"دوبامين" هي المجموعة القصصية الثانية لحسيب الزيني بعد "تفاصيل لا تعني أحدا" التي صدرت عام 2010.
"دوبامين" هي المجموعة القصصية الثانية لحسيب الزيني بعد "تفاصيل لا تعني أحدا" التي صدرت عام 2010.

مثل مئات الآلاف من السوريين حمل الكاتب والصحفي حسيب الزيني حقائبه وعبر الحدود السورية إلى الخارج. كان ذلك عام 2012، وفي ذاكرته أهوال الحرب والثورة بكل ما فيها من آمال وفواجع وانكسارات.

في زمن الحرب، تبدو القصص والروايات وسيلة إبداعية لنقل الحدث وتفاعلاته من زوايا متفردة ومختلفة لا تكشفها وسائل الإعلام وشريط الخبر العاجل.

في عام 2015، دخل حسيب الزيني بريطانيا لاجئاً. وبعد سنوات من العيش هناك، خرج الزيني بمجموعة قصصية عنونها بـ"دوبامين" التي صدرت عن "دار موزاييك" للدراسات والنشر في إسطنبول.

تتألف "دوبامين" من 9 قصص، تدور جميعها في بريطانيا، ويجسدها بطل أوحد جاء من بلد منكوب ويكابد في رحلة الاندماج في العالم الجديد، ضمن أحداث درامية مشوقة لا تخلو من حس الفكاهة، والمفارقات والنهايات الغرائبية.

المجموعة القصصية "دوبامين" هي الثانية للكاتب والصحفي السوري بعد مجموعته الأولى "تفاصيل لا تعني أحداً" الحائزة على "جائزة المزرعة الأدبية" عام 2010.

حسيب الزيني من مواليد مدينة حمص السورية، وهو خريج كلية الإعلام بجامعة دمشق. اشتغل مراسلاً ومحرراً إخباريًا وصحفيًا تلفزيونيًا في مؤسسات إعلامية محلية وعربية عدة. 

  • من المعروف أن الدوبامين هي مادة عضوية يُفرزها جسم الإنسان، وتلعب دورًا محوريًا أساسيًا في العامل التحفيزي في الدماغ، بداية لماذا اخترت هذا العنوان؟ وما علاقته بمأساة اللجوء؟

في الأدب عمومًا، أكثر الأمور صعوبة للكاتب هو اختيار عنوان لعمله، وقد يحتاج إلى وقت طويل من التفكير المضني، والتريث، والبحث والانتقاء. ما حدث معي هو أنني بعد أن وضعت اللمسات الأخيرة لقصصي وبينما كنت في خضم البحث عن عنوان ملائم لها، كنت - بالمصادفة - أتابع فيلما وثائقيا علميًا عن الهرمونات في جسم الإنسان، فخطرت لي فكرة اختيار هرمون الدوبامين الذي يسمى اصطلاحًا هرمون السعادة عنوانًا لمجموعتي القصصية. فهذا الهرمون هو الذي يحرك شخصية البطل في قصصي ويحفزه باستمرار على البحث المضني عن نفسه وعن عمل في مجتمعه الجديد، وعدم استسلامه للعوائق والخيبات المتكررة.

  • ما الذي أضافته "دوبامين" أو اختلفت عنه مقارنة بالأعمال الأدبية السورية التي صدرت خلال العقد الأخير؟

هناك عشرات بل مئات الأعمال الأدبية السورية التي صدرت خلال العقد الأخير التي تناولت سرديات الثورة والحرب والمنفى، ومجموعتي القصصية ليست سوى جزء من ثورة أدبية سورية على الصعيد الفكري والتقني، ثورة أدبية كسرت جدار الخوف الذي شيده نظام ديكتاتوري وشمولي ووحشي منذ أكثر من نصف قرن. في الحقيقة لست محترفًا في أدوات النقد، ولكن وفقًا لما كُتب عن مجموعتي، أحسب أن قصص "دوبامين" قدمت ما يميزها في بنائها الفني وكذلك في مجال تقنية حكائية تجمع بين النفسي والبوليسي والفكاهي. ومثل أي عمل أدبي وإبداعي آخر، سوف تتميز مجموعتي بفرادة التجربة على الأقل، إن لم نقل بزاوية الرؤية وشخصية الكاتب وبصمته الأدبية، وهذا أمر طبيعي، ولأكون منصفًا لنفسي ونصوصي فإن حكايات "دوبامين" ليست للقراءة، بل لتشغيل القلب والحواس. 

  • بطل القصص في "دوبامين" شخصية واحدة محورية لا هوية واضحة لها سوى أنه لاجئ، وهناك شخصيات هامشية تدور في فلك البطل. وهذا قد يقود القارئ لتخيل تلك القصص كأنها رواية أكثر من كونها مجموعة قصصية، من هو بطل قصصك ومن أي بلد جاء إلى بريطانيا؟ ثم أين تعدد الأصوات في القصص؟

في الحقيقة، تعمدت إخفاء هوية البطل، إذ وجدت أن إظهارها سيضفي على النص نوعًا من المباشرة التي لا أحبها في الكتابة الأدبية، وسيفقدني القدرة على المناورة والمخاتلة وخلق الغموض والتشويق الذي يمتع القارئ، لكن - رغم ذلك - كثيرًا ممن قرؤوا مجموعتي (سوريون، عراقيون، تونسيون) أخبروني أنهم وجدوا شيئًا من أنفسهم في شخصية البطل. بخصوص الجزء الثاني من سؤالك، أنا لست ضد تعدد الأصوات إطلاقاً، ولكن هي مجرد تقنية اخترت فيها أن يكون البطل حاضرًا بقوة في نسيج حكاياتي معتمدًا في السرد على ضمير الأنا وهي أشبه بطريقة كتابة المذكرات، بهدف إحداث أكبر قدر ممكن من التأثير العاطفي وانحياز القارئ لقضيته المتمثلة بكونه غريب مأزوم نفسيًا يكافح بلا هوادة للعيش في مجتمعه الجديد.  

  • تميزت جميع قصصك التسع في مجموعة "دوبامين" بغرابة الشخصية وغرائبية نهاياتها، ما تفسير ذلك؟

صحيح، كثير ممن قرأ المجموعة أخبروني بأن بطل قصصي فيه مس من الجنون أو إنه شخص واهم ومأزوم نفسيًا، وقد أسعدني ذلك كثيرًا، لأنني بذلك أكون قد نجحت إلى حد ما في إيصال رسالتي، فالقادم من بلاد فيها الإنسان رخيص إلى درجة يكون قتله أو تعذيبه أسهل من قتل أو تعذيب ذبابة، لابد أن يصل إلى الضفة الأخرى كتلةً من الأزمات والعقد النفسية.

أما عن النهايات الغرائبية، أقول إن البناء الفني لقصص "دوبامين" ينطلق من الواقع المعاش ويجنح نحو الخيال في كثير من المواضع والأحداث. لذلك أرى أن النهايات الغرائبية لقصصي تضفي عليها قيمة أدبية أو رمزية ما، فنحن في زمن اللامعقول، وما شهدته بلدان عربية منها سوريا من أهوال لا يمكن تصديقها، وهذا الأمر جعل القارئ العربي أكثر نضجًا وخبرة، بحيث لم يعد يتذوق السرد الواقعي بل بات يحتاج - من وجهة نظري-  إلى نص أدبي يدهشه ويحلق به بعيد في مخياله ليخلق فيه ذلك الأثر المنشود. 

شارك محمد هشام عبية في كتابة 9 مسلسلات كعضو فريق كتابة، قبل أن يكتب منفردا عمله الأول "60 دقيقة" ثم مسلسل "بطلوع الروح".
محمد هشام عبيه مؤلف "بطلوع الروح": "المسلمون أولى بفضح جرائم داعش"
كان محمد هشام عبيه على موعدٍ مع نجاحٌ ساحق في رمضان، بعدما استحوذ مسلسل "بطلوع الروح" الذي كتبه على اهتمام المشاهدين، ونال أغلبية ساحقة من حيّز نقاشاتهم المؤيدة أو المعارضة.
"ارفع صوتك" حاور عبيه لمعرفة المزيد عن هذه التجربة التي أثارت جدلاً حاميًا ما تزال آثاره مستمرّة حتى اليوم.
  • أخبرتني أنك كتبت المجموعة في بريطانيا، ما الذي اختلف في شخصيتك كروائي وصحفي عن وجودك في سوريا أو أماكن أخرى يعيش فيها السوري ظروفا قاسية؟

غالبًا تحتاج الكتابة الأدبية إلى بيئة مناسبة وأقصد هنا وطنًا يحترم الكاتب ويصون حقوقه الإنسانية والاجتماعية والسياسية، ولكن أحيانًا عندما يدون السجين مشاعره ومناجاته وهو ينظر إلى نافذة صغيرة يدخل منها شعاع ضوء يمكن أن ينتج أدبًا عظيمًا. لقد عشت تجربة الكتابة في سوريا، وأنتجت مجموعة قصصية بعنوان "تفاصيل لا تعني أحدًا" ولأنني كنت في سجن كبير يسمى سوريا وكتبت تحت وطأة الرقيب الذاتي والخوف من الملاحقة الأمنية حصدت مجموعتي جائزة "المزرعة" الأدبية، وأعتقد أن كل تلك العوائق ساهمت في تحريك قلمي بطريقة التلميح واللعب على الترميز تاركا القارئ يملأ الفراغات بذكائه، ويكمل ما لم أستطع أن أكمله من عبارات، وهذه الطريقة الأدبية في التخفي والمناورة كان يسلكها كثير من الأدباء السوريين والمصريين وبلدان عربية أخرى للإفلات من قبضة الرقيب الأمني. 

  • ما الفرق بين ما يقدم الآن وبين ما قدم قبل عقود وتحديد في مسألة أدب المهجر؟ وهل نحن أمام أدب جديد أسمه أدب اللجوء؟

دعني أقول إن هناك تقاطعات كثيرة في أدب المهجر عمومًا، فقبل عقود برزت موجة أدبية في المنافي وظهر كتاب عظماء عبروا  عن واقعهم في مجتمعاتهم الجديدة كما كتبوا عن الظلم والاضطهاد وكم الأفواه في بلادهم التي جاؤوا منها، والآن بعد الثورات العربية المطالبة بالتغيير برزت موجة مشابهة من حيث المبدأ، فالظلم وكم الأفواه ما زال ساريا إضافة إلى أزمات سياسية واقتصادية، ولكن أكثر ما يميز بين المرحلتين هو عصر العولمة والثورة التكنولوجية التي تطورت على إثرها وسائل الطباعة الحديثة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي أتاحت بدورها للكتاب والأدباء انتشارًا أوسع لأعمالهم.

  • برايك لماذا تستحوذ الرواية على اهتمام الجمهور العربي أكثر من القصة القصيرة؟ ولماذا لم تكتب الرواية؟

من المعروف اهتمام الأدباء والناشرين والقارئ العربي بالرواية أكثر من القصة القصيرة والمسرحية والشعر، ولا أدري ما هي الأسباب وراء ذلك. ربما نحن في عصر الرواية، أدبيًا، وقد تتحسن مكانة القصة القصيرة مستقبلاً، ولكن على أي حال، هذا الأمر لا يزعجني إطلاقًا، فأنا أحب أن أقرأ وأكتب في كلا النوعين، ولدي مشروعي الأول في الرواية وهو قيد الإنجاز.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".