Iraqis shop for books in al-Mutanabi Street, home to the city's book market in Baghdad, Iraq, Friday, July 26, 2019. (AP Photo…
شهد "المتنبي" في السنوات القليلة الماضية رواجاً في الطلب على الكتب باللغة الإنكليزية- أرشيفية

يعشق كثير من العراقيين قراءة الروايات والشعر والكتب الإشكالية المثيرة للجدل، ويتأثرون في اتجاهات القراءة لديهم بمشاهير مواقع التواصل والأحداث السياسية في البلد. ورغم التطور التكنولوجي إلا أن إقبال العراقيين على شراء الكتاب الورقي لا يزال عالياً.

وتتشعب اتجاهات القراءة في العراق اليوم بتشعب أذواق القرّاء، "لكن، في المجمل فإن خزان القراءة الرئيسي هم طبقة الشباب الذين يقرأون الروايات بالدرجة الأولى، ويبدون اهتماماً بكتب التنمية البشرية بالدرجة الثانية"، بحسب مدير دار "الرافدين" للنشر محمد هادي لـ" ارفع صوتك".

ويضيف هادي، الذي يشارك في معرض بغداد الدولي للكتاب في دورته الرابعة والعشرين، أن "القراء الشباب العراقيين، يتأثرون بما ينشره المؤثرون على مواقع التواصل بشكل كبير، ويتابعون الخليجيين منهم بدرجة الرئيسية". ولهذا السبب "نجد كتباً لدور نشر خليجية تباع في العراق بكميات كبيرة، سواء كانت لها حقوق نشر أصلية، أو إذا كانت مستنسخة دون حقوق".

وبالإضافة إلى الشباب "هناك طبقتان ثريتان معرفياً من القراء في العراق، وهي طبقة الأكاديميين والدارسين ومقتني الكتب المنهجية وهي ثابتة". أما الطبقة الثالثة من القراء "فهم من نسميهم القراء المحترفين الذين يقرأون بعمق، في التاريخ والفلسفة والكتب الإشكالية التي تثير أسئلة كبيرة وتحفّز على تشغيل العقل".

أثر مواقع التواصل "هائل"

يتفق أحمد جبّار وهو مسؤول في دار نشر "آشور بأنيبال" في شارع المتنبي مع ما ذهب إليه هادي إلى حد كبير، فالذائقة العراقية كما يقول جبّار لـ "ارفع صوتك"، "تميل إلى الرواية بكل اشكالها وجنسيات كتابها بالمقام الأول، وكتب الشعر على المستوى المحلي، وكتب التنمية البشرية".

ويبين أن :"الشعراء العراقيين يتربعون على قمة المبيعات ولا ينزلون عنها منذ سنوات، وهم في الشعر الفصيح الجواهري ونازك الملائكة ومظفر النواب، وفي الشعبي عريان السيد خلف وكاظم إسماعيل كاطع"، بحسب جبّار.

وهناك دائماً، كما يقول جبار، "الجانب الأكاديمي حيث يطلب رواد المتنبي من الطلاب والأساتذة والمهتمين، كتب التاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا". كما شهد "المتنبي" في السنوات القليلة الماضية "رواجاً في الطلب على الكتب المكتوبة باللغة الإنكليزية، بعد الانفتاح الكبير على العالم ورغبة الأهل بتطوير قدرات أبنائهم فيما بتعلق بإتقان اللغات، والأمر ذاته بنسبة أقلّ، ينطبق على اللغة الفرنسية" .

وبحسب جبّار فإن "تقلبات سوق الكتب تتأثر بالأحداث الجارية في البلد بسبب الأحداث السياسية والاجتماعية". يعطي على ذلك مثلاً، "عندما اندلعت ثورة تشرين العام 2019، تحول الطلب إلى كل ما يحمل عنوان الثورة أو تشرين أو أكتوبر وأصبحت الكتب التي تحمل هذه العناوين الأكثر طلباً ومبيعاً في المتنبي".

ويعتبر شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد واحداً من أشهر الشوارع الثقافية في العراق ومن أهم مراكز تجارة الكتب بمختلف أنواعها، وهو مقر للعديد من دور النشر ويشهد فعاليات ثقافية واجتماعية عديدة تنشط بشكل خاص في يوم الجمعة من كل أسبوع.

وفي رده على سؤال لـ"ارفع صوتك" يتعلق بأثر التكنلوجيا على حركة سوق الكتب اعتبر جبار إن :"أهم المؤثرات الخارجية على حركة الكتب تتعلق بتناول مؤثري مواقع التواصل لأحد العناوين على صفحاتهم". ونتيجة لذلك "يزداد الطلب عليه بصورة كبيرة، وأحياناً يستمر الكتاب على قائمة الأكثر مبيعا لأشهر، وهي حالة تكررت لعدة مرات في المتنبي".

لكن، الحالة تعتبر "إلى حد كبير عالمية" كما يقول هادي لـ"ارفع صوتك" :"فالكتب الأكثر طلباً والتي تتربع على قمة الأكثر مبيعاً تتأثر بتداولها من قبل مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، بل يمكننا اعتبار السوشيل ميديا المؤثر رقم واحد على حركة بيع الكتب في العصر الحديث".

الكتاب الورقي "ينتصر"

يثير موضوع تفضيل الكتاب الإلكتروني على الورقي الجدل فيما يتعلق بتأثير التطور التكنولوجي على سوق الكتاب الورقي عالمياً.

ويوضح هادي أن التطور التكنولوجي "أثّر على الكتاب الورقي في سنوات سابقة يمكن تحديدها للفترة من العام 2010 لغاية العام 2017 حين كانت الكتب يتم قرصنتها وتنزيلها على شبكة الإنترنت من دون حقوق". لكن بعد ذلك العام "حدث انحسار للكتاب الإلكتروني الذي يباع على المواقع المتخصصة أو المقرصن لصالح الكتاب الورقي الذي ارتفعت مبيعاته عالمياً".

مع ذلك، لم يكن التطور الإلكتروني سلبياً بالكامل على سوق الكتب كما يستدرك هادي، "ففي بعض الأحيان يفيد ويوسع رقعة مبيعات الكتب، كما أن كثير من القراء يخضعون لسطوة مواقع التواصل والمؤثرين يساعدون في بروز بعض الكتب إلى الواجهة".

ويتفق جبار مع هادي فيما يتعلق بعودة الكتاب الورقي إلى الواجهة، "عبر ما نراه اليوم من توسّع في شبكة المعارض التي تقام للكتاب، وإنشاء مراكز ثقافية أشبه بشارع المتنبي في العاصمة كشارع الفراهيدي بالبصرة وشارع الحبوبي في الناصرية والمجموعة الثقافية في الموصل".

هذه المشاريع والشوارع التي يتم افتتاحها في العراق كما يرى جبار "جميعها تثبت أن القارئ النهم للكتب الورقية ما يزال موجوداً، وان للكتاب الورقي لذة خاصة عند القراءة لا يمكن الحصول عليها عبر التطلع إلى الشاشة".

ويعتبر جبار أن "وضع الكتاب في أحسن حالاته، فبغداد اليوم تكتب وتترجم وتطبع وتنشر في مختلف المجالات، كما إن العراق يصدر الكتب عبر المعارض التي يشارك فيها خارج البلد".

من مبادرة إلى مهرجان سنوي

بعض من مظاهر ولع العراقيين بالقراءة كما يقول عامر مؤيد رئيس منظمة "أنا عراقي أنا أقرأ"، "تبدو جلية من خلال العديد من معارض الكتب التي تقام في بغداد، كمعرض بغداد الدولي ومعرض العراق ومهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ"، والتي تشهد حضور آلاف الرواد والمهتمين بالكتب".

ويقول مؤيد لـ "ارفع صوتك" أن المهرجان الذي يدشن اليوم عامه العاشر "مؤشر إلى مدى اهتمام العراقيين بالكتب، ففي العام الأول بدأنا العمل كمبادرة فردية ثقافية لإحياء القراءة والتشجيع عليها من خلال توزيع الكتب مجاناً على المواطنين".

وكانت النسخة الأولى من مهرجان "أنا عراقي أنا أقرأ" انطلقت العام 2013 بمبادرة من كتاب ومثقفين وناشطين، وبمشاركة دور نشر ومتبرعين بالكتب بهدف استقطاب الشباب للقراءة من خلال توزيع آلاف الكتب الورقية مجاناً على زوار المهرجان.

ويعتمد المهرجان في خزينه من الكتب على التبرعات من شخصيات ثقافية ومنظمات ودور نشر، بالإضافة إلى صندوق المتنبي الذي وضعته المبادرة في شارع المتنبي والذي يتم تغذيته من خلال شراء رواد الشارع  للكتب أو من خلال تبرعهم بمكتباتهم الشخصية.

توسع المهرجان شيئاً فشيئاً "وفي النسخة التاسعة منه امتدت فعالياته إلى سبع محافظات عراقية بالإضافة الى العاصمة بغداد وهي كل من البصرة ونينوى وميسان والأنبار وديالى والديوانية، عُرض فيها سبعون ألف كتاب بمختلف العناوين الأدبية والعلمية تم توزيعها بالكامل" يقول مؤيد.

وهو أمر، بحسب مؤيد، "يشير بوضوح إلى اهتمام العراقيين بالقراءة وارتباطهم بالكتاب الورقي رغم التطور التكنولوجي ومنافسة مواقع التواصل وانتشار الكتب الإلكترونية".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".