صورة من أحد مشاهد مسلسل "تحت الوصاية" بطولة النجمة المصرية منى زكي- مواقع التواصل
صورة من أحد مشاهد مسلسل "تحت الوصاية" بطولة النجمة المصرية منى زكي- مواقع التواصل

أعاد المسلسل المصري "تحت الوصاية"، الذي بدأ بثه في منتصف شهر رمضان، وضع القضايا المرتبطة بالأحوال الشخصية، تحت المجهر ولكن هذه المرة، في قالب يظهر المعركة التي تخوضها المرأة بعد وفاة الزوج، بعد أن كانت أعمال أخرى كما "فاتن أمل حربي" في الموسم الرمضاني 2022، ركّزت على الكفاح في مرحلة ما بعد الطلاق.  

يكسر "تحت الوصاية" الصورة النمطية التي تختزل دور المرأة بالرعاية. وفي أحداثه، تقوم الشخصية الرئيسية (حنان) وتقوم بدورها الفنانة منى زكي، بزيارة قبر زوجها، وتعتذر منه، لأنها لم تستطع الصبر أكثر ثم تغادر الإسكندرية، وثم تستأجر بيتا متواضعاً، بعد أن تستعيد مركب زوجها وتقرر أن تصبح "ريسة" المركب وتنطلق للصيد، مجسدة بذلك انتقال المرأة إلى دور الذكر.

المسلسل بطولة منى زكي، ودياب، ونسرين أمين. تأليف خالد دياب، وشيرين دياب. وإخراج محمد شاكر خضير.

تتشعب الأحداث لتغطي مظلة من القضايا المتشعبة، مثل تخطّي أخ الزوج والده ليتدخل في شؤون العائلة، ووضع اليد على أموال أولاد أخيه. لكن حنان تقرر مدفوعة بأمومتها أن تدخل عالم الرجال وتمتهن عملاً محسوبا حكرا على الرجال: صيد السمك.

بعدها، تصطدم بتقييد المجتمع لدورها، فيسخر الصيادون منها حين تدعوهم للعمل على مركبها، كما يحاول طاقمها نفسه تحدّيها واستغفالها والرهان على ذكائها.

وتصطدم بالدرجة الأهم، بتقييد قوانين الأحوال الشخصية لقدرتها على تحديد مصير أولادها من خلال ربط تسجيلهم بالمدراس أو سفرهم من جملة أمور أخرى، بتوقيع الوصيّ في حال وفاة الأب، وهو الجد. 

تحاول حنان على الدوام، تحدّي الدور الذي ينصبه لها المجتمع أو التحايل عليه في أحيان أخرى، فتبادر مثلاً لطلاء المركب أو تبحث عن هويات جديدة لها ولأولادها، أو تستحضر وجودا مصطنعا لزوجها حيث تعي أن استحضار شبح الرجل كفيل بحمايتها.

وهنا يتم تسليط الضوء على النظرة الدونية للمرأة باعتبارها تابعاً للرجل، لا تُرى من دونه. فهي بالنسبة للمجتمع إما الزوجة أو الأرملة.

تعلّق الكاتبة النسوية اللبنانية جودي الأسمر، على ما سبق باستحضار المثل الشعبي المصري "ضل راجل ولا ضل حيطة"، مبينّة لـ"ارفع صوتك": "بغض النظر عما تقوم به المرأة بكل كيانها ومع أولادها، تبقى مسألة السلطة. ومهما فعلت سيبقى من يستهين بها، إلا إذا استحضرت شبح الرجل. هكذا هو المجتمع".

ويتجسد هذا المثل في مواضع عدة من مسلسل "تحت الوصاية"، كما في المشهد في التاكسي حيث تتعمد ذكر زوجها، أو على ناصية الطريق حين ترى أمامها مجموعة من الشباب في حالة من السكر أو حتى عند استئجار المنزل، إذ تتعمد حنان التركيز على وجود الزوج وعلى أنه سيلحق بها قريباً.  

تتابع الأسمر: "يدعونا هذا الموضوع للعودة إلى الأساس في المنطقة العربية ولتوزيع الأدوار بين الأم والأب، هذا التوزيع النمطي الذي يختزل الأمومة بالرعاية وتأمين الطعام بينما الأب هو الذي يؤمن المصاريف".

"ولكن إذا نظرنا للواقع، نجد أن مدخول المرأة أعلى، وأحيانا هي التي تتولى مصروف البيت. والحال سيان في المجتمعات الزراعية، حيث لا تحظى المرأة بالاعتراف بدورها. ولا يقتصر موضوع الوصاية على الجد أو العم فقد تذهب الوصاية للأخ الأكبر، وهنا تخيلي الأم التي تجد نفسها مجبرة على العودة للأخ الأكبر من أجل اتخاذ قرارات تتعلق بأولادها القاصرين. وفي هذا الكثير من الإخضاع"، تشرح الأسمر.

ويفتح موضوع الوصاية أو الولاية على الأولاد الباب أمام التأويل والتزاوج بين النص الديني والقانون. تشير الأسمر، إلى أن المسائل الدينية عادة "تبقى خارج النقاش"، مستدركة "حتى في الولاية فإن التأويل غير مباشر ومفتوح على عدة تشريعات، وحيث أن التشريعات تختلف، هذا أكبر دليل على أن بعض القراءات تتلاءم مع ما كرسته الذكورية. لماذا لا نعطي الأحكام التي تتماشى مع العصر؟ لا يمكن إسقاط ما ينطبق على حالات أخرى على كل شيء وتعميمه دون النظر في الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية".

وتؤكد "نحن نعاني من أزمة نتيجة عدم تسمية الأمور بأسمائها، فبأي منطق يتوجب على المرأة في حال وفاة زوجها أن تصرف على الأولاد وتربي وتضحي ثم لا قرار لها حين يتعلق الأمر بالدراسة أو السفر؟ كما أن هذا الوضع يبقي الروابط مع أهل الزوج ويقيّد المرأة ضمن هذه الديناميكية العلائقية".

 

شيخوخة القوانين

يرى الباحث اللبناني في الشؤون الاجتماعية علي حرفوش، أن قوانين الوصاية في مختلف الدول العربية تعاني من "شيخوخة"، إذ أنها "لا تتلاءم مع الواقع الحالي".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "هذه القوانين تمنع المرأة التي تثبت أهليتها برعاية أولادها في كل مفاصل الحياة، من ولايتها عليهم، وفي ذلك الكثير من الغبن الذي يدفع المرأة والأطفال ثمنه، فهي لا تستطيع التصرف من دون انتظار إمضاء من ذاك وذاك".

"أما الأولاد فهم مجبرون على الارتباط الدائم بأسرة لا تعتني بهم دائما، ومع ذلك هي (الأم) مسؤولة عن شؤونهم. ويرسخ هذا الوضع الشعور الدائم بغياب العدالة"، يقول حرفوش.

ويبيّن أن الحل يقع في المعاصرة، وذلك برأيه "لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية"، فهي تقوم أساساً على الإصلاح، وتحقيق المصلحة العامة.

ويتابع حرفوش: "الشرع لا يتغير؛ ولكن الاجتهاد يتغير والمجتمع تغيّر؛ لذلك، من الطبيعي أن يكون الاجتهاد متوافقا مع التغير الاجتماعي الحاصل، وإلا سندمر مجتمعنا بأيدينا. والمرأة أحق بالوصاية من غيرها".

 

الوصاية في القوانين العربية

لا يختلف وضع المرأة كثيرا في ما يتعلق بموضوع الولاية (الوصاية) على أموال الأولاد بعد وفاة الأب في العالم العربي، حيث أغلبية القوانين الناظمة تستند إلى الشريعة الإسلامية.

وتختلف الولاية عن الحضانة، فالأولى تمنح سلطة نافذة على القاصر/ة حتى بلوغه/ا سن الرشد، وتتضمن إدارة الأموال، أما الثانية، فهي مجموعة الأفعال التي تشكل إطار الرعاية اليومية للقاصر/ة كالتربية الأدبية والمدنية والدينية. 

في سوريا ومصر، يأخذ القانون في مسألة الولاية على مال اليتيم، بشكل أساسي، وفقاً للمذهب الحنفي، وعليه فإن "ترتيب درجات الأولياء على المال، يبدأ بالجد، لحفظ المال والتصرف به أو استثماره، في حال لم يتم تنصيب وصيّ قبل فقدان الأب".

والأمر نفسه في قطر والسعودية والكويت واليمن وعُمان والبحرين والإمارات وفلسطين،  وفي القانون الكويتي واليمني والعماني والبحريني والإماراتي والفلسطيني، علماً بأن قوانين الوصاية تنطبق على الجنين الذي لم يولد بعد، حيث تؤول أمواله لوصيّ اختاره الأب، ثم الجد ثم الهيئة العامة لشؤون القصّر وفق أحكام القانون.

وفي الأردن، يتم "إصدار حجة الوصاية في حالة وفاة والد الأبناء القاصرين (أو وفاة الأم وكان الأب لا يريد أن يكون وصياً)، وتواجد شخص (مثل الأم أو أي فرد آخر من أفراد الأسرة). ومن يستوفي شروط الوصيّ سيحتاج إلى الحصول على هذه الحجة".

وعلى الرغم من أن الأم تتولى الحضانة أي شؤون الرعاية والإطعام والتنظيف.. وغيرها من أمور، لا يُسمح لها مثلا بالسفر مع المحضون إلا بموافقة الوليّ الذي قد يكون جدّه أو أحد أعمامه.

وفي السودان، "تكون الولاية للأب العاصب بنفسه على ترتيب الإرث، والولاية على المال بالنسبة للقاصر ومن في حكمه تكون للأب ثم لوصي الأب ثم الجد لأب ثم لوصي الجد فقط".

وفي المغرب، تنتقل الولاية للأم الراشدة حسب المواد 163 و 229 و 236 من مدوّنة الأسرة الصادرة في 5 فبراير 2004.

أما في تونس، تتمتّع الأمّ "في صورة إسناد الحضانة إليها بصلاحيات الولاية فيما يتعلّق بسفر المحضون ودراسته والتصرّف في حساباته المالية. ويمكن للقاضي أن يسند كل مشمولات الولاية إلى الأم الحاضنة إذا تعذّر على الوليّ ممارستها أو تعسّف فيها أو تهاون في القيام بالواجبات المنجرّة عنها على الوجه الاعتيادي، أو تغيّب عن مقرّه وأصبح مجهول المقرّ، أو لأيّ سبب يضرّ بمصلحة المحضون".

وفي لبنان، تنتقل الولاية لمن "بقي حياً من أحد الوالدين، ثم للجد الصحيح أي والد الأب. لكن يُشترط ألا تكون الأم عقدت زواجاً جديداً".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".