السوادني تعهد بمحاربة الفساد في العراق. أرشيفية
السوادني تعهد بمحاربة الفساد في العراق. أرشيفية

في أول خطاب، الخميس، قدم رئيس الوزراء العراقي المكلف، محمد شياع السوداني، قائمة وعود أبرزها محاربة الفساد واسترداد هيبة الدولة، وفرض القانون، إلى جانب وعود أخرى، لا تخرج بمجملها عن سياق الخطابات التقليدية لرؤساء الحكومات العراقية خلال العقدين الماضيين، وفق محللين تحدثوا لموقع "الحرة". 

لكن السؤال هو: إلى أي مدى يستطيع السوداني المضي في تنفيذ وعوده وهو مرشح قوى متهمة بالمسؤولية عن فشل الدولة في العراق؟

أمنيات

يصف الكاتب المحلل عقيل عباس كلمة السوداني بأنها "خطاب تقليدي، يحشد فيه الأمنيات التي يقدمها كل رؤساء الوزراء والتي لن تتحقق، أكان بخصوص مكافحة الفساد، أم فتح المجال أمام الاستثمار أم تطبيق القانون والاهتمام بالزراعة والصناعة والموارد المائية".

ويضيف عباس أن الشعب العراقي اعتاد على هذا النوع من البرامج الحكومية و"لم يعد يأخذها على محمل الجد، ولا تثير اهتمام أحد"، مع ذلك فهو، وفقا للمحلل، "ليس خطابا متشددا. على خلاف الخطابات الإطارية التي تعتمد على المواجهة، إضافة للبناء على ما أنجزه رئيس الوزراء بالوكالة مصطفى الكاظمي في ملف العلاقات الخارجية".

ورشح الإطار التنسيقي السوداني لرئاسة الحكومة، وهو تجمع يضم كتلا عدة من بينها دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وكتلة الفتح بزعامة هادي العامري، وقوى وفصائل أخرى موالية لإيران.

في المقابل، يرى عادل المانع، عضو ائتلاف دولة القانون أن العراق "على أعتاب مرحلة سياسية جديدة"، خاصة بعد "انسداد سياسي دام أكثر من عام".

ويرفض المانع وصف الحكومة التي يسعى السوداني لتشكيلها بـ"التقليدية"، وقال إن نجاحها رهن بالخدمات التي ستقدمها للمواطنين، مرجحا حصول كابينة السوداني على "الثقة خلال إسبوعين وستكون أولويتها إقرار الموازنة للعام 2022" في أسرع وقت".

الفجوة

الكاتب الباحث العراقي، يحيى الكبيسي، يرى بدوره أن خطاب رئيس الوزراء المكلف "لا يختلف عن خطابات من سبقوه، ولكن هناك فجوة دائمة بين ما يتحدثون به وبين التنفيذ".

ويشير الكبيسي إلى أن أسباب عدم قدرة رؤساء الوزراء على الإيفاء بوعودهم لا ترجع إلى عدم رغبتهم في تنفيذها، ولكنها تنبع من "اختلالات هيكلية بنيوية في النظام السياسي العراقي القائم حاليا، والذي أصبح هو القاعدة، ولن تسمح القوى السياسية الموجودة بتغيير شكل هذا النظام خاصة في ظل المكاسب المادية والمحاصصة القائمة عليه".

ويستبعد الكبيسي "على سبيل المثال، أن تكون "تشكيلة الكابينة الجديدة قائمة على اعتبارات الكفاءة، بل ستكون تبعا للترشيحات التي ستتقدم بها القوى السياسية"وفقا لـ"اتفاقات وصفقات مسبقة" بين الأطراف المختلفة.

وتابع أن إقرار الموازنة العامة لن يفضي إلى "خطة عمل حكومية واضحة" لأن الموازنة ستخضع لـ"التعديل والمناقلات داخل مجلس النواب ولذلك غالبا ما تعكس هذه الموازنات مصالح القوى السياسية والأحزاب، ولا تعبر عن خطط حكومية مدروسة".

وتسبب إصرار الإطار التنسيقي على ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة تظاهرات لأتباع التيار الصدري انتهت بمواجهة مسلحة راح ضحيتها عشرات الأشخاص وسط العاصمة بغداد نهاية أكتوبر الماضي.

ومنذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021، لم تتمكن الأطراف السياسية النافذة من الاتفاق على اسم رئيس جديد للجمهورية وتعيين رئيس جديد للحكومة، رغم مفاوضات عديدة في ما بينها، إذ كانت الخلافات تتركز بين المعسكرين الشيعيين الكبيرين: التيار الصدري من جهة، والإطار التنسيقي من جهة أخرى.

الانتخابات والتيار الصدري

يرى المحلل السياسي عقيل عباس أن كلمة السوداني حملت "رسائل هامة" وهي أن حكومته "لن تسعى للإقصاء والتهميش وستفتح الحوار ليس فقط مع القوى السياسية الممثلة بالبرلمان".

واعتبر عباس أن هذا بمثابة رسالة تطمين "للتيار الصدري وحتى التشرينيين، بأنه لن يكون هناك استهداف أو إقصاء لهم".

وبينما لم يحدد السوداني في كلمته الخميس، طبيعة الانتخابات التي وعد بإجرائها في "أجواء نزيهة"، رجح عباس إعادة طرح ملف "الانتخابات المبكرة" بعد تشكيل الحكومة.

ويعتقد الكاتب يحيى الكبيسي أن "الحكومة الجديدة والإطار سيعملان على تحجيم تأثير التيار الصدري على المستوى الشعبي، وتشجيع الانشقاقات في داخله مقابل تقديم مكاسب" للمنشقين.

ولم يستبعد الكبيسي احتمال "تحجيم التيار الصدري حتى على مستوى الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي ستكون بموجب قانون جديد ستعده حكومة ومجلس نواب يسيطر عليه الإطار، ما قد يعني إعادة رسم الدوائرات الانتخابية وحتى تغيير نظام الانتخابات".

ويقول عضو ائتلاف دولة القانون، عادل المانع، إن "الأبواب مفتوحة أمام مشاركة التيار الصدري في الحكومة الجديدة"، خاصة وأن المرحلة الحالية ستؤسس "للمرحلة المقبلة في البلاد، خاصة في ظل التوجهات لإعداد قانون انتخابي جديد، وهو ما يقتضي وجود التيار كفاعل سياسي".

ولم يعلن التيار الصدري موقفه بشأن انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة، لكن الكاتب المحلل يحيى الكبيسي لا يستبعد أن يلجأ التيار للشارع "مرة أخرى" ولكن توقيت ذلك "سيبقى غير معروف".

الجمعة، رحبت الولايات المتحدة بتعهد رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني محاربة الفساد وتشكيل حكومة "تخدم الشعب".

وقالت السفيرة الأميركية في العراق، آلينا رومانوسكي، في تغريدة على تويتر إنها ترحب بتعهد رئيس الوزراء العراقي المكلف (محمد شياع السوداني) بمكافحة الفساد والدفاع عن السيادة العراقية +الأمن، وتشكيل حكومة مكرسة لخدمة شعب العراق".

ورحبت الخارجية الأميركية، الخميس، بانتخاب مجلس النواب العراقي عبد اللطيف رشيد رئيسا للعراق، بعد أكثر من عام من مفاوضات تشكيل الحكومة.

وقالت الخارجية في بيان "بعد أكثر من عام من مفاوضات تشكيل الحكومة، ترحب الولايات المتحدة بانتخاب مجلس النواب العراقي عبد اللطيف رشيد رئيسا للعراق. الرئيس رشيد عين محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء المكلف".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.