رسم لحسن الصباح.. شخصية أثارت جدلا واسعا
رسم لحسن الصباح.. شخصية أثارت جدلا واسعا

لم يكن مسلسل "الحشاشين" التاريخي الذي يعرض ضمن الموسم الرمضاني، أول الأعمال الدرامية والفنية التي تسلط الضوء على هذه الجماعة الإسلامية من القرون الوسطى، إذ لطالما ألهمت قصص طائفة "الحشاشين" الروائيين والكتاب والمخرجين، بل وحتى منتجي الألعاب الإلكترونية.

وبدا هذا الاهتمام طبيعيا نظراً لما حملته تلك القصص من تشويق وأحداث وتطورات غيّرت في مجرى تاريخ الشرق الأوسط، فضلاً عن سمعة مرعبة ساهمت في نسج وانتشار الكثير من الأساطير والخرافات، لا تزال حتى اليوم تثير الجدل والنقاش التاريخي بشأن صحتها.

وسبق مسلسل "الحشاشين" الذي جسد قصة زعيم هذه الجماعة، حسن الصباح، العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي تناولت القصة، من أبرزها المسلسل السوري "عمر الخيام" 2002، والمسلسل المصري "الإمام الغزالي" 2012، ومسلسل "سمرقند" 2016، فضلاً عن روايات أدبية عدة أشهرها رواية "سمرقند" للأديب اللبناني أمين معلوف، ورواية قلعة ألموت للكاتب فلاديمير بارتول.

كما استلهمت لعبة Assassin's Creed سرديتها واسمها من هذه الطائفة، وكانت الشهرة التي حققتها اللعبة الإلكترونية خير مثال على الجاذبية الكبيرة لقصة هذه الجماعة التاريخية.

بيد أنه وبخلاف الأعمال الأدبية والدرامية، تحمل المعطيات التاريخية الموضوعية تصحيحاً للكثير من المعطيات بشأن طائفة "الحشاشين"، بدءاً من اسمها، مروراً بقصص قادتها، وليس انتهاء عند سمعتها، كأول من انتهج الاغتيال السياسي المنظم في التاريخ الإسلامي.

نشأة من رحم الخلافات

ظهرت جماعة "الحشاشين" أواخر القرن الحادي عشر ميلادي، في ذروة صراع محتدم بخلفيات مذهبية (سنية -شيعية) ما بين السلاجقة والدولة العباسية التي كان مركزها في بلاد ما بين النهرين (العراق) وبلاد فارس من جهة، والدولة الفاطمية التي كانت تتخذ من مصر وشمال أفريقيا مركزاً لها من جهة أخرى، في وقت كانت تشهد المنطقة ما عرف بالغزوات الصليبية التي شنها قادة مسيحيون أوروبيون.

تأسست هذه الجماعة على يد حسن الصباح الحميري (1037 – 1124)، الذي ولد في بلاد فارس ونشأ تحديداً في منطقة "الري"، التي كانت تحت حكم السلاجقة في ذلك الحين، فيما كان سكانها من الشيعة الإسماعيليين، حيث اعتنق المذهب الشيعي الإسماعيلي بعدما كان ينتمي للمذهب الشيعي الاثني عشري، وهو بعمر الـ 17، بحسب ما ورد في مذكراته.

وينسب الاسماعيليون أنفسهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن الحسين، وقد انقسم الشيعة بعد إمامهم جعفر الصادق إلى جعفرية وإسماعيلية، نتيجة نزاع على الإمامة.

وبينما كان الإسماعيليون يوالون الدولة الشيعية الفاطمية، انسحب ذلك على توجهات الصباح، الذي كان يرتحل بين المدن الفارسية في ذلك الحين، متعلماً وناشراً للدعوة الإسماعيلية، وتوجه عام 1078 إلى القاهرة بتوجيه من كبير الدعاة الإسماعيليين عبد الملك بن عطاش، لتقديم الولاء للخليفة الفاطمي المستنصر بالله وتسجيل اسمه في البلاط، ومكث في مصر نحو 3 سنوات، بعدما نال حظوة الخليفة، إلا أنه غادرها لاحقاً بعد خلاف مع أمير الجيوش، الوزير بدر الدين الجمالي، الذي كان أقرب ليكون الحاكم الفعلي، وتعرض الصباح للملاحقة، ولجأ إلى بلاد الشام، ثم بغداد، ليعود إلى بلاد فارس حيث بدأ التمهيد لثورة على السلاجقة.

موت المستنصر بالله، حمل لدولة الفاطميين انقساماً آخر بشأن أحقية الخلافة، أو "الإمامة"، ما بين أبناء المستنصر بالله، نزار المصطفى لدين الله وأحمد المستعلي بالله، إلا أن الجمالي وابنه أفضل شاهنشاه، أيدا تنصيب المستعلي بالله وجعلوه خليفة في القاهرة، بينما هرب شقيقه نزار إلى الإسكندرية وأطلق ثورة على أخيه حتى سجن وقتل.

كان الصباح في ذلك الوقت منادياً بخلافة نزار ونسله وأحقيتهم بالإمامة، بناء على توصية والده المستنصر وتسميته لخليفته، مما جعل الصباح أقرب ليكون الأب الروحي للطائفة النزارية في بلاد فارس، وأبرز الدعاة  المؤسسين لها، والتي خرجت منها فرقة "الحشاشين".

وسرعان ما اكتسب الصباح بنشاطه الدعوي، عداوات كثيرة جعلته ملاحقاً ومطلوباً لجهات عدة، أبرزهم السلاجقة والفاطميين (المستعلية) على حد سواء، مما دفعه للجوء إلى قلعة "ألموت" (وتعني عش النسر) الواقعة في جبال الديلم جنوب بحر قزوين، التي بنيت لتكون حصناً جبليا منيعاً على ارتفاع 2100 متر (تبعد نحو 100 كلم عن طهران)، وكانت تحت سلطة السلاجقة، قبل أن ينجح الصباح في استمالة النسبة الأكبر من حاميتها وكسب ولائهم، انتهاءً بالسيطرة على القلعة وطرد حاكمها بعد إعطائه ثمن القلعة، وفق المصادر التاريخية.

قلعة ألموت نسج حولها الكثير من الأساطير

وباتت قلعة ألموت قاعدة انطلاق لدعوة الصباح، ومركزاً لفرقة "الحشاشين" فيما بعد، ولجأ إليها ناجون من أتباع نزار من مصر، بينما تحولت فكرة القلعة إلى تجربة جرى تعميمها في أكثر من منطقة، حيث سيطر أتباع الصباح على العديد من القلاع والحصون الجبلية المنيعة في بلاد فارس وبلاد الشام، واستقروا وتدربوا فيها وانطلقوا منها في دعوتهم الدينية وعملياتهم الحربية النوعية التي أسست لشهرتهم.

التسمية والحشيش

عرفت الطائفة بأسماء عدة بينها: النزارية، الباطنية، الدعوة الجديدة، الفدائيون، "أساسين" أو القتلة في أوروبا، واشتهروا تاريخياً باسم "الحشاشين" أو "الحشيشية"، وراجت بشأن أصول هذه التسمية فرضيات عدة، بينها أنهم سميوا "الحساسين" نسبة لزعيمهم حسن، فيما تقول روايات أخرى أن الكلمة تمثل لفظاً أوروبيا لكلمة "العساسين" العربية المشتقة من "عسس"، وتعني حراس القلاع والحصون.

وكان أكثر الروايات انتشاراً تلك التي تتحدث عن علاقة مخدر الحشيش بتجنيد المقاتلين في هذه الطائفة، وغسل عقولهم، وإيهامهم من أجل اكتساب ولائهم المطلق ودفعهم إلى افتداء قادتهم بأنفسهم دون خوف من الموت.

وانساقت روايات وأعمال درامية عدة خلف هذه النظرية، المشكوك بصحتها، الأمر الذي زاد من ترسخها، في وقت تُطرح علامات استفهام جوهرية بشأنها، في ظل ضعف الروايات التاريخية التي تدعم هذا التفسير، خاصة من ناحية روايات الإسماعيليين أنفسهم، إذ لم يرد أي ربط بالحشيش، إلا من ناحية أعداء هذه الطائفة.

وبحسب الموسوعة البريطانية المحدودة "بريتانيكا"، فإن معظم المعلومات عن النزاريين التي وصلت إلى أوروبا "جاءت من مصدرين معاديين، المسلمين السنة والصليبيين". وتضيف أن الجوانب الأكثر غرابة في الأساطير بشأنهم، مثل استخدام المخدرات، لا تدعمها مصادر إسماعيلية. حتى اسم الحشاشين كان مصطلحاً تحقيرياً، لم يستخدمه النزاريون أنفسهم قط.

وفي حديثه لموقع "الحرة" يرجح الباحث التاريخي والروائي عباس الحسيني، أن تكون تسمية الحشاشين تحوير لكلمة "أساسين" Assasins، التي تعني "القتلة" أو منفذي الاغتيالات السياسية، واستخدمها الصليبيون في وصفهم، ثم انتقلت إلى العربية، ليستخدم مصطلح الحشاشين كنوع من الذم والتشويه لهذه الفرقة من قبل أعدائها.

ويرتكز الحسيني في ذلك إلى عدم ورود هذه الروايات (بشأن استخدام المخدرات) في المصادر العربية والفارسية التي تناولت الجماعة، مثل مؤلفات الباحث والمؤرخ محمد عثمان الخشت (كتاب حركة الحشاشين تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي)، ومؤلفات الباحث الأكاديمي الإيراني فرهاد دفتري (خرافات الحشاشين وأساطير الإسماعيليين).

وبحسب دفتري فإنه لم يرد في النصوص الإسماعيلية، ولا أيّاً من النصوص الإسلامية غير الإسماعيلية التي كانت معادية للنزاريين، ما يشهد بالاستعمال الفعلي للحشيش المخدر من قبل النزاريين، حتى المؤرخين الرئيسيين للنزاريين مثل أبو المعالي الجويني الذي فند دوافعهم ومعتقداتهم لم يشر إليهم بالحشاشين، كذلك بالنسبة إلى المؤرخ الفارسي رشيد الدين طبيب، في حين أن المصادر العربية التي تشير إليهم بذلك لا تشرح البتة هذه التسمية من جهة استعمال الحشيش.

وفي المقابل يؤكد الباحث، أستاذ التاريخ شارل حايك أن كلمة Assasins هي التي جاءت من كلمة "الحشاشين" واكتسبت معناها بفعل الاغتيال السياسي الذي نفذته هذه الجماعة، وذلك بحسب ما يرد في قاموس أوكسفورد.

ويشرح في حديثه لموقع "الحرة" أن التسميات التي تطلق في التاريخ على الجماعات "عادة ما تأتي لاحقاً وليس في زمنهم، أو وفق ما كانوا يطلقون على أنفسهم، ولم تكن هناك فكرة "التسمية الرسمية" لمثل هذه الجماعات، ولكن هناك ارتباط للتسمية بالحشيش، وهذا أمر واضح، رغم الآراء التي ترفع عن المصطلح ذلك الارتباط.

ويضيف أن استخدام المخدرات في الحروب تاريخيا، لم يكن ظاهرة جديدة في ذلك الحين، ولا هم (الحشاشون) من اخترعها، في سبيل تطويع المقاتلين للقيام بمهماتهم، وبالتالي يمكن لذلك أن يكون قد حصل، أو لا.

ولا يوجد سبيل للتأكد في ظل غياب المصادر، حتى الأولية منها، بكون هذه الجماعة لم تكتب عن نفسها ولا أرشفت ولا كانت مهتمة بالأعمال الأدبية، "وحتى الآن لا نعلم ماذا يسمون أنفسهم، فالنزارية أيضا تسمية أطلقت عليهم ولم يطلقوها على أنفسهم."

ويُرصد أول استخدام موثق لمصطلح "الحشيشية" في وصف الطائفة النزارية، في رسالة كتبها الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله سنة 1123م (الرسالة الموسومة بالهداية الآمرية في إبطال دعوى النزارية) والمرسلة إلى الإسماعيليين في الشام لنقض إمامة نزار المصطفى لدين الله والتأكيد على إمامة المستعلي، حيث ورد مصطلح "الحشيشية" مرتين من دون تقديم سبب واضح لذلك، ودون ربط الأمر بالمخدر.

كذلك تمت الإشارة لمصطلح "الحشيشية" مرة أخرى في كتاب "زبدة النصرة" للمؤرخ البنداري الأصبهاني، الذي أرخ لفترة الحكم السلجوقي، دون الإشارة أيضاً إلى استخدام الفرقة للمخدر، إذ استخدم الكاتب مصطلحات مثل "الملاحدة" و"الباطنية" في سياق ذمه للجماعة، وهو ما يطرح استفهام بشأن السياق والمعنى المقصود من كلمة "حشيشية".

ماركو بولو والخيال الأوروبي

أما الإشارات التاريخية لاستخدام الجماعة للمخدرات فتعود إلى قصص الرحالة الإيطالي ماركو بولو، لاسيما قصة "أسطورة الفردوس" التي يرد فيها وصف لقلعة ألموت بكونها ضمت "حديقة كبيرة مليئة بأشجار الفاكهة، وفيها قصور وجداول تفيض بالخمر واللبن والعسل والماء، وبنات جميلات يغنين ويرقصن ويعزفن الموسيقى، حتى يوهم شيخ الجبل لأتباعه أن تلك الحديقة هي الجنة."

ووفق رواية ماركو بولو "لقد كان ممنوعاً على أيّ فرد أن يدخلها، وكان دخولها يقتصر فقط على المنضمين لجماعة الحشاشين. كان شيخ الجبل يُدخِلهم القلعة في مجموعات، ثم يُشرِبهم مخدّر الحشيش، ثم يتركهم نياماً، ثم بعد ذلك كان يأمر بأن يُحملوا ويوضعوا في الحديقة، وعندما يستيقظون يعتقدون بأنهم قد ذهبوا إلى الجنة، وبعدما يُشبعون شهواتهم من المباهج كانوا يُخدَّرون مرة أخرى، ثم يخرجون من الحدائق ويتم إرسالهم عند شيخ الجبل، فيركعون أمامه، ثم يسألهم من أين أتوا؟، فيردون: "من الجنة"، بعدها يرسلهم الشيخ ليغتالوا الأشخاص المطلوبين، ويعدهم أنهم إذا نجحوا في مهماتهم فإنه سوف يُعيدهم إلى الجنة مرة أخرى، وإذا قُتلوا أثناء تأدية مهماتهم فسوف تأتي إليهم ملائكة تأخذهم إلى الجنة."

وفي هذا السياق، يؤكد الحسيني أن قصص الجواري والفردوس والمخدرات غير صحيحة إطلاقا، "وانما من وحي خيال الأوروبيين"، لاسيما أن الصليبيين ذهلوا مما كان يمكن لأبناء هذه الطائفة أن يقدموا عليه في سياق الاغتيال السياسي.

ويضيف "ثم جاء رحالة مثل ماركو بولو وغيره إلى المنطقة لينسجوا الأساطير المتناغمة مع الخيال الأوروبي، في حين أن ماركو بولو نفسه ولد بعد عامين من تدمير المغول لقلعة ألموت، فلم يرها ولا عاصرها، وإنما سمع مما هب ودب من قصص شعبية متناقلة، وقد جرى في هذا السياق دحض الكثير من رواياته". (قلعة ألموت أُحرِقت سنة 1256م بينما ولد ماركو بولو سنة 1254م).

ويتم، بحسب الحسيني، إظهار حسن الصباح كأنه ساحر أو مشعوذ يستحوذ على عقول أتباعه، "في حين أنه كان عالم فلك ورياضيات متبحر في العلوم الدينية والهندسة والفلسفة، بحسب المصادر التاريخية، بعكس ما جرى تصويره لدى ماركو بولو وبيرنارد لويس."

وتُطرح علامات استفهام إضافية على رواية ماركو بولو بسبب الطبيعة المناخية لقلعة ألموت الواقعة في جبال جرداء تغطيها الثلوج نحو 7 أشهر في السنة، مما يجعلها غير صالحة لزراعة الحدائق الموصوفة في الكتاب.

وهذا الرأي يدعمه بحث سابق لمجلة Smithsonian التابعة لمعهد سميثسونيان في الولايات المتحدة أكدت فيه أنه "ليس لدى العلماء أي دليل حقيقي على أنهم (النزاريين) شاركوا في الفجور الذي وصفه بولو، أو أنهم اشترطوا وعوداً مادية بالجنة كدافع". ونقلت عن المورخ فرهاد دفتري قوله: "على العكس من ذلك، كان الفدائيون... أفراداً يقظين ورصينين للغاية وكان عليهم في كثير من الأحيان الانتظار بصبر ولفترات طويلة من أجل العثور على فرصة مناسبة لإنجاز مهامهم".

ويضيف دفتري أن "الأسطورة السوداء" التي اخترعها كبار المجادلين المناهضين للإسماعيليين في القرن العاشر باتت مقبولة كوصف دقيق من قبل الأجيال المتعاقبة من الكتّاب المسلمين في العصور الوسطى والمجتمع الإسلامي ككل". ورغم أن حكايات المخدرات كانت تلفيقاً أوروبياً، فربما استلهمت ذلك من المصطلح المهين "الحشيشين" (متعاطي الحشيش)، الذي كثيراً ما كان يطلقه المسلمون الآخرون على النزاريين.

وتقول المجلة أن الصليبيين الذين وصلوا إلى بلاد الشام بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، تلقوا هذه القصص وتوسعوا فيها لتفسير ما اعتبروه شجاعة غريبة وغير عقلانية من قبل الفدائيين النزاريين. وشملت الأساطير التي أعادوها إلى الغرب وعود الجنة والإفراط في تناول الحشيش، ولكن ليس الحديقة الخادعة، التي كانت فكرة بولو الخاصة.

اتجاه الحشاشين لاستخدام الاغتيال السياسي كانت وسيلتهم الوحيدة للمواجهة

الاغتيالات.. حقيقتهم الثابتة

تبقى الحقيقة الثابتة بشأن تلك الجماعة، وهي استخدامها الاغتيالات السياسية كسبيل للهجوم والدفاع وإرهاب أعدائها، بصورة ممنهجة ومنظمة ومؤذية، أدت في كثير من الحالات إلى تغييرات جذرية في مسار التاريخ ومصير المنطقة.

وتتفق المصادر التاريخية على أن اتجاه جماعة الحشاشين لاستخدام أساليب الاغتيال السياسي كانت وسيلتهم الوحيدة للمواجهة في وقت كانوا محاطين بهذا الحجم من الدول المعادية وجيوشها الكبيرة.

وبحسب تقرير لمجلة ناشونال جيوغرافيك، فإن الفرقة المحاصرة بدول ذات جيوش تفوقهم عدداً وقدرة "فعلت ما تحتاجه للبقاء على قيد الحياة". إذ دربت مجموعة مختارة من المقاتلين الفدائيين المعروفين بإخلاصهم وقدرتهم على القتل، خرجوا عن التكتيكات العسكرية التقليدية ونفذوا ضربات جراحية ضد أهداف سياسية مختارة.

وتضيف أن هؤلاء الفدائيين تدربوا على التسلل والقتل والخضوع للتعذيب والموت إذا لزم الأمر، واكتسبوا سمعة مخيفة لدى أعدائهم، وسرعان ما تعلم الصليبيون، الذين كانوا قد وصلوا حديثاً إلى المنطقة، الخوف منهم.

وفي تحقيق لمجلة "هيستوري نت" الصادرة عن HistoryNet LLC، أكبر ناشر للمجلات التاريخية في العالم، كان الفدائي من هؤلاء يقضي شهورا أو حتى سنوات في المطاردة والتسلل، وكان الأكثر رعبًا أنهم لم يختاروا أسلوب القتل القريب والشخصي فحسب، بل نفذوه بلا هوادة، "ورفضوا الفرار بعد ذلك وبدوا وكأنهم يرحبون بموتهم السريع."

جمع هؤلاء، بحسب التحقيق، بين حماس الطيارين الانتحاريين في التضحية بالنفس، والمهارات القتالية القريبة لقوات العمليات الخاصة، وقدرة عملاء المخابرات السرية على العمل دون أن يتم اكتشافهم لأشهر أو حتى سنوات. وكل هذه الصفات أتاحت للفدائيين إرهاب معارضي الطائفة.

وتضيف المجلة: "كان حسن الصباح وخلفاؤه، المتعصبون والمنضبطون، ممارسين بارعين للحرب غير المتكافئة. لقد طوروا وسيلة للهجوم أبطلت معظم المزايا التي يتمتع بها أعداؤهم، بينما عرضوا عددا صغيرا فقط من مقاتليهم للخطر، مما أنتج ردعاً وتوازناً وقلل مستويات الصراع والخسائر، فحتى أقوى حكام العصر وأكثرهم حراسة ونفوذ وسلطة عاشوا في خوف من الحشاشين".

وعادة ما كان الفدائيون يهاجمون أهدافهم في أماكن عامة للغاية مثل الساحات والمساجد، وأمام حشود أو أعداد كبيرة من الحراس الشخصيين، لضمان أعداد كبيرة من الشهود المذعورين، وإظهار استعدادهم للتضحية بحياتهم لقتل أعداء دينهم، وعزز ذلك التصور بأن الهدف الذي يتم تحديده من قبل الحشاشين "كان رجلاً ميتاً يمشي"، على حد وصف المجلة.

وبهذه الأساليب قتل الحشاشون المئات من الشخصيات والحكام، أبرزهم اثنان من الخلفاء العباسيين؛ حاكم الموصل السلجوقي الوزير الفاطمي المكروه أفضل شاهنشاه، وابن المستعلي الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، فضلاً عن الوزير نظام الملك الذي كان اغتياله سبباً مباشراً في الحرب الأهلية للدولة السلجوقية وانهيارها فيما بعد، ولمرتين حاول الحشاشون أيضاً اغتيال صلاح الدين الأيوبي.

الكونت الصليبي الذي اغتاله الحشاشون

ولم يسلم الصليبيون منهم، إذ اشتهرت قصة اغتيالهم لـ9 من فرسان الهيكل بواسطة فدائي واحد، كما قتلوا أيضا الكونت ريموند طرابلس، إضافة إلى قتلهم كونراد المونفراتي، القائد الصليبي الإيطالي الذي تم تعيينه حاكم لمملكة عكا عام 1192، على يد اثنين من الفدائيين اللذين كان يعرفهما ويثق بهما، معتقدًا أنهما راهبان عربيان، وأدت وفاته عام 1192 بحسب مجلة "هيستوري نت"، إلى إنهاء أي إمكانية لإحياء الحظوظ المسيحية في الأرض المقدسة بعد عودة قادة الحملة الصليبية الثالثة إلى ممالكهم في الغرب.

ويرى الحسيني في هذا السياق، أن هناك سؤالا يجب طرحه تاريخيا، وهو "لماذا فعل الحشاشون ذلك؟"، ويضيف: "لم يكونوا مجرد حركة دموية وهواة اغتيالات، وانما كان لديهم قضية ينادون بها ويدافعون عنها، كما أن ولاء اتباع حسن الصباح المطلق لقضيته وانتشارهم، لاسيما في بلاد فارس في حينها لم يأت من فراغ، وإنما بسبب ميول سكان تلك المناطق للثورة على السلاجقة والحكام الذين كانوا قد أطلقوا قبضة الإقطاعيين على بلادهم، ومارسوا الاضطهاد ولم يرعوا خصوصيات تلك البلاد."

هذه السمعة سهلت ترويج مغالطة أخرى بشأنهم، تصفهم بأنهم أول من ادخل مفهوم الاغتيال السياسي في التاريخ الإسلامي، في حين يذخر التاريخ الإسلامي بقصص الاغتيالات السياسية وأبرزها التي طالت 3 من الخلفاء الراشدين الأربع.

وبحسب الموسوعة البريطانية المحدودة، لم يكن الحشاشون وحدهم في تبني القتل السياسي: "لقد مارس السنة والصليبيون في الشرق الأوسط الاغتيالات، فيما كان الأوروبيون ماهرين جداً في قتل منافسيهم السياسيين قبل وقت طويل من مجيء النزاريين."

ويصطلح على تسمية مناطق انتشار الحشاشين بين سوريا وبلاد فارس، بكونها "دولة الحشاشين" أو "الدولة النزارية"، وهو ما ينفيه حايك ويعتبره من أكبر المغالطات أيضاً، مؤكداً ان تلك الفرقة العسكرية، لم تقِم دولة بالمقومات اللازمة من نظام حكم أو إدارة أو قوانين، ولم يكون أفرادها في المدن ولا سيطروا على مساحات واسعة، وانما سيطروا على قلاع وحصون متفرقة ومحيطها القريب فقط.

وفد المغول فاندثرت فرقة الحشاشين

نهاية من خلف الحدود

تؤكد الروايات التاريخية أن حسن الصباح بقي طيلة حياته في قلعة ألموت، لم يغادرها حتى وفاته عام 1124، بعد مرض قصير، وكان في منتصف السبعينيات من عمره على الأقل، ورغم أنه استحوذ على مشهد قيادة الجماعة بكونه المؤسس، شهد الحشاشون أوج ازدهارهم وانتشارهم في عهد القادة الذين أتوا بعد الصباح، مثل سنان شيخ الجبل وغيره، حتى أنهم وسعوا نفوذهم خلال الربع الثاني من القرن الثاني عشر في سوريا، وأسسوا مجتمعًا كبيرًا في حلب، وحافظوا على وجودهم ونشاطهم لمدة 166 عاماً.

بيد أن قوة جديدة وفدت من بعيد ودخلت إلى منطقة الشرق الأوسط، بين عامي 1219 و1231، لم ينجح الحشاشون في تخويفها أو استرضائها، هم المغول الذين احتلوا بلاد فارس ووصلوا حتى سوريا، وكانت قد بلغتهم سمعة الحشاشين، وفي عام 1253، أمر الخان المغولي مونكو، أحد أحفاد جنكيز خان، شقيقه هولاكو بقيادة جيش إلى بلاد فارس والقضاء على الحشاشين إلى الأبد، وهو ما حصل.

وكان آخر قادة الحشاشين، ركن الدين خور شاه، الذي لم يستطع الصمود في وجه هجمات المغول وحصارهم، فحاول التفاوض مع هولاكو، لكن الأمير المغولي أصر على استسلامه شخصيًا، ثم أجبره على توجيه رسائل يأمر فيها قلاع الحشاشين المتبقية بالاستسلام. وقد فعل ذلك أربعون منها، بما فيهم ألموت، فدمرها المغول جميعًا، ولاحق أتباع الجماعة حول البلاد، فيما قضى المماليك على من تبقى منهم في سوريا.

ورغم اندثار فرقة الحشاشين من التاريخ، استمر وجود أتباع الطائفة النزارية الإسماعيلية على مدى قرون حتى اليوم، ويشكلون الغالبية من الإسماعيليين، وباتوا يعرفون اليوم بالـ "آغاخانية"، نسبة للقب الأغا خان الفخري الذي يطلق على قائد الطائفة، منذ القرن التاسع عشر، ويعتبرون ثاني أكبر الفرق الشيعية، ويقدر عددهم بنحو 15 مليوناً موزعين على أكثر من 25 بلداً، ويتزعمهم الآغا خان الرابع شاه كريم الحسيني.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني
صورة تعبيرية تجمع بين العالمين المسلمين يوسف القرضاوي وعلي السيستاني

في العصور الوسطى، عرف المسلمون بعض الفنون التي تضمنت التمثيل بشكل أو بآخر، منها مسرح "خيال الظل" الذي ظهر في قصور أمراء العصر الفاطمي في القرن السادس الهجري، وفن "الأراجوز" الذي عُرف خلال العصرين الأيوبي والمملوكي وانتشر على نطاق واسع في العصر العثماني.

في القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ التمثيل يأخذ مكانة مهمة في المجتمعات الإسلامية، باعتباره أحد الفنون المعروفة التي تمكنت من حصد إعجاب الجماهير.

في هذا السياق، اشتهرت أعمال السوري أبو خليل القباني، الذي يُعدّ أول من أسّس مسرحاً عربياً في دمشق، واللبناني مارون النقاش الذي مثّل أول رواية عربية عام 1848، والمصري عبد الله النديم الذي مثّل روايتي "الوطن" و"العرب" في مسرح "زيزينيا" بمدينة الإسكندرية وحضرها الخديوي إسماعيل.

على الرغم من كثرة الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية التي قدمها الفنانون في العالم العربي، إلا أن النظرة العامة للتمثيل أُحيطت بالعديد من علامات الشك والارتياب من قبل علماء مسلمين ورجال دين عارضوا هذا الفن حتى أنهم أفتى بحُرمته.

في المقابل، كانت هناك فتاوى إسلامية أباحت التمثيل، والغناء أيضاً كما أسلفنا في مقال سابق نُشر على موقع "ارفع صوتك". 

 

الرفض: الرأي التقليدي

في كتابه "تاريخ آداب اللغة العربية"، عمل الأديب اللبناني جرجي زيدان على تفسير الرفض التقليدي لفن التمثيل في الأوساط الإسلامية، فقال إن "فن التمثيل من الفنون القديمة في قارة أوروبا منذ عهد اليونان، ونقل العرب في صدر الدولة العباسية علوم اليونان الطبيعية والفلسفية والرياضية، وتجاهلوا نقل أكثر آدابهم الأخلاقية، أو الشعرية والتاريخية، ومن جملتها التمثيل".

يفسر ذلك التجاهل بقوله "لعل السبب، تجافي المسلمين عن ظهور المرأة المسلمة على المسرح، فأزهر التمدن الإسلامي وأثمر وليس فيه ثمة تمثيل...".

بشكل عام، تعرض الممثلون والفنانون العرب للتجاهل والرفض بشكل واسع من قِبل المؤسسات الدينية الإسلامية لفترات طويلة من القرن العشرين. حيث أصدر بعض رجال الدين فتاواهم الرافضة لممارسة التمثيل، وعدّوه من "خوارم المروءة"، ومن أسباب سقوط الشهادة في المحاكم الشرعية.

يُعبر الشيخ السعودي بكر أبو زيد عن تلك الرؤية في كتابه "حكم التمثيل"، فيذكر أن التمثيل نوع من أنواع الكذب، ويستشهد بالحديث المنسوب للصحابي عبد الله بن مسعود "الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يَعد أحدكم صبيّه شيئاً ثم لا يُنجزه"، يتابع بعدها "...وعليه فلا يمتري عاقل، أن (التمثيل) من أولى خوارم المروءة، ولذا فهو من مُسقِطات الشهادة قضاء، وما كان كذلك، فإن الشرع لا يُقرّه في جملته. ومن المسلمات أن التمثيل لا يحترفه أهل المروءات، ولا من له صفة تذكر في العقل والدين...".

الرأي نفسه، ذهب إليه المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز. جاء في إحدى فتاواه: "...الذي يظهر لنا أن التمثيل من باب الكذب، التمثيل أنه يمثل عمر، أو يمثل أبا جهل، أو يمثل فرعون، أو يمثل النبي، كلها في ما نعلم وفي ما نفتي به أنها من الكذب، يكفي الآخرين ما كفى الأولين...".

من محمد عبده إلى كمال الحيدري.. فتاوى أباحت الرسم والنحت
عرفت فنون الرسم والتصوير والنحت حضوراً قوياً في الثقافة الأوروبية في العصور الوسطى، وتماشى هذا الحضور مع غلبة المعتقدات الدينية المسيحية التي لا ترى بأساً في تصوير الإنسان والكائنات الحية، على النقيض من ذلك، ظهرت معارضة قوية لتلك الفنون في البلاد الإسلامية.

 

تصاعد الجدل بين الممثلين ورجال الدين

شهدت العقود السابقة اشتعال الجدل بين الممثلين ورجال الدين بسبب عدد من الأعمال الفنية السينمائية والتلفزيونية. وكانت ظاهرة تمثيل الأنبياء والصحابة أحد أهم الأسباب المثيرة للجدل والنقاش بين الطرفين>

وفيما حاول الممثلون تجسيد الشخصيات الدينية الروحية الأكثر تأثيراً في أعمالهم، فإن رجال الدين المسلمين -على الجانب الآخر- رفضوا ذلك بشكل كامل، وأصروّا أن تبقى الشخصيات بعيدة عن أي تجسيد أو تمثيل للحفاظ على القداسة المرتبطة بها في الوجدان المسلم.

بشكل عام، تعود فكرة تجسيد الأنبياء بشكل درامي لفترة مبكرة من عمر الصناعة السينمائية في البلاد العربية. ففي عام 1926، عُرض على الممثل المصري يوسف بك وهبي تمثيل شخصية الرسول محمد من قِبل شركة إنتاج ألمانية- تركية.

وافق وهبي في البداية وانتشر الخبر في الصحف، حتى خرج الأزهر وهاجم المشروع. كتب وهبي في مذكراته أنه اعتذر عن بطولة العمل بعدما تلقى تهديداً من جانب الملك فؤاد ملك مصر -آنذاك- بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية.

لا ننسى أن تلك الأحداث وقعت بعد سنتين فحسب من سقوط الدولة العثمانية، كان الملك فؤاد وقتها يسعى للحصول على لقب "الخليفة"، وكان من المهم بالنسبة له أن يظهر في صورة "المدافع عن الإسلام والنبي" ضد أي تشويه محتمل.

في خمسينيات القرن العشرين، جُسدت شخصيات بعض الصحابة درامياً. على سبيل المثال قدمت السينما المصرية فيلم "بلال مؤذن الرسول" سنة 1953، وفيلم "خالد بن الوليد" سنة 1958 من بطولة وإنتاج وإخراج الممثل المصري حسين صدقي. عُرف صدقي بتوجهاته الإسلامية في الفترة الأخيرة من حياته، وكان اختيار شخصية خالد بن الوليد تحديداً لتجسيدها في عمل سينمائي أمراً مفهوماً لما لتلك الشخصية من حضور طاغٍ في الثقافة الإسلامية السنيّة التقليدية.

تفجر الجدل مرة أخرى حول تجسيد شخصيات الصحابة في سبعينيات القرن العشرين. في تلك الفترة أُعلن الاتفاق على تصوير فيلم "الرسالة" بنسختيه العربية والإنجليزية للمخرج السوري مصطفى العقاد، واختيرت نخبة من الفنانين العرب والأجانب للمشاركة في تقديم هذا المشروع الضخم.

شاع حينها أن صناع العمل حصلوا على موافقة الأزهر، مما أثار رفضاً من جانب الكثير من رجال الدين. مثلاً، أرسل الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز إلى شيخ الأزهر رسالة يستهجن فيها الموافقة على الفيلم، جاء فيها "من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المُكرم صاحب السماحة الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر… فإني أستغرب إقرار الأزهر لإخراج الفيلم المذكور؛ فإن كان ما نُسب إليه صحيحاً فإني أطلب من فضيلتكم العمل على سحب الفتوى الصادرة من الأزهر في هذا الشأن إن أمكن ذلك، أو إبداء رأيكم في الموضوع براءةً للذمة، وخروجاً من التبعة، وتعظيماً للنبي وأصحابه –رضي الله عنهم– وصيانةً لهم عن كل ما قد يؤدي إلى تنقصهم بوجه من الوجوه…".

تسببت ردود الأفعال الغاضبة في إعلان الأزهر رفضه مشروع الفيلم، فأصدر الشيخ عبد الحليم محمود بياناً وقعه معه مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، ورد في نصّه: "نعلن عدم الموافقة على إنتاج فيلم بعنوان (محمد رسول الله) أو أي فيلم يتناول بالتمثيل-على أي وضع كان- شخصية الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو شخصيات الصحابة- رضي الله عنهم".

علل البيان الرفض بأن تلك الأفلام "تحط من قدر هذه الشخصيات المقدسة في نظر المسلم".

استجاب الملك الحسن الثاني ملك المغرب الراحل لنداء الشيخ محمود ومنع تصوير الفيلم في المغرب، وتم استكمال التصوير بعدها في ليبيا بدعم من نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.

لم ينته الصدام بين الممثلين ورجال الدين عند هذا الحد. فعلى مدار السنوات الماضية، شهدت أروقة المحاكم وصفحات الجرائد وقائع الجدل المتصاعد حول العديد من الأعمال الفنية التي لم تحصل على موافقة الرقابة الأزهرية، منها فيلم "القادسية"، من إنتاج دائرة السينما والمسرح العراقية سنة 1981، الذي جسد شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص، وفيلم "المهاجر" 1994، الذي قيل إنه "يصور سيرة حياة النبي يوسف".

من جهة أخرى، اُتهم العديد من الممثلين بالدعوة لـ"إشاعة الفحشاء والإباحية والعُري" من قِبل بعض رجال الدين، وارتبطت تلك الاتهامات بظاهرة "حجاب واعتزال الفنانات" التي تصاعدت في حقبة الثمانينيات.

وقيل وقتها إن "وراء تلك الظاهرة جماعات إسلامية تدفع أموالاً طائلة للفنانات المحجبات مقابل حجابهن وابتعادهنّ عن الوسط الفني".

 

فتاوى أجازت التمثيل

شهدت السنوات الأخيرة حالة من الهدوء النسبي بين رجال الدين والممثلين، وصدرت العديد من الفتاوى التي أباحت العمل بالتمثيل. من تلك الفتاوى، التي أصدرها الشيخ السعودي ابن عثيمين اعتماداً على أن هذا النوع من الفن من الأمور الخارجة عن العبادات الشرعية "...والأصل في غير العبادات الحل والإباحة، وهذا من فضل الله عز وجل: أن يسر على العباد ما لم يحرمه عليهم، فإذا كان الأصل الحل، فإنه لا بد من إقامة الدليل على التحريم..."، وفق تعبيره.

نشر الشيخ المصري يوسف القرضاوي مضمون الحكم نفسه على موقعه الإلكتروني، وذلك عندما أجاب على سؤال من إحدى شركات الإنتاج الفني حول حكم تقديم مسلسل عن الصحابي خالد بن الوليد، فقال "...قد أصبح التمثيل في عصرنا من مميزات الحياة المعاصرة، وأصبحت له معاهده وكلياته وخريجوه، وصار له عشاقه ومريدوه، وغدت له صور شتّى في المسرح وفي الأفلام وفي المسلسلات وغيرها. كما غدا يطرق أبواب الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والدولية وغيرها. وأمسى له تأثيراته الهائلة في حياة الناس إيجاباً وسلباً... واستقر الأمر على جواز التمثيل بصفة عامة، إذا كان من ورائه عظة وعبرة للناس، ولم يشتمل على منكر يُحرمه الشرع، من قول أو فعل، أو مشهد...".

في السياق ذاته، أفتى علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق بأن التمثيل في حد ذاته ودراسته واستعماله من أجل إيصال الخير للناس "لا بأس به". ك

ما قال الداعية الإسلامي المصري خالد الجندي، إن "الفن بشكل عام، ومهنة التمثيل خاصة، ليست حراماً، إذا كان في النطاق المقبول والمحترم والهادف، لأن الفن رسالة قيّمة، إذا تم استخدامها بشكل صحيح".

وتابع أن التمثيل "جزء وأداة من أدوات الفن، وتعريف التمثيل، هو ضرب المثل، وهذا الضرب مذكور في القرآن، حيث قال الله تعالى "ويضرب الله الأمثال للناس"، وعندما وصف الله نوره، ضرب مثلاً أيضاً عندما قال في كتابه "مثل نوره كمشكاة"، وأن "الله عندما كان يرسل الملائكة إلى الرسل، كانت تتجسد في شكل البشر، مثل سيدنا جبريل، عندما نزل على سيدنا محمد".

يبدو موقف رجال الدين من التمثيل أكثر قبولاً في الأوساط الشيعية. على سبيل المثال، أجاب المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني على سؤال حول حكم التمثيل الفني في المسرح أو التلفزيون بكونه "حلالاً".

كما أباح تمثيل دور المرأة بواسطة الرجل ولم ير أن ذلك التمثيل يدخل في باب التشبيه المنهي عنه في الحديث "لَعنَ رسُولُ اللَّهِ المُتَشبِّهين مِن الرِّجالِ بِالنساءِ، والمُتَشبِّهَات مِن النِّسَاءِ بِالرِّجالِ".

من جهة أخرى، أفتى السيستاني بجواز تجسيد الأنبياء على الشاشة بشرط مراعاة "مستلزمات التعظيم والتبجيل"، وعدم اشتماله "على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس".