واشنطن تتحدث عن رد أميركي "لعدة أيام" ويشمل "أهدافا متعددة" في العراق وسوريا
واشنطن تتحدث عن رد أميركي "لعدة أيام" ويشمل "أهدافا متعددة" في العراق وسوريا

وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على "خطط لتوجيه ضربات على مدار عدة أيام في العراق وسوريا ضد أهداف متعددة، بما في ذلك أفراد ومنشآت إيرانية"، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلا عن مسؤولين أميركيين لم تعلن هويتهم، كاشفة الموعد المتوقع لتلك الضربات. 

وبحسب الصحيفة الأميركية ذاتها، فإن الرد الأميركي المحتمل على مقتل 3 أفراد من الجيش الأميركي في هجوم على قاعدة عسكرية بالأردن تعرف بـ"البرج 22"، "يتوقع أن يبدأ في نهاية هذا الأسبوع".

وأضافت أنه "سيكون متعدد المستويات، ويمزج بين الأعمال العسكرية وخطوات أخرى يمكن تعديلها، للإشارة إلى أن واشنطن لا تسعى إلى مزيد من التصعيد".

وتأتي الضربات الأميركية المحتملة "ردا على هجمات المسيرات والصواريخ التي استهدفت القوات الأميركية في المنطقة، بما في ذلك هجوم الطائرات بدون طيار، الأحد، الذي أسفر عن مقتل 3 من أفراد الخدمة الأميركية في قاعدة البرج22 داخل الأردن بالقرب من الحدود السورية"، حسبما ذكرت شبكة "سي بي إس" الأميركية.

وكان الهجوم بطائرة بدون طيار على قاعدة "البرج22" هو أول هجوم يشنه وكلاء مدعومون من إيران يتسبب في مقتل أميركيين، منذ أكتوبر، مما أثار دعوات في الكونغرس للرد بعمل عسكري يستهدف طهران نفسها.

وكثفت ميليشيات مدعومة من إيران في الشرق الأوسط، هجماتها على المصالح المرتبطة بإسرائيل وأميركا، وسط حرب إسرائيل ضد حركة حماس في قطاع غزة.

وضرب القوات شبه العسكرية الإيرانية، ينطوي على خطر توجيه ضربة مضادة ضد القوات الأميركية أو القواعد في الشرق الأوسط من خلال ترسانة طهران الهائلة من الصواريخ المتقدمة والطائرات بدون طيار، مما يوسع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، إلى صراع إقليمي أوسع يسعى البيت الأبيض إلى تجنبه في عام الانتخابات الرئاسية.

وبالنسبة لإيران، فإن الحسابات معقدة بنفس القدر على الأقل، وإذا حاولت كبح جماح القوات التي تدعمها في العراق واليمن وسوريا ولبنان، فإنها تخاطر بتشويه ادعاءاتها بأنها تقود ما يسمى بـ "محور المقاومة" المكون من الميليشيات وحلفاءفي الشرق الأوسط، ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. 

لكن إذا واجهت الولايات المتحدة، الأكثر قوة، بشكل مباشر، فإنها تواجه هزيمة عسكرية محتملة، وفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وقال جيرالد فيرستين، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية: "يحاول كل جانب معايرة استخدام القوة كوسيلة لمحاولة تغيير سلوك الجانب الآخر".

ومع ذلك، استدرك فيرستين الذي يعمل كزميل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن حاليا، قائلا لصحيفة "وول ستريت جورنال": "لكنهم (الولايات المتحدة وإيران) لا يريدان تجاوز الخطوط الحمراء". 

"تفاوض خلف الكواليس"

وأعلن الرئيس بايدن أنه يحمّل إيران المسؤولية عن الهجوم المميت بطائرة بدون طيار، بحجة أن الميليشيات العراقية التي يقول إنها كانت وراء هجوم "البرج22" هي من بين العددي من الوكلاء في الشرق الأوسط الذين تمولهم وتسلحهم إيران.

في الناحية المقابلة، أصرت إيران على أنها لم تأمر بالهجوم، وحذرت من أن الأعمال الانتقامية الأميركية ضد الأراضي الإيرانية أو الأفراد المنتشرين في جميع أنحاء المنطقة "ستدفعها إلى الرد". 

وقالت سانام واكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط في "تشاتام هاوس"، وهو مؤسسة بحثية مرموقة في لندن، في حديثها لصحيفة "وول ستريت جورنال": "ما نراه هو نوع من التفاوض وراء الكواليس لإدارة التوترات حتى لا تتصاعد".

في عام 2020، كادت التوترات بين واشنطن وطهران أن تتحول إلى صراع مستمر بعد أن أمر الرئيس السابق، دونالد ترامب، آنذاك بشن غارة جوية أميركية في بغداد، أسفرت عن مقتل فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.

وردت إيران بوابل من الصواريخ الباليستية ضد القوات الأميركية في العراق، وهو الهجوم الذي تسبب في سقوط عشرات الضحايا، لكن لم يؤدِ لسقوط قتلى أميركيين.

وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية تعمل على حل النزاعات، إن مقتل أفراد الخدمة الأميركية في الهجوم على الأردن، أجبر بايدن على الأرجح على "اختيار أهداف قد تؤدي إلى سقوط ضحايا إيرانيين".

في تعليقات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أضاف واعظ: "إذا استهدفوا أصول الحرس الثوري الإيراني مع تقليل الخسائر البشرية إلى الحد الأدنى، فقد لا ترد إيران بالضرورة بطريقة من شأنها أن تمدد دائرة العنف". 

وتابع: "لكن إذا سقط قتلى من الحرس الثوري الإيراني، فسيكون من الصعب عليهم استيعاب هذه التكلفة وعدم الرد".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.