مسحلون قبليون مؤيدون للحوثيين يؤدون رقصة شعبية خلال أحد التجمعات في العاصمة صنعاء
مسحلون قبليون مؤيدون للحوثيين يؤدون رقصة شعبية خلال أحد التجمعات في العاصمة صنعاء

بعد مضي أكثر من أربع سنوات ونصف على تحرير مدينة عدن الجنوبية من سيطرة الحوثيين، لا تزال الزوامل الحوثية (أناشيد الحرب والحماسة) تغزو المدينة اليمنية الساحلية على نطاق واسع حتى اليوم.

والزامل فن من الفنون الغنائية الشعبية في اليمن، تستعمله القبائل اليمنية للتعبير عن الترحيب والفخر والخصام، والحرب، والحماسة... إلخ.

ورغم أن هذا الفن يعود لقرون طويلة، إلا أن الحرب الدائرة في البلاد منذ خمس سنوات أعادت إحياءه بقوة. وبدا واضحا أن الزوامل الحوثية هي الأكثر حضورا، فقد أصبحت مصدرا لإثارة الحماسة لدى عدد واسع من اليمنيين، بمن في ذلك خصوم الحوثيين، دون التركيز على مضامينها المعادية.

وتحولت مقطوعات الحوثيين إلى إيقاعات راقصة في حفلات وجلسات النساء والرجال على حد سواء.

واشتهرت على نطاق واسع زوامل مثل "صنعاء بعيدة" و "يا سلاحي تكلم" اللذين يتحديان التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية بالوصول إلى العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ سبتمبر 2014.

وحول الحوثيون فنّ الزوامل الشعبية إلى فن وظيفي في التحشيد للحرب، وأخرجوه من عزلته القبلية إلى فضاء أوسع انتشارا.

وحظيت زوامل الحوثيين بانتشار واسع تجاوز مناطق سيطرتهم، وباتت تسمع في عدن وتعز ومناطق أخرى، مع أن خصومهم المحليين لديهم زوامل خاصة بهم.

وتخضع المحافظات اليمنية المأهولة بالسكان لسيطرة الحوثيين، فيما البقية تخضع لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

زوامل في بيت العدو!

يقول نشوان أبو مراد، وهو معيد في جامعة عدن الخارجة عن سيطرة الحوثيين إنه يسمع بين حين وآخر زوامل الحوثيين في وسائل النقل العامة وحتى في الأطقم العسكرية المحاربة في مدينة عدن.

ويضيف لموقع "ارفع صوتك": "في معظم الأحيان تسمع الكلمات، وليس لحن الزامل فقط. سمعت في مرات عديدة زوامل موجهة ضد التحالف وضد السعودية. وهذا أمر مستغرب لكن يبدو أنهم لا يركزون على الكلمات إنما اللحن هو الذي يجذبهم".

ويذكر أبو مراد حادثة طريفة، فبينما كان متوجها إلى المكتبة المركزية في الضاحية الغربية لعدن، سمع زامل "الحية الكبرى" الموجه ضد السعودية والولايات المتحدة، صادرا من طقم عسكري يمني.

يقول الباحث اليمني أنه يخيل للفرد للوهلة الأولى أن المدينة تعرضت لانقلاب وبات الحوثيين يسيطرون عليها، بينما لا يتعدى الأمر في الحقيقة مجرد إعجاب الجنود بحماسية هذه الزوامل بغض النظر عن مضمونها.

ولا يخفي أنه سمع أيضا استخدام الألحان مع تغيير في الكلمات. "هذا على نطاق واسع، ربما لجلب الحماسة"، يقول.

وعن أسباب انتشار الزوامل الحوثية في عدن، يعتقد أبو مراد أن المسألة قد تكون محصورة بالإعجاب.

لكن خصوم الحوثيين يحاولون أن لا يقفوا مكتوفي الأيدي. "نواجه زوامل الحوثيين بزوامل حماسية خاصة بنا. لدينا الكثير من الزوامل المعادية للحوثيين وتوضح حقيقة ولائهم لإيران.."، يقول لموقع "ارفع صوتك" القيادي في "المقاومة اليمنية الجنوبية" ماجد الشعبي.

بالنسبة للشعبي، منشدو "المقاومة" يفوقون في إبداعهم منشدي الحوثيين رغم تفوق الحوثيين على مستوى الساحة والشعبية.

ومن أبرز الزوامل الحماسية لقوات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ما أنتجه المنشد قناف المعظي. يقول في أحد زوامله: "قال التهامي يا سلاحي تكلم.. وعلّم الحوثي معاني الرجولة".

منشد آخر هو سامي العنبري، يقول: "نقلع جذور الحوثية ونردها خلف الشموس".

لكن رغم صرخة المقاومة هاته من خصوم الحوثيين، يبقى صوت زوامل المليشيا المدعومة من إيران أعلى.

في مجالس القات أيضا

تقول سمية، وهي شابة يمنية اعتادت على تناول القات مع صديقاتها في مجالس نسائية: "لا تكتمل جلسة القات إلا بسماع زوامل الحوثيين والأغاني اليمنية القديمة".

وبالنسبة لمقاتلين الحوثيين، فالزوامل تحمسهم على القتال.

يقول علي (35 عاما)، وهو مقاتل حوثي عاد للتو من الجبهة الساحلية إلى صنعاء لزيارة أسرته "أثناء القتال نستمع للزوامل.. الزوامل تمنحنا الحماس والثقة أثناء المعركة".

وأشار المقاتل الحوثي: "مثلا زامل الطاهش البطاش من أكثر الزوامل التي نستمع إليها.. هذا الزامل وغيره يرعب العدو، كزامل "نقسم برب العرش خلاق السماء"، الذي يهدد الجيش السعودي.

ويهدد زامل "الطاهش البطاش" بالضرب بيد من حديد ضد "العدو"، ويذكر بالانتصار على الرئيس السابق علي عبد الله صالح (قتله الحوثيون في ديسمبر 2017). تقول إحدى عباراته: "إنت الحنش اللي يقتل الحناش"، في إشارة إلى ما كان يردده صالح طوال فترة حكمة بأنه يرقص على رؤوس الثعابين.

وأدخل الحوثيون على هذا النوع من الأناشيد طابعا دينيا، حيث تصف بعض الزوامل حرب الحوثيين بالجهاد والدفاع عن الدين (قاتلوني على ديني وقرآني)، فضلا عن تمجيد زعيم الجماعة الموالية لإيران عبد الملك الحوثي واعتباره من سلالة آل البيت.

وتواكب الزوامل المواقف اليومية وأحداث المعارك. فعندما كان الحوثيون يسيطرون على مأرب، أطلقوا زامل "استنفري يا جيوش الله في مأرب" الذي اشتهر أكثر بتسمية "صنعاء بعيدة"، وعندما هددوا بضرب أبوظبي بصواريخ بالستية، ظهر زامل "اضرب على أبو ظبي ضربات جامد".

وظهرت زوامل بمختلف اللهجات اليمنية بما فيها التهامية، حيث أصدرت الجماعة زاملا يتغنى بقوة قبائل تهامة عندما اندلعت معركة الساحل الغربي على البحر الأحمر.

وعندما احتدام الصراع بين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح ظهر زامل "كذاب اليمامة"، في إشارة إلى صالح.

تبدأ المعركة وتنتهي بزامل

يقول جمال حسن، وهو باحث وصحافي يمني إن "الزوامل شكل قديم يؤديه رجال القبيلة بصورة جماعية، ويتخذ نظاما صوتيا واحدا مرتجلا لا يصل إلى درجة اللحن البسيط. وهو يختلف عن الزوامل الزراعية لأن موضوعاته تتعلق بالحرب وبالحوادث التي تعيشها القبائل".

يضيف حسن لموقع "ارفع صوتك": "اللافت أنّ الحوثيين نجحوا في جعل الزوامل نشيدا حربيا لمقاتليهم بحيث تبث الحماسة لديهم".

ويعتقد جمال حسن أن سبب انتشارها يعود إلى كونها مرتبطة بشدة بالثقافة الشعبية اليمنية، إضافة إلى وجود منشدين بارعين واستخدام أشكال تسجيل حديثة.

ويعد عيسى الليث، وهو منشد الحوثيين الأول، أبرز مغني الزوامل الحوثية في اليمن. وتحظى أغانيه بملايين المشاهدات على موقع يوتيوب.

ويوضح جمال حسن أن الحوثيين أجروا كثيرا من التعديلات على الزوامل التقليدية. "أضافوا لها كثيرا من الألحان.. نجاحها من حيث الهدف جعلها أيضا منتشرة في المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثيون"، يقول.

ويشير الباحث اليمني إلى أن الزامل في أصله اللغوي مفردة مشتقة من زمَل؛ بمعنى رافق؛ وتعني المصاحبة أو المرافقة، بسبب نمط أدائه الذي يستند إلى أصوات مترافقة. وأنه ينتشر في المناطق القبلية اليمنية من صعدة (شمال اليمن على الحدود مع السعودية) إلى المهرة (شرق اليمن على الحدود مع عمان)، ويمتد إلى قبائل نجران جنوب السعودية.

ويضيف حسن أن كثيرا من الزوامل الحوثية تعبر عن الحرب كـ"لحظة بطولية بطريقة تذكرنا بشعر الملاحم الفروسية".

وقال إنه في إحدى المرات لقي أحد شباب مديرية همدان التابعة لمحافظة صنعاء حتفه في المعارك، فأنتج الحوثيون زاملا يتغنى به. "وفي يوم العزاء سمعه أصدقاء الراحل، فأثر فيهم فذهبوا إلى جبهات القتال. قتل منهم اثنان، فالتحق بهم البقية. غادر معظم شباب القرية إلى الجبهات للثأر أو الموت. بالنسبة للحوثيين، أول كل معركة وآخرها زامل".

 

 

 

مواضيع ذات صلة:

الرئيس برهم صالح في لقاء مع رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي في قصره ببغداد
الرئيس برهم صالح في لقاء مع رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي في قصره ببغداد

رسميا، كُلف عدنان الزرفي، محافظ النجف السابق وعضو حزب الدعوة السابق أيضا، بتشكيل حكومة جديدة في العراق.

جاء تكليف الزرفي بعد اعتذار محمد توفيق علاوي عن تشكيل الحكومة لتعذر إيجاد توافق سياسي على توليه، بسبب حجم الصراعات الحزبية داخل البرلمان، التي تعد الأكبر في تاريخ العراق.

مساحة التوازن

ويبدو أن تشكيل الحكومة، هو التحدي الأكبر والأول الذي ينتظر الزرفي.

ويرى مختصون في علم السياسة أن "الطريق أمام الزرفي لن يكون معبدا، خصوصا وأن حلفاء إيران لا يرضون أن ينفلت العراق من مساحة التبعية التي ثبتها عادل عبد المهدي".

يعتبر رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن "عبد المهدي حول العراق إلى دولة تابعة لإيران، وفق مصطلح العلوم السياسية".

ويقول الشمري "أتصور هذا تحدي لعدنان الزرفي على مستوى العودة إلى مساحة التوازن، كلما استند إلى الدستور في إقامة علاقات مع إيران على أساس المصالح المشتركة ممكن أن يكسب ود كل الأطراف الداخلية"، مضيفا في حديث لموقع (ارفع صوتك) أنه "على إيران أن تتفهم ان العراق بلد سيادة ويجب أن تمضي مع هذا النهج الجديد".

وفي كلمته الأولى التي ألقاها الزرفي عقب تكليفه وعد بأن يضع "العراق أولا في برنامج حكومته الذي سيطرحه على القوى السياسية".

ويرى الشمري أن "شخصية الزرفي المتسمة بالواقعية والمرونة، ستساعده في الحصول على تفهم بقية الأطراف".

مكاسب ومناصب

ورغم تمثيل القوى السياسية الذي كان حاضرا في القصر الجمهوري لحظة التكليف، والذي شمل معظم تلك القوى، لكن إعلان وبيانات الرفض استمرت عقب ذلك.

يعلق الشمري "جزء كبير من الأطراف يرفض الزرفي من أجل مكاسب سياسية، ومساحة تواجدها في السلطة التنفيذية".

ويتابع "جزء آخر مرتبط بقلق بعض الأطراف التي أنشأت دولة عميقة في زمن عادل عبد المهدي، من خلال إعادة هيكلة الدولة وضياع ما أنشأته تلك القوى".

هذا فضلا عن خشية بعض القوى التي تملك أجنحة مسلحة على نفوذها في حال ذهاب الزرفي إلى "حصر السلاح بيد الدولة".

وكان الزرفي قد تعهد الزرفي في بيان المتكون من 12 نقطة، بالعمل على إجراء انتخابات نيابية مبكرة خلال أقل من سنة، وحصر السلاح بيد الدولة.

مليشيات وسلاح سائب

ومع إعلان الزرفي برنامجه الانتخابي، مساء الثلاثاء 17 مارس، للخروج من مرحلة الركود السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، سقط صاروخ كاتيوشا على حي سكني محاذٍ للمنطقة الخضراء وسط بغداد، والتي تضم مقر السفارة الأميركية.

وهذا الهجوم هو الرابع خلال أسبوع، استهدفت جميعها قواعد عسكرية تضم قوات أميركية، ما يضع الزرفي أمام تركة تواجد القوات الأجنبية في العراق، وما وصل إليه هذا الملف من تعقيد بسبب الهجمات الصاروخية التي تشنها مجاميع عراقية مسلحة موالية لإيران، تستهدف المصالح الأميركية بالعراق.

وفي تغريدة على تويتر قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنّ "العراقيين يريدون حكومة تحافظ على سيادة العراق وتوفّر احتياجاتهم الأساسية ولا ينخرها الفساد وتصون حقوق الإنسان الخاصّة بهم".

وأضاف "إذا أعطى رئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي الأولوية لهذه المصالح، فسيحصل على الدعم الأميركي والدولي".

وهذا الأمر يضع رئيس الحكومة المكلف عدنان الزرفي أمام تحديات أمنية كبيرة.

يقول أستاذ الأمن القومي في جامعة النهرين حسين علي علاوي، إن تلك التحديات "تتعلق بالجماعات الخاصة المسلحة المرتبطة بإيران"، موضحا في حديث لموقعنا "بدأت تلك الجماعات بتغيير تكتيكها العسكري في استهداف القواعد العسكرية التي تتواجد فيها البعثات الدولية التي تدرب القوات العراقية وتشاركها المعلومات الاستخباراتية".

بالتالي تضع تلك التحديات الزرفي في حال حصوله على ثقة البرلمان إلى "عملية فرض للقانون".

يوضح علاوي "يجب على الزرفي العمل مع القوى السياسية على إعادة بناء وهيكلة القوات المسلحة العراقية وخصوصا القوات النظامية، وإعادة ترميم نظام الدفاع الوطني من خلال العلاقة مع قوات البيشمركة، باعتبار جهودها الكبيرة في الحرب ضد الإرهاب".

ويرى أستاذ الأمن القومي أن فرص نجاح الرئيس المكلف "ممكنة، إن استطاع إدارة العلاقات الخارجية خصوصا مع إيران بصورة إيجابية"، إضافة إلى وجوب اعتماد الزرفي على "الحوار الوطني مع القوى السياسية"، من أجل إنهاء وجود قوات خارج سلطة الدولة، تستخدم السلاح ضد مؤسسات الدولة والشركاء الدوليين للعراق.

ويتابع علاوي "الأجنحة العسكرية والمليشيات والمجاميع الخاصة تستمع لقياداتها السياسية، بالتالي الحوار السياسي الذي لا بد أن يجري من أجل إنهاء وجود السلاح خارج سيطرة الدولة".

"فبقاء السلاح سائبا يؤثر على هيبة وسيادة وسمعة الدولة، إضافة إلى تأثيره على الاقتصاد"، وفقا لعلاوي.