بعض رسومات الكاريكاتير للفنانة أماني العلي، بطلة الفيلم الوثائقي- فرانس برس
بعض رسومات الكاريكاتير للفنانة أماني العلي، بطلة الفيلم الوثائقي- فرانس برس

حاز فيلم وثائقي سوري تم تصويره في إدلب، على جائزة بمهرجان "Grand Bivouac" الفرنسي، وذلك بعد حصوله في أبريل الماضي على جائزة أفضل سلسلة وثائقية في مهرجان "كان" الدولي، خلال المسابقة السنوية التي شاركت بها أفلام وثائقية من عدة دول.

ويمثّل فيلم "أماني خلف الخطوط" جزءاً من ستة أفلام وثائقية بعنوان (أرسم من أجل التغيير)، تتناول قصص حياة رسامات كاريكاتير حول العالم، بينهن رسامة الكاريكاتير السورية أماني العلي.

ويتحدث الفيلم عن جهودها في تحسين أوضاع النساء في منطقتها (إدلب) في ظل ظروف الحرب، ومعاناتهن لتحصيل حقوقهن المجتمعية، وكذلك القدرة على إحداث التغيير رغم الظروف الصعبة والاستثنائية.

وجاء الفيلم بإخراج مشترك من آلاء عامر وأليسار حسن، بينما أشرف عبدو فياض على عمليات التصوير والإضاءة والصوت، وشارك في صناعته فريق إنتاج ومتابعة من عدة دول، واستغرق تصوير الفيلم ثلاث سنوات اضطرت خلالها المخرجتان للعمل عن بعد نظراً إلى خطورة الوضع على الأرض في إدلب.

تقول عامر، لموقع "ارفع صوتك"، إنها قرّرت مع  بحكم الزمالة والصداقة بينهما، العمل على مشروع خاص بهما، ونظراً لأن لدى الأخيرة تجربة في العمل في أفلام وثائقية ـ هي كاتبة سيناريو فيلم "الكهف" الذي ترشح للأوسكار عام 2020 ـ  أتت فكرة العمل معاً على فيلم وثائقي.

فيما توضح حسن، أنها وعامر كانتا تبحثان عن طريقة مختلفة للحديث عن حكايا الناس في إدلب بطريقة اجتماعية، بدلاً من استعراض المأساة والألم الذي يعيشونه بشكل فجّ ومباشر. 

وتضيف لـ"ارفع صوتك"، أنها عثرت على تقرير عن أماني، وهي رسامة كاريكاتير سياسي تعيش في إدلب، فتواصلت معها وعرضت عليها فكرة عمل فيلم وثائقي عن حياتها، ووافقت أماني على الفور. 

"رسامة مناضلة وعاشقة غير تقليدية".. فيلم عن امرأة سورية ينال جائزة دولية
فاز الفيلم الوثائقي السوري "أماني خلف الخطوط" مؤخراً، بجائزة أفضل عمل وثائقي في مهرجان  كان الدولي للوثائقيات المتسلسلة (Canneseries).ويتناول الفيلم الذي أخرجته السوريتان أليسار الحسن وآلاء عامر، قصة كفاح أماني العلي، كأول رسامة كاريكاتير في إدلب ومناطق المعارضة السورية.

تشرح حسن الصعوبات التي واجهتها وآلاء أثناء إعداد الفيلم، "أهمّها مشكلة التمويل، حيث بدأتا  بتمويل ذاتي لمدة عام، قبل العثور على شركة إنتاج، بالإضافة إلى تحدّيات التصوير مع أماني عن بُعد، وصعوبة إعطاء المصوّر التعليمات ونحن لسنا موجودين في المكان، حيث كنا ننتظر أياماً إلى أن تصلنا المواد المصورة للاطلاع عليها"، وفق قولها.

وتتابع عامر الحديث عن هذه الجزئية: "واجهنا إشكالية تتعلق بدخول المصور في بيت أهل أماني، التي كان عليها أن تُقنع أهلها بالموافقة على دخول مصوّر شاب إلى البيت والتصوير معها، وهي ابنة بيئة محافظة، غير أن أماني تغلّبت على هذا الحاجز بشخصيتها القوية وقدرتها على الإقناع، وعبر ثقة  عائلتها بها ودعمها إياها".

وحول إشكالية وجود مخرجين اثنين في فيلم واحد من حيث توزيع الأدوار والمهام، تتحدث عامر عن أن "تشابه الأفكار" بينها وبين حسن ساعدهما في تخطّي هذه الصعوبة، فيما بدت بصماتهما في الفيلم متقاربة إلى حد التطابق.

تبين المخرجتان أنهما أرادتا من خلال هذا الوثائقي، إظهار الحياة اليومية لأماني، بحيث يشعر المُشاهد أنه أمام مشاهد واقعية، ولذلك كان المصوّر فيّاض يقضي أياماً في بيت أهل أماني، يصوّر تفاصيل في حياتها اليومية، ويرصد كذلك النساء اللواتي كانت تعطيهن دروساً في الرسم. 

ولأن الفيلم تم تصويره في إدلب فلا بدّ من رصد الأجواء في هذه المحافظة التي لا تزال تعيش تحت وقع القصف المتكرر لقوات النظام السوري، وفي بعض الأحيان كان الفريق يعمل مع أماني تحت ظروف القصف المفاجئ، الذي أصبح كأنه أمراً اعتيادياً وجزءاً من الروتين اليومي، فكان الفريق يستمر في العمل.

وتختم عامر حديثها بالقول، إن فيلم "أماني خلف الخطوط" شارك في عدة مهرجانات بدول أوروبية، بينها مهرجان "كان" في فرنسا، ومهرجان "حريات" في بلجيكا، إضافة إلى مشاركات في سويسرا وكندا، لكنه لم يشارك بعد في مهرجانات عربية، آملة في حدوث ذلك.

مواضيع ذات صلة:

صورة أرشيفية ملتقطة من فيديو مسجل لنشرة أخبار قدمها غازي فيصل أثناء عمله داخل العراق
صورة أرشيفية ملتقطة من فيديو مسجل لنشرة أخبار قدمها غازي فيصل أثناء عمله داخل العراق

في العاشر من ديسمبر الجاري، تحلّ ذكرى وفاة "شيخ المذيعين العراقيين" غازي فيصل، الذي يُعتبر من أبرز الوجوه في تاريخ الإعلام العراقي. عمل نحو ٤٠ عاماً في تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية.

عاش فيصل سنواته الأخيرة في مصر، البلد الذي توفي فيه أيضاً إثر سكتة قلبية، وأعيدت جثمانه ليُدفن في مقبرة وادي السلام بمحافظة النجف العراقية. تعتبر هذه المقبرة أكبر مقبرة في العالم.

 

حفيد الثوار

 

غازي فيصل هو حفيد شخيّر الهيمص، أحد قادة "ثورة العشرين" (1920) ضد الاحتلال البريطاني. اعتاد جده استضافة اجتماعات الثوار في منزله. قبض عليه الإنجليز وأودعوه في سجن الحلّة العسكري برفقة عددٍ كبير من رموز الثورة، وهي واقعة خلّدها الشاعر السيد هبة الدين الشهرستاني في قصيدة ذكر فيها أسماء قادة الثورة من ضمنهم "شخير من آل البوسلطان/ ثم الفتى أمين أبو نعمان".

حُكم على الهيمص بالإعدام سنة 1922، فنعته جريدة الوقائع العراقية الرسمية، ثم بعث الملك فيصل عزاءً إلى أخيه الشيخ عبود الذي شارك بدوره في أحداث الثورة، وبعدها بـ20 عاماً قاد أبناء عشيرته لمقارعة الجيش البريطاني فور اندلاع "ثورة الكيلاني" (1941)، بحسب كتاب "ذكريات وخواطر: عن أحداث عراقية في الماضي القريب" لعبود الهيمص.

كثيراً ما عبّر غازي عن سعادته وفخره بجذوره الثورية، معتبراً أن إعدام جده "واحدة من اللحظات التي صنعت مجد أسرته"، كما قال في إحدى المقابلات. وأضاف "أفخر جداً أن جدي وإخوته شاركوا في هذه الثورة الكبرى التي كانت سبباً في أن ينال العراق حُكماً وطنياً".

 

مذيع النشرة الرسمية

 

حسبما روى في حوارٍ له، فإن موهبة فيصل الخطابية ظهرت مبكراً، حتى أن أستاذه في اللغة العربية تنبّأ له بأنه سيُصبح مذيعاً، وكان يشجّعه بِاستمرار على الانضمام إلى مهرجانات الخطابة خلال المرحلة الإعدادية، حيث حقّق المرتبة الأولى في أغلب المسابقات.

بعد اتمامه دراسته عام 1965، تقدّم فيصل بطلبٍ إلى هيئة إذاعة بغداد للعمل كمذيع، فخضع لاختبارٍ ترأسه أستاذ اللغة الشهير مصطفى جواد، الذي وافق على إلحاقه بفريق المذيعين. حينها كانت الإذاعة العراقية تعجُّ بعددٍ كبير من المذيعين الأكفاء، مثل سعاد الهرمزي ومحمد علي كريم وحافظ القباني وإبراهيم الزبيدي، وغيرهم.

في بداية رحلته الإذاعية عمل تحت إشراف المذيع الراحل سليم المعروف، ولم يُطلّ حينذاك إلا بنشراتٍ بسيطة يقول فيها عبارات موجزة، حتى وقع حدثٍاً طارئاً اعتذر بموجبه المذيع الرئيس عبداللطيف السعدون، فاضطر المعروف إلى تكليف فيصل بالأمر.

عقب نجاحه في أداء النشرة اعتمد في مهام أكثر صعوبة. عزا فيصل الفضل في رفع كفاءته إلى بيئة العمل داخل المؤسسة الإعلامية العراقية، التي لم تكتفِ فقط بإعداد "مذيعيين" بل "إذاعيين" شاملين، ليسوا قادرين فقط على قراءة الأخبار ولكن كتابتها وتحريرها وإعدادها وإخراجها إذاعياً، وفق تعبيره.

من "راديو بغداد"، انتقل فيصل إلى "تلفزيون العراق" عام 1966، وكان يترأّسه الإعلامي أنور السامرائي.

بدأ بقراءة نشرات الأخبار، ثم صار من الوجوه الإعلامية الناطقة بلسان نظام صدام حسين، خاصةً مع إطلالاته الشهيرة على التلفزيون الرسمي ليُلقي آخر أنباء العمليات القتالية مع إيران ثم مع الكويت لاحقاً.

في كتابه "شاي وخبز"، علّق الروائي العراقي خضير الزيدي على طريقة اختيار مذيعي التلفزيون العراقي خلال حقبة صدام حسين، قائلاً: "نشرة الأخبار الرئيسية تمرُّ عبر آلية معقدة للموافقة السياسية لتقديم ما يُوجب تقديمه من الزيارات (الميمونة)".

"ومذيع الأخبار تم اختياره وفق التوجه (الثوري المرعب) بشاربه الكث وصوته الجهوري وقسمات وجهه القاسية، إنه فصل من الرعب العراقي. من رشدي عبد الصاحب إلى غازي فيصل"، أضاف الزيدي.

لم يقتصر دور فيصل على إلقاء النشرات الإخبارية، فكثيراً ما كان يقوم بالسفر إلى الدول العربية لتغطية مؤتمرات القمة ونقل مراسم الحج وإجراء مقابلات مع بعض القادة مثلما فعل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

كما شغل عدة مناصب إدارية رفيعة في هيئة التلفزيون وترأّس أقسامٍ شتى داخل التلفزيون والإذاعة، فعُيّن مديراً لإذاعة بغداد وإذاعة "صوت الجماهير" ثم مديراً للإذاعات الدولية.

 

مغادرة العراق

 

فور سقوط نظام صدام حسين، اقتحم عدد من المحتجين مبنى الإذاعة وأحرقوا بعضاً من أرشيفها بما حوته من تاريخ شخصي لغازي فيصل، لذا اعتبرها واحدةً من اللحظات المؤلمة في حياته.

في عام 2006 قرّر فيصل الرحيل عن العراق بسبب تردّي الأوضاع الأمنية (بداية الحرب الطائفية) مغادراً صوب مصر. 

ورغم الغياب، استمر تواجده على الساحة الإعلامية العراقية. يقول إحسان السامرائي في كتابه "الفضائيات الإخبارية: دورها في توجيه الرأي العام سياسياً"، إنه التقى بفيصل عام 2013 حين كان يعمل مديراً لبرامج قناة "البغدادية"، التي بدأ بثّها في سبتمبر 2005 بتمويلٍ من رجل الأعمال العراقي عون حسين الخشلوك.

وكشف فيصل للسامرائي، أن القناة يعمل بها قرابة 450 فرداً، يتوزعون في مكاتب "البغدادية" المنتشرة داخل بريطانيا ومصر والأردن وسوريا والعراق وعددٍ من الدول الإسكندنافية.

بعد انتهاء تجربته في هذه القناة لم يلتحق بمؤسسة إعلامية أخرى، لكنه لم يبتعد كثيراً عن العراق وأخباره بعدما ظهر عدة مرات كمُحللٍ في محطات تلفزيونية مصرية للتعليق على أحداث خاصة بالشأن العراقي، أو في محطات عراقية يعبّر فيها عن مدى اشتياقه إلى أرض الوطن.

قال  فيصل في إحدى هذه اللقاءات "أنا بغداد، فهي تسري في دمي وشراييني ولا يمكن إلا أن تعيش معي".

في 10 ديسمبر 2021، تعرّض فيصل لسكتة قلبية، نقل على إثرها  لإحدى مستشفيات القاهرة، وتوفي هناك، عن عُمر 76 عاماً.

نُقل جثمان فيصل إلى بغداد ليُدفن في ترابها حسب وصيته، ليحظى في بلده بجنازة مؤثرة شهدت حضوراً بارزاً رُفعت فيه لافتات قالت "وداعاً أبا علي.. شيخ المذيعين".