صورة جعفر الخليلي وأغلفة مؤلفاته
صورة جعفر الخليلي وأغلفة مؤلفاته

"خواطر عن أناس أفذاذ عاشوا بعض الأحيان لغيرهم أكثر مما عاشوا لأنفسهم"، أرفق هذه الجملة الأديب والصحافي العراقي المخضرم جعفر الخليلي (1904-1985) بعنوان كتابه "هكذا عرفتهم"، الصادر بجزئه الأول (يضم أربعة أجزاء نشرت تباعاً) في عام 1963، الذي تضمن تعريفاً بأعلام في الدين والسياسة والأدب ممن أتيحت له معرفتهم عن قرب.

غالبية هؤلاء لعبت أدوراً مهمة في حياة العراق السياسية والثقافية والدينية، وبعضهم لم يكن عراقياً، لكن الخليلي خصص له مساحة من موسوعته لأدواره المهمة، كالسيد محسن الأمين، أحد كبار دعاة الإصلاح في المرجعية الدينية الشيعية، و"الأخطل الصغير" بشارة الخوري، أحد أبرز شعراء لبنان في النصف الأول من القرن العشرين، والأديب اللبناني المهجري نظير زيتون.

ربما تكون الجملة التي ضمّنها الخليلي عنوان كتابه، هي الأمثل لتلخيص حياته ومآثره في ذكرى وفاته، فهو على غرار من كتب عنهم، يمكن اعتباره ممن "عاشوا بعض الأحيان لغيرهم أكثر مما عاشوا لأنفسهم".

عاش الخليلي ثمانية عقود من تاريخ العراق في القرن العشرين، وكان إحدى الشخصيات التي تركت بصماتها في تاريخ الصحافة العراقية، فضلاً عن عشرات المؤلّفات والكتب التي أغنت المكتبة العربية.

لم يكن صحافياً فحسب، بل أديباً وباحثاً وكاتباً في مجالات متعددة. نشر مجموعات من القصص، وكَتب في التاريخ، وأصدر موسوعة عن العتبات المقدسة في العراق، وكُتباً سجّل فيها يومياته ومشاهداته، كما كَتب عن السجون والسجناء، وألّف كتاباً عن التمور وتاريخها.

في بداياته، حاول الخليلي كتابة الشعر، لكنه لم يكمل الطريق ولم يصبح شاعراً مكرّساً، رغم تذوقه الشعر وإعجابه بكبار الشعراء العرب.

يتحدّر من عائلة حافلة بالمرجعيات الدينية النجفية، وبشخصيات أخرى كان لها دور في السياسة والثقافة والنضال في مراحل من تاريخ العراق قبل الاستقلال وبعده، وفقاً لصديقه مشكور الأسدي الذي روى في كتاب "رؤوس أقلام عن الخليلي"، وهو فصل تعريفي بالخليلي، ملحق بالجزء الرابع من سلسلة "هكذا عرفتهم" الذي صدر بعد وفاته.

جريدة "الزوراء" الصادرة عام 1869، تعتبر أقدم جريدة في العراق.
من البابليين إلى البعثيين.. معركة الحرية في الصحافة العراقية
يرجع الباحثون الصحافة في العراق إلى العهد البابلي، حيث ظهرت صحف تسجل الحوادث اليومية، ومراسيم ملكية تُذيع الأوامر، فيما يعتبرون الحضارة الآشورية صاحبة السبق في الصحافة المصورة. لكنها صحافة جاءت منسجمة مع الدعاية السياسية لأفكار ومبادئ حكام ذلك العصر.

ورث الخليلي عن أبيه مكتبة غنية بأنواع مختلفة من الكتب في ميادين الأدب والشعر والعلوم والتاريخ والمعارف الإنسانية، لتشكّل رافداً أساسياً لثقافته واطلاعه. كما أسهمت شخصية الأب في صقل شخصية الابن على التفكير بحرية والتعبير عن أفكاره بلا قيود.

يقول السياسي اليساري والكاتب كريم مروة (رحل قبل أسابيع) في كتابه "شخصيات وتواريخ في السياسة والفكر والأدب والفن"، أن "الخليلي نشأ في مناخ الحرية والمعرفة والثقافة، فضلاً عن المناخ الذي ساد في العائلة، مناخ النضال في مرحلة الاحتلال البريطاني للعراق قبيل ثورة العشرين وخلالها وفي المرحلة التي أعقبت تلك الثورة".

وشارك الخليلي نفسه في تلك الثورة وهو مراهق، عبر كتابة مناشير أشبه بصفحات الصحف، ولكن بخط اليد، تحرّض الناس على مقاومة الانتداب.

عُرف الخليلي منذ الصغر بحب الفكاهة والنكتة وصنع المقالب بحسب الأسدي، وهو ما عزز من لغته الساخرة في الكتابة وقلمه اللاذع. كما كان معروفاً بظرفه وقربه إلى الناس، مستمعاً جيداً إلى همومهم ومشاكلهم، وناقلاً أميناً لشكاواهم في كتاباته.

مارس التعليم في بداية شبابه، وعمل مدرّساً في مدرسة النجف لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتفرغ للعمل الصحافي.

كانت أول تجربة صحافية للخليلي في جريدة "الفجر الصادق"، التي أسسها عام 1930، وتوقفت عن الصدور بعد سنة واحدة بسبب عدم توفر الإمكانات المادية لإنتاجها وطباعتها.

في عام 1934 أصدر مجلة "الراعي"، التي لم تعش بدورها سوى عام واحد بعد أن أغلقتها السلطات بسبب مواقفها المعارضة. كانت تجربة الخليلي الأهمّ عبر إصداره مجلة "الهاتف" عام 1935، بدايةً في النجف ثم انتقل بها عام 1941 إلى بغداد وظلت تصدر باستمرار حتى عام 1954، حين توقفت مع صحف ومجلات أخرى، بسبب قانون المطبوعات الجديد.

كانت مطبوعات الخليلي كما يروي عارفوه "من أوائل الصحف العراقية التي فتحت صفحاتها، بتشجيع كبير، لكتابات الأديبات والشاعرات من النساء"، وكانت لمجلة "الهاتف" على ما يقول صديقه الأسدي "فضل كبير على كثير من مشاهير الأدباء والشعراء في العالم العربي وتعتبر سنينها العشرون تاريخاً ذا شأن كبير في دراسة الأدب".

معروف الرصافي في صورة غير مؤرخة، بالأبيض والأسود
معروف الرصافي صاحب "الشخصية المحمدية" و"الرسالة العراقية".. هل كان طائفياً؟
في الكتاب الذي نُشر بعد وفاته عام 1945، وحمل عنوان "الرسالة العراقية"، كتب الشاعر العراقي معروف الرصافي "لو كانت الحكومة العراقية حرّة في جميع أمورها لاعتبرت من في العراق من الناس كلهم عراقيين فحسب، فحينئذ تكون هي حكومة عراقية محضة كما جرت به تسميتها بالحكومة العراقية".

في جريدة "الفجر الصادق" التي أصدرها، تجرأ الخليلي على تناول مواضيع اعتبرت وما تزال من المحرّمات لدى بعض العراقيين، خصوصاً موضوع تحريم التطبير ونقل الجنائز إلى النجف، وسواها من القضايا الاجتماعية والدينية الحساسة في ذلك الزمن.

كما كانت صحيفة "الهاتف"، "حرباً على التقاليد والأوضاع المضرّة"، كما يصفها الأسدي، الذي يكشف أن الخليلي نال "الشيء الكثير من الأذى بسبب مواقفه، واعتدي عليه مرة أمام بيته، فسقط مضرجاً بالدماء بسبب تلك المواقف".

بعد توقف "الهاتف" عن الصدور، وجد الخليلي الوقت ملائماً لتنفيذ فكرة طريفة ومعقّدة في آن ظلّت تراوده لسنوات، ومفادها أن يدخل السجن مدّة كافية ويختلط مع المساجين.

بالفعل، عمل الخليلي على تحقيق هذه الفكرة عبر توجيه كتاب إلى وزير الداخلية  يطلب فيه إيداعه السجن مدة كافية "فاختلط بالمساجين وعايشهم"، كما ورد في مقدمة كتابه الذي صدر عام 1956 بعنوان "كنت معهم في السجن"، حيث جمع حكايات السجناء، بعد أن عايش يومياتهم واستمع إلى حكايتهم، فكان أشبه بكتاب عن علم الجريمة و"دليل للمصلحين" على حدّ تعبير الخليلي.

في مقال لرجل الدين الشيعي حسين الصدر في يونيو ٢٠٢٣، دعا إلى ضرورة "إنصاف" الخليلي قائلاً: "وإذا ما كان الخليلي قد ظُلم من قبل النظام الدكتاتوري البائد، فقد حان اليوم أن يُنصف وأن تطبع كتبه وأعماله كاملة غير منقوصة، وأن تسمّى باسمه بعض الساحات المهمة في العاصمة بغداد".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".