بلقيس أعربت عن صدمتها بعد الإفراج عن المدانين باغتصابها وقتل طفلتها
بلقيس أعربت عن صدمتها بعد الإفراج عن المدانين باغتصابها وقتل طفلتها

لا تزال تداعيات الإفراج عن 11 مدانا من المتطرفين الهندوس باغتصاب سيدة مسلمة قبل نحو عقدين في ولاية غوجارات تثير الكثير من الاستياء والغضب، لاسيما في أوساط المنظمات المدافعة عن حقوق النساء في الهند.

وكانت، بلقيس بانو، تبلغ من العمر 21 عاما وحاملا بشهرها الخامس، عندما هاجمها متشددون هندوس عام 2002، حيث اقتحموا منزلها، حاملين سيوفا واغتصبوها وقتلوا 13 فردا من عائلتها، بينهم طفلتها، التي كانت تبلغ الثالثة من عمرها فقط، وفقا لما ذكرت شبكة "سي إن إن" الإخبارية.

وأوضحت جماعات حقوقية أن الإفراج عن المدانين في الخامس من أغسطس الماضي، جاء تزامنا مع الذكرى الخامسة والسبعين لاستقلال البلاد، مؤكدين في بيان أنهم يشعرون بالعار "لأنه في اليوم الذي نحتفي خلاله بحريتنا وافتخارنا باستقلالنا، فإن نساء الهند يشهدن الإفراج عن المغتصبين والقتلة الجماعيين، وكأنه مكرمة من الدولة". 

ومما زاد حدة الغضب والاستياء، إن المفرج عنهم حظيوا باستقبال حافل، وأظهرتهم مقاطع مصورة يتناولون الحلوى خارج السجن من المحتفلين بخروجهم، بالإضافة إلى أن جماعات قوية هندوسية مرتبطة بالحزب الحاكم سارعت إلى تكريمهم في وقت لاحق. 

وقد سارع العديد من المنظمات الحقوقية والسياسين إلى تقديم التماسات إلى المحكمة العليا لإلغاء قرار الإفراج عن المدانين، ومنهم البرلمانية المعارضة، ماهوا مويترا، التي اعتبرت في تصريحات صحفية أن الإفراج عن أولئك الرجال قضى على "مفهوم المادة 15 من الدستور، التي تمنع التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو الدين أو العرق".

وفي نفس السياق، تؤكد، سوبهاشيني علي، وهي عضوة برلمانية سابقة ونائبة رئيس جمعية النساء الديمقراطيات لعموم الهند، إن قرار الإفراج عن المغتصبين جرى لغايات انتخابية بغية تعزيز حظوظ الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة.

وتردف قائلة: "إذا كان القصد استقطاب الناخبين، فقد فشل (ذلك)"، وتابعت: "للمرة الأولى، أجد أنه حتى أنصار حزب بهاراتيا جاناتا (الحاكم) لا يدعمون ما فعلوه".

ويعود كفاح بانو من أجل العدالة إلى عشرين عاما، عندما اندلعت الانقسامات التي دامت قرونًا في ولاية غوجارات بين غالبية الهندوسية والأقلية المسلمة التي تشكل، وفقًا لأحدث أرقام التعداد، حوالي 10% من سكان الولاية.

في ذلك الوقت، أشعلت حشود هندوسية النار في منازل ومتاجر للمسلمين ردا على رمي قنبال حارقة على قطار مما أسفر عن مقتل العشرات من الهندوس، وألقي باللوم وقتها على المسلمين.

وخلصت التحقيقات وقتها إلى أن رئيس الوزراء الحالي، ناريندرا مودي، الذي كان حاكما لولاية غوجارات وقتها، لم يكن لم يكن مسؤولاً عن أعمال الشغب التي أودت بحياة أكثر من 1000 شخص بما في ذلك عائلة بانو، واستمرت قضية بلقيس في المحاكم إلى العام 2008 حيث صدر الحكم بالمؤبد على 11 شخصا، أدينوا باغتصابها وقتل أفراد عائلتها.

وقال سوجال مايترا، المسؤول الذي قاد جهود اللجنة في غوجارات، التي أوصت بإطلاق سراح السجناء، إن القرار جاء بناء على عدة عوامل، وأضاف "أكملوا 14 عاما من حكمهم، وسألنا عن سلوكهم وتوقيت الإفراج المشروط عنهم"، مؤكدا أن "طبيعة الجريمة وسلامة الضحية أخذتا بعين الاعتبار". 

يذكر أن الهند تقتضي أن يدوم الحكم المؤبد حتى الموت، إلا أن المدانين يمكنهم أن يسعوا للخروج بعد قضاء 14 عاما من الحكم، بينما تقر التعديلات التشريعية الأخيرة أن المدانين بالقتل والاغتصاب ليسوا مؤهلين للإفراج المبكر، لكن القوانين التي كانت متبعة عند وقوع الجريمة بحق بانو وعائلتها لم تحدد ذلك الاستثناء. 

ومع ذلك، قال  سي كي راولجي، عضو المجلس التشريعي في حزب بهاراتيا جاناتا، عضو اللجنة التي أوصت بالإفراج، إلى أن الطبقية قد تكون وراء قرار الإفراج عن المدانين.

ويوضح في تسجيل مصور: "إنهم أناس طيبون من طبقة البراهمة، ومن المعروف أن البراهمة لديهم (..) أخلاق حميدة، وربما كانت هناك نوايا لبعض الأشخاص بمعاقبتهم".

ورغم أن النظام الطبقي محظور منذ فترة طويلة في الهند، إلا أن النظام التقليدي للتسلسل الهرمي الاجتماعي يضع الهندوس البراهمة فوق الطوائف الأخرى، ولاسيما الأقلية المسلمة.  

وفي حديثه لشبكة "سي إن إن"، يقول وافق يعقوب رسول، زوج بلقيس إن زوجته "مستاءة للغاية لدرجة أنها لا تتحدث مع أي شخص".

وأوضح رسول إن الزوجين غيرا مكان إقامتهما نحو 20 مرة في العقدين الماضيين، وبات يخشيان الآن انتقام المدانين، الذين كانوا يعيشون معهم في نفس القرية حين اندلعت أعمال الشغب.

وزاد: "منذ وقوع الحادث، اضطررنا إلى مغادرة القرية، ولكن حتى اليوم تعيش هناك حوالي 150 عائلة مسلمة.. وجميعها تشعر بالخوف والرعب من أن هؤلاء الرجال سوف يخلقون المتاعب بعد قرار الإفراج عنهم".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".