يعشق كثير من العراقيين قراءة الروايات والشعر والكتب الإشكالية المثيرة للجدل، ويتأثرون في اتجاهات القراءة لديهم بمشاهير مواقع التواصل والأحداث السياسية في البلد. ورغم التطور التكنولوجي إلا أن إقبال العراقيين على شراء الكتاب الورقي لا يزال عالياً.
وتتشعب اتجاهات القراءة في العراق اليوم بتشعب أذواق القرّاء، "لكن، في المجمل فإن خزان القراءة الرئيسي هم طبقة الشباب الذين يقرأون الروايات بالدرجة الأولى، ويبدون اهتماماً بكتب التنمية البشرية بالدرجة الثانية"، بحسب مدير دار "الرافدين" للنشر محمد هادي لـ" ارفع صوتك".
ويضيف هادي، الذي يشارك في معرض بغداد الدولي للكتاب في دورته الرابعة والعشرين، أن "القراء الشباب العراقيين، يتأثرون بما ينشره المؤثرون على مواقع التواصل بشكل كبير، ويتابعون الخليجيين منهم بدرجة الرئيسية". ولهذا السبب "نجد كتباً لدور نشر خليجية تباع في العراق بكميات كبيرة، سواء كانت لها حقوق نشر أصلية، أو إذا كانت مستنسخة دون حقوق".
وبالإضافة إلى الشباب "هناك طبقتان ثريتان معرفياً من القراء في العراق، وهي طبقة الأكاديميين والدارسين ومقتني الكتب المنهجية وهي ثابتة". أما الطبقة الثالثة من القراء "فهم من نسميهم القراء المحترفين الذين يقرأون بعمق، في التاريخ والفلسفة والكتب الإشكالية التي تثير أسئلة كبيرة وتحفّز على تشغيل العقل".
أثر مواقع التواصل "هائل"
يتفق أحمد جبّار وهو مسؤول في دار نشر "آشور بأنيبال" في شارع المتنبي مع ما ذهب إليه هادي إلى حد كبير، فالذائقة العراقية كما يقول جبّار لـ "ارفع صوتك"، "تميل إلى الرواية بكل اشكالها وجنسيات كتابها بالمقام الأول، وكتب الشعر على المستوى المحلي، وكتب التنمية البشرية".
ويبين أن :"الشعراء العراقيين يتربعون على قمة المبيعات ولا ينزلون عنها منذ سنوات، وهم في الشعر الفصيح الجواهري ونازك الملائكة ومظفر النواب، وفي الشعبي عريان السيد خلف وكاظم إسماعيل كاطع"، بحسب جبّار.
وهناك دائماً، كما يقول جبار، "الجانب الأكاديمي حيث يطلب رواد المتنبي من الطلاب والأساتذة والمهتمين، كتب التاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا". كما شهد "المتنبي" في السنوات القليلة الماضية "رواجاً في الطلب على الكتب المكتوبة باللغة الإنكليزية، بعد الانفتاح الكبير على العالم ورغبة الأهل بتطوير قدرات أبنائهم فيما بتعلق بإتقان اللغات، والأمر ذاته بنسبة أقلّ، ينطبق على اللغة الفرنسية" .
وبحسب جبّار فإن "تقلبات سوق الكتب تتأثر بالأحداث الجارية في البلد بسبب الأحداث السياسية والاجتماعية". يعطي على ذلك مثلاً، "عندما اندلعت ثورة تشرين العام 2019، تحول الطلب إلى كل ما يحمل عنوان الثورة أو تشرين أو أكتوبر وأصبحت الكتب التي تحمل هذه العناوين الأكثر طلباً ومبيعاً في المتنبي".
ويعتبر شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد واحداً من أشهر الشوارع الثقافية في العراق ومن أهم مراكز تجارة الكتب بمختلف أنواعها، وهو مقر للعديد من دور النشر ويشهد فعاليات ثقافية واجتماعية عديدة تنشط بشكل خاص في يوم الجمعة من كل أسبوع.
وفي رده على سؤال لـ"ارفع صوتك" يتعلق بأثر التكنلوجيا على حركة سوق الكتب اعتبر جبار إن :"أهم المؤثرات الخارجية على حركة الكتب تتعلق بتناول مؤثري مواقع التواصل لأحد العناوين على صفحاتهم". ونتيجة لذلك "يزداد الطلب عليه بصورة كبيرة، وأحياناً يستمر الكتاب على قائمة الأكثر مبيعا لأشهر، وهي حالة تكررت لعدة مرات في المتنبي".
لكن، الحالة تعتبر "إلى حد كبير عالمية" كما يقول هادي لـ"ارفع صوتك" :"فالكتب الأكثر طلباً والتي تتربع على قمة الأكثر مبيعاً تتأثر بتداولها من قبل مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، بل يمكننا اعتبار السوشيل ميديا المؤثر رقم واحد على حركة بيع الكتب في العصر الحديث".
الكتاب الورقي "ينتصر"
يثير موضوع تفضيل الكتاب الإلكتروني على الورقي الجدل فيما يتعلق بتأثير التطور التكنولوجي على سوق الكتاب الورقي عالمياً.
ويوضح هادي أن التطور التكنولوجي "أثّر على الكتاب الورقي في سنوات سابقة يمكن تحديدها للفترة من العام 2010 لغاية العام 2017 حين كانت الكتب يتم قرصنتها وتنزيلها على شبكة الإنترنت من دون حقوق". لكن بعد ذلك العام "حدث انحسار للكتاب الإلكتروني الذي يباع على المواقع المتخصصة أو المقرصن لصالح الكتاب الورقي الذي ارتفعت مبيعاته عالمياً".
مع ذلك، لم يكن التطور الإلكتروني سلبياً بالكامل على سوق الكتب كما يستدرك هادي، "ففي بعض الأحيان يفيد ويوسع رقعة مبيعات الكتب، كما أن كثير من القراء يخضعون لسطوة مواقع التواصل والمؤثرين يساعدون في بروز بعض الكتب إلى الواجهة".
ويتفق جبار مع هادي فيما يتعلق بعودة الكتاب الورقي إلى الواجهة، "عبر ما نراه اليوم من توسّع في شبكة المعارض التي تقام للكتاب، وإنشاء مراكز ثقافية أشبه بشارع المتنبي في العاصمة كشارع الفراهيدي بالبصرة وشارع الحبوبي في الناصرية والمجموعة الثقافية في الموصل".
هذه المشاريع والشوارع التي يتم افتتاحها في العراق كما يرى جبار "جميعها تثبت أن القارئ النهم للكتب الورقية ما يزال موجوداً، وان للكتاب الورقي لذة خاصة عند القراءة لا يمكن الحصول عليها عبر التطلع إلى الشاشة".
ويعتبر جبار أن "وضع الكتاب في أحسن حالاته، فبغداد اليوم تكتب وتترجم وتطبع وتنشر في مختلف المجالات، كما إن العراق يصدر الكتب عبر المعارض التي يشارك فيها خارج البلد".
من مبادرة إلى مهرجان سنوي
بعض من مظاهر ولع العراقيين بالقراءة كما يقول عامر مؤيد رئيس منظمة "أنا عراقي أنا أقرأ"، "تبدو جلية من خلال العديد من معارض الكتب التي تقام في بغداد، كمعرض بغداد الدولي ومعرض العراق ومهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ"، والتي تشهد حضور آلاف الرواد والمهتمين بالكتب".
ويقول مؤيد لـ "ارفع صوتك" أن المهرجان الذي يدشن اليوم عامه العاشر "مؤشر إلى مدى اهتمام العراقيين بالكتب، ففي العام الأول بدأنا العمل كمبادرة فردية ثقافية لإحياء القراءة والتشجيع عليها من خلال توزيع الكتب مجاناً على المواطنين".
وكانت النسخة الأولى من مهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ" انطلقت العام 2013 بمبادرة من كتاب ومثقفين وناشطين، وبمشاركة دور نشر ومتبرعين بالكتب بهدف استقطاب الشباب للقراءة من خلال توزيع آلاف الكتب الورقية مجاناً على زوار المهرجان.
ويعتمد المهرجان في خزينه من الكتب على التبرعات من شخصيات ثقافية ومنظمات ودور نشر، بالإضافة إلى صندوق المتنبي الذي وضعته المبادرة في شارع المتنبي والذي يتم تغذيته من خلال شراء رواد الشارع للكتب أو من خلال تبرعهم بمكتباتهم الشخصية.
توسع المهرجان شيئاً فشيئاً "وفي النسخة التاسعة منه امتدت فعالياته إلى سبع محافظات عراقية بالإضافة الى العاصمة بغداد وهي كل من البصرة ونينوى وميسان والأنبار وديالى والديوانية، عُرض فيها سبعون ألف كتاب بمختلف العناوين الأدبية والعلمية تم توزيعها بالكامل" يقول مؤيد.
وهو أمر، بحسب مؤيد، "يشير بوضوح إلى اهتمام العراقيين بالقراءة وارتباطهم بالكتاب الورقي رغم التطور التكنولوجي ومنافسة مواقع التواصل وانتشار الكتب الإلكترونية".