كان فيلم الرسالة الذي أنتج عام 1976 أحد الأفلام الأكثر إثارة للجدل في العالم الإسلامي.
كان فيلم الرسالة الذي أنتج عام 1976 أحد الأفلام الأكثر إثارة للجدل في العالم الإسلامي.

شهدت الأيام القليلة الماضية جدالا حادا، بعد انتشار خبر عزم قناة mbc  السعودية عرض مسلسل تاريخي عن الصحابي معاوية بن أبي سفيان خلال رمضان القادم. وهو الخبر الذي ردت عليه قناة "الشعائر" العراقية بإعلان عزمها إنتاج فيلم "ضخم" بعنوان "شجاعة أبي لؤلؤة". وأبو لؤلؤة هو قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

ومنذ سبعينات القرن الماضي خصوصا، عرفت الساحة الفنية سجالات حادة حول بعض الأعمال الدرامية والسينمائية، التي تتناول مواضيع دينية وتاريخية.

إليكم قائمة بأهم عشرة من هذه الأفلام.

  • الرسالة 1976

فيلم الرسالة من إنتاج وإخراج مصطفى العقاد، وهو أول عمل سينمائي أثار مستوى هائلا من النقاش في العالم الإسلامي. واجه المخرج السوري صعوبات في التمويل بسبب الطبيعة الحساسة للفيلم، وضغطت مؤسسات دينية رسمية خصوصا في المملكة العربية السعودية من أجل وقف إنتاجه.

اضطر العراقيل العقاد إلى تغيير مواقع التصوير من المغرب إلى ليبيا نتيجة للضغوط السعودية على المغرب. وشاع حينها أن العقاد سيظهر في فيلمه شخصية الرسول محمد وأنه أسند دورها إلى الممثل الأميركي أنطوني كوين، مما أجج دعوات حظر العمل ووقف تصويره.

ووجد المخرج صعوبة في إقناع المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي برؤيته الفنية ومعالجته السينمائية التي لا تنتقص من الرسول والصحابة، إلى درجة أن رابطة العالم الإسلامية رفضت حتى قراءة السيناريو. قام العقاد بتغيير عنوان الفيلم من "محمد رسول الله" إلى "الرسالة" ونجح في إخراج الفيلم رغم انسحاب الكويت من تمويله، ووظف تقنيات فنية عوضت عدم ظهور شخصيات رئيسية في الفيلم. في 2018 عرض الفيلم أخيرا في السعودية بعد عقود من حظره، وكان حينها تحول إلى أيقونة سينمائية تاريخية.

  • الحسن والحسين 2011

ذهب مسلسل "الحسن والحسين" إلى صلب الأزمة التاريخية الإسلامية من خلال تناوله إحدى أكثر الفترات الاسلامية إثارة للانقسام. ومع إعلان عدد من القنوات التلفزيونية نيتها بث المسلسل، أعربت المرجعيات الشيعية في العراق عن رفضها التام لفكرة المسلسل ورأت أن عرضه سيؤجج الاحتقان الطائفي في المنطقة وسيثير "مزيدا من الاختلافات".

المسلسل من تأليف محمد اليساري ومحمد الحسيان وإخراج عبد الباري أبو الخير. ويغطي الفترة التاريخية الممتدة من مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان إلى غاية مقتل الحسين بن علي في عهد يزيد بن معاوية، وهي فترة تاريخية حافلة بالأحداث والتفاصيل التي ظلت موضع خلاف ليس فقط بين السنة والشيعة ولكن داخل المدارس السنية أيضا، كمعارك صفين والجمل ومقتل علي وصلح الحسن مع معاوية ثم ثورة الحسين ومقتله في كربلاء.

صناع المسلسل قالوا بأن علماء معتبرين راجعوا نص المسلسل ووافقوا على إنتاجه، وأن لجنة رقابية ستواكب تصوير مشاهده، لكن مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر لوح بفتواه السابقة بشأن حرمة تجسيد الصحابة وآل البيت في الأعمال السينمائية، وأبدى معارضته الشديدة للمسلسل.

  • عمر 2012

مسلسل عمر من أضخم الإنتاجات الدرامية التاريخية في العالم العربي، وهو من إنتاج مشترك بين مجموعة mbc وتلفزيون قطر، ومن تأليف وليد سيف و إخراج حاتم علي. وهو أول عمل تلفزيوني يتم فيه تجسيد شخصية أحد الخلفاء الراشدين.

رغم الجهد الكبير الذي بدله وليد سيف في كتابة المسلسل إلى الدرجة التي نقل فيها إلى المستشفى تحت تأثير الضغط والإجهاد كما يحكي في حديث تلفزيوني إلا أن الاعلان عن تجسيد خليفة راشد في المسلسل أطلق دعوات لمقاطعة المسلسل وحذف القنوات التي تنوي عرضه.

كان مسلسلا "يوسف الصديق" و"عمر" من أكثر الإنتاجات متابعة وإثارة للجدل في السنوات الأخيرة.
الأنبياء والأئمة والصحابة.. كيف ظهرت الشخصيات الدينية في السينما والتلفزيون؟
تعود فكرة تجسيد الأنبياء والشخصيات المقدسة بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. في سنة 1926م، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية النبي محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية-تركية. وافق وهبي في البداية. وانتشر الخبر في الصحف ليخرج بعدها الأزهر ويهاجم مشروع الفيلم.

شكلت لجنة خاصة ضمت مجموعة من الشيوخ والدعاة كيوسف القرضاوي وسلمان العودة وعلي الصلابي للإشراف على المسلسل ومراجعة نصه والحسم في بعض المواقف التي كانت موضع خلاف بين المؤرخين. احتفظ الأزهر في مصر بموقفه الثابت من تمثيل شخصيات الصحابة وأعلن رفضه للمسلسل، كما أعلنت أصوات شيعية رفضها للمسلسل لأنه قدم "مغالطات تاريخية"، وفق الرواية الشيعية، خصوصا عن علاقة عمر بن الخطاب بآل البيت.

  • سيدة الجنة 2021

وصل السجال حول فيلم "سيدة الجنة" مدى غير مسبوق واتخذ هذه المرة طابعا عالميا لأن الفيلم عرض في مهرجانات دولية وأشرف على إنتاجه وإخراجه طاقم أجنبي وبتكلفة مرتفعة نسبيا بلغت 16 مليون دولار. الفيلم من إخراج إيلي كينغ وتأليف رجل الدين الشيعي المشهور ياسر الحبيب المقيم في بريطانيا والمنحدر من الكويت (أسقطت عنه الجنسية الكويتية) ويستعرض الفيلم سيرة حياة فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد كما وردت في الروايات الشيعية.

النقد الموجه إلى الفيلم موزع بين تجسيد شخصيات إسلامية بينها فاطمة الزهراء وإن لم تظهر ملامحها في العمل، إلى اعتماد روايات تاريخية يرفضها تماما المسلمون السنة خصوصا تلك التي تتحدث عن صراعات بين فاطمة وبين كبار الصحابة.

واتهم عدد من النقاد الفيلم بتسييس التاريخ وأن غايته تكمن في "ربط العنف السياسي بمذهب معين"، وذلك من خلال الإيحاء بأن عنف الجماعات التكفيرية اليوم هو امتداد لعنف وتعسف الصحابة ضد آل البيت، وإسقاط مأساة الشيعة مع داعش على مأساة فاطمة مع الصحابة.

أثار الفيلم موجة احتجاجات في بريطانيا ومناطق أخرى من العالم وأدى الاعتراض واسع النطاق عليه إلى منع عرضه في كثير من الدول.

  • فتح الأندلس 2022

النقاش حول الدراما التاريخية لا يقتصر في الأعمال التي تتناول حقبا وشخصيات تاريخية ذات بعد ديني لكنه يمتد أيضا إلى كثير من الشخصيات والأحداث التي شكلت منعطفات فارقة في تاريخ الأمم والشعوب. مسلسل فتح الأندلس الذي عرضته القناة الأولى في المغرب العام الماضي جدد السجال مرة أخرى حول تلك اللحظة التاريخية التي لم يتوقف النقاش حولها يوما.

ينتقد التيار الأمازيغي في المغرب معظم الروايات التاريخية المتداولة حول فتح الأندلس وشخصية "طارق بن زياد" ويعتبرها روايات مشرقية لا صحة لها. وأعلن عدد من رموز الحركة الأمازيغية تحفظهم على المسلسل بدءا من عنوانه "فتح الأندلس" والذي يعتبرونه "غزوا للأندلس" ولخص الكاتب الأمازيغي أحمد عصيد مؤاخذاته على العمل بالقول بأنه يطرح "إشكاليات جمالية وتقنية ولكن أيضا إزاء معضلات تاريخية وإيديولوجية لا تخفى، فبدءا بالعنوان، يبدو أن الهدف ليس هو تقديم أحداث تاريخية بل ممارسة نوع من الدعاية الإيديولوجية لرواية تاريخية عاطفية، بعيدة عن الواقع التاريخي".

أصداء السجال حول المسلسل وصلت إلى البرلمان والمحاكم المغربية التي قضت بعدم الاختصاص، وعرض بالتالي المسلسل كاملا في رمضان الماضي.

  • الملك 2021

لم يكد يظهر البرومو الدعائي للمسلسل التاريخي "الملك" حتى أثار عاصفة من الجدل في مصر انتهت بوقف عرضه نهائيا. يصور المسلسل حقبة "الملك أحمس" وهو  أحد ملوك مصر القديمة، وهو مقتبس من أولى روايات نجيب محفوظ "كفاح طيبة". لم تنتظر الأصوات الرافضة للمسلسل عرضه إنما اكتفت بالانطباع الذي تركته الثواني القليلة التي ظهر فيها أبطال المسلسل في مقطعه الدعائي القصير.

الانتقادات التي طالت العمل تركزت أساسا في الهيئة التي ظهر بها بطل الفيلم عمرو يوسف من حيث الملابس والشعر واللحية المخالفة لأنماط اللباس والهيئة في الحقبة الفرعونية، كما ظهرت البطلة ريم مصطفى بشعر أصفر وتاج أحمر يخالف الشائع حينها في مملكة الجنوب. وعلى إثر هذه الانتقادات، تشكلت لجنة من علماء التاريخ والآثار لمراجعة المسلسل، وتم على الفور حذف المقطع الدعائي من كافة المنصات الرسمية، وتوقف عرض العمل نهائيا.

انقسم الوسط الفني في مصر بين مؤيد للقرار ومعارض له، ورأى المؤيدون أن المغالطات الفادحة في المسلسل لا يمكن التسامح معها إطلاقا، بينما يرى المعارضون له أن التناول الدرامي يختلف عن التوثيق التاريخي، بدليل أن الرواية التي اقتبس منها العمل مازالت تحظى بالرعاية والإشادة.

  • هارون الرشيد 2018

هارون الرشيد من الشخصيات الجدلية في التاريخ الإسلامي، ولاتزال القراءات التي تتعرض لتاريخه موزعة بين اعتباره خليفة عابدا زاهدا وبين أخرى تراه عربيدا وزير نساء. المسلسل من بطولة قصي خولي وياسر المصري  وعبد المحسن النمر وكاريس بشار، وإخراج عبد الباري أبو الخير، وتأليف عثمان جحا.

تدور أحداث المسلسل حول شخصية هارون الرشيد من قبل توليه السلطة إلى غاية وفاته. وظهر في العمل جانب من الحياة الشخصية للخليفة العباسي الخامس كشغفه بالنساء وولعه بالجواري وهو ما لا تقر به كثير من المصادر التاريخية السنية.

أثار مسلسل "معاوية" وفيلم "أبو لؤلؤة" جدلا حادا في العراق، وتعرض لانتقادات شديدة.
"أبو لؤلؤة" و"معاوية".. هل ينهي منع البث الجدل؟
أعلنت قناة الشعائر الفضائية منذ أيام نيتها إنتاج فيلم سينمائي بعنوان "شجاعة أبو لؤلؤة"، فيما يبدو كرد عن استعداد قناة "إم بي سي" عرض مسلسل عن معاوية بن أبي سفيان. كما هو متوقع، أثار هذا الخبر عاصفة من الجدل والنقاش داخل العراق وخارجه.

تفاوتت الانتقادات الموجهة للمسلسل بين الاتهام بالمغالطات التاريخية التي غيبت أحداثا مهمة في حياة الرشيد، واللغة المستخدمة التي لا توافق لغة تلك الحقبة، واكتفاء المنتجين بالمشاهد الداخلية التي تقتصر على المؤامرات داخل القصر في ما يشبه حسب بعض الكتاب "تسخيفا " لحقبة الرشيد.

عبرت أصوات شيعية أيضا عن تحفظها على مضمون المسلسل لأنه تعرض من زاوية سنية بحتة لما عرف في التاريخ "بنكبة البرامكة"، وهي تلك الاسرة الفارسية النافذة في بغداد حينها والتي أبعدها الرشيد عن دوائر التأثير في البلاط العباسي. وتبعا لذلك منع عرض المسلسل في التلفزيون السوري، وقال الكاتب السوري قمر الزمان علوش إن  العمل يسيء "للحلفاء الإيرانيين".

  • يوسف الصديق 2009

تتجاوز الدراما الإيرانية نظيرتها العربية بأشواط كبيرة، ومع عدم وجود حظر تام على تجسيد الشخصيات المقدسة لدى الشيعة انفتحت آفاق رحبة أمام المبدعين الايرانيين لتناول التاريخ الديني بجرأة وحرية. مسلسل يوسف الصديق من أكبر الأعمال الدرامية التي أثارت الجدل في العالم الإسلامي مع بدء فضائيات عربية عرضه مدبلجا إلى العربية.

وشجبت المؤسسات الدينية السنية المسلسل لتجسيده غير المسبوق شخصية النبي يوسف ووالده يعقوب والملاك جبريل. وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر علي عبد الباقي:" رفضنا إذاعة المسلسل ومنعه في أي فضائية مصرية تطبيقا لقرارات سابقة للمجمع تحظر ظهور الأنبياء في الدراما، وهو موقف ثابت للمجمع لن يتغير".

إلى جانب مسألة تجسيد الأنبياء، اتُهم كاتب المسلسل بالاعتماد على روايات العهد القديم أكثر من اعتماده الرواية التي وردت في القرآن. مع تأكيد الكثير من منتقديه على أن المسلسل "متميز بدرجة ملحوظة فى السيناريو والحوار، والتصوير، والإخراج".

القعقاع  2010

يعتبر مسلسل القعقاع من أضخم الإنتاجات الدرامية التاريخية العربية وهو من إنتاج تلفزيون قطر، ويتناول قصة القعقاع بن عمرو التميمي، إلى جانب تسليط الضوء على فترات مهمة في التاريخ الإسلامي شملت الفترة الأخيرة من حياة الرسول إلى غاية فتوح الشام والعراق مرورا بما عرف بحروب الردة.

الانتقادات التي وجهت للمسلسل كثيرة جدا منها أنه يكرس الروايات الشيعية على حساب الروايات السنة بخصوص العلاقة بين الصحابة، وإسناد دور البطولة إلى ممثل مسيحي، وكذلك تجسيد الصحابة. ونشر موقع شبكة الدفاع عن السنة مقالا بعنوان " القعقاع بن عمرو.. غزو فارسي لعقول العرب والمسلمين" وتتبع كاتب المقال مشاهد المسلسل مشيرا إلى المواضع التي يعتقد أن بها تحريفا أو تلفيقا يخالف النصوص التاريخية الصحيحة. 

ودشنت صفحة على فيسبوك بعنوان "نطالب بإيقاف مسلسل القعقاع"، نشرت بها عشرات التدوينات والمقالات الناقدة للعمل، والتي اعتبرته ثمرة تقارب بين إيران وسوريا رغم مراجعة شخصيات دينية سنية لنص المسلسل قبل تنفيذه.  

المسلسل من تأليف محمود الجعفوري وإخراج المثنى صبح وبطولة سلوم حداد

  • معاوية 2023

لا يزال السجال محتدما مع اقتراب موعد العرض الأول لمسلسل معاوية بن أبي سفيان في رمضان القادم. مجموعة mbc الإعلامية أعلنت وقفها عرض المسلسل في قناة mbc عراق بعد ضغوط وبيانات تحذيرية من مرجعيات شيعية، وإدانات شعبية غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي.

يتناول المسلسل حقبة تاريخية بالغة الحساسية والمعروفة في التاريخ الإسلامي بأحداث الفتنة الكبرى وتمتد من لحظة مقتل الخليفة عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب إلى سيطرة معاوية بن أبي سفيان على السلطة بعد صلحه مع الحسن بن علي وتنازله عن الخلافة وما آلت إليه الأحداث بعد ذلك من بيعة يزيد ومقتل الحسين.

ينتهي الانقسام الحاصل بين السنة والشيعة اليوم إلى اللحظة التي رفض فيها معاوية بيعة علي بن أبي طالب على الخلافة بحجة القصاص أولا من قتلة عثمان. ولا شك أن أي معالجة درامية لهذه الحقبة ستنطوي على تحديات كثيرة خصوصا في مناخ طائفي مشحون كالذي يعيش على وقعه العالم العربي اليوم.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".