الأمم المتحدة عرضت بالتفصيل إنجازات الحكومات والبرلمانات ذات التمثيل النسائي المرتفع
الأمم المتحدة عرضت بالتفصيل إنجازات الحكومات والبرلمانات ذات التمثيل النسائي المرتفع

قد تجيب بيانات كشفت عنها الأمم المتحدة حديثا عن سؤال تردد في أروقة البحث الاجتماعي والجندري، هل النساء أفضل في الحكم من الرجال؟

وعبر التاريخ، تعتبر التجارب النسائية في الحكم نادرة تقريبا، مما يجعل المقارنة بين أنماط حكم الرجال والنساء غير ممكنة.

وتظهر البيانات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة أن الحكومات ذات التمثيل الأعلى للمرأة في البرلمانات تبنت عددا أكبر من تدابير السياسة العامة المراعية للفوارق بين الجنسين استجابة لجائحة كورونا، بما في ذلك السياسات التي تهدف مباشرة إلى تعزيز الأمن الاقتصادي للمرأة.

الأمم المتحدة، وفي برنامج "القيادات النسائية" الحديث سلطت الضوء على أداء "الحكومات والبرلمانات ذات التمثيل النسوي المرتفع" أمام التحديات الكبرى التي تواجه العالم، ومنها تحديات كورونا وأزمة المناخ العالمية.

وحضر المؤتمر رئيسات دول وحكومات مختلفة، منهن رئيسة المجر، كاتالين نوفاك، ورئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة، ورئيسة وزراء أيسلندا، كاترين جاكوبسدوتير، ورئيسة وزراء ساموا، فيامي نعومي ماتافا، ورئيسة وزراء أوغندا، روبينا نابانجا، ورئيسة وزراء أروبا  إيفلين ويفر كروش، ورئيسة  وزراء سانت مارتن، سيلفيريا جاكوبس، وكذلك رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، هيلين كلارك.

وهذه الأسماء ليست القيادات النسائية الوحيدة على مستوى العالم، فحتى سبتمبر من العام الماضي، شغلت 26 امرأة منصب رئيسات دول و/أو حكومات في 24 دولة، وفقا لموقع "World Population".

وارتفع الرقم في العام الحالي إلى 28 امرأة من بين 193 بلدا من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. 

أسماء نسائية لامعة

ولا يمكن الكلام عن قيادة نسائية دون ذكر المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، التي قادت بلادها لتصبح واحدة من أهم القوى التصنيعية على مستوى العالم، وخامس أكبر اقتصاد في العالم، في الوقت الذي تعاملت فيه مع أزمة لاجئين عالمية بطريقة أكسبتها الإشادة.

وهناك كذلك رئيس الوزراء النيوزلندية، جاسيندا أرديرن، التي ينسب إليها الفضل في سن سياسات قللت من انتشار جائحة الفيروس التاجي في بلادها بشكل كبير.

وساعدت رئيسة الوزراء الأيسلندية كاترين جاكوبسدوتير في قيادة وتشريع سياسات لجعل آيسلندا محايدة تمامًا للكربون بحلول عام 2040 كما قامت أيضًا بتجديد اقتصاد البلاد بعد تداعيات الانهيار الاقتصادي لعام 2008.

ونفيت رئيسة وزراء ناميبيا، سارا كوغونغيلوا من وطنها بسن الثالثة عشر، وعادت إليه تحمل دكتوراه في الاقتصاد، حيث ساعدت البلاد في مشروع كبير لمكافحة للفساد وسن سياسات مالية أدت إلى تحقيق أول فائض في ميزانية الدولة الأفريقية في تاريخها.

وشددت رئيسة نيبال، بيدهيا ديفي بهانداري، على الحاجة إلى المساواة بين الجنسين بعد الزلزال الذي دمر البلاد في عام 2015.

وفي بنغلاديش، فتحت رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة واجد، وهي سجينة سياسية سابقة، أبواب بلادها أمام الروهينغا، اللاجئين الفارين من الإبادة الجماعية في وطنهم (بورما) ميانمار.

كما صعدت أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة لمنصب نائب الرئيس، كامالا هاريس، وهي تؤدي مع رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، دورا سياسيا كبيرا محليا وعالميا.

أرقام

على الصعيد العالمي، تشكل النساء 21 في المئة من وزراء العالم، و 26 في المئة من البرلمانيين، و 34 في المائة من مقاعد الحكومات المحلية المنتخبة.  

كما كشف تقرير جديد للأمم المتحدة أنه في ظل وتيرة التقدم الحالية، لن يتم تحقيق التمثيل البرلماني المتساوي حتى عام 2062.

وتظهر بيانات الأمم المتحدة أيضا أنه في الدول المتأثرة بالنزاعات، يجلب تمثيل المرأة في الحياة العامة مصداقية متزايدة لعمليات السلام والمفاوضات، مما يساعد على توحيد المجتمعات المنقسمة. 

وعلاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أيضا أن رؤية المزيد من النساء في السلطة يزيد من تطلعات الفتيات التعليمية والمهنية.

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".