مشهد من عمان
مشهد من عمان

بقلم محمد الدليمي:

"العريس سنّي والعروس شيعية، ومن يعقد القران بينهما من المذهب الإباضي". فقط في سلطنة عُمان، يمكن أن ترى حدثاً كهذا من دون أن ينتابك معه الاستغراب.​

وفي مشهد آخر في مساجد عُمان، تجد الإمام من مذهب، ومن يُصلون خلفه من مذاهب شتّى، وهو مشهد نادر الوجود في الكثير من الدول الإسلامية.

صار النموذج العماني في التعايش، بين أبناء الوطن الواحد، محلّ إعجاب في منطقة الشرق الأوسط، التي ساهم التوتر الطائفي فيها بانهيار السلام المجتمعي والانحدار نحو حرب أهلية طائفية في أكثر من بلد.

يبلغُ عدد سكان عُمان أكثر من ثلاثة ملايين وربع المليون، وفيها ثلاثة مذاهب رئيسية هي الإباضية والسنة والشيعة. ولا يوجد إحصاء دقيق عن عدد أفراد المذاهب المختلفة، لكنّ الأغلبية من أتباع المذهب الإباضي.

موقع (إرفع صوتك) أجرى حواراً مع الصحافي العماني سالم الجهوري، نائب رئيس جمعية الصحافيين في عمان وأمين عام مساعد لاتحاد الصحافيين العرب عن تجربة التعايش في عمان وأسباب نجاحها وتميزها عن باقي دول المنطقة.

السر في عُمان

يقول الجهوري إنّ "كل المذاهب التي يرتكز عليها المجتمع العماني منصهرة ومتشابكة ومتداخلة فيما بينها وهي نسيج واحد في المجتمع العماني".

ويعزو هذا الانصهارَ والتمازج إلى سببين الأول هو طبيعة الشخصية العمانية الضاربة في القدم وحقيقة كونها استوعبت بعضها البعض منذ مئات السنين.

"هذه التجربة تسير وفق ما يريده المجتمع العماني وليس كما يحدث في بعض المناطق العربية"، يقول الجهوري متأسفاً على حال بعض دول المنطقة ومتوجهاً باللّوم إلى "الإعلام السلبي" الذي ساعد على "تغذية الصراعات، وإثارة الفتن وتوفير المناخ الذي ساهم في تأجيج المذهبية والطائفية والقبلية والعشائرية".

ويقول الجهوري إنّ السبب الثاني وراء التعايش في عمان هو سياسي ويعود إلى اعتماد الدولة على المواطنة وعدم التمييز بين العمانيين على أساس الدين أو المذهب.

"قد يكون هذا السر في عمان، بأنّك تجد في أدق المناصب وأرفعها عماني من أيّ مذهب"، يقول الجهوري، مضيفاً أنّ قيادة البلاد تتعامل مع العماني كمواطن.

ويردف "الجميع لا يُقاس بعدده أو بقلته، وإنما بكفاءة الفرد.. أتمنى من الكثير من الدول أن تجرب هذه الطريقة".

 

 

يُعاقبُ القانون في عمان كلّ من يحاول إثارة النعرات الطائفية بعقوبة السجن لفترات تصل لعشرة أعوام، حيث شُدّدت هذه العقوبات مؤخراً في إجراء استباقي لمنع انتقال عدوى النعرات الطائفية إلى عُمان.

وسلطنة عُمان لا تخلو من المشاكل، وتتعرض للكثير من الانتقادات في عدد من الملفات، لكنّ ظاهرة التعايش فيها تستحق الدراسة والاستفادة منها على مستوى دول المنطقة وخارجها.

وعن هذا  التعايش، يقول الجهوري "أعتقد أنّه يجب علينا الاستفادة من هذه التجربة التي تستحق الوقوف عندها ويجب أن تُعمّم وأن يستفيد منها الجميع من أبناء المذاهب الاخرى في الدول العربية، خاصّةً دول الخليج ودول الصراع في المنطقة".

ويضيف الجهوري "نعم لدينا أخطاء كبيرة في المنطقة، الأخطاء التي بنينا فيها الفكر الديني في عقول هذا الجيل وهذا الشباب.. هذا الذي أفرزه الخطاب الديني المتطرف من الجميع ولا نستثني أحداً".

التجربة العمانية تستحق أن تُعمّم

 

 

ويوجّه الجهوري رسالة للشباب في المنطقة من الطوائف المختلفة قائلاً إنّ "بناء هذه الأوطان مسؤولية والمسؤولية مشتركة بين جميع أبناء الوطن العربي، ما يحتّم تعايش المذاهب كلها في الحي وفي المدينة وفي الدولة".

ويذكّر الشباب بأزمان ليست بعيدة من التعايش بين الأديان المختلفة في المنطقة بين إخوة من أديان مختلفة "فإذا كنا تعايشنا مع تلك الأديان فكيف لنا ألّا نتعايش مع بعض لمجرد أنّك تختلف عني في أداء صلاتك ببعض الأشياء؟ وأنا أختلف عنك والآخر يختلف عني ببعض الاشياء البسيطة جداً التي لا تُذكر".

ويلفت إلى أن كل هذه الطرائق والمذاهب صحيحة.

"لا يمكن أن نقول إنّ هذا المذهب هو الصحيح وذاك المذهب هو الخطأ. نقول كل المذاهب تؤدي طقوسها وتؤدي صلواتها بما يرضي الله تعالى ورسوله".

ويكمل الجهوري رسالته للشباب بلفت نظرهم إلى ما نتج عن إثارة النعرات الطائفية بين أبناء الدول العربية، ويقول "لاحظوا بأنّه منذ أن ظهرت هذه النعرات (الطائفية)، فالدول العربية تعيش حالة من التردي في كل شيء: التردي السياسي والتردي الاسكاني والاجتماعي والخدماتي والإداري والعسكري. بات لدينا دول تلحق بها هزائم لمجرد أن بعض التنظيمات تدخل هنا وهنا وتستولي على المدن وتتوسع وبالتالي نحن نخسر من مواردنا يومياً في هذا الوطن الكبير".

ويختم رسالته بالقول "علينا أن نتّحد لصدّ وحفظ هذه الأوطان، من أجل أن نعيش بسلام ولأجيالنا المقبلة، وأتمنى ذلك من كل مسلم غيور على تراب وطنه".

 

 

*الصورة:"قد يكون هذا السر في عمان، بأنّك تجد في أدق المناصب وأرفعها عماني من أيّ مذهب"/وكالة الصحافة الفرنسية

 يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.