اندلعت شرارة "الربيع العربي" في يناير عام 2011 من تونس، لتنطلق بعدها إلى مصر ثم سوريا واليمن وليبيا، وحراكات مشابهة لم تستمر كثيراً في دول عربية أخرى.
تمكنت الاحتجاجات العارمة من تغيير معادلات القوى السياسية والاجتماعية التي سادت لعقود في المنطقة العربية، الأمر الذي ألقى بظلاله على الأعمال الإبداعية والفنية.
في هذا المقال، اخترنا لكم خمس روايات عربية بارزة في هذا المضمار، إما بتناولها للأحداث، أو مقاربتها لها من تاريخ بلد المؤلف والمنطقة بشكل عام.
"فرسان الأحلام القتيلة"
صدرت الرواية عن مجلة "دبي" الثقافية عام 2012، للروائي الليبي إبراهيم الكوني.
تدور أحداثها في أعقاب انتفاضة "17 فبراير" في ليبيا. الشخصية الرئيسية فيها تُدعى "غافر"، وهو مدرس ليبي ثائر، كُلف بهدم جدران البيوت في مدينة مصراته بهدف حفر نفق يوصل الثوار إلى برج عال كان قناصة النظام الليبي يتحصنون به.
وجد "غافر" نفسه محاصراً في الطابق العلوي لإحدى الشقق بعد أن استولى عليها جنود النظام، وليس معه سوى مسدس بطلقة واحدة. ينضم له وقتها المهندس "نفيس" ويساعده لبعض الوقت في الصمود قبل أن يُقتل، لينضم ثوري آخر يُدعى "سالم"، معاوناً "غافر" في عملية هدم البيوت حتى ينجحا في الوصول للبرج، من ثم تتمكن الثورة من تحرير المدينة من قوات النظام.
على لسان أبطال الرواية، عبّر المؤلف عن أفكاره بخصوص الثورة والسلطة في ليبيا. على سبيل المثال، حرص الكوني أن يوثق لحظة اشتعال الثورة بأسلوبه الأدبي، فقال واصفاً حادثة اعتقال أحد المحامين في مدينة بنغازي عقب اعتراضه على النظام الحاكم: "في حاضرة المنافي في الشرق، المغسولة بالدم، المجبولة بالألم، كانت الانطلاقة الأولى أيضاً نحو ميدان المحاكم، نحو مجمع المحاكم، للاحتجاج على اعتقال مريد العدالة محامي أهالي ضحايا المذبحة التاريخية التي تقشعر لها الأبدان".
ولم ينس الكوني أن يوجه أصابع الاتهام لقوات المرتزقة الإفريقية التي استعان بها نظام معمّر القذافي لعقود من أجل إخضاع شعبه، بذكرها في أحد المواضع: "فمن هم هؤلاء الأوباش الذين استجابوا لصنوف التنكيل بأهل المدينة منذ أول يوم دون الأجناس جميعاً؟ من هم هؤلاء الأنجاس الذين هبّوا لتنفيذ الفظائع كما لم ينفذها مخلوق في إخوتهم من أهل الجوار، وفي نساء أهل الجوار الذين أطعموهم يوماً من جوع وآووهم من خوف؟".
من جهة أخرى، اهتمت الرواية بالمزج بين الحقيقي والمُتخيّل، وظهر ذلك في تقديم شخصية "سالم جحا" كأحد الشخصيات الرئيسية في الرواية. كان واحداً من ضباط الجيش الليبي، واختار أن ينضم لمعسكر الثورة، ثم صار قائداً لثوار مصراتة أثناء الفترة الأولى من الثورة.
من خلال "سالم جحا"، نجح المؤلف في التعبير عن مشاعر الثوار وحسهم الوطني، كما تمكن من توثيق العديد من الأحداث المهمة التي ظهرت في الرواية بشكل متسارع.
"طبول الحب"
صدرت الرواية عام 2013، للكاتبة والروائية السورية الكردية مها حسن. ودارت أحداثها في الفترة المبكرة من اندلاع الثورة السورية 2011.
اختارت حسن أن تبني حبكتها السردية اعتماداً على رؤية تمزج بين الوثائقي والمُتخيل. بدأت أحداث الرواية بقيام البطلة "ريما خوري"، وهي أستاذة جامعية من أصل سوري تعيش في فرنسا، بفتح حساب على فيسبوك باسم مستعار، تعرفت من خلاله على شاب سوري اسمه "يوسف" يعيش في مدينة كفرنبل التابعة لمنطقة معرة النعمان في محافظة إدلب.
بعد أيام من المحادثة المستمرة بينهما تبدأ قصة حب. في هذا السياق، تحن "ريما" إلى أصولها وإلى وطنها الأم ويتماهى حب الحبيب مع عشق الوطن. "ما عشته مع يوسف، ليس مجرد عاطفة قوية، وإدمان يومي، بل كان استعادة لمفهوم الوطن"، هكذا جاء على لسانها في الرواية.
تندلع الثورة في مارس 2011. وهنا يقوم "يوسف" بإخبار "ريما" أبرز الأحداث في منطقته، كما يصف لها مظاهر العنف والقمع الذي انتهجته الأجهزة الأمنية التابعة للنظام ضد المتظاهرين.
لا يقف الأمر عند ذلك، حيث يقرر "يوسف" الانضمام للثورة وبعدها يلتحق بصفوف "الجيش الحر". عندها تقرر "ريما" السفر إلى سوريا، فتأخذ إجازة طويلة من عملها. وبعد وصولها تقوم بوصف المعاناة التي يتعرض لها السوريون في بلدهم.
تتجول في أزقة وشوارع دمشق وحلب، وتحصل على عشرات الشهادات المختلفة حول الثورة. أتت بعضها متوافقة مع آراء الثوار، والبعض الآخر متماشياً مع وجهة نظر النظام.
عبر هذه السردية التوثيقة، نجحت حسن في تسليط الضوء على التناقضات الكثيرة الموجودة داخل المجتمع السوري، سواء كانت دينية طائفية، أو طبقية، أو حتى سياسية.
"الغربان: روائح المدينة"
صدرت الرواية عام 2018، وهي الجزء الثالث والمُتمم لثلاثية "روائح المدينة" للروائي التونسي حسين الواد، الذي توفي في نفس العام من صدورها.
تدور أحداثها داخل إحدى البلدات الساحلية التونسية، دون ذكر اسمها بشكل صريح. وتتمحور القصة حول شخصية "سي حميدة"، وهو إنسان بسيط بعيد كل البعد عن شؤون السياسة والحكم.
كان "سي حميدة" يرى لسنوات طويلة أن الثورة حدث إعجازي خارق لا سبيل لإدراكه، غير أن انتفاضة يناير غيرته بشكل كامل.
يقول الواد، على لسان بطل روايته، معبراً عن التغير الكبير الذي طرأ على المجتمع التونسي إبان الثورة: "أيُعقل على امتداد خمسين عاماً أن أعُدّ الثّورة من المستحيلات السبع في بلد كبلادنا؟ ... ما الذي غيّب عني أن لها كُموناً في الآفاق؟".
فضلاً عن "سي حميدة"، استعرض الروائي نماذج مختلفة من المجتمع التونسي في لحظة الثورة، عبر تقديمه للعديد من الشخصيات الثانوية، مثل الحلاق، وبائع العجلات المطاطية، والجزار، ورواد المقاهي، والنساء الأميّات، سارداً عن طريقهم الفترة الأولى من الثورة التونسية.
كما تناول أزمة الصراع على السلطة بين العلمانيين والإسلاميين، وما زامنها من حراك فكري ديني على الساحة التونسية. لم يُخف الواد انتماءه الأيديولوجي، فعبّر في روايته -بطرق مختلفة- عن رفضه للحكم الديني. ظهر ذلك في أوضح صوره في اختيار اسم "الغربان" عنواناً للرواية، في إشارة تعريضية بالإسلاميين وحركة النهضة التي تولت مقاليد السلطة لفترة عقب خلع نظام زين العابدين بن علي.
"جمهورية كأن"
صدرت الرواية عام 2018 عن دار الآداب اللبنانية للروائي المصري علاء الأسواني. تناولت أحداث ثورة "25 يناير" في مصر ونتائجها وانعكاساتها على ميادين العمل السياسي.
عبر صفحات الرواية، استعرض الأسواني العديد من الشخصيات التي شكلت فسيفساء الحدث الثوري في مصر. بعضها جسد قوى النظام الديكتاتوري، بينما ظهرت القوى الشبابية الثورية في شخصيات أخرى.
على سبيل المثال تحدث الأسواني عن شخصية "اللواء علواني" وهو ضابط كبير المقام، رفيع المستوى، كُلف بإدارة بعض الأجهزة الأمنية الخطيرة في الدولة. جمع "علواني" الكثير من التناقضات الصارخة في شخصيته، فهو -رغم تدينه الظاهر- يصدر الأوامر إلى جنوده باغتصاب زوجات المُعتقلين بغية الحصول على المعلومات التي تفيده في عمله.
أيضاً، أظهرت الرواية شخصية "الشيخ شامل"، وهو رجل دين استمد نفوذه من براعته الخطابية من جهة، ومن تحالفه مع رجال السلطة من جهة أخرى. على الجانب المقابل، تظهر شخصية "أشرف"، الثري المسيحي الذي يقع في حب خادمته المسلمة إكرام، مما يتسبب في غضب زوجته وأبنائه.
هناك أيضاً "خالد" الطبيب القادم من الطبقة الفقيرة، الذي يحب "دانية" ابنة "اللواء علواني"، ويشارك في أحداث الثورة ثم يقع كواحد من ضحاياها الكُثر.
وكذلك، ظهرت شخصية المدرسة "أسماء" التي ترفض إملاءات المجتمع وتتحدى النظام الذكوري التقليدي وتدخل في مواجهات متعددة ضد زملائها.
وسط تلك الشخصيات المتباينة، رسم الأسواني ملامح الثورة كما رآها. ثورة فتية ضد الاستبداد والديكتاتورية، غير أنها سُرعان ما تضعف أمام "القوى الرجعية" المتربصة حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة.
عبّر الروائي عن ذلك المعنى بشكل واضح عندما قال على لسان أسماء: "كانت ثورتنا العظيمة طفرة، وردة جميلة وحيدة وغريبة ظهرت في مستنقع. كانت ثورتنا تَغَيراً مفاجئاً في مسار الجينات المصرية، ثم سرعان ما عاد كل شيء إلى طبيعته، وصرنا نحن خارجين عن السياق، منبوذين لا يريدنا أحد، ولا يتعاطف معنا أحد، ويعتبرنا الجميع سبب كل المصائب".
"الخيمة"
صدرت الرواية عام 2022 عن دار "عناوين بوكس" للنشر في القاهرة للكاتبة والصحافية اليمنية رغدة جمال. حكت فيها قصة الثورة اليمنية التي اندلعت شرارتها الأولى في 11 فبراير 2011.
اعتمدت الحبكة الرئيسة للرواية على التسجيل الذاتي للأحداث التي وقعت في الشهور الأولى للثورة، وعلى مدار 13 فصلا متتابعا أخذتنا المؤلفة للتعرف على أهم وقائع تلك الانتفاضة من خلال أربعة أبطال رئيسيين، هم: "سيف، وأروى، ونشوان، وأحلام".
اهتمت رغدة جمال بتوضيح دوافع الشباب اليمني الذي شارك في الأيام الأولى للثورة، ولم يكن أي منهم ينتمي لأي فصيل سياسي وقتها، وقادهم الشعور بالظلم إلى الاحتشاد في الميادين والمطالبة بالتغيير خصوصاً بعدما رأوا رياح الربيع العربي تعصف بالأنظمة الحاكمة في كل من تونس ومصر.
على سبيل المثال، قصة "سيف"، الذي تعرض للملاحقة من قِبل السلطات الأمنية بسبب مطالبته بحق أخيه الأصغر الذي قُتل عن طريق الخطأ على يد ابن أحد الوزراء المتنفذين في الدولة. تقول الراوية على لسانه: "كان قلبي مثقلاً بالهموم، وأردت من أحدهم أن يساعدني على اتخاذ القرار، هل أخضع للضغوط التي أتعرض لها مقابل التنازل والقبول بالدية، أم أصرّ على المضي في طريق القضاء، في بلد يحكم القضاء فيه للأقوى؟".
من جهة أخرى، لجأت المؤلفة إلى البعد الرمزي في أكثر من موضع من الرواية. ظهر ذلك في اسم الرواية "الخيمة"، وهو الاسم الذي أشار إلى ساحة التغيير بصنعاء، المكان المحوري الذي تدور فيه أغلب الأحداث.
أيضاً، عملت على نقل الروح الثورية إلى صفحات روايتها من خلال افتتاح كل فصل بمقطع شعري حماسي اعتاد الثوار أن ينشدوه أثناء اعتصامهم في الميدان.
لم تكتف الرواية بالحديث عن فترة الزخم الثوري فحسب، بل ألقت الضوء كذلك على مآلات الأحداث بعد أن اُختطفت الثورة من الشباب المتحمس على يد القبائل القوية والأحزاب السياسية.
أشارت جمال أيضا إلى تلك النهاية المؤسفة للثورة في ختام روايتها عندما ذكرت على لسان أحد أبطالها "دورنا انتهى.. بقاؤنا هنا لم يعد مُجدياً... ما حدث أنهم باعوا الثورة، تم تقسيم الكعكة، ووجودنا لم يعد له معنى".