طفل يركض قرب أحد المراكز المخصصة لإقامة طالبي اللجوء في بريطانيا
طفل يركض قرب أحد المراكز المخصصة لإقامة طالبي اللجوء في بريطانيا

حث المفوض الجديد لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، الحكومة البريطانية على إعادة النظر في خططها لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، محذرا من أن مخططات "النقل إلى الخارج" المماثلة في الماضي أدت إلى معاملة "غير إنسانية للغاية" بحق اللاجئين.

وفي أول تعليق علني له على القضية منذ توليه منصبه قبل شهرين، رفض تورك، وصف رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، للاتفاقية مع رواندا والتي بلغت قيمتها 140 مليون إسترليني (حوالي 170 مليون دولار) بأنها "منطقية".

وتابع قائلاً في حديثه إلى صحيفة "الغارديان" البريطانية: "بالإضافة إلى كونها تعد إشكالية قانونية وأخلاقية، فهي أيضًا مكلفة للغاية.. ومن غير المرجح أن تنجح".

وأردف: "لا يمكنك التخلي عن مسؤولياتك بالطريقة التي تتصورها حكومة المملكة المتحدة"، مضيفا:"إنه أمر يثير مخاوف خطيرة للغاية، سواء من المنظور العالمي لحقوق الإنسان أو من منظور قانون اللاجئين الدولي".

وردا على سؤال فيما إذا كان ينبغي على الحكومة البريطانية العودة عن قرارها، أجاب: "نعم، بالتأكيد".

"انتصار جزئي"

وكانت المحكمة العليا في بريطانيا قد قضت، يوم الاثنين، بأن خطة حكومة المحافظين لإرسال الأشخاص الذين يسعون للحصول على الحماية في المملكة المتحدة إلى الدولة الواقعة في وسط أفريقيا كانت قانونية.

ورفضت المحكمة طلبًا من طالبي اللجوء والجمعيات الخيرية واتحاد مسؤولي الحدود لوقف عمليات الترحيل.

ولكن الانتصار كان جزئيًا للحكومة، إذ قال القضاة أيضًا إن الحكومة أخفقت في "مراعاة ظروف" ثمانية أشخاص حاولت ترحيلهم في يونيو.

ومع ذلك، أعلنت وزيرة الداخلية، سويلا برافرمان، عزمها على دفع الشراكة مع رواندا قدما "على نطاق واسع وبأسرع وقت ممكن". 

وزعمت الوزيرة بأن الخطة "كانت مدعومة من قبل الغالبية العظمى من الشعب البريطاني الذي يودون رؤية نهاية قريبة لعصابات تهريب البشر عبر القنال الإنكليزي". 

وكان أكثر من 40 ألف شخص قد عبروا القنال الإنكليزي (قناة المانش) في قوارب صغيرة في العام 2022، وهي أعلى حصيلة منذ بدء جمع الأرقام في العام 2018. 

ويحف تلك الرحلات الكثير المخاطر، فقد توفي أربعة أشخاص الأسبوع الماضي بعد أن واجه قاربهم صعوبات قبالة ساحل مقاطعة كينت.

من جانب آخر، قالت الحكومة الرواندية إن لديها حاليًا القدرة على استقبال حوالي 200 شخص، أي أقل من 0.5 ٪ من إجمالي الذين عبروا هذا قناة المانش هذا العام. 

وترى الجماعات الحقوقية أن تلك النسبة ليست كبيرة بما يكفي لتكون رادعًا لعبور قناة المانش.

وقال تورك، الذي خلف ميشيل باشيليت في منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أكتوبر، إن هناك "طرقًا ووسائل أخرى" لكيفية تعامل الحكومات مع عصابات التهريب وضمان حصول طالبي اللجوء على الحماية. 

وشدد على أن "برنامج رواندا" لن يحقق ذلك الأمر على الأرجح.

وتعقيبا على قرار المحكمة العليا، قال رئيس الوزراء البريطاني إنه يريد تقديم نظام يمكن بموجبه  ترحيل القادمين بشكل غير قانوني إلى الممكلة المتحدة.

وزاد: "سنكون قادرين على إعادتهم إلى بلدانهم إذا كان الوضع آمنًا أو ترحيلهم إلى بديل آمن مثل رواندا".

وأضاف: "هذا هو الموقف المنطقي، على ما أعتقد، للغالبية العظمى من الجمهور البريطاني".

وفي حديثه من جنيف، قال تورك وهو محام نمساوي سابق: "بالتأكيد، من وجهة نظري، هذا ليس بالقرار الصائب".

ودعا الحكومة البريطانية إلى تخفيف حدة خطابها و "لغتها العاطفية"، بعد أن انتقد سابقًا استخدام برافرمان "الرهيب" لكلمة "غزو" في وصفها المهاجرين وطالبي اللجوء القادمين إلى بلادها. 

وتابع: "ليس الأمر أنه لا توجد مشاكل بشأن الدخول بشكل غير قانوني إلى البلاد، وهذا أمر يجب التعامل معه، ولكن علينا التخلص من بعض المشاعر، بما في ذلك بعض اللغة العاطفية".

وختم بالقول "نحن بحاجة للتعامل مع الهجرة غير الشرعية ومسألة اللجوء باعتبارها قضية تستند إلى المعايير والحقوق الإنسانية والقانون الدولي للاجئين".

وعلى الرغم من قرار المحكمة العليا الأخير، فلن تكون هناك رحلة طيران تقل طالبي اللجوء إلى العاصمة الرواندية، كيغالي، قريبًا. 

من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية: "ستوفر شراكتنا الرائدة في مجال الهجرة مع رواندا الدعم للأفراد الذين جرى نقلهم هناك لتأسيس حياة جديدة، وبالتالي القضاء على عصابات تهريب البشر". 

وتابع: "لقد وجدت المحكمة العليا أن رحلات العبور غير قانونية، ووزيرة الداخلية ملتزمة بإنجاح قرار المحكمة للمساعدة في منع الرحلات الخطرة وغير القانونية وغير الضرورية".

وختم بالقول: "المقارنة بين هذه السياسة والنموذج الأسترالي (في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين ) خاطئة وغير دقيقة، فبموجب نهجنا، لا يتم احتجاز الأشخاص الذين يتم إرسالهم إلى رواندا ولكن يجري نقلهم، وهم أحرار في المغادرة إذا رغبوا في ذلك".

وكانت أستراليا قد واجهت سابقا اتهامات بحدثو اعتداءات وانتهاكات مركز الهجرة في جزيرة ناورو، أكثر من نصفها حدثت مع أطفال. 

وتتبع أستراليا سياسة متشددة فيما يتعلق بالهجرة تقضي بإرسال طالبي اللجوء الذين يتم اعتراض قواربهم في البحر إلى مركز تقوم بتمويله في جزيرة ناورو، ومركز آخر على جزيرة مانوس في بابوا بغينيا الجديدة.

ووجهت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان انتقادات واسعة للمركزين ولسياسة أستراليا الصارمة بشأن اللجوء.

وقال مدافعون عن اللاجئين في العام 2016 إن التقارير المسربة تشير إلى الحاجة الماسة لإنهاء سياسة الاحتجاز في الخارج وإن طالبي اللجوء يجب أن يتلقوا دعما طبيا ونفسيا، بحسب وكالة فرانس برس.

وفي العام 2018، أعلنت أستراليا إغلاق مركز موضع جدل لاحتجاز طالبي اللجوء على جزيرة كريسماس في المحيط الهندي، مشيدة بنجاح سياستها البالغة الشدة ضد المهاجرين الذين يحاولون الوصول بصورة غير قانونية إلى أراضيها، وفقا لوكالة رويترز.

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".