صورة من مسلسل "تاج" الذي يُعرض خلال موسم رمضان الحالي- مواقع التواصل
صورة من مسلسل "تاج" الذي يُعرض خلال موسم رمضان الحالي- مواقع التواصل

تُعد الأعمال الدراميّة التلفزيونية كغيرها من الفنون مرآة تُعبّر بالعادة عن نبض المجتمع ويعكس سلبياته بغرض النقد والتقويم إضافة إلى مهمة الفُرجة والترفيه التي يُصرّ غالبية النقّاد على أنها الغاية البعيدة في أيّ عمل يتم إنتاجه وتسويقه.

وكغيرها من القطاعات، حرص النظام السوري منذ استلام الحكم في سوريا على تطويع الأعمال الدرامية وتدجينها بشكل أو بآخر عبر عدّة طرق، من أهمّها تحويل الوسط الفنّي إلى وسط مُوالٍ للسلطة بالترغيب أو الترهيب، وإعمال مقصّ الرقابة في جميع الأعمال المعروضة على الشاشة بحيث لا يمكن أن يمرّ أي عمل أو أي مشهد غير خاضع للسُّلطة أو موجّه منها.

وبعد اندلاع الحرب في سوريا ركّز النظام السوري بشكل أكبر على فحوى الأعمال التي يُنتجها أو يُخرجها أشخاص دانوا له بالولاء في الوسط الفنّي أو في ميدان شركات الإنتاج،  بغية تسويق رؤيته للحرب في سوريا وتبرئته من مُجمل الانتهاكات التي رافقت الحراك بشقّيه السلمي والمسلّح، وإرسال رسائل للخارج لا تختلف كثيراً عن تصريحات مسؤوليه الرسمية. 

مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" من بطولة مكسيم خليل وعبد الحكيم قطيفان
"هداك المسلسل".. معارضون سوريون يحتفون "بجرأة ابتسم أيها الجنرال"
لا أحد من السوريين داخل سوريا يجرؤ على أن يقول إنه يتابع مسلسل "ابتسم أيها الجنرال"، لأنه بصورة ما، يلمّح لخفايا نظام بشار الأسد وعائلته الحاكمة، وما يحدث داخل القصر الجمهوري، بحسب ما تداول متابعوه على مواقع التواصل، على الرغم من أن الشركة المنتجة قالت إن جميع أحداث المسلسل وشخصياته من "وحي الخيال، ولا تقصد بها أي جهة معينة، وأي تشابه بينها وبين شخصيات حقيقية هو من قبيل المصادفة".

 

"بيادق ناعمة"

بعد إلقاء نظرة على الأعمال الدرامية السورية (غير المشتركة) التي تُنافس الدراما العربية بأنواعها في موسم رمضان الحالي، يتجدد السؤال عن علاقة موضوعاتها وطريقة الطرح بالنظام الذي يسيطر على مختلف المواقع التي يتم فيها تصوير هذه المسلسلات، ومدى سطوته في توجيهها حسب رغبته.

يقول الناشط السوري الإعلامي أحمد المحمد: "منذ استلام حافظ الأسد للحكم حتى الآن، لا شيء (من الدراما) يُمثّل السوريين في سوريا سوى اسم الدولة فقط، فقد استطاع النظام   إلى حدّ كبير أن يجعل صُنّاع وممثّلي الدراما السورية مجرّد بيادق ناعمة في يده، وأن يؤدّوا ما يريدون تحت شعار الفنّ".

وغالبية فنّاني ومُنتجي الدراما السورية، بحسب المحمد "ليسوا فقط مُوالين للنظام السوري من باب سياسي، إنما هم أدوات حقيقية في يده ومجنّدون لتحقيق غاياته، ومن يخرج منهم عن هذا الإطار يتم استبعاده وإنهاء مسيرته الفنية بشكل صامت".

بالتالي، فإن "الدراما السورية مجرد صدى ورسائل لما يريد النظام السوري تقديمه للداخل والخارج".

ماذا عن تناول الأعمال قضايا اجتماعية من قلب الشارع السوري وأحيائه الفقيرة وتاريخه على مختلف المراحل؟ يقول المحمد لـ"ارفع صوتك" إن "النظام يسمح دائماً بإلقاء الضوء على قضايا الفقر والعيوب الاجتماعية بين الناس، لكنه يمنع بشكل قطعي تداول أي آراء سياسية من شأنها أن تضعف موقفه أو تظهره في مظهر الحكم الديكتاتوري أو القمعي".

ويستدرك "حتى الأعمال التي حاولت تفسير الثورة الشعبية في سوريا مثل مسلسل (الولادة من الخاصرة) بأجزائه الثلاثة، حاولت بشكل غير مباشر تبرئة النظام وإظهار أن المسؤول عن القمع هم فقط مجرد مسؤولين يرتكبون انتهاكات فردية". 

مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" من بطولة مكسيم خليل وعبد الحكيم قطيفان
"ابتسم أيها الجنرال" و"النار بالنار".. هل تخطيّا الرقابة السياسية والاجتماعية؟
ينجذب السوريون في كل رمضان، إلى لون درامي مميز قد يكون تاريخياً أو معاصراً أو يتطرق للأزمة السياسية والأمنية المستمرة منذ 12 سنة، والأخيرة غالباً ما تتصف بالخجل من التأشير على الأسباب أو الشخصيات المحورية فيها.

وتنافس في الموسم الحالي عدة أعمال لاقت صدى واسعاً بين السوريين والجمهوري العربي، مثل "تاج" من بطولة تيم حسن وبسام كوسا، ومسلسل "بيت أهلي" بطولة أيمن زيدان وسلوم حداد، و"ولاد بديعة" من بطولة سلافة معمار ومحمود نصّار، بالإضافة لمسلسل "العربجي" بطولة باسم ياخور وديمة قندلفت، ومسلسل "أغمض عينيك" من بطولة أمل عرفة ومنى واصف وعبد المنعم عمايري، و"مال القبّان" من بطولة خالد القيش وسلاف فواخرجي وغيرها.

واللافت هذا العام، أن أبرز الفنانين المشاركين في هذه الأعمال، ظهروا في صورة جماعية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، شاركها بعضهم على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقالت وكالة "سانا" الرسمية عن هذا اللقاء بين الفنانين والأسد، بأنه تضمن "حواراً حول صناعة الدراما وتحديات الإنتاج، والنصوص والتصوير، ودور الأعمال الدرامية حالياً داخل المجتمع، وسبل دعم صناعتها في المرحلة المقبلة".

 

تعزيز رواية النظام

لا يتوقّف الأمر عند توجيه الدراما ومنع أيّ عمل يعارض السُّلطة، إنما دخل المتنفّذون التابعون للنظام السوري في باب شركات الإنتاج بواجهات فنية للاستفادة من تحقيق أرباح عالية، كما يقول الناقد الفني السوري عبد القادر المنلا.

يوضح المنلا لـ"ارفع صوتك" أن جزءاً من الدراما السورية "حاول قبل وصول بشار الأسد للحكم عام 2000 أن يأخذ اتجاهات بعيدة عن سلطة الحكم، في محاولات المخرجين هيثم حقي ومأمون البنّي وغسان جبري على سبيل المثال، ثم ازداد بعد ذلك تحكّم الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري في صناعة الدراما، وظهر هذا جلياً بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011".

فقد سعى النظام بعد 2011، وفق المنلا، إلى "جعل الدراما السورية مجرّد بوق إعلامي يعزّز رواياته من جهة، ويوحي بأنه لم يتأثر بمجريات الحرب من جهة ثانية، كما استعان بمخرجين يقومون بهذا الدور بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل المخرجَين نجدة أنزور والليث حجو".

وحول بعض الأعمال التي تحدثت عن قضايا فساد داخل مؤسسات النظام، يعتقد المنلا أن النظام "له دور أيضاً في إقناع المشاهدين بأن الدوائر العليا منه بريئة من ذلك، وأن الفساد يُمارَس بشكل فردي وتتم ملاحقته ومحاربته بلا هوادة من قبل الحكومة".  

وشهدت سنوات الحرب في سوريا انقساماً في المواقف السياسية بين الفنانين السوريين، وانقسموا ثلاثة أقسام، حيث اختار بعضهم تبنّي مواقف النظام بشكل حادّ والدفاع عن رؤيتها ورواياتها، فيما وقف آخر ضد النظام وأعلن تأييده للثورة الشعبية، بينما قررت الأغلبية منهم الصمت وعدم إظهار أي موقف تجاه ما يجري من مبدأ "فصل الفن عن السياسة".     

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".