انتقادات لسياسات معاقبة التلاميذ في الدول العربية
انتقادات لسياسات معاقبة التلاميذ في الدول العربية

أثارت وفاة تلميذة مصرية على يد معلمها بعد أن ضربها على رأسها بعصا خشبية ردود فعل واسعة في مصر وخارجها، وألقت الواقعة الضوء على قضية ضرب التلاميذ في المدارس بمنطقة الشرق الأوسط.

وشغلت قضية الطفلة بسملة (10 سنوات)، الطالبة في الصف الرابع الابتدائي بإحدى مدارس محافظة الدقهلية بدلتا النيل، مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمواقع، خلال الفترة الماضية، وطالب عديدون بإنزال أقصى عقوبة بحق المعلم المعتدي.

وقالت هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر، العام الماضي، إن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعض من أعلى معدلات العقاب البدني في العالم، مشيرة إلى أنه في بعض البلدان، 90 في المئة من الأطفال أو أكثر يتعرضون للإساءة الجسدية أو اللفظية كل شهر.

وحللت المنظمة الوضع في 19 بلدا في المنطقة، ووجدت أن أغلبها يفتقر إلى القوانين اللازمة للقضاء على العقاب التأديبي العنيف، بينما لدى بعضها قوانين تسمح به صراحة.

وذكرت أن بعض دول العالم حظرت العقاب البدني في سبعينيات القرن الماضي، حيث أظهرت الأبحاث أنه لا يساهم في تحسين سلوك الأطفال، بل كان مرتبطا أيضا بزيادة الأفكار الانتحارية والقلق والعدوان والعنف الأسري والجريمة والتسرب من المدرسة، لكن الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زالوا يتعرضون للإيذاء الجسدي في المنزل والمدرسة. 

وقال والد الطفلة بسملة في لقاء تلفزيوني إن المدرس "طلب من ابنتي كتابة الإملاء على السبورة فلم تستطع فضربها على رأسها بالعصا ثلاث ضربات حسب شهادة زملائها في الفصل".

وقالت النيابة العامة في بيان إنها أمرت بحبس المدرس في ضوء الأدلة ضده، مشيرة إلى أنها كانت قد تلقت بلاغا من والد طفلة بإصابتها بنزيف بالمخ وغيبوبة بعد أن ضربها مدرسها بعصا خشبية.

وأكد الأطباء "جواز حدوث إصابتها على النحو الوارد بالبلاغ" كما أن شهادات الطلاب تشير إلى أن "المعلم دائم إحراز عصا خشبية أثناء التدريس".

وتعيد الواقعة إلى الأذهان حوادث عنف أخرى مماثلة في مصر وبلدان أخرى في المنطقة كانت أيضا قد أثارت ضجة وقت حدوثها، مثل واقعة مسجلة بالفيديو لمعلم في السعودية انهال بالضرب على طلاب مستخدما 'سوط خيول''.

وأثارت واقعة لمعلمة في مصر قامت بقص شعر تلميذتين بالأقصر الرأي العام.

ونشر مؤشر "هيومن رايتس ووتش" خريطة بموقع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنسبة للعنف ضد الأطفال، وقسّم دولها إلى ثلاثة ألوان: أخضر، وأصفر، وأحمر. 

مؤشر "هيومن رايتس ووتش"

وتشمل الفئة الخضراء الدول التي لديها قوانين جنائية تحظر العقاب البدني بوضوح وفي جميع الحالات، بما يشمل المدرسة والمنزل.

ومن بين الدول الـ19 التي شملها التقييم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تحظر المنطقة العقاب البدني في جميع الظروف سوى تونس وإسرائيل.

وتشمل الفئة الصفراء الدول التي لديها سياسات تحظر العقاب البدني في المدارس، لكن قوانينها لا تحظره بوضوح كممارسة.

أما الفئة الحمراء، فتشمل الدول التي تستثني قوانينها الجنائية صراحة ما يُسمى بالعنف "التأديبي" بحق الأطفال من أي عقوبات، سواء في المدرسة أو المنزل.

ويشير موقع "إنهاء العقاب البدني"، التابع لما يعرف باسم "الشراكة العالمية من أجل إنهاء العنف ضد الأطفال" وهي مبادرة للأمم المتحدة، إلى موقع دول الشرق الأوسط بالنسبة لقضية العنف البدني ضد الأطفال.

وذكر الموقع. على سبيل المثال، الجزائر، حيث تمنع القوانين العنف لكنها لا تشير إلى حظر العقوبة البدنية في تربية الأطفال.

ويقول المحامي الحقوقي الجزائري، عبد الرحمن صالح، لموقع "الحرة" إن ظاهرة العنف المدرسي في تنام مستمر في الجزائر من سنة لأخرى.

وأكد أنها "تشكل مجالا خصبا للمهتمين بالعلوم الإنسانية (اجتماع، تربية، قانون، نفس) لأن الواقع التربوي يفرز تناميا لهذه الظاهرة".

لكنه يشير إلى أن نسبة كبيرة من الحوادث المعلن عنها من وزارة التربية هي عنف بين التلاميذ أنفسهم.

ووجدت دراسة استقصائية وطنية رسمية في مصر أن ما يقرب من اثنين من كل ثلاثة طلاب مصريين تعرضوا للضرب في المدرسة بالعصي أو الأحزمة أو السياط، وفق هيومن رايتس ووتش. 

ومع ذلك، لا يوجد قانون يحظر التأديب العنيف للأطفال صراحة، حسبما تقول المنظمة.

ويقول الموقع التابع للأم المتحدة إن المادة 7 مكرر من قانون الطفل في مصر تؤكد على "حق التأديب" للوالدين ومتولي الرعاية، ولا تُفسر الأحكام القانونية التي تحظر العنف وإساءة المعاملة على أنها تحظر العقاب الجسدي.

وقالت إن التوجيه الوزاري لمكافحة العقاب الجسدي في المدارس لا يحظر بوضوح جميع أشكال العقوبة الجسدية في جميع الأماكن التعليمية، العامة منها والخاصة.

القوانين "لا تطبق للأسف"

ويقول الناشط في حقوق الطفل، هاني هلال، لموقع "الحرة" إن التشريعات الحالية تحمي الأطفال سواء في المؤسسات التعليمية أو الإيوائية وحتى الأسرة، لكن الإشكالية تتعلق بتطبيق القانون.

ويشير هلال، وهو رئيس "المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة"، إلى ما يسمى "إجراءات وسياسيات حماية الطفل داخل المؤسسة التعليمية" المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لقانون الطفل "لكن للأسف لا تطبق". 

ويقول إنه كان ضمن من ناقشوا قضية المادة 7 مكرر في البرلمان في عام 2008 لما فيها "من مشاكل" بسبب معارضة البعض لفكرة تجريم العقاب في الأسرة، لذلك تم إقرار مواد أخرى مهمة مثل المادة 96 التي تتعلق بالعقوبات في حالات تعرض الأطفال للخطر والتي يرى إمكانية الاعتماد عليها في حالات الاعتداء على الأطفال.

وفي حالة الطفلة بسملة، يتوقع أن ينطبق على المدرس الفقرة الخاصة بـ"ضرب أفضى إلى موت" في قانون العقوبات وفي هذه الحالة تُضاعف العقوبة "لأن المدرس قائم على رعاية طفل".

وفي العراق، تشير الدراسات الاستقصائية لهيومن رايتس ووتش إلى أن غالبية الأطفال العراقيين لا يزالون يتضررون من العقاب البدني، وقانون العقوبات العراقي يعفي "تأديب" الأطفال من العقوبة.

كما حظرت وزارة التعليم الأردنية التأديب العنيف في المدرسة وأجرت حملات توعية حول التأديب الإيجابي، ومع ذلك، لا يزال قانون العقوبات وقانون الأحداث يجيزان العقوبة البدنية.

وتحظر سياسات التعليم في الكويت العقاب البدني، وأدت شكاوى الطلاب إلى اتخاذ إجراءات تأديبية ضد المعلمين. ومع ذلك، لا تزال القوانين الرئيسية تسمح بـ "تأديب" الأطفال.

وفي لبنان، أدى مقطع فيديو لمعلم يضرب الطلاب إلى تجريم العقاب البدني في المدارس في 2014، ولكن ليس في المنازل، كما أن إنفاذ القانون نادر، وفق المنظمة.

كما وجدت اليونيسف أن 50 في المئة من الأطفال في قطر يتعرضون للتأديب العنيف.

وفي السعودية، توجه وزارة التربية والتعليم المعلمين بعدم استخدام العقاب البدني، لكن التقارير تشير إلى استمرار انتشاره، ما يدل على الحاجة إلى حظره الصريح في القانون.

ويقول أستاذ علم الاجتماع الأردني، حسين الخزاعي، لموقع الحرة إنه لا تزال هناك فئة من المعلمين تمارس سياسة الضرب وترفض التعليمات التي تمنعه، وهذه الفئات تتخذ موقفا ضد محاولات تعديل وتطوير السياسات التعليمية.

ويشير إلى أن العديد من المعلمين "لم يخضعوا لتدريبات في مجال تعديل سلوكيات الطلاب، وكيفية الحوار معهم وإقناعهم إذا كانت سلوكياتهم غير مناسبة أو غير سلمية، أو يعانون من مشاكل".

ويعتقد المعلمون، وفق الخبير، أن "الضرب أسهل وسيلة للتربية وضبط الطالب، وأن الطالب يجب أن يكون مطيعا للمعلم، ويستخدمون الوسائل التخويفية، لأنه ليس لديهم مهارات أخرى، ومعظمهم يفتقدون إلى أساليب الحوار الناجح بين الطالب والمعلم".

ويرجع هاني هلال مشكلة استمرار الضرب في المدارس في مصر رغم القوانين والتوجيهات إلى "عجز المعلم عن إدارة الفصل المدرسي، وعدم التدريب على بدائل العقاب البدني".

ويضيف "طلبنا كحقوقيين منذ فترة طويلة بتنظيم دورات تدريبية خلال فترة الصيف (أي بعد انتهاء العام الدراسي) للمدرسين على بدائل العقاب".

ويشير الخزاعي إلى لجوء المعلمين إلى ممارسة العنف مع التلاميذ بعدة أشكال، مثل الضرب أو الشتم أو استخدام عبارات وسلوكيات معينة.

ويشير موقع "الشراكة العالمية من أجل إنهاء العنف ضد الأطفال" إلى أن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل تعرف العقوبة البدنية أو الجسدية، بأنها "أي عقوبة تستخدم فيها القوة الجسدية ويكون الغرض منها إلحاق درجة معينة من الألم أو الأذى".

ويشمل معظم أشكال هذه العقوبة ضرب الأطفال ("الضرب على المؤخرة"، "الصفع"، "الرفس") باليد أو باستخدام أداة مثل (السوط، أو العصا، أو حزام، أو حذاء، أو ملعقة خشبية، أو ما شابه ذلك). 

ويمكن أن يشمل هذا النوع من العقوبة أيضا، على سبيل المثال، رفس الأطفال أو رجهم أو رميهم أو الخدش أو القرص أو العض أو نتف الشعر أو لكم الأذنين أو إرغام الأطفال على البقاء في وضع غير مريح، أو الحرق أو الكي، أو إجبار الأطفال على تناول مواد معينة (كغسل فم الطفل بالصابون أو إرغامه على ابتلاع توابل حارة). 

وبالإضافة إلى ذلك، "ثمة أشكال أخرى من العقوبة غير الجسدية، وهي أيضا أشكال قاسية ومهينة، وتشمل هذه الأشكال مثلاً العقوبة التي تقلل من شأن الطفل أو تذله أو تشوه سمعته أو تجعل منه كبش فداء أو تهدده أو تفزعه أو تعرضه للسخرية".

ويشير أستاذ علم الاجتماع في حديثه إلى موقع الحرة أيضا إلى "التقليد الأعمى" للمعلمين لزملائهم الذين يمارسون هذه السلوكيات، كما أن سلوك الطالب أحيانا قد يدفع المدرس إلى اللجوء لضرب الطفل، خاصة الطلاب الذين لديهم سلوكيات لا تتوافق مع المجتمع.

ويوضح أن أحد أسباب المشكلة أيضا "صمت الأهالي تجاه تعرض ذويهم للعنف فهم لا يعترضون ولا يقدمون شكاوى".

وتقول هيومن رايتس ووتش إنه في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تنتشر العبارات التقليدية الشائعة من الوالدين إلى المعلمين: "اللحم لكم والعظم لنا"، و"أعطيتك إياه لحما وأنت أعده لي عظما" و"أنت اقتله، وأنا أدفنه".

لكن الدراسات التي نشرت على امتداد عقود، وفق المنظمة، أثبتت أن العنف ضد الأطفال كان مرتبطا بتزايد الأفكار الانتحارية والقلق والعنف الأسري والجريمة والتسرّب المدرسي. 

وبدلا من تحسين سلوك الأطفال، يؤدي العقاب البدني إلى نتائج تعليمية أسوأ، حتى لدى الأطفال الذين لا يتسربون من المدارس، وإلى ارتفاع العدوانية والعنف.

وقال أحمد بن شمسي، مدير التواصل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لهيومن رايتس ووتش: "مع أن الاعتداء على الراشدين يعتبر جريمة في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه يُحلل لدواع "تعليمية" إذا كانت الضحية طفلا. سيعود إلغاء العقاب البدني بمنفعة كبيرة على الأطفال ومجتمعاتهم، وينبغي وقفه حالا".

وقد يؤدي إنهاء العقاب البدني في المدارس إلى زيادة الحضور، وانخفاض نسب التسرب المدرسي، وتحسين نتائج التعلم، وارتفاع معدلات الانتقال إلى مستويات تعليمية أعلى، وفق المنظمة.

ووفقا لـ "البنك الدولي" و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، فإن نصف سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هم دون سن 24 عاما، لكن المنطقة تتخلف عن المعدلات العالمية في التحصيل العلمي والمساواة في فرص الحصول على التعليم.

ويرى هلال أن إنهاء العنف سيجعل المؤسسات التعليمية "جذابة أكثر للأطفال".

ويشير الناشط إلى ضرورة عدم التغاضي عن توفير مخصصات مالية للتوعية بضرورة إنهاء العنف ضد الأطفال، مشيرا إلى أن تكلفة المشاكل المجتمعية الناتجة عن مثل هذه الحالات أعلى من تكلفة الحملات ضدها.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".