليزية. من أهم منشوراتها ديوان "يوميات موجة خارج البحر" في 1999م، وديوان "أحبك من هنا إلى بغداد" في 2015م، وديوان "الغريبة بتائها المربوطة" في 2019م، فضلاً عن ذلك نشرت ميخائيل روايتها الأولى "وشم الطائر" في 2020م.

حظيت أشعار ميخائيل التي تركز على المآسي التي تعاني منها الإنسانية وسط الحروب والصراعات، بإعجاب الكثير من النقاد في السنوات السابقة. على سبيل المثال وُصف عملها في ديوان "أحبك من هنا إلى بغداد" بأنه نَسَجَ من بقايا الانفجارات والتدمير عالماً إنسانيا أكثر رحمة، إذ تقف ميخائيل على مسافة من المشهد تسمح برؤيته بوضوح ثم تعيد رسمه.

في السياق نفسه، وُصف الطابع الشعري المتفرد لميخائيل بحسب التقرير الذي أعدّته اليونيسكو في 2022م بأنه "يمتاز بفارق دقيق، ويستقي الإلهام من إحساس عميق بالهوية باعتبارها لاجئة وفنانة وامرأة".

في مايو 2022م مُنحت ميخائيل -بالشراكة مع الممثلة السويدية المنحدرة من أصول سورية عراقية، هيلين الجنابي- جائزة اليونسكو-الشارقة للثقافة العربية في دورتها الثامنة عشرة. وجاء في بيان تكريمهما "تُكرّم الجائزة التزامهما الراسخ في ترويج الثقافة العربيّة في العالم، إذ تسخّر الفائزتان عملهما من أجل توجيه رسائل قويّة عن قضايا شائكة وجعلها في متناول الجميع".