شهد إقليم بلوشستان جنوب شرقي إيران، الجمعة، اشتباكات مسلحة قُتل فيها 20 شخصا بينهم ضابطان كبيران في الحرس الثوري، على ما أعلنت السلطات الإيرانية.
وقالت وسائل إعلام إيرانية رسمية، الجمعة، أن قوات الأمن أطلقت النار على مسلحين هاجموا مركزا للشرطة في زاهدان، عاصمة محافظة سيستان بلوشستان. وأشار قائد شرطة المحافظة في حديث للتلفزيون الرسمي، إلى تعرض ثلاثة مراكز للشرطة في هذه المحافظة لهجمات.
وأكدت وكالة تسنيم للأنباء السبت بأن جماعة "جيش العدل" السنية المتمردة أعلنت مسؤوليتها عن هجوم على مركز للشرطة.
"جيش العدل"
"جيش العدل" جماعة مسلحة مدرجة ضمن قوائم الإرهاب الأميركية منذ 2010، تنشط في إقليم سيستان بلوشستان، المنطقة الفقيرة التي تقع على الحدود مع باكستان وأفغانستان، وتشهد هجمات واشتباكات متكررة بين قوات الأمن ومجموعات مسلحة.
يقول علي رجب، المتخصص بالشأن الإيراني، إن "جيش العدل البلوشي، من أبرز التنظيمات المسلحة في بلوشستان غربي إيران، وهذا الإقليم متاخم مع حدود باكستان وأفغانستان، حيث يتمدد التنظيم أيضا داخل هذه الدول المجاورة".
وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن هذا التنظيم يسعى إلى "استعادة دولة البلوش التاريخية التي كانت تعرف باسم (خانية كلات)، التي ظلت بمثابة دولة للبلوش حتى عام 1839 عندما أخضعت للسيطرة البريطانية، وتم تقسيمها بين باكستان وإيران وأفغانستان".
وظهر "جيش العدل" عام 2012 من رحم تنظيم جند الله، وهو امتداد للتنظيم الذي أسسه عبدالمالك ريغي الذي أعدمته طهران في 2010، وفي 2016 انضم لهذا الجيش ما يعرف بـ "جيش النصر"، بحسب رجب.
وكانت جماعة جند الله قد شنت على مدى عشر سنوات تمردا في جنوب شرق إيران، وكانت تقول إنها "تقاتل من أجل حقوق متساوية للمسلمين السنة في إيران".
وكشف رجب أن التقديرات لعديد "جيش العدل" تتراوح بين 1000 إلى 2000 مقاتل، وأغلب تسليحه خفيف، ويعتمد على تهريب السلاح من أفغانستان، إضافة للأسلحة التي يحصل عليها في الاشتباكات مع الحرس الثوري وقوات الحدود الإيرانية.
ويوضح الباحث المتخصص بالجماعات الإسلامية، أنيس عكروتي لموقع "الحرة" أنه "رغم الإطار العقائدي الجهادي السني الذي ينتمي إليه جيش العدل، إلا أن طبيعة الحركة عرقية قومية بامتياز، وتسعى إلى تأسيس دولة للبلوش".
وتصنف إيران هذا التنظيم الذي تطلق عليه تسمية "جيش الظلم" جماعة إرهابية، وتقول إنه يتلقى دعما من الولايات المتحدة وإسرائيل عدوتيها اللدودتين، ومن السعودية والإمارات كذلك، بحسب فرانس برس.
عقيدة الجيش
ويعتبر "جيش العدل" من المجموعات المسلحة الأكثر نشاطا في السنوات الأخيرة في سيستان بلوشستان، حيث نفذت عدة تفجيرات وعمليات خطف، وفي فبراير 2019، قتل 27 عنصرا في الحرس الثوري في هجوم انتحاري على حافلتهم، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
وتسيطر القبائل المحلية على مساحات شاسعة من بلوشستان، ولا يوجد لقوات الأمن الإيرانية ولا الباكستانية وجود دائم فيها.
وبحسب تقرير لـ"فويس أوف أميركا"، يقول "جيش العدل" إنه يجب أن يقاتل "النظام الذين يهيمن عليه الشيعة في إيران، لأنه يضطهد الأقلية السنية"، وفي بيان بالفيديو نشر أواخر 2012 قال "إن النظام الإيراني لا يستخدم إلا لغة القوة والإذلال، فليس لدينا وسيلة أخرى سوى القوة للرد".
ويرفض جيش العدل "التدخل الإيراني في سوريا" ودعم النظام للرئيس السوري، بشار الأسد في الحرب الأهلية.
ويؤكد الباحث عكروتي أن المعلومات التي تروج لارتباطه بتنظيم القاعدة "غير صحيحة، ولا يرتبط لا تنظيميا ولا فكريا بهم".
ويتفق رجب مع هذا الطرح، مشيرا إلى أنه "يشكل حركة سنية قومية خاصة"، ومن الصعب أن يربط نفسه بتنظيم القاعدة أو داعش، لأنه يعرف تماما أن مثل هذا الأمر "يشكل خسارة لقضيته".
وأشار رجب إلى وجود "مجموعات مسلحة أخرى في بلوشستان إيران، مثل جيش الصحابة، وحركة الأنصار، وأنصار الفرقان"، ولكل منها أهدافها وانتماؤها العقائدي.
استهداف الحرس الثوري
ويشرح أحمد سلطان، وهو باحث متخصص بالحركات الإسلامية والإرهاب، أن "طبيعة جيش العدل" جعلت من الصعوبة بما كان "سيطرة الحرس الثوري عليه" خاصة بسبب "السرية التي يحيط التنظيم بها نفسه، خاصة وأنه لا يكشف عن هيكليته، ولا يعلن عن استراتيجياته".
وأشار سلطان إلى أن المعلومات المتوفر عن "جيش العدل" تظهر أنه "يمتلك أربع كتائب، ثلاث منها عسكرية، وواحدة أمنية"، ناهيك طبيعة حركته الدائمة في الانتقال في المناطق الحدودية لإيران مع الدول المجاورة.
ويرى الباحث عكروتي أن الهجمات الأخيرة التي أعلن "جيش العدل" مسؤوليته عنها، بحسب التقارير الإعلامية المتداولة، تهدف إلى تحقيق "مزيد من الإرباك في الداخل الإيراني المتأزم، وتشتيت جهود الأجهزة العسكرية والأمنية لطهران، خاصة مع استمرار واتساع رقعة التظاهرات بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني".
وزاد عكروتي أن استهداف "الحرس الثوري وإيقاع خسائر بشرية في صفوفه يعتبر في مقدمة أولويات جيش العدل، بهدف التأثير على الجهاز العسكري الأكثر تماسكا ونفوذا في البلاد"، مستفيدا بذلك من "تردي الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية وسخط شريحة واسعة من الشعب على سياسات النظام".
وكانت إيران وباكستان قد اتفقتا في 2019 على تشكيل قوة "تدخل سريع" حدودية مشتركة في أعقاب سلسلة هجمات دامية شنها مسلحون على حدودهما.