سجن مصري
مصر شهدت بناء أكثر من 60 سجنا جديدا خلال عقد واحد تقريبا

في مصر يمكن للمرء هناك أن يقضي مددا غير محددة في سجونها دون أن يعرض على المحاكمة أو توجه له أي تهم بشكل رسمي.. هذا ما خلص إليه تحقيق صحيفة "نيويورك تايمز" بعد الإطلاع على قوائم مكتوبة بخط ليد لأسماء سجناء لا يعرفون متى سوف يبصرون ضوء الشمس مرة أخرى.

ولا توجد سجلات عامة لعدد الأشخاص المحتجزين على ذمة المحاكمة، لكن التحليل الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز لسجلات المحاكم المكتوبة بخط اليد، والتي يحتفظ بها محامو الدفاع المتطوعون بشق الأنفس، يُظهر لأول مرة عدد الأفراد المحتجزين دون محاكمة ويكشف العملية القانونية الدورية التي يمكن أن تبقيهم هناك إلى أجل غير مسمى.

ففي الأشهر الستة فقط من سبتمبر 2020 إلى فبراير 2021، تقدر دراسة الصحيفة أن هناك حوالي 4500 شخص كانوا محاصرين في الحبس الاحتياطي.

"اعتقال جماعي"
ورغم أن القانون المصري يحد من المدة التي يمكن فيها احتجاز المحتجزين، فإن المدعين العامين والقضاة غالباً ما يطيلون فترات الاحتجاز بشكل متكرر بعد جلسات استماع روتينية، وقد كان واحد على الأقل من كل أربعة من المعتقلين قد أمضى أكثر من عام رهن الاعتقال، حيث جرى تمديد النظر في قضاياهم دون محاكمة مرات ومرات.

وقد يتم وضع العشرات أو حتى المئات من الأشخاص معًا في نفس القضية، ويتم تجديد اعتقالهم بشكل جماعي، فعلى سبيل المثال شملت إحدى القضايا أكثر من 600 شخص اعتقلوا خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في عام 2020، وكان من بينهم صبي يبلغ من العمر 14 عامًا جرى القبض عليه في محافظة الجيزة، وامرأة تبلغ من العمر 57 عامًا اعتقلت من منزلها في مدينة الإسكندرية، ورجل يبلغ من العمر 20 عامًا تم القبض عليه في مكتب معماري في مدينة السويس على ساحل البحر الأحمر.

وخلال احتفالات بالذكرى السنوية لاحتجاجات 2011 التي أطاحت نظام الرئيس الراحل، حسني مبارك،  تقوم الشرطة بمداهمات وإنشاء شباك جر لالتقاط الشبان الذين يسيرون بالقرب من مناطق الاحتجاج الساخنة.

وكان قد جرى اعتقال أكثر من 16000 شخص أو تم استدعاؤهم من قبل الأجهزة الأمنية لأسباب سياسية من 2020 إلى 2021، بحسب مركز الشفافية المصري، وهو رقم لا يشمل الاعتقالات في شمال سيناء، حيث تقاتل الحكومة "جماعات متطرفة"، وبالتالي فإن من المعلومات المتاحة من هناك شحيحة.

وقد جرى إرسال معظم المعتقلين مباشرة إلى الحبس الاحتياطي، على الرغم من أن معظمهم لا يظهر في دراسة "نيوريوك تايمز" حيث تم الإفراج عن العديد منهم قبل مرور خمسة أشهر قبل البدء بجمع البيانات.

ورفض معظم المسؤولين المصريين الذين سئلوا عن نظام الحبس الاحتياطي التعليق على هذا التحقيق، فيما يتم الرد على الطلبات التي تم إرسالها إلى مكتب المدعي العام ومسؤولي السجون والرئاسة من خلال متحدث حكومي.

وفي المقابل، يرى اللواء خالد عكاشة، رئيس المركز المصري للدراسات الإستراتيجية، وهو معهد أبحاث متحالف مع الحكومة، يرى إن التراكم يجعل فترات الانتظار الطويلة قبل المحاكمة "حتمية".

ولكن رئيس تحرير موقع "درب" خالد البلشي، ، إحدى وسائل الإعلام القليلة المتبقية التي لا تلتزم بخط الحكومة، يرد على ذلك بقوله: "هذا الأمر برمته لا علاقة له بالعدالة، مضيفا: "إنها مجرد مسرحية".

"دوامة العامين"
ويمكن تجديد فترات 45 يومًا بشكل متكرر لمدة تصل إلى عامين، بعد ذلك، يشترط القانون إطلاق سراح المعتقل، بيد أن ذلك لا يحدث دائمًا، إذ أنه في كثير من الحالات، يرفع المدعون قضية جديدة، وليدخل المعتقل في دوامة عامين آخرين من السجن الاحتياطي.

ووفقا للمعلومات المتوفرة، قد جرى إعادة  تدوير سجن ما لا يقل عن 1764 محتجزًا في حالات جديدة من يناير 2018 إلى ديسمبر 2021، وفقًا لمركز الشفافية المصري للأبحاث والتوثيق وإدارة البيانات.

ووجد المركز أن أكثر من ربع السجناء، كانوا قد دخلوا المرة الثانية من فترة السجن المؤقت لمدة عامين، بينما هناك سجناء تكرر الأمر معهم نحو سبع مرات.

من جانب آخر، توصلت مجموعة بحثية مصرية تتعقب نظام العدالة إلى أن حوالي 11700 شخص اتُهموا بارتكاب جرائم إرهابية من 2013 إلى 2020، في حين تؤكد  جماعات حقوقية إن الغالبية العظمى لم يقترفوا أي جرائم تتعلق بالتطرف العنيف. 

وقال محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، التي تمثل السجناء السياسيين: "إنها تظهر لك فقط كيف فقدت تهمة الإرهاب هذه أي معنى.. إنه أمر غير معقول وغير منطقي."

وكانت لجنة العفو الرئاسي قد ناقشت ملف عشرات المعتقلين السياسيين والحد من طول فترة الاحتجاز السابق للمحاكمة، مما يشير إلى أنه يمكن تخفيف مثل هذه الإجراءات الآن بعد أن قامت الحكومة بـ"القضاء على الإرهاب" إلى حد كبير واستعادة الاستقرار.

وقال النائب طارق الخولي، عضو لجنة العفو، إن قرارات العفو عكست "حرص الحكومة على الانفتاح على جميع القوى السياسية واستعدادها لخلق إرادة حقيقية للانخراط في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السياسي". 

ولكن حتى مع إطلاق سراح بعض المعارضين والسياسيين، جرى الحكم على آخرين بالسجن، بينما استمرت الاعتقالات ذات الدوافع السياسية على قدم وساق، وفي هذا الصدد يقول أهالي المعتقلين إن التجاوزات في السجون لم تتوقف.

من جهته، اعترف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الحكومي، صلاح سلام بوجود بعض "التجاوزات" في نظام العدالة، لكنه قال إن جماعات حقوقية أجنبية وجواسيس بالغوا في مثل هذه المشاكل لتقويض الحكومة، على خد قوله. 

ولكن المحامي الحقوقي البارز خالد علي، يقول إنه قد جرى اعتقال المزيد والمزيد من الناس العاديين.

وتابع: "من المفترض أن يمنح الحبس الاحتياطي السلطات وقتًا للتحقيق في القضايا.. ولكن في الواقع، يتم استخدامه كأداة عقاب".

تجدر الإشارة إلى أن بعض المنظمات الحقوقية تقدر أعداد "المعتقلين السياسين" في مصر بما يزيد عن 60 ألف سجين ويتضمن ذلك العدد الأشخاص الذين صدرت بحقهم أحكام من القضاء.

كما  يشار  إلى أن مصر شهدت بناء أكثر من 60 سجنا منذ العام 2011 ومعظهم قد جرى إنشاؤه في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".