الحكومة التركية تحاول التركيز على "شق اقتصادي" من أجل تنفيذ مشروع "العودة"
الحكومة التركية تحاول التركيز على "شق اقتصادي" من أجل تنفيذ مشروع "العودة"

بعدما أعلن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في شهر مايو الماضي، عن الخطة المتعلقة بـ"مشروع العودة الطوعية لمليون لاجئ سوري" شهدت مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة سلسلة من الزيارات التي أجراها بالتحديد مسؤولون في وزارة الداخلية من جهة، ورئاسة الهجرة من جهة أخرى.

وكانت آخر هذه الزيارات يوم الثلاثاء ومن المقرر أن تستمر حتى الأربعاء، إذ يجري نائب وزير الداخلية التركي، إسماعيل تشاتاكلي برفقة كلا من والي مدينة غازي عنتاب وكلس "جولة تفقدية" تستهدف ثلاثة مناطق في ريف حلب الشمالي، هي الراعي وأعزاز ومدينة الباب.

وتقع هذه المدن ضمن نطاق منطقة "درع الفرات"، والتي تمتد من جرابلس في أقصى الشرق وحتى مدينة أعزاز. وكانت قد تأسست فيها منذ عام 2016 عددا من المشاريع، كخطوات تمهيدية لما بدأت بالعمل عليه في الوقت الحالي.

"جولة تفقدية" لنائب وزير الداخلية التركي في شمال سوريا

وفي تصريحات صحفية لموقع "الحرة" قال نائب وزير الداخلية التركي إن بلاده "تبذل جهدا لإعادة الحياة إلى طبيعتها في هذه المنطقة، بالتعاون مع المجالس المحلية" في مجالات عدة، مشيرا إلى أنه سيجري جولات أخرى لاحقة إلى باقي مناطق شمال سوريا.

وتحدث تشاتاكلي عما وصفها بأهمية "الحياة الطبيعية" في هذه المناطق، ومدى انعكاسات ذلك على مشروع "العودة الطوعية"، الذي تسعى لتنفيذه الحكومة التركية.

وعلى الرغم من الموقف التركي الذي يؤكد العزم على تنفيذ مشروع عودة اللاجئين، وأن "الحياة باتت تعود لطبيعتها في المنطقة"، إلا أن أطرافا أخرى فاعلة في الملف السوري لم تبد أي بادرة بشأنه، فيما تؤكد الأمم المتحدة أن "سوريا ما تزال بلدا غير آمنا".

"في 13 منطقة"

وسبق وأن أوضح إردوغان أن المشروع سيكون شاملا بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز وجرابلس والباب في ريف حلب الشمالي والشرقي وتل أبيض ورأس العين في منطقة عمليات "نبع السلام"، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.

وأفاد قبل، خمسة أشهر، أنه سيتم بناء مرافق متنوعة في إطار المشروع مثل المدارس والمستشفيات، وذلك ما ترجمته زيارة نائب وزير الداخلية التركي، والتي تركّزت، يوم الثلاثاء، على مدينة صناعية في مدينة الراعي، بالإضافة إلى المشفى الموجود فيها، ومنشآت حيوية أخرى.

وبات واضحا أن الحكومة التركية تحاول التركيز على "شق اقتصادي" بنحو أكبر، من أجل تنفيذ مشروع "العودة" أو تحفيز اللاجئين السوريين المقيمين في بلادها على ذلك، في وقت يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية، والتي توصف بـ"الحاسمة".

لكن ومع ذلك، تبرز تحديات حسب ما يقول سكان في شمال سوريا وتتعلق بشكل أساسي بـ"الشق الأمني" من جهة، والمصير المستقبلي لهذه المناطق من جهة أخرى، لاسيما أنه لا حلول سياسية تلوح في الأفق، وكذلك الأمر بالنسبة للحلول العسكرية.

ويعود مشروع "العودة الطوعية" الذي أعلن عنه الرئيس التركي، مؤخرا، إلى خمس سنوات مضت. وفي ذلك الوقت كانت تركيا قد عرضت على دول عربية وأخرى أوروبية هذا الأمر.

وبينما تأجل المشروع وبقي بعيدا عن "التطبيق الفعلي" على الأرض، جاء إعلانه مجددا وبشكل رسمي، وأنه سيستهدف إعادة "مليون سوري" إلى سوريا، للعيش ضمن منازل يتم بنائها في مناطق متفرقة من ريفي حلب وإدلب.

تفاصيل جديدة و"هدف وحيد"

وفي إحاطة جديدة حول مشروع العودة حصل عليها موقع "الحرة" من رئاسة الهجرة التركية يستهدف الجانب التركي تحقيق "هدف وحيد" بعدة مسارات، أولها بناء 240 ألف منزل في شمال سوريا، لإجمالي 240 ألف أسرة.

وحتى الآن تمت الموافقة على 9 مناطق منها 5 في "درع الفرات" و4 في "نبع السلام"، وفق الإحاطة.

في المقابل "سيتمكن السوريون الذين عادوا طواعية واستقروا في هذه المنازل من أن يصبحوا أصحابها الحقيقيين، بشرط أن يقيموا فيها لمدة عشر سنوات"، وهي نقطة لم يسبق وأن تم التطرق إليها في وقت سابق.

وبعد عام 2019 شرعت تركيا ببناء منازل من "الطوب" في مناطق متفرقة من محافظة إدلب السورية شمال غربي البلاد، عبر منظمات مجتمع مدني وأخرى خيرية، كـ"الهلال الأحمر التركي"، "مؤسسة الإغاثة الإنسانية IHH"، "وقف الديانة التركي". وغيرها.

وسارت جمعيات أخرى في ذات المسار، فيما ذهبت كل واحدة منها لبناء منازلها الخاصة، والتي تتحدد في الغالب بمساحة 25 مترا مربعا.

وتصب هذه المشاريع ضمن خطوات "المنطقة الآمنة"، التي تنوي تركيا إنشاءها على طول الحدود الشمالية لسورية.

وهذه المنطقة لم تكتمل حدودها حتى الآن، وهو ما أظهرته خريطة لطالما عرضها الرئيس التركي، في مناسبات عدة، آخرها على هامش اجتماعات الجمعية العامة في الأمم المتحدة.

وتحدث إردوغان بين عامي 2020 و2021 أن بلاده تريد تأسيس "منطقة آمنة" للسوريين، من خلال هذه الوحدات السكنية، مشيرا إلى أن العمل على بنائها مستمر "بمساعدة عمال سوريين".

وذلك ما أكدته مصادر محلية مطلعة أيضا، مشيرة إلى أن عمليات البناء تشارك فيها أيضا منظمات وجمعيات إنسانية سورية.

ويتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا، منذ مطلع العام الماضي، حديث الساسة الأتراك، لتزداد الوتيرة شيئا فشيئا مع حلول العام الحالي، ليأخذ مسارات أكثر حدة، وخاصة من جانب أحزاب المعارضة.

وتضع هذه الأحزاب "إعادة السوريين إلى بلادهم" على قائمة برامجها الانتخابية استعدادا للاستحقاق الرئاسي في 2023، الأمر الذي انعكس بالسلب على الشعور العام لدى كثير من الأتراك اتجاه السوريين. 

مواضيع ذات صلة:

قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015
قطار خاص بنقل السياح في محيط العاصمة السورية دمشق- أرشيف 2015

في يناير من العام الجاري، أصدرت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، بياناً قالت فيه، إن أكثر من 2.17 مليون سائح من جنسيات عربية وأجنبية، زاروا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال عام 2023.

وهذه الأرقام بلغة المال، حققت نحو 125 مليار ليرة سورية، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120% عن عام 2022، بحسب بيان الوزارة.

والكثير من هؤلاء السياح، وفق مصادر إعلامية محلية وغربية، تستهويهم فكرة السفر إلى دول تعاني من الحروب والأزمات أو الدمار، بدافع الفضول وأحياناً محاولة كسر الصورة النمطية، التي تصم العديد من الدول بأنها "غير آمنة" و"خطرة جداً" أو يتم التحذير من السفر إليها تحت مختلف الظروف.

عام 2016، نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريراً يشرح عن هذا النوع من السياحة، الذي أسماه بـ"السياحة المتطرّفة"، مشيراً إلى وجود رغبة لدى العديد من السيّاح الغربيين باستكشاف مغامرات جديد، عبر زيارة المواقع التي دمّرتها الحرب وحوّلتها إلى أنقاض.

وتناول سوريا كأحد النماذج، باعتبارها وجهة للكثير من السياح الغربيّين، الذين يدخلونها "تهريباً" عبر لبنان بمساعدة سائقين وأدلّاء، بهدف الوصول إلى أماكن طالتها الحرب وغيّرت معالمها، دون اللجوء إلى دخول البلاد بشكل قانوني.

وهناك شركة سياحية تروّج لزبائنها أنها ستقدم لهم "تجارب مختلفة من السفر والاستكشاف في مناطق ليست تقليدية للسياحة"، وتطرح إعلانات للسياحة في اليمن والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان، تحت عنوان "السفر المُغامر"، لاجتذاب شريحة خاصة من عشاق وهواة هذه التجارب المثيرة للجدل.

"سياحة الدمار" صارت تمثل للراغبين في زيارة سوريا "بديلاً" عن زيارة المناطق الأثرية التقليدية التي كانت أكثر جذباً قبل اندلاع الحرب الأهلية، خصوصاً أن العديد منها تعرض لأضرار ودمار دون أن يتم ترميمه وإعماره وتهيئته لاستقبال السياح لاحقاً، كما أن الوصول لبعضها بات شبه مستحيل.

ترويج للنظام أم إدانة له؟

برأي الصحافي الاستقصائي السوري مختار الإبراهيم، فإن "مشاهدة مناظر الدمار ومواقع الخراب السوري بغرض السياحة، تعكس استخفافاً كبيراً بآلام الضحايا ومآسي ملايين السوريين الذين تضرّروا جرّاء الحرب".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "زيارة سوريا بغرض السياحة بشكل عام تُقدّم خدمة كبيرة للنظام السوري من حيث الترويج لسرديات انتصاره في الحرب، وعودة سوريا إلى ما كانت عليه".

"فالنظام السوري مستعد أن يبذل الكثير في سبيل الترويج للسياحة في مناطقه، فما بالك أن يأتي السياح ويرفدوا خزينته على حساب كارثة عاشها ملايين السوريين!"، يتابع الإبراهيم.   

ويحمّل قسماً كبيراً من المسؤولية لبعض المؤثرين على "يوتيوب" و"تيك توك"، الذين "روّجوا خلال السنوات الماضية للسياحة في سوريا وإظهار أنها آمنة عبر عدسات كاميراتهم، لحصد المشاهدات" وفق تعبيره.

من جانبه، يقو الصحافي السوري أحمد المحمد: "على الرغم من أن سياحة الموت تخدم النظام من جهة ترويج أن مناطقه باتت آمنة لعودة السيّاح، إلا أنها تُدينه أيضاً". 

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن "مشاهدة مناظر الدمار بغرض السياحة يُمثّل توثيقاً حيادياً للتدمير الذي أحدثته آلة النظام العسكرية في البلاد".

وطالما تعرضت مصادر المعارضة السورية في توثيق الدمار للتشكيك من قبل النظام نفسه، بحسب المحمد، مردفاً "تم اتهامهم بالفبركة الإعلامية، بينما منع النظام خلال السنوات الماضية وسائل الإعلام الأجنبية من التغطية الحرّة لمجريات".

في النهاية، يتابع المحمد "مهما بذل النظام من جهود ترويجية حول عودة مناطقه آمنة، فإن واقع الحرب السوري أكبر من الترويج بكثير، لا سيما أننا في كل فترة قصيرة، نسمع عن حالات اختطاف لسيّاح قدموا للترفيه فوق معاناة السوريين".