هل قرأت رواية تصنّف ضمن "أدب الأقليات"؟. هذا نوع مميز من الأدب الروائي، يسلط الضوء على الحياة الاجتماعية والثقافية، إلى جانب التحديات اليومية التي تعانيها الأقليات في البلدان التي تعيش فيها، سواء كانت ناتجة عن التهميش أو الصراعات أو القوانين، أو غيرها من القضايا.
(1986) بنت من شبرا
في سنة 1986م، نشر الأديب المصري فتحي غانم روايته "بنت من شبرا". سلط فيها الضوء على أوضاع المسيحيين الغربيين الذين عاشوا في مصر في أربعينيات القرن العشرين. دارت أحداث الرواية حول الفتاة الإيطالية الكاثوليكية الجميلة ماريا التي تعيش مع أهلها في حي شبرا الشعبي بالقاهرة.
تقع ماريا في حب الشاب المصري كريم وتتزوج منه. تمر السنوات سريعاً، ونصل إلى الثمانينيات، لنجد أن حفيد ماريا الذي يُسمى كريم أيضاً، ينضم لأحد التيارات الدينية الإسلامية المتطرفة.
تقف الرواية كثيراً عند تلك المفارقة. كيف تحول انفتاح المجتمع المصري على الآخر إلى انغلاق وعزلة؟ وكيف اُستبدل التسامح بالإرهاب؟.
سلط غانم الضوء على ملامح تلك المفارقة في بعض المواضع من الرواية. على سبيل المثال يقول المؤلف على لسان كريم الجد مبيناً الأوضاع الجيدة التي عاشت فيها الأقلية المسيحية الكاثوليكية في الأربعينيات: "كل البشر بفطرتهم مسلمون، فإذا كان لك أن تختار الكنسية بيتاً لله وأن تعبده في هذا البيت فهذا أمر بينك وبين الله يرى فيه ما يراه وأنا لا أملك سوى أن احترم عقيدتك، وأن أحترم كنيستك وأن أحترم المسيحية في المرأة التي سأتزوجها، إنها في حاجة إلي وهي لم تدرك هذه الحاجة إلا بعد أن مرت بتجارب قاسية، وأني أيضاً في حاجة إليها وإرادة الله هي التي جمعتنا".
في المقابل، يحكي المؤلف في الجزء الثاني من الرواية عن تعصب كريم الحفيد المتأثر بالفكر الأصولي المتشدد فيقول: "أما كريم الحفيد فقد بلغ من تأثره بالتعصب أنه يريد أن يحتفظ بعزلته وغربته عن وطنه ويريد الهلاك للآخرين، لأنه في قرارة نفسه يجتر رغبة جامحة في الانتقام".
هكذا نجحت الرواية في إظهار طبيعة التحولات التي طرأت على المجتمع المصري، وتمكنت في الوقت ذاته من تبيين أوضاع الأقليات التي عاشت في هذا المجتمع. لاقت الرواية إشادة كبيرة من النقاد والجمهور. وفي سنة 2004م حوِلت لمسلسل تلفزيوني شهير بذات الاسم.
(1993) الخروج من سوسروقة
في سنة 1993م، نشرت الكاتبة الأردنية من أصل شركسي زهرة عمر روايتها الشهيرة "الخروج من سوسروقة: رواية الشتات الشركسي".
تُعدّ الرواية أحد أهم الروايات الأردنية التي كُتبت في حقل أدب الأقليات. سلطت الضوء على المهاجرين الشركسيين الذين نزحوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي من موطنهم الأصلي في بلاد القوقاز إلى الأردن.
هرب هؤلاء من القوات الروسية التي غزت بلادهم، ولجأوا إلى العيش لاجئين في مواضع متفرقة من بلاد الشام التي حكمها العثمانيون في تلك الفترة.
اقتبست الرواية اسمها من شخصية "سوسروقة"، وهو أحد الأبطال الأسطوريين في الفلكلور الشركسي القديم، واعتمدت حبكة الرواية على سرد قصصي لحكاية عائلة شركسية بسيطة تتكون من الأب أبشاتسه والأم ستناي والابن ساوسروقة، ونجحت في تصوير وقائع حياتهم اليومية وعلاقاتهم مع العرب والأتراك والروس.
في معرض إظهار الظلم الذي تعرض له الشركس على يد الروس، تقول عمر على لسان أحد أبطالها: "أولاد سفاح يقضمون أرضنا شبراً شبراً ويفنون جنسنا. إنهم يزحفون كالسَّلاحف ببطء، وشيئاً فشيئاً بصمت ودون ضجيج. يحرقون قرانا، يقتلون رجالنا، ويسبون نساءنا. أما أطفالنا، فلا يعلم إلا الله ماذا يكون مصيرهم".
تعود المؤلفة بعدها لتؤكد مظلومية الشركس والحال المتردية التي أصيبوا بها بعد هزيمتهم في الحرب، فتقول في مرارة: "إننا ضعفاء، مهيضو الجناح، لا نستطيع أن ندافع عن كرامتنا ولا أن نرفع رؤوسنا في وجوههم. إنهم الأقوى، وما نحن بعد أن تخلينا عن وطننا إلا ظلال رجال لن تقوى على فعل شيء حيالهم مهما فعلوا بنا، ولن نستطيع أن نحمي كرامتنا بالتصدي لرغباتهم".
عرجت الرواية كذلك على الظروف الصعبة التي مر بها الشركس عقب وصولهم لموطنهم الجديد في بلاد الشام. لم يُرحب العرب كثيراً بالوافدين عليهم، بل دخلوا معهم في صراع هدفه إثبات التفوق والسيطرة على الأرض.
في هذا السياق قالت عمر على لسان أحد البدو المناوئين للشركس: "لقد أقمتم منازلكم حول منابع مياهنا، وها إنكم تستولون على مراعينا وتزرعونها. سنتصيدكم واحداً إثر آخر حتى لا يبقى لكم إلا العودة إلى الجحيم الّذي لفظكم".
بتلك الطريقة، نسجت الكاتبة خيوط حبكتها الروائية المتفردة، لنرى كيف عانى الشركس المُهجّرون من المتاعب في أوطانهم الأصلية، وفي الأراضي الجديدة التي استوطنوها.
أشاد الكثير من النقاد بالرواية. على سبيل المثال وصفها الكاتب الأردني نزيه أبو نضال بأنها "أطلت عن كثب على هذه المرحلة التأسيسية في بناء مدينة عمّان، وذلك من خلال مرافقتها التفصيلية لملحمة الشتات الشركسي من بلاد القفقاس إلى أن استقر بهم المقام في عمّان. ومع رسم ملامح الحياة المادية راحت ترسم ملامح الحياة الاجتماعية الداخلية للمهاجرين الشركس، كما تنقل وقائع العلاقات المعقدة والمتشابكة والدموية أحياناً مع المحيط العربي، خصوصا البدوي".
(2011) دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب
في سنة 2011م، نشر الروائي اللبناني ربيع جابر روايته الأشهر "دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب" عن المركز الثقافي العربي.
تناولت الرواية أحداث الاقتتال الطائفي التي وقعت في لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. في تلك الفترة، اندلعت الخصومات بين الدروز والمسيحيين في منطقة جبل لبنان، وفصلت السلطات العثمانية بين الفريقين ووقف القتال الدائر بينهما. ثم أصدرت حكمها بنفي 550 درزياً إلى بلغراد وطرابلس الغرب بسبب مخالفة أوامرها.
في تلك الظروف العصيبة، قبض على حنا يعقوب، بائع البيض المسيحي ونُفي إلى قلعة بلغراد عند تخوم الإمبراطورية العثمانية، بدلاً من شخص درزي آخر أُطلق سراحه بعدما دفع والده رشوة للسلطات العثمانية. في تلك الأجواء التاريخية، دارت أحداث الرواية حول معاناة حنا وبقية السجناء الدروز في منفاهم على امتداد 12 سنة كاملة. كما بينّت الظروف الصعبة التي عاش فيها أهل المنفيين في لبنان.
تكتظ الرواية بالعديد من المشاهد المؤثرة التي توضح المظالم الجسيمة التي تعرضت لها الأقليات الدينية في العصر العثماني. على سبيل المثال، في إحدى المواضع يقول جابر لحنا يعقوب على لسان الضابط العثماني الذي قبض عليه: "حين يأتي القنصل الفرنساوي بعد قليل لا تفتح فمك وافعل مثل الباقين كي يظنك منهم. لا تتكلم إلا إذا سألك عن اسمك. احفظْ الاسم: سليمان غفار عز الدين. انظرْ هناك: هؤلاء الأربعة الذين ينظرون إلى هنا إخوتك. تصرفْ كأنهم إخوتك. تركع جنبهم الآن وتتوكل على ربّك وتزور عكا وترجع إلينا ونعطيك ثلاث عثمليات وأجرة الطريق. فهمت؟ احفظْ اسمك: سليمان غفار عز الدين".
هكذا يجد حنا المسيحي نفسه مجبراً على التبرؤ من هويته ودينه، وأن يُحمل غصباً إلى سفينة تنقله للمجهول.
في مشهد آخر، يجد حنا يعقوب نفسه على متن السفينة، يحاول أن ينقذ نفسه فيطلق صرخة ليسمعه القنصل الفرنسي: "أنا حنا يعقوب المسيحي"، فينتبه ويطلب ترجمة ما قاله حنا، فينقل المترجم التركي الصرخة كالآتي: "أنا الذي قتلت حنا يعقوب المسيحي".
تمكنت الرواية من تجاوز حدود الزمان، وأحالتنا بطريق خفي لأحداث ووقائع الحرب الأهلية اللبنانية، وما وقع فيها من أحداث مؤسفة تبادلت فيها الأطراف المتحاربة القتل على الهوية.
حصدت "دروز بلغراد" العديد من الجوائز المهمة، منها الجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الخامسة. ذكرت لجنة تحكيم الجائزة في حيثيات الإعلان عن فوز الرواية إنها: "العمل الأكثر تميزاً ولمعاناً واجتهاداً، لتصويرها القوي هشاشة الوضع الإنساني من خلال إعادة خلق قراءة تاريخية ماضية في لغة عالية الحساسية".
(2016) عذراء سنجار
في سنة 2016م، نشر الكاتب العراقي وارد بدر السالم روايته "عذراء سنجار" الصادرة عن دار منشورات الضفاف ببيروت. تناولت الأحداث الدامية التي عايشتها الأقلية الإيزيدية في منطقة سنجار في شمالي غرب العراق في سنة 2014م.
في تلك السنة، تعرض الإيزيديون لعدد من المذابح المروعة على يد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وذلك عقب انسحاب قوات البيشمركة التابعة للحزب الكردستاني الديموقراطي.
فرضت عناصر "داعش" سيطرتها على الموصل ومنطقة سنجار وسهول نينوى، واستهدفت الإيزيديين في باعتبارهم "كفار يستحقون القتل".
بحسب المصادر قُتل ما يزيد عن 1200 إيزيديا، واُختطف أكثر من 6 آلاف آخرين، وسُبيت المئات من الفتيات وأخذن جواري، وبيعن في أسواق الموصل والرقة. بقي نفوذ "داعش" قائماً في تلك المنطقة حتى استعاد الجيش العراقي والحشد الشعبي السيطرة عليها في سنة 2017م.
دارت أحداث الرواية في إحدى قرى سنجار، وتنوع أبطالها ما بين المهندس الزراعي سربست، وابنته الجميلة نشتمان التي وقعت في الأسر، وعيدو الذي شارك في الحرب العراقية الإيرانية وخرج منها فاقداً بعض عقله، ودلشاد دارس التاريخ الذي اضطر إلى تغيير دينه واعتناق الإسلام حتى يحافظ على أسرته من دموية عناصر "داعش".
حملت الرواية العديد من العبارات الحادة التي عبّرت عن قسوة ما جرى في تلك المنطقة المسالمة. على سبيل المثال قال السالم على لسان أحد أبطاله من الإيزيديين: "نحن غنائم التاريخ السهلة، وقنطرة العبور إلى اللذة الجنسية الإسلامية، كما يبدو".
كذلك حفلت الرواية بمشاهد الجلد والأسر والاختطاف والقتل، الأمر الذي يتسق بشكل كبير مع المحن العظيمة التي مرت بها الأقلية الإيزيدية في شمالي العراق. من جهة أخرى، اختار السالم أن يغلف حبكته الروائية بالنكهة الميثولوجية المُستمدة من الفلكلور الإيزيدي. ظهر ذلك في بعض الأفعال الإعجازية التي حاولت أن تثبت عطف السماء على أولئك المستضعفين. من ذلك، تأخر وضع المرأة الحامل لطفلها رغم مرور 13 شهراً على الحمل، والأفعى التي لدغت الداعشي عندما أراد التحرش بالمرأة، ودماء الزوج الذي ظلت موجودة في البيت دون أن تغسلها المياه.
(2018) آتيلا آخر العشاق
في سنة 2018م، نشر الكاتب العراقي الكردي سردار عبد الله روايته "آتيلا آخر العشاق" عن دار هاشيت أنطوان/نوفل في بيروت. كتب المؤلف روايته باللغة العربية، ودارت أحداثها عن نضال وسيرة الثورة الكردية ضد الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي حكمت العراق.
سلط عبد الله وهو برلماني سابق، الضوء على العديد من الصراعات الاجتماعية والطائفية والقومية التي عانى منها العراقيون في السنوات السابقة، وأوضح أبرز المشكلات التي عانى منها الأكراد العراقيون من خلال قصة "آتيلا"، وهو مقاتل عربي يختار أن يقاتل في صفوف الثورة الكردية، قبل أن يستشهد في نهاية المطاف.
أختار عبد الله أن يمزج روايته بطابع صوفي روحاني من خلال دمج بعض المقاطع من منظومة "رحلة الطير" للصوفي الشهير فريد الدين العطار. من خلال هذا المزيج عبّر المؤلف عن أوجاع الأكراد الذين تعرضوا للظلم لسنوات طويلة.
بطل الرواية "آتيلا" كان ثمرة زواج أب تركماني شيعي وأم كردية سنية. كأنما أراد المؤلف أن يحكي من خلاله سيرة وطن مزقته الطائفية والمذهبية. حكى عبد الله في روايته عن الثورة الكردية، وعن هزيمتها الموجعة بعد خيانة حلفائها لها فقال مشيراً إلى اتفاق الجزائر الذي عُقد سنة 1975م بين العراق وإيران: "انقلب ّ كل شيء وفي لمح البصر. لم يُعطنا المجال لنفهم ما يحدث. فقد حدث كل ذلك أسرعّ وأشد من البرق. انقلب علينا شاهنشاه ملك الملوك وطالب بإنهاء المعارك البطولية ضد النظام، وخيّرنا بين إلقاء السلاح ومغادرة الأراضي الإيرانية فوراً، كما انقلبت علينا أميركا، وخذلتنا بقسوة منقطعة النظير. لكن الذي كان يحز فينا أكثر من أي شيء آخر، من بين كل تلك ُالخيانات، أننا أصبحنا ضحايا الصفقة التي أُنجزت بين رجل النظام القوي وبين ملك ملوك إيران، فكان مؤلماً أن ترعى الجزائر هذا الاتفاق.
"جزائر الثورة، تحولت في غمضة عين إلى مجرد سمسارّ ملطخ اليدين بالنفط والدم. فكانت رائحة النفط والصفقة المريبة هي التي وأدت كل أحلامنا وآمالنا"، بحسب الكاتب.
في موضع أخر من روايته، وصف عبد الله حالة الاغتراب التي شعر بها "آتيلا" بعد أن أصدر النظام العراقي قراراً بمنع الأكراد من أداء الخدمة العسكرية على الجبهات. وصف الصراع النفسي الذي دار في نفس البطل حول هويته، فقال على لسانه: "أحسستّ للمرة الأولى بحالة من الدوار، وكأنّني أدور حول نفسي في الفراغ، وقدماي لا تطالان الأرض، فباتت المسألة أكبر من النجاة من الموت عبثاً في الحرب، بل إثبات هويتي التي يرفضون الاعتراف بها. أصبح الأمر فجأةً مسألة وجود. للمرة الأولى في حياتي، أحسست بأني كردي حقاً".
لاقت الرواية استحسان الكثير من المتابعين، ووُصفت بأنها "رواية وجع الكردي، وحملات إبادته وثوراته. سفر العشق الذي يختلط فيه عشق الأنثى، بعشق الكأس، بعشق الثورة، بعشق الله الذي يغرس حب البشر وحب جميع كائناته. تختلط فيها الأسطورة بالواقع، من خلال حضور أنبياء وأولياء يلتقيهم في عروجه الأخير نحو السماء".
(2019) حمام الذهب
نشر الروائي التونسي محمد عيسى المؤدب روايته "حمام الذهب" في سنة 2019م، عن دار مسعى للنشر والتوزيع في البحرين. تعرضت الرواية لأحوال الأقلية اليهودية التي عاشت في تونس لفترة طويلة قبل أن تضطرها الظروف الهجرة إلى أوروبا.
قامت حبكة الرواية حول هروب يهود تونس من الجيش الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية. أخفى الهاربون مجموعة من الوثائق الخاصة بتاريخ الأرض الذي بُني عليها "حمام الذهب". ظل هذا السر دفيناً حتى عزمت بطلة الرواية، هيلين، اليهودية التونسية على كشفه. تعود هيلين إلى تونس وتلتقي بشاب مسلم وتقع في حبه. وهكذا تدور أحداث القصة بين السعي لفهم الماضي، والعيش في الحاضر.
تحدث المؤلف عن العلاقات الودية التي جمعت بين الأقلية اليهودية والمسلمين في تونس في النصف الأول من القرن العشرين. قال على لسان البطلة اليهودية: "لم تكن لنا عداوات مع جيراننا من المسلمين، لم تحصل بيننا قط مشاحنات أو خصومات، وكنا نتبادل الزيارات في المآتم والأفراح. أذكر أن إليف -زوجها- كان يخصص مبالغ مالية لبعض العائلات الفقيرة التي تسكن بجوار حينا. كان يشغّل شابين معه في الدكان خلال الفترة المسائية من كل يوم. في الصباح يتردد الشابان على جامع الزيتونة ثم يغادرانه إلى دكان الذهب".
بعدها شرح المؤدب كيفية تأثير حرب عام 1967م في تغيير شكل العلاقة. تقول البطلة موضحة ظهور العداوة واستهداف الأقلية اليهودية في أعقاب الحرب: "كانت هزيمة العرب هي الشرارة التي أوشكت على إحراقنا بالكامل، ولولا جيراننا من المسلمين لهلكت عائلات حينا. كانوا يحموننا من هجمات الملثمين ليل نهار. بعد ذلك تسارعت الأحداث وكثر العنف والتشفي، ولم يعدّ من يقوى على التصدي للملثمين والغاضبين، ويئس الجميع من حمايتنا. كنا نتابع الأحداث بكثير من الخوف ونسمع الأصوات الحادة من خلف نوافذنا المغلقة: اليهود على بره، الكفار على بره".
لم يكتف المؤدب بإظهار التبدل في معاملة المجتمع التونسي مع اليهود، بل طرح حلولاً لإصلاح تلك العلاقة. كان الحب هو الحل الأمثل من وجهة نظره. ظهر ذلك في زواج اليهودية الشابة هيلين من الشاب المسلم.
تقول هيلين: "لا أفهم سبب إصرار الناس على وضع الحدود في ما بينهم وقد خلقهم الله ليتحابوا، ولا سر تباغضهم وتناحرهم باسم الدين، والأديان كلها تقود إلى طرق واحدة، لماذا نتقاتل على الطريق وننسى المآل الذي تقود إليه تلك الطريق؟".
تستشهد هيلين في كلامها بأمثلة كثيرة من تجارب التصوف الإسلامي المعروفة في المغرب العربي على وجه الخصوص، لا سيما بسيرة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي.
في 2020م، تمكنت الرواية من الوصول للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، جاء في تقرير لجنة الجائزة عن الرواية أنها "تطرح أسئلة مركبة تتعلق بقضايا الراهن، مثل سؤال الهوية والتطرف والانتماء إلى أرض واحدة هي تونس، وإن اختلفت داخلها الأعراق والديانات".
