لاجئون سوريون هاجروا من لبنان بطريقة غير شرعية يواجهون مصيراً غامضاً
لاجئون سوريون هاجروا من لبنان بطريقة غير شرعية يواجهون مصيراً غامضاً

يواجه لاجئون سوريون هاجروا من لبنان بطريقة غير شرعية، مصيراً غامضاً في عرض البحر، بعدما تم اعتراض مراكبهم من قبل خفر السواحل القبرصي.

وتتضارب المعلومات حول عدد المراكب التي غادرت الشاطئ اللبناني وعدد اللاجئين الذين تحملهم على متنها، حيث أشارت منصة "هاتف إنذار" إلى تلقيها طلب نجدة قبل يومين من مركبين يقلان 73 شخصاً، بمن فيهم العديد من الأطفال، وبعضهم مرضى، وقد علقوا في البحر منذ 4 أيام، ونفد طعامهم وشرابهم ولا يوجد لديهم وقود لمواصلة رحلتهم.

وانتقدت المنصة السلطات القبرصية بسبب ما وصفه بـ"الاعتداءات الشائنة" ضد الفارين من سوريا ولبنان، مشيرة إلى أنها هاجمت عدة قوارب تحاول الوصول إلى قبرص وعرقلة رحلتها، بالإضافة إلى تعليق حق اللجوء للمواطنين السوريين.

بينما أفاد موقع " alphanews" القبرصي بوصول ستة مراكب تحمل حوالي 500 لاجئ، أما شقيق أحد الركاب، فأكد إبحار ثمانية مراكب يوم الاثنين الماضي من شاطئ عكار إلى قبرص. 

كما شدد أحمد (شقيق وسام) في حديث مع موقع "الحرة" على عودة ثلاثة مراكب إلى لبنان، حيث "وصل اثنان منهما بسلام إلى شاطئ الميناء، بينما انقطع الاتصال بالمركب الثالث الذي كان على متنه شقيقي وعدد كبير من أقاربي وذلك عقب دخوله المياه الإقليمية، قبل أن يتبين أنه جرى توقيف ركابه من قبل الجيش اللبناني، ليطلق سراح بعضهم ويرحّل غير المسجلين في مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان ومنهم أبناء عمي".

كلام أحمد يؤكده رئيس مركز سيدار، المحامي محمد صبلوح، لموقع "الحرة"، إلا أنه يقول "لا نعلم مصير غير المسجلين في المفوضية إلى حد الآن".


وعبّرت منظمة العفو الدولية عن قلقها في تغريدة عبر صفحاتها على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" "إزاء التقارير التي تتحدث عن الظروف الخطيرة على متن قاربين متجهين إلى قبرص.

ومع اقتراب كل فصل صيف تنشط عمليات الهجرة غير الشرعية عبر الشواطئ اللبنانية لا سيما الشمالية منها، وذلك منذ لجوء عدد كبير من السوريين إلى لبنان عقب اندلاع الحرب في بلدهم، ومن ثم بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ نحو 5 سنوات.

وبعد حملة العنف والعنصرية التي يتعرض لها السوريون عقب جريمة خطف وقتل مسؤول حزب القوات اللبنانية، باسكال سليمان، واتهام سوريين بالوقوف خلفها، يتوقع زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين منهم، وفقاً لما يقوله صبلوح، "ويبدو ذلك واضحاً من خلال تزايد عدد المراكب المهاجرة بشكل جماعي وليس فردي".

خيار "عبور الموت"

عزم وسام على مغادرة لبنان نهائياً بعد تعرضه لاعتداء وحشي في منطقة حارة صخر في جونية، على يد مجموعة من الغاضبين إثر جريمة قتل سليمان، بحسب ما يقوله شقيقه أحمد، الذي يضيف "تواصل وسام هاتفياً مع أحد المهربين الذي طلب منه 2650 دولاراً لحجز مقعد له على المركب".

لم يتردد وسام في تأمين المبلغ عبر الاستدانة من معارفه "للهروب من جحيم لبنان، وحين حان موعد الرحيل، ودّع زوجته وطفله على أمل اللقاء بهما في بلد يحترم حقوق الإنسان وكرامته".

أحمد أيضاً قرر الهجرة، ويقول "سأجازف في عبور الموت المتربص بالمهاجرين في البحر، رغم ما وجهه شقيقي وأقاربي ورغم علمي كذلك بتضييق السلطات القبرصية الخناق على كل من يقترب من شواطئها بطريقة غير شرعية، خاصة بعد زيارة الرئيس القبرصي إلى لبنان ومباحثاته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول هذا الملف".

ويشدد أحمد "لم أعد أحتمل حالة الخوف والقلق التي أعيشها في هذا البلد. فمنذ مقتل مسؤول القوات اللبنانية، لم أعد أجرؤ على الخروج من المنزل. وبرغم تكويني صداقات ومعارف عديدة في المنطقة التي أقيم وأعمل فيها منذ عشر سنوات، إلا أن العنصرية لدى بعض اللبنانيين قد غلبت كل شيء".

ويضيف "للأسف أصبحنا نشعر أننا منبوذون من كل الدول، في وقت يستحيل علينا العودة إلى وطننا، فنحن من إدلب المعروفة بمناهضتها للنظام، بالتالي ترحيلنا يعني تسليمنا للموت"، مشدداً على أنه "في كل مرة يخالف فيها لاجئ القوانين يتم تحميل كل السوريين وزر ذلك، في حين لم نسمع أن الأستراليين تعاملوا مع اللبنانيين بعنصرية بعدما أقدم لبناني على طعن كاهن أمام العالم أجمع".

ولبحث ملف الهجرة غير الشرعية، زار الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، بيروت قبل أيام، حيث شدد بعد لقائه ميقاتي على "أهمية إيجاد حل شامل ومستدام لأزمة النازحين السوريين وما تتركه من انعكاسات على دول المنطقة وفي مقدمها لبنان وقبرص".
 
وأعلن أن "قبرص تتفهم الأوضاع اللبنانية وحساسية الموضوع بالنسبة إلى لبنان وأهمية الحل النهائي والشامل له، عبر الضغط على الاتحاد الأوروبي والمحافل الدولية لاستيعاب التحديات التي يواجهها هذا البلد".

كما عبّر عن تفهمه "لموقف لبنان الرسمي بأن الحل النهائي لن يتم إلا عبر عودتهم إلى أراضيهم، خاصة أن هناك مناطق معينة أصبحت آمنة في سوريا، وأكثرية النازحين هم نازحون اقتصاديون وعلى المجتمع الدولي والمنظمات الدولية العمل لتمويل مشاريع إنمائية في سوريا وتحفيز عودتهم الى بلادهم لحل هذه الأزمة التي لا تضرب أمن لبنان وقبرص فقط، بل أمن البحر المتوسط".

أما ميقاتي فشدد على أن "لدى لبنان وقبرص مصلحة مشتركة في معالجة التحديات التي يواجهانها بفعل الهجرة غير الشرعية، وهناك إمكانية للتعاون في تمكين المؤسسات المختصة من ضبط الحدود البحرية".

وأكد أن "الجيش والقوى الأمنية اللبنانية يبذلان قصارى جهدهم لوقف الهجرة غير الشرعية، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال عودة أولئك الذين يبحثون عن الأمان إلى المناطق الامنة في سوريا أو تأمين إقامتهم في بلد ثالث".

يذكر أن عدد المهاجرين الوافدين إلى قبرص انخفض بشكل عام، إلا أن عدد الوافدين على متن قوارب من سوريا ولبنان زاد بحسب وكالة فرانس برس بنسبة كبيرة، حيث وصل إلى 4259 في عام 2023 مقارنة بـ 937 في عام 2022.

وفي منتصف الشهر الجاري، كشف وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس إيوانو، في منشور على منصة إكس، عن أن بلاده أعادت 3337 مهاجراً إلى بلادهم منذ بداية العام الجاري، في حين أعادت 2348 مهاجراً في الفترة نفسها من العام 2023.

الوجود والوجه.. القبيحان

تحوّل لبنان إلى منصّة انطلاق للمهاجرين غير الشرعيين، وبعد أن كانت غالبيتهم العظمى من السوريين، انضم إليهم لبنانيون ولاجئون فلسطينيون منذ الأزمة الاقتصادية.

وباتت قبرص الوجهة الرئيسية للاجئين الفارين من الأزمات في لبنان، وذلك لقربها الجغرافي من شواطئه، وكذلك اليونان وإيطاليا. وتنتشر شبكات السماسرة والمهربين في مختلف المناطق اللبنانية، مستغلة رغبة الناس في الوصول إلى أوروبا بأي ثمن، دون مراعاة للمخاطر الجمة التي قد تواجههم خلال رحلة الهجرة، سواء خسارة أرواحهم أو أموالهم.

وتشير إحصاءات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس" أن شرق البحر الأبيض المتوسط تفوق في الربع الأول من العام الحالي على طريق غرب أفريقيا باعتباره المسار الأكثر نشاطا إلى الاتحاد الأوروبي بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين، مع تضاعف عدد عمليات الكشف عن المهاجرين إلى ما يزيد قليلا عن 13.700، واحتل السوريون والأفغان والمصريون صدارة الجنسيات المهاجرة عبر هذا الطريق.

وأفاد موقع "مهاجر نيوز" بوصول أكثر من 1000 شخص عبر البحر إلى قبرص من لبنان منذ بداية أبريل، كما تم تسجيل أكثر من 2000 مهاجر في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، مقارنة بـ 78 فقط خلال نفس الفترة من عام 2023، وفي الأول من أبريل فقط، وصل 271 مهاجراً، معظمهم من السوريين، كانوا على متن خمسة قوارب انطلقت من شواطئ لبنان.

وبعد بضعة أسابيع من التدفقات المستمرة، أعلنت الحكومة القبرصية بحسب ما ذكر الموقع "أنها لن تقوم بعد الآن بدراسة طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، وتحرمهم من الحصول على الرواتب، وتختار بدلا من ذلك إبقائهم في مرافق المهاجرين القائمة".

يتابع صبلوح، قضية المراكب العالقة في عرض البحر، ويقول "ليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها قبرص بترحيل مهاجرين وصلوا إلى شواطئها من لبنان، منتهكة بذلك الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين والتي تُلزم الدول على احتضان هؤلاء، علماً بأن لبنان لم يوقع على هذه الاتفاقية". 

وأشار صبلوح إلى تبني الاتحاد الأوروبي في العاشر من الشهر الجاري اتفاقية "ميثاق الهجرة واللجوء الجديد" الذي يشدد الضوابط الحدودية على الوافدين بشكل غير نظامي، ومن بين الإجراءات المثيرة للجدل التي يتضمنها، ترحيل أي مركب غير شرعي إلى الدولة التي ينطلق منها، وتستند قبرص على تطبيق هذا الميثاق للتهرّب من التزاماتها الإنسانية". 

وفوق هذا "قام خفر السواحل القبرصي، بتوجيه السلاح نحو ركاب أحد المراكب، حسبما أشارت إليه منصة هاتف إنذار" لذلك يشدد رئيس مركز سيدار "على ضرورة تحرّك المنظمات الدولية لإنقاذ هؤلاء اللاجئين، الذين لم يخاطروا بحياتهم لولا شعورهم بأن العيش في سوريا ولبنان يشكل خطراً أكبر عليهم. وسواء قبرص أو لبنان، فإن كلتي الدولتين تتعاملان مع المهاجرين على أساس أنهم أرقام وليسوا بشراً".

يُذكر أنّه يعيش في لبنان أكثر من 800 ألف لاجئ سوري مسجّلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بينما تُقدّر السلطات اللبنانية عددهم بأكثر من مليوني شخص. وقد شهد ملف اللاجئين السوريين في لبنان تصعيداً غير مسبوق في الفترة الأخيرة من قبل الحكومة اللبنانية التي تسعى لترحيلهم بكل الوسائل الممكنة، على الرغم من تحذيرات المنظمات الحقوقية من مخاطر الإعادة القسرية إلى سوريا، التي تعتبر بلداً غير آمن حتى الآن.

لكن الوجود السوري في لبنان ليس جديداً أو طارئاً، وفقاً لما يؤكده الرئيس الأسبق للائتلاف المعارض والمجلس الوطني السوري، جورج صبرا "فقد ساهم السوريون في إعمار هذا البلد منذ خمسينيات القرن الماضي، والمنتديات والجامعات اللبنانية تعرف المثقفين والسياسيين السوريين جيداً".

أما الوجود القبيح كما يصفه صبرا في حديث مع موقع "الحرة" فهو "وجود نظام الأسد الذي استمر لمدة ثلاثين عاماً في لبنان ولا يزال يحتل الذاكرة اللبنانية. أما السوريون الموجودون الآن في لبنان فبريؤون من هذا الوجود، لا بل قاوموا نظام الأسد لما فعله باللبنانيين، وبسبب موقفهم هذا هجّروا من بلدهم".

ويعتبر الوجه القبيح لما يجري الآن، بحسب صبرا، هو أن ضحايا يضطهدون ضحايا ويحملونهم مسؤولية الأزمات في بلدهم "لا شك أن لبنان يعاني من مشاكل بسبب حالة اللجوء، لكن لا يجوز لأي لبناني أن يحمل السوريين مسؤولية ما آلت إليه الأمور".

ويشير صبرا إلى أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة والسياسيين اللبنانيين هم الذين يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية، "لعدم تنظيمهم وجود اللاجئين السوريين منذ دخولهم، على عكس الأردن على سبيل المثال، التي تستضيف مليوني لاجئ إلا أنها نظمت وجودهم في مخيمات توفر الأمن والإغاثة لهم"، مؤكداً على أن "الصعوبات المترتبة على وجود اللاجئين يمكن حلها بشكل قانوني".

تعقيدات وتحذيرات

سجلت مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الهجرة غير الشرعية عبر البحر انطلاقاً من شواطئ البلاد خلال الفترة من يناير إلى 15 أبريل 2024.

وأوضحت الناطقة باسم المفوضية، دلال حرب، أنّه تمّ تسجيل 52 رحلة بحرية (فعلية أو محاولة) خلال هذه الفترة، شملت 2,636 راكباً غالبيتهم من السوريين. 

توزعت هذه الرحلات بحسب ما تقوله حرب لموقع "الحرة" على النحو التالي "خمس رحلات في يناير تقل 278 راكباً و12 رحلة في فبراير (606 راكباً)، 18رحلة في مارس (1,016 راكباً)، 17 رحلة في أبريل حتى 15 أبريل (736 راكباً)، بينما تم تسجيل 3 تحركات بحرية شملت 54 راكباً في ذات الفترة من عام 2023".

وفي عام 2023، سجلت المفوضية وفق حرب "65 حالة تحرك بحري (فعلية أو محاولة) و3,927 راكباً. توزعت هذه الحالات على النحو التالي: 29 مركباً تم اعتراضها أو فشلت في الوصول، وعلى متنها 1,692 شخصاً، بينما وصل 33 مركباً بنجاح إلى وجهتها (31 مركب إلى قبرص، مركب واحد إلى إيطاليا، ومركب إلى ليبيا)، وكان على متنها 2,126 راكباً، وتم إبعاد 3 مراكب تقل 109 ركاب إلى لبنان".

وبالمقارنة مع عام 2022، نجد بحسب حرب أن هناك زيادة في حالات التحرك البحري من شواطئ لبنان بنسبة 18.2٪، بينما انخفض عدد الركاب بنسبة 15.3٪ خلال نفس الفترة.

تواجه عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم بشكل طوعي تحديات عدة، "وتُعدّ سيطرة حزب الله العسكرية واحتلاله للأراضي السورية أحد العوائق الرئيسية أمام ذلك"، وفقاً لما يقوله صبرا، مشيراً إلى أن "معظم اللاجئين السوريين في لبنان ينحدرون من المناطق الحدودية التي يسيطر عليها حزب الله، مثل القصير وريف حمص الغربي وريف دمشق الغربي".

كما أن حزب الله يرغب وفق صبرا "بوقوع فتنة بين اللبنانيين واللاجئين لتغطية ممارساته وتنفيذه للمخطط الإيراني في المنطقة، كما أنه يستغلّ وميليشياته عدم تنظيم وضع اللاجئين في لبنان لتحقيق مكاسب اقتصادية من خلال تجارة الكبتاغون والسلاح، ممّا يساهم في تدمير الاقتصادين السوري واللبناني".

أما السلطات اللبنانية فتدرك بحسب صبرا "موقف نظام الأسد المعادي لعودة اللاجئين وسعيه لعرقلتها، إلا أنها تخفي موقفه بشأن ذلك"، مشدداً على ضرورة عدم تحويل اللاجئين السوريين في لبنان إلى ضحايا للصراع السياسي، "فذلك يسيء للعلاقات التاريخية بين الشعبين اللبناني والسوري ويعقّد الوضع في المستقبل".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".