حشرجة سلمان رشدي الأخيرة.. فيلم إيراني طويل!

منذ أيام تراجع الاهتمام نسبيا بمتابعة أخبار الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، المرتبطة أساسا بأزمة الطاقة والغذاء، بالابتعاد عن الأخبار ذات التأثيرات السلبية على الصحة النفسية والعقلية.

لقد فاض الناس بالملل والتبرم، خصوصا ونحن نعيش فصل الصيف والعطل. لكن الأخبار السيئة لم تتوقف عن ملاحقة الهاربين من صهد الحرارة والأسعار، وأتت هذه المرة في صيغة جريمة قتل معلن، أو محاولة قتل حدثت في غرب ولاية نيويورك، في محفل أدبي وثقافي أمام الكاميرات، مع خلفية تاريخية ترجع لأكثر من ثلاثة عقود، مسبوقة بالتحريض على القتل. لذلك ترددت أصداؤها عبر أركان العالم أجمع. 

رغم شناعته اشتمل الخبر على كل عناصر الإثارة والتشويق وأكثر. كأننا بصدد قراءة رواية من "السلسلة السوداء"، بل إنها قصة تصلح لإنتاج فيلم سينمائي قد يحقق بلا شك نجاحا جماهيريا مبهرا.  

تمر أمامنا على الشاشة مشاهد لحشود مدثرة بالسواد، تنزف منها الدماء، أناس منغمرون في عملية "جلد ذاتي" لأجسادهم بالسلاسل. يلوحون بالسيوف، وهم جاهزون للتضحية بأرواحهم.

إنه مشهد من إحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين.

يتناهى إلى الأسماع صوت جهوري قوي، يقول: 

"الدم شيء قليل على الحسين.. في سبيل الشفاعة يوم الورود".

ثم يظهر شاب يرتدي ملابس سوداء وبيده سلاح أبيض، يتقدم متحمسا نحو منصة يجلس بها أديب عالمي. يتابع الحضور خطوات الشاب السريعة، يظنونه واحدا من القراء المفتونين، جاء ليهدي كاتبه المفضل باقة ورود.

وأمام دهشة الجميع، تتناثر باقة الورود الحمراء وتتحول إلى دماء نازفة، لتملأ الشاشة بالدم الذي يسيل من جسد الكاتب المغدور على شكل كلمات وحروف وصفحات مخطوطات صارخة.

***

نعود إلى المشهد الأول، مشهد عاشوراء ورايات الحسين الداعية إلى ثأر قديم يرجع إلى أكثر من ألف سنة.

ثم تتصاعد أصوات نقرات الأجهزة الإلكترونية، وتلمع أضواء الكاميرات، في تسابق محموم لنقل حدث محاولة اغتيال الكاتب العالمي. هذا حدث يكسر رتابة الأخبار. تختلط صيحات ذعر الحاضرين في اللقاء الأدبي بضجات هدير مطابع الروتاتيف وهي تلفظ جرائد ورقية إيرانية، تتصدر صفحاتها الأولى تفاصيل الهجوم، بمانشيتات عريضة تهلل للانتقام التاريخي الذي تأخر (يمهل ولا يهمل)، وقد نال شرف تنفيذه شاب شيعي ولد بعد فتوى الإمام المبجل بتسع سنوات كاملة. 

نقرأ على شاشة كمبيوتر شخصي عبارة فيسبوكية مقتبسة من المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي: "إن الفتوى أطلقت كالرصاصة التي لن تهدأ حتى تصيب هدفها".
 وتغريدة أخرى، ظهرت في حساب خامنئي على تويتر في ثلاث سنوات، قال فيها: إن فتوى الخميني ضد سلمان رشدي كانت "صلبة وغير قابلة للنقض". 

*** 

تظهر صورة شيخ معمم بالأسود، يلوح بيده راسما على شفتيه نصف ابتسامة جوكندية، تؤطر وجهه النحيل لحية بيضاء أضفت على محياه شيئا من الهدوء والمهابة والجلال. لكن لما عمد أحد الأخصائيين في تقنية الصورة إلى حلق لحية الرجل، كشف لنا عن ملامح حادة ووجه ستاليني بالغ القساوة. 

تُسمع ضحكات فرح هيستيرية من مكان معتم، سرعان ما تطغى كلمات التكبير: "الله أكبر".
تمتلئ الشاشة بمانشيتات ومقالات باللغة الفارسية: 

"برافو لهذا الرجل الشجاع الواعي بالواجب الذي هاجم المرتد والفاسد سلمان رشدي في نيويورك". 

"لنقبل يدي من مزق رقبة عدو الله بالسكين". 

ويظهر الشاب الذي سعى لاقتطاف المجد الاستشهادي الموصل إلى باب الجنة من غير حساب.

تنتقل الكاميرا إلى غرفة بمركز جراحي في بنسلفانيا. لوحة حمراء كتب عليها "ممنوع الزيارة". ثم نشاهد آلات للتنفس الاصطناعي، مع سماع دقات قلب بطيئة للجريح، ما تلبث أن تنتظم، لتتحول إلى ما يشبه دقات طبول تقرع، تتبعها أصوات طائرات وقذائف صاروخية ومدفعية ولعلعة رصاص. دمار وعمليات اختطاف وذبح وقتل أطفال ونساء ورجال. إنها الحرب.. تتوالى مشاهدها من أفغانستان وسوريا وفلسطين والعراق وليبيا إلى مالي واليمن والصومال.. ومناطق أخرى غير محددة في العالم.

***

تنتقل بنا الكاميرا إلى غرفة تحقيق لشرطة "الإف. بي. أي." الأمريكية.

يقف الشاب المتهم أمام المحققين، يسألونه عن أسباب إقدامه على جريمته، فيدفع ببراءته..  

-  لكن هل أنا من أخذت بيدي سكينا وطعنت الكاتب؟ تسأله محققة.

يرد عليها على الفور:
 - إنها يد الله من قضت أمرها. و"كان أمر الله قدرا مقدورا". صدق الله العظيم.
يلتفت المحققون إلى بعضهم، يتبادلون الاستغراب.

يستغرب الشاب أكثر من ردة فعلهم، وقبل أن يتلقى سؤالا جديدا، يبادر هو بسؤالهم:
-  كيف لا تؤمنون بأنها يد الله، أتصدقون فقط اللاعب القصير الماكر.. عندما أخبركم أن هدفه سجل بيد الله، وكان هدفا مغشوشا...!! (هدف مارادونا بمرمى الانجليز، في كأس العالم لكرة القدم عام 1986).

يتساءل المحققون، هل هم إزاء متهم يتذاكى عليهم محاولا لعب لعبة المصاب بخلل عقلي.

يعيدون عليه طرح السؤال:
-  لماذا أقدمت على طعن الكاتب؟
-  لأنه ارتكب جريمة "آيات شيطانية".
-  ما الذي تؤاخذه على الكاتب في هذه الرواية؟
-  إنها رواية تافهة ومملة.. تدعو إلى الكفر. هذه هي الحقيقة.. رواية مسيئة لرسول ونبي الإسلام وللمسلمين كافة.
-  هل ممكن أن تدلنا على بعض مواطن التفاهة والملل في هذه الرواية.. رواية "آيات شيطانية"... حسب رأيك...؟
-  لا أستطيع.. لا أعرف..
-  غير معقول، كيف تقول هذا؟
-  لأني لم أقرأ الرواية، ولا اطلعت يوما على ما يكتبه صاحبها...
-  إذن من أين يأتيك الممل.. وكيف تحكم على قيمة كتاب وأنت لم يسبق لك أن قرأته؟
-  لأن الحكم الإلهي صدر.. وقد بلغه إلى العالم آية الله العظمى وروح الله الإمام الخميني... عليه رضوان الله وصلواته ورحمته الواسعة...
-  ألم يكن عليك على الأقل قراءة الرواية..؟!
-  لماذا تريدونني أن أفعل ذلك؟؟!! ثم إن قراءة كتاب كله إساءات شيطانية، يعد من المكروهات ومن مبطلات الوضوء...
يغادر المحققون القاعة، وقبل أن يغلقوا عليه بابها.. يقف الشاب يسألهم:
-  لكن، طمئنوني، هل لفظ الكافر أنفاسه؟ هل.. أم أنكم أنقذتموه لتمنحوه عمرا جديدا لاستكمال إساءاته الشيطانية؟؟  أريد أن أعرف حتى أستكمل التعاون معكم وإلا سأمتنع...
يخبرونه أنه تم إنقاذ الكاتب من موت.
يتطلع غير مصدق من خلف الزجاج المضبب لغرفة التحقيق. ثم ينخرط في نوبة بكاء..
يتوقف سائلا نفسه:
-  لماذا يا ترى أبكي الآن.. ألأني خائف..؟
يجيب نفسه:
-  حاشى لله.. أنا لست بخائف، ولكني أبكي فشلي.. فاتني أن أكون شهيدا وأن أنال جنة الرضوان... غفرانك يا رب.. لن تكون آخر إساءة لديننا ولرسولنا الكريم طالما أن الفتوى المقدسة لإمامنا المحبوب لم تنفذ.. إن إعدام الكافر المرتد سلمان رشدي هو العمل الذي سيوقف كل أعداء الإسلام الحاقدين من مرتكبي الرسوم الكاريكاتورية وحارقي المصحف الشريف، ومقترفي الأفلام المسيئة لسيد العالمين ولأمتة الإسلام العظيمة...
*** 
صوت الإمام الخميني يتلو فتوى إهدار دم سلمان رشدي من على أمواج إذاعة طهران، بتاريخ 14 فبراير- شباط 1989. 
ومشهد مزايدات في "بورصة الاستشهاد" بمضاعفة القيمةً الماليةً الكبيرةً المرصودة لمنفذ قتل سلمان رشدي. تجاوزت ثلاثة ملايين والنصف مليون دولار.
مظاهرات صاخبة في إيران والهند وباكستان وبنغلاديش... لمحتجين ضد سلمان رشدي، وضد الرسوم الدنماركية للرسول، وضد حرق المصحف..
ومشاهد اغتيال مترجمين أقدموا على نقل رواية "آيات شيطانية" إلى لغات أخرى..
***  
حوار في مقهى:
-  هل تابعت الضجة حول كتاب بعنوان "آيات شيطانية" لكاتب بريطاني من أصل مسلم؟
 - حاشى أن يكون الكاتب من أصل إسلامي ولا جرت في عروقه يوما دماء الإسلام.. لا شك أن الكتاب من تأليف شيطان وسوس للكاتب وأملى عليه ما يكتب... عليه اللعنة إلى يوم الدين..
-  لماذا تلعنه؟
-  لأنه كاتب لعين وابن زنى ولا يستحق أكثر من اللعن. 
-  هل قرأت الكتاب؟ 
-  كلا! بل سمعت عنه!
***
تتجول بنا الكاميرا في مناطق من شرق المتوسط وشمال إفريقيا. 
نشاهد صورا متلاحقة لمفكرين ومناضلين بارزين، من مشرق البلاد العربية إلى مغربها، جميعهم غدر بهم على يد حراس دين الله...
(حسين مروة، حسن حمدان "مهدي عامل"، فرج فودة، عمر بنجلون، صبحي الصالح، جورج حاوي، سمير قصير، شكري بلعيد، محمد الابراهيمي، ناهض حتر، علاء مشذوب، لقمان سليم...)...
 واللائحة مفتوحة على مزيد من الغدر والدم باسم الله...
*** 
مشاهد متسارعة لحركة إقبال عالمية واسعة على اقتناء أعمال سلمان رشدي، وتحميل روايته "آيات شيطانية" من محركات البحث بالانترنيت. 
ولقطة قديمة لسلمان رشدي يقول فيها: 
"شكرا سيدي الإمام الجليل آية الله الخميني، فقد أوصلتني إلى مكانة وشهرة لم أكن أحلم بهما في يوم من الأيام، لك الفضل الأول والأخير بهما، وأنا مدين لك طوال عمري".
***
خبر مراسل تلفزيوني: إن سلمان رشدي تم رفعه عن جهاز التنفس الصناعي، وهو الآن يستطيع التحدث، بل إنه أطلق مزحة وهزء..
وعلى شريط الأخبار أسفل الشاشة نقرأ:
إحياء مفاوضات الاتفاق النووي بين الغرب وإيران.
 ثم على شاشة ثانية نرى صور ابتسامات ضاحكة من أعضاء الوفد الإيراني، كما لو أنها تستجيب لنكتة سلمان رشدي الجريح...
تصريح لمتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بشأن مسودة الاتفاق النووي: "نحن في مرحلة متقدمة من المفاوضات والتوصل لاتفاق يرتبط بتحقيق مطالبنا".
***   
مصري يغني على إيقاع موسيقى الراب:
(فى زمن الردة و البهتان../ اكتب ما شئت ولا تخجل فالكفر مباح .. يا سلمان/ فزمان الردة نعرفه/ زمن المعصية بلا غفران/ إن ضل القلب فلا تعجب أن يسكن فيه الشيطان..
(...)
فاكفر ما شئت ولا تخجل/ ميعادك آتٍ يا سلمان/ دع باب المسجد يا زنديق/ وقم واسكر بين الأوثان/ سيجيئك صوت أبى بكر/ ويصيح بخالد: قم واقطع رأس الشيطان..
 اقطع.. اقطع 
رأس
الشيطاااان...
ميعادك آتٍ يا سلمان...
***
سماء رمادية كلها أدخنة.. صوت حشرجة تخنق قتيلا... ومشهد عام لأنابيب غاز وبراميل نفط مليانة بالدم.
 لاشيء غير الدم.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

الرئيس السوري بشار الأسد زار حلب إحدى أكبر المدن التي تضررت بالزلزال
الأسد خلال حديثه لوسائل الإعلام أثناء زيارته لحلب بعد الزلزال (سانا)

فور حدوث الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وقضى على عشرات الآلاف من الضحايا وحّول مناطق شاسعة في البلدين إلى أهرامات من الركام، سارع الرئيس السوري، بشار الأسد، دون خجل إلى تسيس هذه المأساة واستغلالها لخدمة مصالحه الضيقة، ولطمس جرائم القتل الجماعي التي ارتكبها ضد شعبه في العقد الماضي، وللتخلص من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على نظامه ولإعادة بعض الشرعية لنظامه الدموي الفاسد. 

الأسد رحّب بالاتصالات الهاتفية التي أجراها معه بعض القادة العرب، مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وبأولى شحنات المساعدات التي وصلت إلى سوريا من دولة الإمارات وقطر والسعودية والأردن. 

هذه الدول تسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى "حظيرة" جامعة الدول العربية، سوف تتعاون مع دمشق في سياق إغاثة ضحايا الزلزال إلى إعادة تأهيل النظام السوري واعتماد سرديته الواهية التي تدعي أن إغاثة الضحايا السوريين يجب أن تمر عبر دمشق.

حتى الحكومة اللبنانية المستقيلة، التي بالكاد تقوم بمهام تصريف الأعمال، أرسلت وفدا حكوميا رسميا إلى دمشق لبحث تداعيات الزلزال المدمر "والإمكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة".

لبنان، الذي وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء، "أجمل دولة فاشلة في العالم"، هذه الدولة التي تركت للبنانيين مشاهدة ركام أهرامات القمح في المرفأ بعد أن دمرها جزئيا أكبر انفجار غير نووي في العالم لتذكرهم بفشلها وفسادها ورعونتها، دفعتها المروءة المسرحية لمد يد المساعدة لنظام أذلّ اللبنانيين لعقود.

السوريون، الذين قهرهم أولا نظامهم الوحشي، وتخلى الله عنهم لاحقا، إلى أن أتت الطبيعة لتزيد من يبابهم يبابا، يستحقون كل مساعدة وكل إغاثة ممكنة لأنهم ضحايا بامتياز وعلى مدى سنوات طويلة.

ولكن الخبث اللبناني الرسمي ينضح من ادعاءات توفير الإمكانات اللبنانية لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، (الهدف الأول من الزيارة هو تطبيع العلاقات) بينما يتم تجاهل ضحايا الزلازل السياسية اللبنانية، ومن بينهم ضحايا انفجار مرفأ بيروت الذي ترفض الحكومة اللبنانية والقوى التي تقف وراءها مثل حزب الله حتى الاعتراف بمأساتهم والتعويض عليها، ومحاسبة المسؤولين عن الانفجار.

وخلال زيارته الأولى للمناطق المنكوبة في حلب (بعد خمسة أيام من حدوث الزلزال) ألقى الأسد باللوم على الغرب لتأخر وصول المساعدات الإنسانية مدعيا أن أولويات الغرب سياسية وليست إنسانية، مضيفا أنه من الطبيعي أن يسيسوا الوضع، لأن اعتبارات الغرب غير إنسانية لا اليوم ولا في السابق.

واستغل الأسد وأقطاب نظامه الزلزال للمطالبة بإلغاء العقوبات الاقتصادية الدولية، في الوقت الذي واصلوا فيه إصرارهم على ضرورة وصول المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة في البلاد عبر الحكومة السورية فقط، بما في ذلك المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب سجل الأسد خلال العقد الماضي في استغلال المساعدات الانسانية وتوزيعها على أنصاره أو سرقتها وبيعها في السوق السوداء.

وفي الأسبوع الماضي، جددت واشنطن إصرارها على رفض التعامل المباشر مع نظام الأسد أو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة ضده، مع التأكيد على أن العقوبات تستثني المساعدات الانسانية والأغذية والأدوية.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين: "من المثير جدا للسخرية، إن لم يأت بنتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعيشها الشعب".

في هذا السياق من الصعب تصديق ادعاءات وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، أن حكومته مستعدة لأن تسمح بدخول المساعدات الدولية إلى جميع المناطق السورية "طالما لم تصل إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة" كما قال في مقابلة تلفزيونية وهذا يعني عمليا استثناء محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام الإسلامية.

وادعى مقداد أن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة. هذا الموقف ينسجم مع الموقف التقليدي لنظام الأسد خلال العقد الماضي حين كانت السلطات السورية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين كانوا يعانون من المجاعة في المناطق المحاذية للعاصمة، دمشق، كما حدث خلال سنتي 2012 و2014. ويجب ألا نتوقع غير ذلك الآن.

نصف المناطق المنكوبة في سوريا واقعة تحت سيطرة الحكومة السورية والنصف الآخر واقع تحت سيطرة المعارضة المسلحة.

ويخشى السوريون في المناطق الواقعة خارج السيطرة الحكومية في شمال غرب سوريا وكذلك منظمات الإغاثة الدولية من أن نظام الأسد سوف يعطل إيصال المساعدات إليهم او الاستيلاء عليها، وأن الوسيلة الوحيدة لإيصال هذه المساعدات بسرعة الى المتضررين هي عبر الأراضي التركية وعبر معبر باب الهوى، وهو المعبر الوحيد المفتوح بين تركيا وسوريا.

وتقوم روسيا، بطلب من الحكومة السورية باستخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لمنع فتح المعابر الاخرى بين تركيا وسوريا.

ولذلك، فإن مفتاح الإسراع بإيصال مساعدات الإغاثة الدولية إلى تلك المناطق السورية هي عبر فتح المعابر الدولية، بدلا من الحديث العبثي عن إلغاء العقوبات الاقتصادية وهي مسألة صعبة قانونيا وسياسيا، وسوف تؤدي إلى تعزيز وترسيخ نظام ارتكب جرائم حرب ضد شعبه. ووصلت صفاقة النظام السوري إلى درجة أنه قصف مناطق المعارضة المنكوبة حتى بعد حدوث الزلزال.

وفي خطوة لافتة أرادت من خلالها واشنطن أن تفند الاتهامات الباطلة بأنها لا تقوم بما فيه الكفاية لإيصال المساعدات الى المناطق السورية المنكوبة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية استثناء مؤقتا من العقوبات يتعلق بالمعاملات المالية للأغراض الإنسانية لمدة ستة أشهر.

وأكد مساعد وزير الخزانة الأميركية، والي أدييمو، أن "برامج العقوبات الأميركية تحتوي بالفعل على إعفاءات قوية للجهود الإنسانية ومع ذلك أصدرت وزارة الخزانة اليوم ترخيصا عاما شاملا لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال حتى يتمكن أولئك الذين يقدمون المساعدة من التركيز على ما هو مطلوب أكثر: إنقاذ الأرواح وإعادة البناء".

ولكن هذا التعديل المؤقت لا يشمل السماح بالتعامل المالي مع أي جهة رسمية تابعة لنظام الأسد ولا التعامل مع الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات، كما لا يستثني الحظر المستمر على النفط السوري.

من المتوقع أن يؤدي الزلزال إلى تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات بين معظم الدول العربية بمن فيها أصدقاء الولايات المتحدة والنظام السوري، على الرغم من استمرار العلاقات الوثيقة بين دمشق وطهران.

كما من المتوقع أن تبقى العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، طالما بقي الأسد متربعا على كرسيه الرئاسي فوق الركام السوري.