تتركز الإصابات في المناطق القريبة من نهر الفرات بسبب شرب الأشخاص مياه غير آمنة
تتركز الإصابات في المناطق القريبة من نهر الفرات بسبب شرب الأشخاص مياه غير آمنة

قفزت أعداد الإصابات بمرض "الكوليرا" في سوريا، خلال الأيام الماضية، إلى مستويات "خطيرة"، حسب ما يقول أطباء سوريون، وبينما كان الهامش في البداية محددا بالعشرات وبعض الوفيات، تجاوزت الأرقام لتصل إلى نقطة الآلاف، ولاسيما في مناطق شرق سوريا، الواقعة على طول حوض نهر الفرات.

وعقدت "هيئة الصحة" في الإدارة الذاتية الكردية، صباح الأربعاء، مؤتمرا صحفيا كشفت فيه عن آخر مستجدات التفشي، إذ قال رئيسها، الطبيب جوان مصطفى إن "الكوليرا" بات يتفشي في أربع مناطق، موضحا أن هناك 2876 حالة اشتباه، في دير الزور، الرقة، الطبقة، والحسكة.

وأضاف مصطفى أن 16 شخصا توفوا نتيجة الإصابة بالمرض، خلال الأيام الماضية. وهذه الإحصائية موزعة على دير الزور ومنطقة الجزيرة.

وأبدى رئيس "هيئة الصحة" تخوفا من تصاعد عداد الإصابات في الأيام المقبلة، وهو ما عبّر عنه الرئيس المشارك لـ"الهلال الأحمر الكردي"، الطبيب حسن أمين.

ويقول أمين لموقع "الحرة": "أسباب زيادة الإصابات تتعلق بأن السبب الكامن وراء المرض لم يزول حتى الآن، وهو تلوث المياه التي يحصل عليها المواطنون من نهر الفرات، فضلا عن تلوث الأطعمة والخضراوات".

ويضيف الطبيب: "مستوى نهر الفرات منخفض جدا، والمستنقعات التي تشكلت على حالها. الناس تستمر بالشرب منها، ومن خلال الصهاريج غير المعقمة".

علاوة على ذلك، "ما زال الفلاحون وخاصة في منطقة الجزيرة يسقون مزروعاتهم من الأنهار التي تتسرب إليها مياه الصرف الصحي. في جقجق وأجزاء من الخابور. لم نقض على السبب، لذلك ستزداد الإصابات"، وفق أمين.

بدوره يشير الطبيب السوري، رامي كلزي إلى أن "نهر الفرات هي البؤرة، وللأسف القطاع فإن الصحي غير قادر على معالجة الأمر"، معتبرا أن زوال سبب الإصابة بالمرض "يتطلب إمكانيات دول".

ويقول كلزي لموقع "الحرة": "إذا لم يتم قطع الوباء من المصدر الرئيسي لن يكون هناك قدرة على المناورة في هذا الشأن".

"تضارب أرقام"

وتعتبر الأرقام الخاصة بتفشي "الكوليرا"، والتي أعلنت عنها "هيئة الصحة" في الإدارة الذاتية الكردية، مشابهة إلى حد قريب جدا لتلك التي تكشف عنها "شبكة الإنذار المبكر" بشكل شبه يومي.

وحسب إحصائية حصل عليها موقع "الحرة" من مدير برنامج اللقاح في "شبكة الإنذار المبكر"، الطبيب محمد سالم فقد بلغ إجمالي الحالات في شمال وشرق سوريا حتى يوم الثلاثاء 2126 إصابة و11 وفاة.

وتتركز الإصابات في المناطق القريبة من نهر الفرات، الذي تعتقد الأمم المتحدة أنه مصدر انتشار الوباء، بسبب شرب الأشخاص مياه غير آمنة من النهر، واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل، ما أدى إلى تلوث الغذاء.

أما في مناطق شمال وشمال غربي سورية، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، تم تسجيل أولى الإصابات بالوباء، يوم الاثنين في قرية مرمى حجر التابعة لمدينة جرابلس، والقرية من "الفرات"، فيما تم تسجيل حالة ثانية لمريضة بعمر 23 عاما في رأس العين، بريف محافظة الحسكة.

وتختلف الأرقام المذكورة عن الإحصائيات التي استعرضتها وزارة الصحة السورية التابعة للنظام السوري، حيث أعلنت أن العدد الإجمالي التراكمي لإصابات الكوليرا المثبتة بالاختبار السريع في البلاد ارتفع إلى 253 إصابة، توزعت في حلب 180 ودير الزور 29 والحسكة 25 واللاذقية 13 وحمص 4 ودمشق 2.

وبلغ العدد الإجمالي للوفيات بمرض الكوليرا 23، في حلب 20 بسبب تأخر طلب المشورة الطبية ودير الزور 2 والحسكة 1، وفق بيان الوزارة. 

وأشارت إلى أنها بدأت باعتماد وتعميم بروتوكول علاجي موحد وهو متوافر بكل أشكاله، فيما يتم تعزيز وتزويد المشافي بمخزون إضافي من العلاج والمستلزمات، تحسبا لأي زيادة في أعداد الحالات المحدودة حتى الآن.

واعتبر الطبيب السوري، رامي كلزي أن "المعلومات غير الكاملة والمضللة ستؤثر بشكل كبير على مكافحة الوباء".

ويقول: "شهدنا هذا الأمر في جائحة كورونا. النظام السوري لم يصرح عن الأرقام الحقيقية وهو ما أدى إلى خطأ كبير في تحليل البيانات ومعرفة حجم الكارثة والتخطيط المطلوب للاستجابة".

ويضيف الطبيب: "المعلومات الناقصة والمضللة ستؤدي إلى اضطراب عند الناس. سيكون هناك نقص كبير في الاستجابة، لأن الخطة ستكون بناء على أرقام أقل بكثير عن الواقع".

"المخاطر أكبر"

في غضون ذلك تعتمد منظمة "الصحة العالمية" على الأرقام التي تنشرها وزارة الصحة السورية، وهو ما أشارت إليه كلمات ممثلة المنظمة في سوريا، الطبيبة إيمان الشنقيطي، والمدير الإقليمي، أحمد المنظري، خلال مؤتمر صحفي مشترك لهما، الأربعاء. 

وقال المنظري: "ما يزال السوريون الذين نجوا من ويلات الحرب معرضين لفاشيات الأمراض الفتاكة، مثل الكوليرا المتفشية حاليا في 6 محافظات".

وأودى مرض الكوليرا حتى الآن بحياة 23 شخصا، بينما أصيب 253 آخرين بالعدوى، وفق المدير الإقليمي، مشيرا: "كما تتزايد أيضا حالات الإصابة بداء الليشمانيات في جميع أنحاء البلاد".

من جانبها تحدثت الشنقيطي أن "المخاطر التي يواجهها السوريون اليوم أكبر من أي وقت مضى".

وضمن خطوات "الصحة العالمية" لمواجهة فاشية الكوليرا الحالية، أعلنت الطبيبة عن وصول شحنة من الأدوية والإمدادات قبل يومين فقط إلى مطار دمشق من المركز اللوجستي في دبي.

وستُوزع هذه الإمدادات، التي تكفي لتغطية ألفي حالة خطيرة و190 ألف حالة خفيفة على المرافق الصحية في شمال شرق سوريا حيث تتركز الفاشية. كما يُتوقع وصول شحنة ثانية في وقت لاحق الأربعاء.

وأضافت الشنقطي: "أولويتنا القصوى في الوقت الراهن هي وقف انتشار هذا المرض الفتاك من خلال الاستمرار في دعم فرق الاستجابة السريعة، وتوسيع نطاق الترصد والاختبار وتتبع المخالطين، مع تعزيز الوعي في المجتمعات المتضررة والمعرضة للخطر حول سبل الوقاية".

وسجلت سوريا عامي 2008 و2009 آخر موجات تفشي المرض في محافظتي دير الزور والرقة.

وبعد نزاع مستمر منذ 11 عاما، تشهد البلاد أزمة مياه حادة، على وقع تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ما دفع الكثير من المواطنين للاعتماد على مياه شرب غير آمنة، وبالأخص من نهر الفرات.

وقد أثبتت التحاليل النهائية الأخيرة لعينات من النهر وجود "ضمات الكوليرا فيه"، وفق رئيس "هيئة الصحة" في الإدارة الذاتية، جوان مصطفى.

ويقول إن "استمرار انخفاض مستوى المياه في النهر سيؤدي إلى زيادة الإصابات. سيصبح بؤرة لانتشار الأمراض في المنطقة"، مضيفا: "هناك أمور يجب أن تحدث على عجالة. في الحسكة يوجد مليون نسمة. هذه المنطقة خطيرة، وهناك مخاوف من خروج المرض عن السيطرة".

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".