عرفت أم كلثوم بغنائها قصائد دينية إسلامية عديدة ما زالت تغنّى حتى اليوم- أرشيفية من حفل باريس 1967
عرفت أم كلثوم بغنائها قصائد دينية إسلامية عديدة ما زالت تغنّى حتى اليوم- أرشيفية من حفل باريس 1967

عام 1959 أجرت صحيفة "الأخبار" المصرية حديثاً سريعاً مع المطربة أم كلثوم، سئلت فيه عما إذا كانت مشروعاتها الغنائية الجديدة مستمرة رغم الصيام في شهر رمضان من ذلك العام، فكان جوابها "طبعاً"، في إشارة إلى عدم تضارب عملها الفني مع الشهر المقدّس لدى المسلمين.

وأم كلثوم كانت معروفة منذ بداياتها بخلفيتها الدينية، كما قدّمت أعمالاً فنية دينية أشهرها مسلسل"رابعة العدوية" الإذاعي، الذي تضمن أغنيات طابعها صوفي، مثل "عرفت الهوى مذ عرفت هواك" و"حانة الأقدار".

كما قدّمت أغان دينية أخرى أشهرها قصيدة "ولد الهدى" للشاعر أحمد شوقي، و"الثلاثية المقدسة" من كلمات الشاعر صالح جودت، و"برضاك يا خالقي" من كلمات بيرم التونسي.

وربما تكون أغنية "القلب يعشق كل جميل" واحدة من أشهر أغنيات أم كلثوم الدينية، مع أن كثيرين يظنونها أغنية حب، خصوصاً إذا لم يركّزوا جيداً في كلام المطلع ومعانيه، وقد كتبها بيرم التونسي عن الحج إلى مكة وعلاقته بالخالق في ذلك المكان المقدّس.

في "الكوبليه" الثاني من الأغنية يظهر بوضوح أنها تتحدث عن مكة بالاسم "مكة وفيها جبال النور طالة على البيت المعمور".

يشكّل الدين الإسلامي رافداً أساسياً للموسيقى الشرقية، خصوصاً أن من يطلق عليهم لقب "الكبار في الموسيقى الشرقية"، أتوا من خلفيات دينية، وبعضهم كانوا مشايخ أو تلاميذ لمشايخ أو أبناء مشايخ، كالشيخ سيد درويش والشيخ زكريا أحمد والشيخ أبو العلا محمد ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وسيد مكاوي، فضلاً عن محمد عبد الوهاب الذي تعلم التجويد في طفولته قبل أن ينتقل إلى الغناء، وأم كلثوم كانت ابنة الشيخ المؤذن إبراهيم السيد البلتاجي.

"It's a sort of prayer," says one  of the new whirling dervishes pictured in Konya, Turkey, Dec. 1971. The method of dervish…
الحلّاج في الأغاني: "بذرة روحية تضمن استمرار الإلهام لمحبيّه"
الفنان العراقي كاظم الساهر غنّى أبياتاً عديدة من قصائد الحلّاج، لاقت رواجاً كبيراً بين جمهوره، مثل "رأيتُ ربي بعين قلبي"، و"عجبتُ منك ومنّي"، وقصيدة "والله ما طلعت شمس ولا غربت" الشهيرة، وكل هذه القصائد لحنها الساهر وغنّاها، ونالت مئات آلاف المشاهدات على موقع "يوتيوب" وحده.

من هنا يمكن أن نرى موسيقيين عرب يضعون ألحاناً دينية ويؤدون أغنيات دينية بالتزامن مع ما يقدمونه من ألحان وأغان دنيوية. وقد لحّن "موسيقار الأجيال" محمد عبد الوهاب دعاء "لبيك اللهم لبّيك" وغناه بصوته بمرافقة الآلات الموسيقية، كما أدى موشحات وابتهالات دينية، وله تسجيلات يستمع فيها إلى قارئ القرآن محمد عمران وهو يؤدي ابتهالات دينية بعضها ارتبط بشهر رمضان، مثل "شهر الصيام على الأيام قد فضلا".

ومن الأغاني الدينية (الإسلامية) المشهورة أيضاً "مولاي إني ببابك" لسيد النقشبندي وهذا الابتهال هو من ألحان بليغ حمدي، الذي لحن أشهر الألحان لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ووردة وميادة الحناوي.

كما توجد تسجيلات لأم كلثوم وعبد الوهاب يتلوان فيها آيات من القرآن بصوتيهما. وقد طرح في وقت معين موضوع تلحين القرآن الذي يشكّل حساسية ويدخل ضمن المحرّمات لدى العديد من المراجع الدينية، وكانت أم كلثوم معارضة تماماً لهذا الطرح، كما هناك رأي للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، أحد أشهر مقرئي القرآن في القرن العشرين، يشدد فيه على أنه لا داع لإضافة ألحان إلى القرآن لأنه ملحّن بحد ذاته.

محمد عبد الوهاب كان من أكثر المتحمسين للتزاوج بين النص الديني والموسيقى، وقد طبّق هذا الأمر في كثير من ألحانه، أبرزها وأوضحها "دعاء الشرق"، الذي قال عبد الوهاب إنه استوحى لحنه من تجويد إمام مسجد لسورة "الضحى".   

وحدث هذا التزاوج بين الأغاني الدينية والدنيوية في بعض الحالات عبر اقتباس ألحان أغنيات أو موشحات أو ابتهالات دينية وصياغة أغان دنيوية على هواها، كما حصل مع لحنين للشيخ العراقي الملا عثمان الموصلي، وهما "زوروني كل سنة مرة" التي غناها سيد درويش وكانت أغنية دينية كلماتها تقول "زوروا قبر الحبيب (الرسول محمد) مرة"، وأغنية "فوق النخل" التي غير كلماتها الدينية ناظم الغزالي وغناها لتشتهر بصوته بكلمات مختلفة وتشيع على حساب الأغنية الدينية الأصلية التي كانت كلماتها تقول "فوق العرش".   

لفهم هذا التداخل، هناك بعدان إيقاعيان في الموسيقى الشرقية، كما يشرح المتخصص في علم الموسيقى الملحّن اللبناني زياد سحاب لـ"ارفع صوتك"، هما "البعد الدوري الحركي، أو الـMesure الموجودة في جميع أنواع الموسيقى، والبعد الآخر الخاص بالموسيقى الشرقية، هو الإيقاع الوزني الكلامي، وتقطيع الكلام، الذي يخلق تداخلاً بين تجويد القرآن وبين الموسيقى، لأن مجرد قراءة القرآن مع مراعاة الإيقاع الوزني والكلامي، تضعنا أمام إيقاع موسيقي داخلي في النص القرآني".

ويضيف أن "شفهية موسيقانا الشرقية في أساساتها القائمة على الارتجال، تتوافق مع تجويد القرآن الذي بدوره كان يخضع للارتجال من قبل المشايخ وكيفية انتقالهم بين المقامات بحسب المعنى والجو العام للآية التي يجوّدونها".

ولهذا كان تجويد القرآن يتطلب أن يكون الشيخ متمكناً ولديه صوت جميل، يشير سحاب إلى إمكانية ملاحظة وجود العديد من الموشحات الدينية التي تُنسب إلى "قديم"، أي أن اللحن قديم وصاحبه غير معروف.

هذه الموشحات، برأي سحاب، وضعها مشايخ "كانوا يخشون أو يخجلون من تبنيها بسبب المحاذير الدينية والأخلاقية".

لا يقتصر التداخل بين الدين والموسيقى على الإسلام، بل إن المسيحية شهدت هذا النوع من التداخل، خصوصاً في الموسيقى الكلاسيكية. كما كانت فرق دينية مسيحية، تختار أغان شعبية ومشهورة، فتغير من كلماتها، وتحمّلها معان دينية قابلة للانتشار بشكل أسرع، وتساعد في عملية التبشير، وفق سحاب.

ويتابع "مثل هذا الأمر حدث مع تجارب إسلامية كما تفعل إذاعة تابعة لجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية في لبنان (الأحباش) التي تبث أغنيات دينية ألحانها دنيوية معروفة، لكن لم يسجل أي اعتراض (فنّي) على الظاهرة بسبب تأثيرها المحدود جداً، إذ لم تشتهر أي من هذه الأغنيات بعد استبدال كلامها الدنيوي بآخر ديني".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".