تراجع المساعدات الإنسانية على مستوى العالم رغم تفاقم الأزمات
تراجع المساعدات الإنسانية على مستوى العالم رغم تفاقم الأزمات

نقلا عن موقع الحرة

يتراجع التمويل لتخفيف الأزمات الإنسانية في العالم أكثر من أي وقت مضى مع تفاقم الأزمات العالمية حسبما تقول الأمم المتحدة.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الطلب، الذي تضخم بالفعل بسبب ويلات مثل وباء كوفيد-19 والجفاف هذا العام، ارتفع مدفوعًا جزئيًا بالحرب في أوكرانيا. 

وقال مارتن غريفيث، رئيس مكتب الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية وحالات الطوارئ، الذي ينسق المساعدات الإنسانية من خلال وكالات المختلفة، "هذه هي أكبر فجوة تمويل رأيناها على الإطلاق، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن عدد الأشخاص المستضعفين الذين يحتاجون إلى الدعم يتزايد بسرعة".

وقال إن وكالات الأمم المتحدة والمجموعات الخاصة التي تعمل معها تحتاج إلى 48.7 مليار دولار في عام 2022 لمساعدة أكثر من 200 مليون شخص، لكن بعد أكثر من سبعة أشهر من العام، جمعت أقل من ثلث ذلك المبلغ.

وتقول الصحيفة الأميركية إن النظرة القاتمة تخفي تباينا صارخا في الدعم بحيث أن الأموال المخصصة لمساعدة الأوكرانيين كانت وفيرة نسبيا.

ولا يمكن للاجئين بمخيمات السوريين في شمال العراق الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء. 

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، يواجه العديد من الأشخاص الذين أُجبروا على ترك منازلهم الحياة بدون مأوى أو أدوات أساسية مثل صيد الأسماك أو معدات الزراعة. في جنوب السودان، لن تكون هناك مدرسة ثانوية لبعض الأطفال اللاجئين هذا الخريف.

وقالت المتحدثة العالمية باسم وكالة الأمم المتحدة للاجئين، كاثرين ماهوني، "لقد أوضحت الحرب في أوكرانيا بشكل صارخ للغاية، كيف يمكن حشد الدعم بسرعة وعلى نطاق واسع للاجئين والاستجابة للاحتياجات الإنسانية - عندما يكون هناك التزام سياسي".

كإجراء مؤقت، استفادت الأمم المتحدة من صندوق الاستجابة للطوارئ، لكن هذا ليس كافيا وغير مستدام، كما قالت غريفيث.

وناشدت الدول المانحة تقديم نفس الكرم للشعوب الأخرى كما يظهرونه للأوكرانيين فيما يقول مسؤولو الأمم المتحدة الآخرون إنهم يوجهون نفس النداء بانتظام إلى الحكومات والمؤسسات الخاصة.

تأتي الغالبية العظمى من المساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد قليل من الدول الأوروبية الفردية، إضافة إلى اليابان وكندا. 

ويمكن للمساهمين أن يتركوا الأمر للأمم المتحدة لتوجيه الأموال، لكن المانحين يخصصون الغالبية العظمى منها لبرامج وبلدان محددة.

وقال المسؤول السابق في الأمم المتحدة والخبير في شؤونها المالية، يوجين تشين، "إنها عاصفة كاملة مع العديد من العوامل المختلفة - لدينا أزمة أوكرانيا ويتعين على الكثير من المانحين الرئيسيين تخصيص الكثير من التمويل هناك، وبعد ذلك هناك مجموعة عادية من الأزمات التي تفاقمت بسبب كوفيد والمناخ".

 

"خيارات مفجعة"

وطلب مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أكثر من 6 مليارات دولار هذا العام على وجه التحديد لمساعدة الأوكرانيين، سواء اللاجئين الذين فروا من البلاد والذين ما زالوا بداخلها. وجمع النداء الأول الخاص بأوكرانيا أكثر من المبلغ المطلوب، بينما النداء الثاني في طريقه للاكتمال.

وللغزو الروسي لأوكرانيا إلحاح جيوسياسي خاص، بالإضافة إلى زخمه الأخلاقي للدول الغنية التي قد لا ترى الأزمات في أجزاء أخرى من العالم تؤثر بشكل مباشر على مصالحها الوطنية. 

وترى الولايات المتحدة وحلفاؤها دعم أوكرانيا مفتاحا لمعاقبة روسيا واحتوائها وتعزيز تحالفاتها وإرسال رسالة إلى الصين حول تكاليف العدوان. 

في الوقت ذاته، تأوي الدول الأوروبية أكثر من ستة ملايين أوكراني وهم يكافحون مع أكبر أزمة لاجئين في القارة منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن اللاجئين ووكالات الإغاثة على حد سواء أشاروا إلى أن الدول المانحة أبدت اهتماما أكبر بكثير بالسكان الأوكرانيين ذوي الغالبية الساحقة من البيض والمسيحيين أكثر من اهتمامهم بالأشخاص الفارين من العنف والحرمان في الشرق الأوسط وأفريقيا.

وبسبب الأزمة في أوكرانيا، ارتفع الإنفاق في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من بين وكالات الإغاثة الأخرى إلى ما يصل بنحو 10.7 مليارات دولار في عام 2022.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، هناك حوالي 100 مليون نازح في العالم بارتفاع من حوالي 39 مليونا عام 2011.

ويعيش 43 بالمئة من الأشخاص الذين تخدمهم وكالة اللاجئين في 12 دولة فقط هي: أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان والعراق وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد واليمن وبنغلاديش والأردن ولبنان وكولومبيا. 

وفي جميع البلدان الـ 12، تعمل برامج وكالة اللاجئين بتمويل أقل من 30 بالمئة، مما يؤدي إلى خفض الخدمات الحيوية أو تعليقها.

في يونيو، أفادت الوكالة أنه بدون مليار دولار إضافي هذا العام، سيتم خفض المساعدات النقدية بمقدار النصف تقريبا، "سيكون عدد الأطفال الذين يحصلون على التعليم أقل بنسبة 12 بالمئة. كما أن النازحين الذين يحصلون على مأوى سيقل بنسبة 25 بالمئة، ويقل الوصول إلى المرافق الصحية بنسبة 23 بالمئة".

في اليمن، قطعت الحصص الغذائية عن الملايين من الناس الذين يواجهون الجوع في دولة تقول الأمم المتحدة إنها تواجه أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.

أما مخيم الزعتري للاجئين المترامي الأطراف بالأردن والذي يؤوي لاجئين هربوا من الحرب والقمع في سوريا لأكثر من عقد من الزمان، يقطع تيار الكهرباء تسع ساعات في اليوم. 

في إثيوبيا، يواجه حوالي 750 ألف لاجئ خطر انعدام الغذاء بحلول شهر أكتوبر. ويخشى عمال الإغاثة أن هذا الحرمان على المدى الطويل يمكن أن يعيق قدرة جيل بأكمله على بناء حياة جديدة.

وقالت ماهوني: "الحقيقة هي أن وكالات الإغاثة يتعين عليها أيضا اتخاذ خيارات مفجعة".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".