"It's a sort of prayer," says one  of the new whirling dervishes pictured in Konya, Turkey, Dec. 1971. The method of dervish…
يقول المتصوّف جلال الدين الرومي "ثمة طرق كثيرة توصل إلى الله أما أنا فقد اخترت طريق الرقص والموسيقى"- تعبيرية

شغفَ المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون بالحسين بن المنصور الحلاّج، الشاعر الصوفي الشهير، وعمل على ترجمة شعره وسيرة حياته>

واستعرض ماسنيون الامتداد الروحي للحلاج الذي يجعله يحيى في الذاكرة حتى بعد قرون على وفاته، بقوله، إن "دم الحلاج يعتبر بذرة روحية تضمن استمرار الإلهام لمحبّيه. وأقواله ترسم له حياة بعد موته، ذات طابع حضاري عميق".

في ذلك ربما تفسير لاستمرار أشعار الحلّاج بالتداول على الألسنة حتى يومنا هذا، خصوصاً عبر الغناء، حيث شكّلت مادة لأعمال موسيقية عربية، اختار عبرها فنّانون وفنّانات عرب أن يلحّنوا هذه القصائد ويغنّوها، وتنتشر بشكل كبير بين مختلف الأجيال والجماهير المتنوعة ثقافياً.

من المعروف أن الصوفية ترتبط بالموسيقى والرقص في عمقها، وفي هذا المجال يقول جلال الدين الرومي كما ينقل عنه محمد فيّاض في كتابه "تاريخ التصوّف الإسلامي"، إن "ثمة طرق كثيرة توصل إلى الله أما أنا فقد اخترت طريق الرقص والموسيقى".

ويؤدي دراويش هذه الطريقة، الذِكر، مصحوباً بالرقص والموسيقى. وحرص صوفيو آسيا الصغرى، بحسب فيّاض، على أن يكون الغناء والموسيقى جزءاً لا ينفصل عن حلقات ذكرهم ومجالس تصوفهم.

لا غرابة إذن من اقتران أشعار الحلّاج بالموسيقى، ولا عجب أن تكون قريبة من أذن المستمعين، بسبب مواضيعها التي تمسّ غالباً أحاسيسهم وأرواحهم، خصوصاً مع مصاحبتها ألحاناً تواكبها إلى آذان المستمعين.

ولا يقتصر الأمر على معتنقي الصوفية، بل يتجاوز غناء كلمات الحلّاج حدود الصوفية ليلمس جمهوراً أوسع من فئات مختلفة، بعضها لا تربطه بالصوفية أي صلة تُذكر.

وجعل فنانون مشهورون كلمات الحلّاج مادة لأغنياتهم، ونقلوها إلى جمهورهم الذي أحبها، وكثيرون لا يعرفون صاحبها ولا خلفياته، ولا يربطون بينها وبين الصوفية. فيظن العديد منهم، مثلاً، أن "يا نسيم الريح قولي للرشا/ لم يزدني الورد إلا عطشا" من قصيدة الحلاّج التي لحّنها وغنّاها الفنان مارسيل خليفة، أغنية عاطفية يتوجه بها حبيب إلى حبيبته، ولا يدركون معناها الصوفي إذا لم يطّلعوا على هوية كاتبها وسيرته المأسوية التي انتهت به قتيلاً على يد الدولة العباسية لاتهامه بالزندقة والإلحاد. 

المغني العراقي، كاظم الساهر. أرشيف
"كل ده كان ليه؟"... عندما أعلنت الرقابة المصرية "الحرب" على كاظم الساهر
علاقة الفنان العراقي الشهير بمصر قديمة من قدم الظاهرة التي شكّلها في العالم العربي والنجاح الكبير الذي حققه. وقد استقر الساهر في مصر لسنوات قليلة خلال التسعينيات بعد تركه العراق، لكنه اضطر بعدها إلى ترك مصر بعدما واجه تحديات جدية في مواجهة الرقابة المصرية والاعلام المصري.

الفنان العراقي كاظم الساهر غنّى أبياتاً عديدة من قصائد الحلّاج، لاقت رواجاً كبيراً بين جمهوره، مثل "رأيتُ ربي بعين قلبي"، و"عجبتُ منك ومنّي"، وقصيدة "والله ما طلعت شمس ولا غربت" الشهيرة، وكل هذه القصائد لحنها الساهر وغنّاها، ونالت مئات آلاف المشاهدات على موقع "يوتيوب" وحده.

ويحرص الساهر على تقديم كاتب القصائد قبل غنائها، فيقول إنها من كلمات الحلاّج حينما يغنيها على المسرح.

مثله يفعل الفنان التونسي ظافر يوسف، إذ يحضر الحلاج في أعماله بشكل كبير، خصوصاً أنه يمزج بين موسيقى الجاز والأسلوب الصوفي في الغناء.

واختار قصائد مثيرة للجدل من أعمال الحلاج، أبرزها "كفرت بدين الله" التي تسببت ليوسف بمشكلة في مهرجان قرطاج، بالإضافة إلى قصيدة "اقتلوني يا ثقاتي".

يلتزم الفنان السوري بشّار زرقان بنمط الغناء الروحاني، ولهذا فإنه وجد في القصائد الصوفية ما يلائم نمطه في التلحين المعتمد على إيقاع الكلمات ذاتها داخل القصيدة، ليخرجها مع الموسيقى في "بنية عضوية واحدة"، كما يحاول هو أن يشرحها في إحدى المقابلات الصحافية معه. يقول "هناك مقاطع شعرية أحسّ أن موسيقاها في الكلمات، لذلك لم أستطع أن أضيف إليها سوى الإلقاء".

ولهذا فإن الحلاّج حاضر في أعمال زرقان، حيث قدّم أمسيات موسيقية حملت عناوين مثل "حلّاج الأمل 1" في بيروت عام 2015، و"حلّاج الأمل 2" في البحرين عام 2017.

إلى هؤلاء الفنانين، قدّم آخرون أعمالاً للحلاج متفواتة القيمة الفنية والشهرة، منها فرقة "شرق" وهي فرقة أردنية أحيت قصائد للحلاج بأسلوب حديث. والفنانة الفلسطينية الراحلة ريم البنا التي غنّت من كلمات الحلاج قصيدة "عجبت منك ومنّي"، والشاب التونسي منير طرودي الذي غنى "يا نسيم الورد"، والفلسطيني باسل زايد الذي أصدر عام 2008 ألبوماً غنائياً حمل عنوان "الحلّاج" وضمّ ثماني قصائد للشاعر الصوفي.

كما غنّت مغنية الأوبرا اللبنانية هبة قوّاس "يا نسيم الريح" للحلاج. كما أصدر الفنان الشاب مايك ماسي دويتو مع فاديا طنب الحاج، يؤديان خلالها قصيدة "عجبت منك ومني".

أحمد حويلي في احدى الإمسيات الصوفية - من صفحته على فايسبوك
"تغيّرت حياته للأفضل".. رادود لبناني أدخل "العشق الحسيني" إلى الصوفية
يشير حويلي إلى أن أغلب متابعيه في مواقع التواصل عراقيون، وهو يزور العراق بشكل متكرر خلال العام الواحد، قاصداً المراقد الدينية، كما يزور مرقد الشاعر الصوفي الحسين بن منصور الحلّاج في بغداد، وقد غنى من شعره مراراً.

واللافت أن هناك قصائد للحلاج بنسخات لحنية مختلفة، أداها نفسها عدد من الفنانين المختلفين. وكانت الفنانة اللبنانية الشابة نينا عبد الملك قدمت بدورها قصيدة "إذا هجرت" للحلاج، وحينما سئلت في مقابلة مع جريدة "الشرق الأوسط" عن سبب اختيارها الحلاج لغناء كلماته؟ أجابت: "لقد رغبت في نقل هذه الثقافة إلى جيل اليوم الذي لا يعرفها وأرفقتها بموسيقى حديثة يحبها، فكان خليطاً من الأصالة والحداثة معاً لاقى صدى طيباً لدى الشباب".

لكن ما قدّمته عبد الملك لم يعجب، على ما يبدو، الفنانة اللبنانية جاهدة وهبي التي قامت بدورها بغناء العديد من القصائد للحلاج، فقالت في مقابلة صحافية تعليقاً على الأغنية "لم أتمكّن من الاستماع إلى الأغنية بأكملها، لا يُقدَّم الصوفي بهذه الطريقة، مع احترامي لتجربة الفنانة المذكورة".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".