"الشيخ نويل"، و"آخر السعاة", "نافذة حمراء" من أهم الأعمال التي كتبها السيناريست العراقي ولاء المانع
"الشيخ نويل"، و"آخر السعاة", "نافذة حمراء" من أهم الأعمال التي كتبها السيناريست العراقي ولاء المانع

يُعدّ السيناريست العراقي ولاء المانع واحداً من أهم صنّاع السينما العراقية حالياً. كتب المانع سيناريوهات عدد كبير من الأفلام الطويلة والقصيرة. من أهمها كل من "ثورة تشرين"، و"الشيخ نويل"، و"بير عليوي"، و"نافذة حمراء"، و"وردتان"، و"شهدة". حصد المانع الكثير من الجوائز المهمة في المهرجانات السينمائية العالمية. أحببنا في "ارفع صوتك" أن نتعرف منه على آرائه في واقع السينما العراقية، وأهم الصعوبات التي تعرقل نهضتها. فكان لنا معه هذا الحوار:

  • في البداية، أرجو أن تحدثنا عن دراستك. وعن الأسباب التي دفعتك للعمل بكتابة سيناريوهات الأفلام؟

أكملت الدراسة الجامعية في إدارة الأعمال. ولكن منذ طفولتي كنت أعشق الأدب والشعر ومن ثم بدأ عشقي للسينما بفترة مبكرة من حياتي. بدأت كتابة القصص القصيرة منذ زمن طويل لكن قبل سنوات قليلة فكرت بكتابة السيناريو. وبالفعل خلال السنوات الست الماضية كانت تجربتي الاحترافية الأولى.

  • هل تعتقد أن السيناريست يُعدّ شريكاً أساسياً في الفيلم؟ أم أن للمخرج الدور الأكبر وأنه هو صاحب العمل الحقيقي؟ في هذا السياق هل يمكن أن تحدثنا عن أهم المخرجين الذين عملت معهم؟

أعتقد أن السيناريو هو العماد الأساسي لأي مشروع سينمائي أو درامي ولا يمكن الحديث عن السينما بدونه. يقول السينمائي البريطاني ألفريد هيتشكوك إنه لصناعة فيلم رائع نحتاج إلى ثلاث عناصر: السيناريو والسيناريو والسيناريو. من دون سيناريو جيد، لا يُمكن صنع عمل محترم. بالنسبة للمخرجين الذين شاركتهم فقد عملت مع عدد من المخرجين المتميزين في العراق مثل حسين العكيلي، وعباس هاشم، ونادين البصام وعدد كبير من المخرجين حيث تجاوز عددهم 20 مخرجا. وحصلت على العديد من الجوائز داخل وخارج العراق إلا أن شراكتي مع المخرج سعد العصامي هي الأكبر تأثيراً ونجاحاً حيث أنجزنا عملين ناجحين جداً. أحدهما فيلم قصير، والآخر فيلم روائي طويل.

  • ما هي أحب أعمالك إلى قلبك؟ وما هي أبرز الجوائز التي حصلت عليها في مشوارك الفني؟

كل أعمالي قريبة إلى قلبي لكن أكثرها قرباً هو فيلم "بير عليوي". والذي تحدثت فيه عن أفكاري اتجاه الحياة والوجود عن طريق علاقتي مع ابني. بالنسبة للجوائز أعتقد أن جميع أفلامي حصلت على أكثر من جائزة داخل وخارج العراق. لكن أعتقد أن أهم جائزة كانت أفضل سيناريو في "مهرجان دمشق الدولي" وجائزة أفضل سيناريست في "مهرجان وطن السينمائي" في بغداد. وهي جوائز شخصية أما أهم الجوائز للأفلام التي كتبتها فهي الجوائز التي حصل عليها فيلمي الروائي الطويل "آخر السعاة" حيث حصل على أربع جوائز من مجموع ست مشاركات خارجية حتى الآن.

  • ما رأيك في واقع السينما العراقية اليوم؟ وما هي أبرز المعوقات التي تحول دون حدوث نهضة سينمائية عراقية حقيقية؟

أعتقد أن السينما العراقية مازالت تبحث عن هويتها. خصوصاً أن العراق بعد سنة 2003م لا يشبه عراق ما قبله، وقد تغير كل شي. في الحقيقة، لا توجد سينما عراقية تشبه السينما في أي مكان بالعالم. نحن نصنع سينما من أجل المهرجانات والمشاركات الخارجية. لا توجد لدينا صالات سينما كافية بل إن هناك عددا كبيرا من المدن العراقية تخلو من أي دار سينما. أيضاً، لا توجد شركات إنتاج سينمائي، كما لا يوجد منتجون أصلاً. وليس هناك أي رؤوس أموال مخصصة للإنتاج السينمائي. باختصار، كل ما يُنتج في العراق من أفلام هو مجرد محاولات فردية تتم في ظل حصول بعض المخرجين على منح من هنا وهناك.

  • هل ترى أن السينما العراقية نجحت في تناول القضايا الملحة التي مر بها المجتمع العراقي في السنوات السابقة؟ على سبيل المثال كيف تناولت دكتاتورية نظام البعث؟ وكيف جسدت المآسي الناجمة عن الفتنة الطائفية؟ وماذا عن المآسي التي وقعت أثناء سيطرة داعش على الموصل؟ هل ترى أن السينما العراقية نجحت في تجسيد كل ذلك على الوجه الأمثل؟

دعنا نتفق أن معظم الإنتاج السينمائي في العراق اقتصر على الأفلام الروائية القصيرة مع وجود عدد خجول من الأفلام الطويلة. وقد تحدث أغلبها عن مشاكل ما بعد سنة 2003م رغم وجود أفلام قليلة تحدثت عن مرحلة حكم النظام البعثي وما وقع بعد سقوطه ودخول قوات التحالف إلى العراق. وكان أفضل تلك الأفلام في رأيي هو فيلم "بن بابل" للمخرج محمد الدراجي والذي أُنتج في سنة 2009م.

  • هل ترى أن السينما العراقية قد خضعت للسلطة السياسية في العقود السابقة؟ على سبيل المثال هل كانت أفلام مثل "الأيام الطويلة" في سنة 1980م، و"القادسية" في سنة 1981م نماذج شاذة ومتفردة أم أنها كانت حلقات في سلسلة طويلة ومتكررة؟

حتى بداية الحرب العراقية الإيرانية في سنة 1980م كانت السينما العراقية تخطو خُطى ناجحة نحو السينما الواقعية. في هذا السياق أنتج عدد لا بأس به من الأفلام المهمة مثل فيلم "الجابي" من إخراج جعفر علي سنة 1966م، وفيلم "المنعطف" سنة 1975م للمخرج نفسه، وفيلم "الظامئون" من إخراج محمد شكري جميل سنة 1972م. لكن بعد الحرب تم تسخير الجهد السينمائي لإنتاج أفلام تمجد الحرب والنظام مع وجود بعض الأفلام الكوميدية الناجحة في حينها.

  • لو انتقلنا للحديث عن أوضاع السينما خارج العراق، كيف تفسر وصول السينما الإيرانية للعالمية رغم التضييق السياسي المفروض على صانعيها؟

السينما الإيرانية لها جذور عميقة وقواعد لم تنفصل عن جماهيرها، بل إن النظام الإيراني دعم السينما بشكل جد كبير لشعوره بأهميتها. كما أن التضييق والكبت جاء بنتائج مثمرة حيث إنه ساعد في وصول السينما الإيرانية إلى العالمية على يد عدد كبير من صناعها من أمثال كل من عباس كيارستمي، وجعفر بناهي، ومجيد مجيدي، ومحسن مخلمباف والقائمة تطول. أعتقد أن السينما الإيرانية وضعت لنفسها مدرسة خاصة وقد نجحت داخل إيران أولاً قبل أي مكان آخر. 

· ما رأيك في السينما المصرية؟ هل هي متابعة بشكل جيد في العراق؟

السينما المصرية تعاني منذ سنوات مع رحيل مخرجيها الكبار من أمثال عاطف الطيب، ويوسف شاهين، وحسن الإمام، ومحمد خان، بالإضافة إلى أن السينما المصرية فقدت جزءاً كبيراً من بريقها بواسطة هيمنة الأفلام الكوميدية الساذجة على شباك التذاكر رغم أن لديها كل مقومات العالمية منذ رحلة يوسف شاهين في فيلم "باب الحديد" قبل أكثر من ست عقود وحتى الآن. المشكلة الحقيقية أن سينما المقاولات التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي هي التي تستحوذ على الإنتاج الأكبر. للأسف، منذ سنوات طويلة لم أشاهد فيلم مصري يثيرني.

  • لماذا برأيك لا تجتذب مصر الممثلين العراقيين كما هو الحال مع الممثلين القادمين من تونس وسوريا ولبنان؟

غياب النجم العراقي في السينما المصرية له أسباب عديدة من الصعب الحديث عنها الآن، ولكن ببساطة يمكن أن نقول إن غياب السينما العراقية أصلاً يمنع ظهور أي نجم عراقي.

  • ما رأيك في تناول السينما العالمية -هوليود تحديداً- للعراق؟

للأسف الشديد التاريخ يكتبه المنتصرون. حتى الآن لم أشاهد اي فيلم تناول القضية العراقية بمستوى عال سواء عن طريق التنفيذ أو الحكاية أو أي شيء آخر. في أفلام هوليود خلال العقدين السابقين لم نشاهد الإنسان العراقي إلا إرهابيا ملثما يموت وهو يحاول أن يقتل الأميركي البطل. وحتى حين حاول "الإخوة كوين" إنتاج فيلم عن الحرب ضد داعش كان الفيلم ساذجا ومسيئا وغير حقيقي.

  • أخيراً، ما هي أبرز المشاريع التي تشتغل عليها حالياً؟

هناك عدد من المشاريع قيد التنفيذ وأهمها مشروع العمر الوثائقي الذي يتحدث عن الحرب العراقية الإيرانية من وجهة نظر طرفي القتال وهو سلسلة من 20 فيلما من إنتاج شركة بلو هاوس فيلم. وأيضاً أعمل على فيلمين روائيين طويلين، كما أجهز مسلسل درامي يتم التحضير له منذ أكثر من سنة.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".