حروف اللغة العربية
حروف اللغة العربية

تمكن العرب في القرن السابع الميلادي من فرض سيطرتهم على مساحات واسعة من سوريا ومصر وبلاد فارس والعراق، فرضت اللغة العربية نفسها لغة رسمية للدولة الإسلامية في العصر الأموي.

في المقابل، انزوت لغات الشعوب المغلوبة لفترة، قبل أن تتمكن من استعادة وجودها الحيوي مرة أخرى. بشكل عام، دخلت الكثير من المفردات اللغوية السريانية والفارسية والتركية والقبطية في اللهجات العامية المُستخدمة في المنطقة العربية.

 

السريانية

تُعدّ اللغة السريانية إحدى اللغات المُشتقة من اللغة الآرامية القديمة. وكانت السريانية هي السائدة في سوريا ومساحات واسعة من العراق قبل الفتح العربي لتلك المناطق في القرن السابع الميلادي.

بحسب الكثير من الباحثين المعاصرين فإن اللغة السريانية أثرت في اللغة العربية القديمة قُبيل موجة التوسعات الإسلامية في بلاد الشام والعراق.

ذهب هؤلاء الباحثون -ومنهم كل من الفونس منجانا، وكريستوف لوكسنبرغ- إلى أن العديد من المفردات اللغوية الواردة في القرآن ذات أصل سرياني. وأنها -أي تلك المفردات- عُربت بعد فترة من شيوع استخدامها في البلاد العربية.

من أشهر تلك الكلمات كلمة "قرآن" وهي مشتقّة من الكلمة السريانية "قِريانا" أي كتاب الفصول أو كتاب القراءات الطّقسيّة. وكلمة "الحور العين" التي تعني العنب الأبيض.

بعيداً عن الرأي السابق، يرى العديد من الباحثين أن السريانية تركت آثارها على اللهجات العربية المستخدمة في بلاد الشام على مر القرون. في دراستها "آداب اللّغة السّريانيّة وأثرها في اللّغات الأخرى" تذكر الباحثة داليدا الحاج بعينو أن اللغة السريانيّة ما تزال حية في اللغة العربية الفصحى كما العامية السورية واللبنانية.

من الكلمات السريانية التي دخلت في العامية اللبنانية كلمة "فَرَمْ" بمعنى قَطّعَ، و"مَرْتِي" أي زوجتي، و"سَكَّرْ" أي اَقفَلََ. و"جوا وبرا" أي داخل وخارج، و"الناطور" أي حارس المبنى، و"بور" والتي تشير إلى الأرض الخربة غير القابلة للزراعة.

 

الفارسية

تأثرت اللغة العربية باللغة الفارسية قبل الإسلام بمدة طويلة. تذكر الباحثة سارة محمد كمال في دراستها "التداخل اللغوي بين اللغتين الفارسية والعربية" أن اتصال الفرس بالعرب كان وثيقاً في الجاهلية، حيث كانت الإمبراطورية الفارسية صاحبة حضارة عظيمة عمرها مئات السنين. في هذا السياق، كان من الطبيعي أن يقتبس العرب من الفرس ما كانوا يحتاجون له من أمور الحضارة في المأكل والمشرب وأنواع النباتات والأشجار والأدوات.

بعد الإسلام، زاد تأثير الثقافة الفارسية بين العرب، ولا سيما بعد تأسيس الدولة العباسية في ثلاثينيات القرن الثاني الهجري. يفسر الباحث عز الدين إسماعيل ذلك في كتابه "في الأدب العباسي" فيقول: "عندما حل العصر العباسي، اشتد نفوذ الفارسية إلى جانب نفوذ الفرس الذين ساهموا بجد في قيام الدولة العباسية، وتوطيد أسباب الحكم لها على يد أمثال أبي مسلم الخرساني، وآل برمك، وآل سهل بن هارون وغيرهم".

في كتابه "البيان والتبيين" شرح الجاحظ الأسباب التي أدت لانتشار بعض الألفاظ الفارسيّة في المجتمعات العربيّة منذ فترة مبكرة من عمر الدولة العباسية فقال: "والعامة ربما استخفّت أقلّ اللغتين وأضعفها وتستعمل ما هو أقلُه في أصل اللغتين استعمالاً وتدع ما هو أظهر وأكثر...".

على مر القرون، اقتبس العرب العديد من الكلمات الفارسية، ولم يقتصر نفوذ اللغة الفارسية على العراق وبلاد فارس فحسب، بل امتد كذلك إلى الكثير من مناطق العالم الإسلامي.

ألقت الباحثة فاطمة شتيوي الضوء على تلك الظاهرة في دراستها "أثر اللغة الفارسية في اللغة العربية" فقالت: "هناك الكثير من الألفاظ العربية التي اتفق العلماء واللغويين على اقتباسها من اللغة الفارسية ومنها كل من البستان، بمعنى الحديقة أو الفردوس، والخان بمعنى الحانوت".

وأضاف: "كذلك الدولاب، الذي يعني خزانة الثياب، والسروال وهو اللباس الذي يغطي السرة والركبتين وما بينهما، والمنجنيق وهو سلاح حربي يُستخدم في رمي الحجارة الثقيلة أثناء القتال، وزنديق بمعنى كافر أو خارج عن تعاليم الدين. فضلاً عن أسماء بعض الألعاب والمأكولات والتنظيمات الحضارية التي عرفها العرب عن الفرس مثل الشطرنج والنرد، والباذنجان، والديوان".

التركية

بدأ تأثير اللغة التركية في المجتمعات العربية في النصف الأول من القرن الثالث الهجري. في تلك الفترة، توسع الخليفة العباسي المعتصم بالله في الاعتماد على العنصر التركي في الجيش.

يذكر المؤرخ العراقي عبد العزيز الدوري في كتابه "العصر العباسي الأول" أن المعتصم كان يطلب من ولاته أن يبعثوا له بالغلمان الأتراك من كل مكان، وأن عبد الله بن طاهر والي خراسان كان يرسل له بألفي غلام تركي سنوياً كجزء من الخراج. أيضاً كان المعتصم يشجع الأتراك الأحرار في آسيا الصغرى على الانخراط في جيشه.

تذكر بعض المصادر أن المحاربين الأتراك في الجيش العباسي زادوا كثيراً في تلك الفترة حتى بلغ عددهم 70 ألفاً.

في القرون اللاحقة، زاد التأثير التركي في الأوساط الثقافية العربية بسبب قيام الدول التركمانية مثل الدولة السلجوقية والدولة العثمانية. في هذا السياق، دخلت العديد من المفردات التركية الأصل في تركيبة اللهجات العربية العامية في أكثر من دولة.

يذكر الباحث التركي عمر أسار في دراسته "أثر اللغة التركية في اللهجة العراقية المعاصرة" أن أثر اللغة التركية في اللهجة العراقية لم يقتصر على الألفاظ، بل تعدى ذلك ليصل إلى التراكيب اللغوية. من تلك التراكيب إضافة اللاحقة "جي" في بعض الكلمات التي تشير إلى الوظائف أو المهن. ومنها مكوجي، طبلجي، عربجي، قهوجي، كبابجي.

من جهة أخرى، انتشرت بعض الكلمات التركية التي اُستخدمت في البلاد العربية على نطاق واسع في العصر العثماني. ومنها كلمة "جمرك" والتي تعني "الحدود" أو "التفتيش على الحدود". وكلمة "باشا" وهو لقب تشريف في الدولة العثمانية اعتاد السلطان العثماني على منحه إلى كبار الضباط، وحكام الأقاليم، والولاة، والشخصيات المهمة في الدولة.

وكلمة "أفندم" وتعني "سيدي" أو "سيادتك"، وتشي بالاحترام والتبجيل عند التحدث إلى شخص رفيع المستوى. رغم أن السيادة التركية على البلاد العربية زالت منذ ما يزيد عن القرن، إلا أن تلك الكلمات ما تزال مُستخدمة حتى اللحظة في مصر، وسوريا، والعراق.

 

القبطية

ظهرت اللغة القبطية في مصر خلال القرن الثالث الميلادي. اعتمدت تلك اللغة على الأبجدية اليونانية مع إضافة سبعة رموز من الكتابة المصرية القديمة. بعد الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي، استطاعت اللغة القبطية الحفاظ على تواجدها لعدة قرون. غير أنها فقدت مكانتها لصالح اللغة العربية بعد أن تحولت الأغلبية الغالبة من المصريين لاعتناق الإسلام.

رغم انحسارها في الكنائس والأوساط القبطية المسيحية إلا أن القبطية تمكنت من التأثير بشكل كبير في العامية المصرية.

يذكر الباحث خيري فرجاني في دراسته "التحول من اللغة القبطية إلى اللغة العربية" أن العرب فى صعيد مصر تأثروا باللغة القبطية، واقتبسوا منها كلمات وألفاظ دخلت على اللغة العربية، واستعملها العرب بمعناها القبطي، وتجلى ذلك في العديد من المفردات منها كلمة "لبشة" ويُقصد بها الحزمة من الخضروات. وكلمة "تندة" وهي السقف الذي يقي من أشعة الشمس. وكلمة "أمبو" بمعنى الماء. وكلمة "ادّيني" بمعنى اعطيني، وكلمة "تاتا" التي تُقال للأطفال الصغار فى بداية تعليمهم المشي، وكلمة "آبا" التي تعني الأب، وكلمة "ست" التي تعني المرأة المتزوجة.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".