صورة تعبيرية لسيدة مسلمة تحمل في يدها مسبحة
صورة تعبيرية لسيدة مسلمة تحمل في يدها مسبحة

جاء حديث الداعية السعودي، صالح المغامسي، عن ضرورة إنشاء مذهب فقهي جديد في الدين الإسلامي، ليثير حالة من الجدل، قبل أن يضيق نطاق الجدل بوصف هيئة كبار العلماء في السعودية تلك الدعوة بـ"المفتقدة للموضوعية والواقعية"، بينما يتحدث علماء دين لموقع "الحرة" عن مدى جواز تدشين مذهب فقهي جديد في الإسلام.

تصريحات مثيرة للجدل؟

السبت، تحدث المغامسي، في مقابلة على القناة السعودية الأولى عن" ضرورة إنشاء مذهب فقهي جديد في الدين الإسلامي".

وفي مقابلة أثارت الجدل، قال الداعية السعودي، إنه: "يرجو من الله أن ينشئ على يديه مذهبا إسلاميا جديدا"، مضيفا أن "المراجعة لما قد سلف أمر لا مناص منه".

وتابع "في كل مرحلة من مراحل البناء الفقهي يطغى شيء جديد، لذا لا بد في هذا الزمن عن تحرير المسائل"، مشيرا إلى أن السند طغى على الأحاديث المنتشرة مما أضر بالناس، "فدخلت أحاديث آحاد، من الصعب نسبتها للنبي".

وأكد الداعية السعودي الشهير أن القرآن هو الكتاب الوحيد غير القابل للمراجعة، موضحا أن "الفقه الإسلامي هو صناعة بشرية ولابد من إعادة قراءته وتمحيصه".

واستطرد "البعض يستكثر عليك أن تراجع الفقه الإسلامي فإذا اعترفتم أن "أصحاب المذاهب بشر ما الذي يمنع من المراجعة؟".

هيئة كبار العلماء في السعودية

الاثنين، قالت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية في بيان، إن الدعوة إلى إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد، تفتقد "الموضوعية والواقعية".

وأوضحت أن "الفقه الإسلامي بمذاهبه الفقهية المعتبرة، واجتهاداته المتنوعة، يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، ويوفق بين حاجاتها والشريعة الإسلامية، وهو ما تبرهن عليه الهيئات العلمية، والمجامع الفقهية، التي تمارس الاجتهاد الجماعي"، وفقا لوكالة الأنباء السعودية "واس".

ما أبرز المذاهب الفقهية عند السنة؟

لدى المسلمين السنة عدة مذاهب فقهية، ويعبر كل منها عن الطريقة التي سار عليها إمام المذهب في فهمه للنصوص الشرعية، وفي طريقته لاستنباط الأحكام، وأبرزها الأربعة التالية:

  • الحنفي: نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان 
  • المالكي: نسبة إلى الأمام مالك بن أنس الأصبحي المدني
  • الشافعي: نسبة إلى الإمام محمد بن إدريس المطلبي الشافعي 
  • الحنبلي: نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل 

ويعرف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، المذاهب بأنها "مدارس ومؤسسات لتحصيل العلم، لا يوجد بها إمام واحد يفرض وجهه نظره على طلابه".

ويوضح لموقع "الحرة"، أن أولى تلك المؤسسات كان "المذهب الحنفي"، ويقول "أبي حنيفة النعمان أسس تلك المؤسسة مع أساتذة آخرين، وسميت بهذا الاسم نظرا لكونه الأكبر سنا وصاحب الفكرة".

وبدأت تلك المؤسسة في تدريس العلم في وجود ثلاث أساتذة هم "أبو حنيفة وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني"، ولهذا يقال الإمام وصاحباه، حسب حديث الهلالي.

ويقول أستاذ الفقه المقارن "يؤسفني فهم البعض الخاطئ لمعنى المذهب وحصره في التزام الأتباع بالتعليمات وعدم الخروج عن المنهج لكونه وحده الصواب والمقنن للدين، دون التفكير في استراتيجية أخرى".

وكان آراء الفقهاء الأربعة في المسألة الواحدة "مختلفة ومتنوعة"، مما يدل على أن الفقيه ليس حاكما برأي واحد، وإنما يقول "هذا المعنى يمكن استنباطه من النص، وهناك معنى معاكس يمكن أيضا استنباطه من نفس النص"، لأن النص الواحد "حمال أوجه"، حسب الهلالي.

ولذلك فأن وظيفة المذاهب "إظهار وتبيان الآراء التي يمكن استنباطها من النص الواحد".

ما هو الفقه؟

يعرف الداعية الإسلامي، محمد علي، الفقه بأنه "معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن مهمة الفقيه هي استخراج الأحكام الشرعية العملية من مصادر الشريعة، والمتمثلة في " القرآن والسنة والإجماع والقياس".

ويقول إن الفقه مهمته البحث عن الأحكام العملية، وليس العقدية.

هل هناك حاجة لمذهب جديد؟

يشير عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر، عبدالغني هندي، إلى أن الدعوة لإنشاء مذهب فقهي جديد "غير منضبطة وتنقصها عدة أمور".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يقول إن "الأخذ بتلك الدعوة يسقط جميع المذاهب الموجودة".

ويرى هندي أن تلك الدعوة تغلق الباب أمام التطوير والتجديد.

ويتفق مع هذا الطرح علي الذي يصف دعوة إنشاء مذهب جديد بالمفتقدة لـ"الموضوعية والواقعية".

لكن على جانب آخر، يشير الهلالي إلى أهمية تكرار مدارس العلم "المذاهب بالمعنى المعاصر".

ويوضح أستاذ الفقه المقارن أن المذهب "مركز تدريب وتعليم وتفقيه للرأي والرأي الآخر"، ويقول "وظيفة الشيوخ التعليم والتفقيه وليس الإفتاء".

وحسب الهلالي فإذا كان المقصود بالمذهب إنشاء جامعة بها عدد من الأساتذة بـ"حرية في اجتهاده"، وطلاب يدرسون "لهم السيادة في الفهم والمناقشة"، فهذا تعدد محمود ومطلوب في منابر التعليم.

ولذلك فإذا كان المعنى إضافة مدرسة أخرى "فلا حرج" لأنها لا تلزم أحد برأي واحد لكنها تظهر الآراء المختلفة، وتترك الحكم للشعب في اتخاذ القرار، وفق الهلالي.

بين الرفض والقبول

وفقا لهندي فإن تدشين مذهب يستند على "تجمع للأحداث" ولا يوجد أي أمور أو تطورات أو مستجدات في الواقع الحالي تستدعي ذلك،

ولا يمكن الحديث "فجأة ودون أسباب" عن الرغبة في تدشين "مذهب عصري جديد"، وفقا لحديث عضو مجمع البحوث الإسلامية.

وفي سياق متصل، يعدد علي أسباب رفضه دعوة تدشين مذهب جديد، ويقول "لم يبلغ أحد الآن المبلغ الذي وصل إليه الأئمة الأربعة حتى يستطيع إنشاء مذهب فقهي جديد".

"ولو فتحنا هذا الباب على مصراعيه لتكلم فيه كل من "هب ودب" ومن ليس له معرفة بالدين والمفتقر لأدنى أدوات الاجتهاد"، وفقا لحديث علي.

وحسب الداعية الإسلامي فلا يوجد في عصرنا هذا الرجل المؤهل لإنشاء "مذهب جديد"، ولكن توجد المجامع الفقهية التي تمارس الاجتهاد الجماعي. 

ويشير إلى أن ذلك لا يعني غلق الأمر على المذاهب الأربعة فقط، ويقول "باب الاجتهاد مفتوح إلى قيام الساعة عند من توفرت فيه آليات ذلك".

ويرى أن "لا توجد حاجة لمذهب فقهي جديد في وجود الهيئات والمجامع الفقهية التي تدرس السؤال وتجيب عليه بما يتماشى مع العصر، فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وحال الشخص نفسه".

من جانبه يؤكد الهلالي أن "تعدد منابر الفقه أمر محمود، لكن تعدد منابر الإفتاء ليس كذلك".

ويشير أستاذ الفقه المقارن إلى أن الإفتاء يكون برأي واحد لكن الفقه متعدد الآراء.

ولذلك يمكن إنشاء "مذاهب جديدة" وليس مذهب واحد فقط في حال كونها منابر للعلم تلتزم بـ"تعدد الآراء وعدم فرض رأي واحد"، وفقا للهلالي.

مواضيع ذات صلة:

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
عراقية تتظاهر أمام مبنى محكمة الأحول الشخصية في بغداد ضد زواج القاصرات في العراق

تحظى التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959 بدعم كبير من رجال الدين الشيعة والسنة في العراق. لكن بعض رجال الدين من الطائفتين سجّلوا مواقف معارضة لهذه التعديلات.

المرجع الشيعي العراقي المعروف كمال الحيدري، وهو أحد المراجع الكبار في حوزة قم في إيران، ظل طوال السنوات الماضية معارضا  للتعديلات التي طرحت أكثر من مرة حول قانون الأحوال الشخصية.

أتباع الحيدري ومؤيدوه سارعوا إلى نشر مقاطعه وفيديوهاته القديمة، والتي تضمنت مقابلات وخطبا أجراها في الأعوام السابقة يشرح فيها الأسباب التي تدفعه إلى معارضة تعديل القانون.

ينطلق الحيدري في مواقفه الرافضة من اعتقاده أن القوانين العراقية، في بلد بمكونات دينية وإثنية مختلفة، يجب أن تغطي جميع الفئات وأن يحتكم إليها الجميع، لا أن يكون لكل فئة قانونها الخاص بها.

ويعتبر الحيدري أن على "المرجع الديني توجيه مقلديه إلى اتباع القانون، حتى لو خالف ذلك رسالته العملية وفتاويه".

وتمنح التعديلات المطروحة الحق للعراقيين في اختيار اللجوء إلى إحدى مدونتين، شيعية وسنية، يتم إعدادهما من قبل المجلسين السنّي والشيعي بهدف تقديمهما إلى البرلمان.

وتتخوف المنظمات النسائية من أن يؤدي اللجوء إلى هاتين المدونتين الباب أمام تشريع زواج القاصرات، وكذلك إجراء تعديلات جوهرية على إجراءات حضانة الأطفال بشكل يضر حقوق المرأة.

Iraqis Shiite Muslim worshippers gather outside the of Imam Moussa al-Kadhim shrine, who died at the end of the eighth century,…
كان "سابقاً لعصره".. خلفيات إقرار قانون الأحوال الشخصية العراقي 1959
أعاد النقاش حول قانون الأحوال الشخصية في العراق إلى الواجهة، الظروف الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى صدور القانون المعمول به حالياً في عام 1959، خصوصاً بعد المطالبة بتعديله من قبل نوّاب من كتل سنيّة وشيعية في البرلمان.

رجل دين شيعي آخر، هو حسين الموسوي، أعلن بشكل مباشر معارضته للتعديلات المطروحة على القانون.

أكد الموسوي في أكثر من منشور له على موقع "أكس"‏ رفضه المستمر "لتعديل قانون الأحوال في ‎العراق، رفضًا تامًا لا نقاش فيه!".

وقال الموسوي، مستخدما وسم #لا_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية: "أقول لبناتنا وشبابنا بضرورة التحرك بكل الطرق الممكنة لمنع الفئة الضالة من الهيمنة على المستقبل بعد سرقتهم الماضي".

في الجانب السنّي، يبرز موقف رئيس رابطة أئمة الأعظمية الشيخ مصطفى البياتي المعارض للتعديلات على القانون. 

وطالب البياتي في حديث صحافي الجهات التي طرحت التعديلات بسحبها "حفاظاً على وحدة العراق وحفاظاً على كرامة المرأة العراقية من هدرها على يد أناس لا يرقبون في حفظ كرامتها أي ذمة".

البياتي رأى في النقاشات التي تخاض في مجلس النواب وخارجه "ترسيخًا للطائفية بعد أن غادرها العراقيون، ومخالفة للأعراف المعتمدة في البلد".

رجل دين سنّي آخر، هو عبد الستار عبد الجبار، سجّل مواقف معارضة للتعديل. وقال في إحدى خطب الجمعة التي ألقاها في المجمع الفقهي العراقي إن "زواج القاصرات موضوع عالمي، العالم كله يرفضه، وهو ليس ديناً".

وتابع: "لا يوجد نص يقول إنه يجب أو مستحب زواج القاصرات. هو موضوع كان شائعاً في الجاهلية وسكت الإسلام عنه، والعالم الآن لا يحبه، وهذا لا يتعارض مع الإسلام لأن زواج القاصرات ليس من أصول الإسلام". 

وسأل عبد الجبار: "لماذا هذا الإصرار على هذه القضية؟ هل الإسلام جوهره زواج القاصرات مثلاً؟ إلى متى نبقى هكذا؟". ودعا إلى التفكير بعقلية "أريد أن أبني بلدي، وليس أن أنصر طائفتي على حساب الطوائف الأخرى".

ولم تعلن المرجعية الدينية الشيعية في النجف موقفاً حاسماً من التعديلات المطروحة حاليا، وإن كان مكتب المرجع الأعلى علي السيستاني قال في رد على سؤال ورد إليه عام 2019 إنه "ليس لولي الفتاة تزويجها إلا وفقاً لمصلحتها، ولا مصلحة لها غالباً في الزواج إلا بعد بلوغها النضج الجسمي والاستعداد النفسي للممارسة الجنسية". 

وأضاف المكتب أنه "لا مصلحة للفتاة في الزواج خلافاً للقانون بحيث يعرّضها لتبعات ومشاكل هي في غنى عنها".