صورة من فيلم "ولد في غزة"
صورة من فيلم "ولد في غزة"

تتجه أنظار العالم اليوم إلى قطاع غزة، نتيجة الحرب المشتعلة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية مسلحة أبرزها حركة حماس، التي أسفرت عن مقتل 7326 فلسطينياً بينهم 3038 طفلاً، بحسب أرقام وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، ومقتل أكثر من 1400 إسرائيلي.

وإذ تشهد مواقع التواصل تداولاً كبيراً للمعلومات والصور ومقاطع الفيديو والحوارت، بمختلف اللغات، التي تأتي من مختلف أنحاء العالم، لتسليط الضوء على سياقات هذه الحرب وأبعادها وتحليلات لما يمكن أن تؤول إليه، يذهب البعض أيضاً للأعمال الوثائقية والدرامية، ليتبيّن تفاصيل أخرى تتعلق بالحياة في قطاع غزة.

من بين هذه الأفلام اخترنا أربعة، تنوع إنتاجها بين الفلسطيني والدولي، بعضها شارك في مهرجانات دولية.

 

"الحرب من حولنا" 

نشأت فكرة فيلم "الحرب من حولنا" من صدفة وضعت صحافيين أجانب داخل قطاع غزة في مواجهة تجربة القصف الإسرائيلي على مدى ثلاثة أسابيع بين أواخر عام 2008 وبداية 2009.

ويشهد على "واحدة من أكثر الأماكن المحاصرة على وجه الأرض" كما يرد في النبذة عنه.

يشارك فيه المخرج عبد الله عميش، تجربة الصحافيين الأميركي أيمن محيي الدين، والبريطانية شيرين تادرس، أثناء مشاركتهما لقطات لم تُعرض من قبل وشهادات شخصية مؤثرة من قلب الحدث من مدينة غزة طوال فترة الغارات على القطاع. 

 

 

"إستروبيا " 

يتناول الفيلم الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الإسكندرية السينمائي، قصصا حقيقية داخل مجتمع غزة. ويفتح نافذة على يوميات المجتمع الغزاوي حيث يخيم الظلام المدقع مع غروب الشمس وحيث تتلاصق المباني لدرجة أن الشباب قد يتنقلون قفزا عن السطوح عوضا عن سلوك الأزقة والطرقات، حيث تنتشر في المنازل صور لأفراد العائلات الذين قتلوا في الحروب.

يمنح في أكثر من مشهد نظرة على أحياء غزة ورسوم "الغرافيتي" والكتابات التي تعكس طموحات شبابها ومعاناتهم في قالب اجتماعي وإنساني.

كما يتطرق الفيلم لمحاولات الشباب الخروج من القطاع والهجرة التي تشوبها المخاطر تحت جنح الظلام (أحد الأمثلة شاب حاول الخروج 5 مرات) في مراكب بلا سترات نجاة، ثم التعرض لإطلاق النار في عرض البحر وانفجار القارب في النهاية، ليظهر كأن الموت يحاصر أهل غزة من جميع الجهات. 

 

 

"مولود في غزة"

يعكس هذا الفيلم بعيون أطفال غزة، مأساة القطاع الذي يرزح تحت ثقل الحصار، من خلال وصف الآثار الجسدية والنفسية للأطفال المعرضين في أي لحظة لفقدان الأهل أو الإخوة.

يشارك قصص 10 أطفال، من خلال عرض ما تبدو عليه حياتهم اليومية خلال حرب غزة عام 2014 وحجم الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع.

كما يسلط الضوء على حرمان هؤلاء الأطفال من عيش طفولتهم بشكل طبيعي، إضافة للفقر والخراب والشعور بأن الموت يحاصر سكان غزة من كل صوب وفقدان الأمل بسبب الصدمة الجماعية التي تتكرر كلما اندلعت حرب جديدة. 

وينقل الفيلم الألم بدرجات، حيث يواجه المشاهد معاناة الأطفال من الفقر المدقع والجوع (البحث في القمامة) ورؤية الأحبة وهم يحتضرون (الأخ الذي يرى أخاه يلفظ أنفاسه الأخيرة) وصولا للتعرض للرصاص (فتاة صغيرة تصاب في بطنها) أو فقدان الحياة بسبب عجز الكادر الطبي عن توفير الخدمات للجميع (طفل يموت في الوقت نفسه الذي يحاول فيه والده مساعدة طفل آخر). 

 

"غزة: الصحة تحت الحصار"

يروي الفيلم مثلما يظهر من عنوانه، طبيعة عمل الطواقم الطبية على وقع الحصار والحروب المتكررة.

ومن مظاهر الأزمة التي يعيشونها، صعوبة تأمين المياه النظيفة وأنظمة إدارة النفايات أو الطاقة لغرف الطوارئ داخل المستشفى.

يشارك الفيلم في قالب إنساني درامي الجهود التي يبذلها الأطباء ومساعدوهم بهدف الحفاظ على أدنى نسبة من الصحة للآخرين على الرغم من شح الموارد وافتقار المستشفيات للإمدادات والمعدات الطبية الأساسية. 

ويضع العمل المشاهد بمواجهة الواقع المرير تحت الحصار والشعور الثقيل بالعجز عن إحداث أي تغيير، التي تجبر الطبيب الذي أقسم على إنقاذ مرضاه على تحدي نفسه في معضلة أخلاقية تجبره على الاختيار بين أولوية علاج شخص وآخر واتخاذ قرار الحياة أو الموت في كل لحظة.

 

مواضيع ذات صلة:

صورة أرشيفية ملتقطة من فيديو مسجل لنشرة أخبار قدمها غازي فيصل أثناء عمله داخل العراق
صورة أرشيفية ملتقطة من فيديو مسجل لنشرة أخبار قدمها غازي فيصل أثناء عمله داخل العراق

في العاشر من ديسمبر الجاري، تحلّ ذكرى وفاة "شيخ المذيعين العراقيين" غازي فيصل، الذي يُعتبر من أبرز الوجوه في تاريخ الإعلام العراقي. عمل نحو ٤٠ عاماً في تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية.

عاش فيصل سنواته الأخيرة في مصر، البلد الذي توفي فيه أيضاً إثر سكتة قلبية، وأعيدت جثمانه ليُدفن في مقبرة وادي السلام بمحافظة النجف العراقية. تعتبر هذه المقبرة أكبر مقبرة في العالم.

 

حفيد الثوار

 

غازي فيصل هو حفيد شخيّر الهيمص، أحد قادة "ثورة العشرين" (1920) ضد الاحتلال البريطاني. اعتاد جده استضافة اجتماعات الثوار في منزله. قبض عليه الإنجليز وأودعوه في سجن الحلّة العسكري برفقة عددٍ كبير من رموز الثورة، وهي واقعة خلّدها الشاعر السيد هبة الدين الشهرستاني في قصيدة ذكر فيها أسماء قادة الثورة من ضمنهم "شخير من آل البوسلطان/ ثم الفتى أمين أبو نعمان".

حُكم على الهيمص بالإعدام سنة 1922، فنعته جريدة الوقائع العراقية الرسمية، ثم بعث الملك فيصل عزاءً إلى أخيه الشيخ عبود الذي شارك بدوره في أحداث الثورة، وبعدها بـ20 عاماً قاد أبناء عشيرته لمقارعة الجيش البريطاني فور اندلاع "ثورة الكيلاني" (1941)، بحسب كتاب "ذكريات وخواطر: عن أحداث عراقية في الماضي القريب" لعبود الهيمص.

كثيراً ما عبّر غازي عن سعادته وفخره بجذوره الثورية، معتبراً أن إعدام جده "واحدة من اللحظات التي صنعت مجد أسرته"، كما قال في إحدى المقابلات. وأضاف "أفخر جداً أن جدي وإخوته شاركوا في هذه الثورة الكبرى التي كانت سبباً في أن ينال العراق حُكماً وطنياً".

 

مذيع النشرة الرسمية

 

حسبما روى في حوارٍ له، فإن موهبة فيصل الخطابية ظهرت مبكراً، حتى أن أستاذه في اللغة العربية تنبّأ له بأنه سيُصبح مذيعاً، وكان يشجّعه بِاستمرار على الانضمام إلى مهرجانات الخطابة خلال المرحلة الإعدادية، حيث حقّق المرتبة الأولى في أغلب المسابقات.

بعد اتمامه دراسته عام 1965، تقدّم فيصل بطلبٍ إلى هيئة إذاعة بغداد للعمل كمذيع، فخضع لاختبارٍ ترأسه أستاذ اللغة الشهير مصطفى جواد، الذي وافق على إلحاقه بفريق المذيعين. حينها كانت الإذاعة العراقية تعجُّ بعددٍ كبير من المذيعين الأكفاء، مثل سعاد الهرمزي ومحمد علي كريم وحافظ القباني وإبراهيم الزبيدي، وغيرهم.

في بداية رحلته الإذاعية عمل تحت إشراف المذيع الراحل سليم المعروف، ولم يُطلّ حينذاك إلا بنشراتٍ بسيطة يقول فيها عبارات موجزة، حتى وقع حدثٍاً طارئاً اعتذر بموجبه المذيع الرئيس عبداللطيف السعدون، فاضطر المعروف إلى تكليف فيصل بالأمر.

عقب نجاحه في أداء النشرة اعتمد في مهام أكثر صعوبة. عزا فيصل الفضل في رفع كفاءته إلى بيئة العمل داخل المؤسسة الإعلامية العراقية، التي لم تكتفِ فقط بإعداد "مذيعيين" بل "إذاعيين" شاملين، ليسوا قادرين فقط على قراءة الأخبار ولكن كتابتها وتحريرها وإعدادها وإخراجها إذاعياً، وفق تعبيره.

من "راديو بغداد"، انتقل فيصل إلى "تلفزيون العراق" عام 1966، وكان يترأّسه الإعلامي أنور السامرائي.

بدأ بقراءة نشرات الأخبار، ثم صار من الوجوه الإعلامية الناطقة بلسان نظام صدام حسين، خاصةً مع إطلالاته الشهيرة على التلفزيون الرسمي ليُلقي آخر أنباء العمليات القتالية مع إيران ثم مع الكويت لاحقاً.

في كتابه "شاي وخبز"، علّق الروائي العراقي خضير الزيدي على طريقة اختيار مذيعي التلفزيون العراقي خلال حقبة صدام حسين، قائلاً: "نشرة الأخبار الرئيسية تمرُّ عبر آلية معقدة للموافقة السياسية لتقديم ما يُوجب تقديمه من الزيارات (الميمونة)".

"ومذيع الأخبار تم اختياره وفق التوجه (الثوري المرعب) بشاربه الكث وصوته الجهوري وقسمات وجهه القاسية، إنه فصل من الرعب العراقي. من رشدي عبد الصاحب إلى غازي فيصل"، أضاف الزيدي.

لم يقتصر دور فيصل على إلقاء النشرات الإخبارية، فكثيراً ما كان يقوم بالسفر إلى الدول العربية لتغطية مؤتمرات القمة ونقل مراسم الحج وإجراء مقابلات مع بعض القادة مثلما فعل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

كما شغل عدة مناصب إدارية رفيعة في هيئة التلفزيون وترأّس أقسامٍ شتى داخل التلفزيون والإذاعة، فعُيّن مديراً لإذاعة بغداد وإذاعة "صوت الجماهير" ثم مديراً للإذاعات الدولية.

 

مغادرة العراق

 

فور سقوط نظام صدام حسين، اقتحم عدد من المحتجين مبنى الإذاعة وأحرقوا بعضاً من أرشيفها بما حوته من تاريخ شخصي لغازي فيصل، لذا اعتبرها واحدةً من اللحظات المؤلمة في حياته.

في عام 2006 قرّر فيصل الرحيل عن العراق بسبب تردّي الأوضاع الأمنية (بداية الحرب الطائفية) مغادراً صوب مصر. 

ورغم الغياب، استمر تواجده على الساحة الإعلامية العراقية. يقول إحسان السامرائي في كتابه "الفضائيات الإخبارية: دورها في توجيه الرأي العام سياسياً"، إنه التقى بفيصل عام 2013 حين كان يعمل مديراً لبرامج قناة "البغدادية"، التي بدأ بثّها في سبتمبر 2005 بتمويلٍ من رجل الأعمال العراقي عون حسين الخشلوك.

وكشف فيصل للسامرائي، أن القناة يعمل بها قرابة 450 فرداً، يتوزعون في مكاتب "البغدادية" المنتشرة داخل بريطانيا ومصر والأردن وسوريا والعراق وعددٍ من الدول الإسكندنافية.

بعد انتهاء تجربته في هذه القناة لم يلتحق بمؤسسة إعلامية أخرى، لكنه لم يبتعد كثيراً عن العراق وأخباره بعدما ظهر عدة مرات كمُحللٍ في محطات تلفزيونية مصرية للتعليق على أحداث خاصة بالشأن العراقي، أو في محطات عراقية يعبّر فيها عن مدى اشتياقه إلى أرض الوطن.

قال  فيصل في إحدى هذه اللقاءات "أنا بغداد، فهي تسري في دمي وشراييني ولا يمكن إلا أن تعيش معي".

في 10 ديسمبر 2021، تعرّض فيصل لسكتة قلبية، نقل على إثرها  لإحدى مستشفيات القاهرة، وتوفي هناك، عن عُمر 76 عاماً.

نُقل جثمان فيصل إلى بغداد ليُدفن في ترابها حسب وصيته، ليحظى في بلده بجنازة مؤثرة شهدت حضوراً بارزاً رُفعت فيه لافتات قالت "وداعاً أبا علي.. شيخ المذيعين".