الجامع الأموي الكبير في حلب في 2010/Shutterstock
الجامع الأموي الكبير في حلب في 2010/Shutterstock

بقلم إلسي مِلكونيان

يشغل الشيخ محمود عكام منصب المفتي العام لمدينة حلب، عاصمة سورية الاقتصادية. كما أنّه عضو في اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأستاذ محاضر في كليتي الحقوق والتربية بجامعة حلب. 

الشيخ عكام عايش استعادة الحكومة السورية لغالبية المدينة بعد خمس سنوات من المعارك الشرسة. فهل هناك من خطة للمؤسسة الدينية لإعادة التسامح بين الناس؟

للإجابة عن هذا السؤال وغيره من القضايا الشائكة، كان لموقع (إرفع صوتك) هذا الحوار مع مفتي حلب الذي أرسل أجوبته مكتوبة ولخّص فيها رؤيته ومعالجته للأمور على النحو التالي:

*أحدثت الأزمة السورية وتغلغل الجماعات الإرهابية كداعش والنصرة وغيرهما انقساماً في المجتمع. ماذا تفعلون لإعادة التسامح بين الناس والشباب بشكل خاص، الآن وبعد استعادة الحكومة لغالبية مدينة حلب؟

-في مجتمعاتنا السورية والشامية، الأصل فيها هو التسامح. والطارئ العابر هو التعصب. فإذا ما زال هذا العابر، فإن الحق سيعود إلى نصابه تلقائياً. ولا يمكن لعابر غريب طارئ أن يطغى على أصيل دائم متجذر في النفوس والأرض. والمهم الآن هو وقفة صمود قوية لأولي التسامح في مواجهة أعداء التسامح ودعاة العنف والإرهاب وأكبر دليل على ما قلت هو الصمود وكون الأغلبية الساحقة هي التي رفضت وترفض الانقسام والتعصب والعنف. الشعب السوري شعب أصيل محب للحياة ويسعى من أجل عيش مشترك متضامن ومتعاون.

*ما هي التحديات التي تعترض طريقكم وكيف تسعون إلى التغلب عليها؟

-بالنسبة لي التحدي الأفظع هو التشاؤم، والمتشائمون والناظرون بسواد إلى المستقبل. وإلى هؤلاء نقول: هناك 100 سبب وسبب وألف داع وداع للتفاؤل. أما التشاؤم فليست أسبابه مقارنة مع الأسباب التفاؤلية بمذكورة. ومن جملة دواعي التفاؤل: إيماننا بالله الذي وعد المظلومين بالنصر، ثم ثقتنا بالشباب الواعي الذي أثبت عبر الأزمة أنه مدرك لمعادلات الحياة في كل تجلياتها الصعبة والشاقة واليسيرة، فيما هو يدرس ويتابع دراسته في الجامعة والمدرسة والمعهد. وها هو يقاتل ويقاوم في المسجد والكنيسة والجبهة والشارع. وها هو يعمل وفي أقسى الظروف في المعمل والمتجر والمصنع والمديرية والدائرة وها هم جميعاً متعاونون ومتضامنون. وصدق الله إذ قال في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي، فليظن بي ما شاء".

*ما هي خطتكم لإبعاد الماضي وصراعاته وكل ما يتعلق بالعنف والتطرف عن عقول الشباب السوري؟ هل هناك تجديد للخطاب الديني؟ هل هناك خطة لتجديد المناهج المدرسية بحيث تحارب الأفكار المتطرفة التي روج لها تنظيما داعش والنصرة؟

-خطتي تنبع من سلوك وحال وأسوة عملية، نقدمها في مختلف ميادين الحياة. ولذا أنا أدعو -ومن هذا المنبر- مسؤولي التربية والإعلام والقضاء والجيش إلى الانضباط بمعايير الأخلاق التي يدعو إليها الإيمان الحق وهي الصبر والأمانة والتسامح والرحمة والحوار والتسامح والتضامن والعمل. ودعك من الخطاب الديني وتجديده، فهذه كلمات ألغاز، لا دلالة لها سوى إضاعة الوقت. أنا أدعو إلى تجديد الإنسانية لتعود في كل واحد منا إلى ما يجب أن تكون إليه من محبة وعدل وعقل ووعي. وأدعو إلى أن يكون كل واحد منا ممثلاً صادقاً لنيته: فالمسلم يمثل بأمانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والمسيحي يمثل بوفاء سيدنا عيسى عليه السلام، والآخر عابر أن يمثل أسوة من بني الإنسان، إذ لا بد من أن يكون عظيماً بوعيه وخلفه وفهمه وعقله.

لا تكلمني عن العنف في الماضي ولا العنف في الحاضر، لأننا جميعاً معنيون به ويكاد يكون جليسنا الذي لا ينفك عنا في البيت والمدرسة والمصنع والدائرة والثكنة والمسجد والكنيسة. لقد مضت علينا سنوات وسنوات وكلنا يقهر، كلنا في صغير الأمور وكبيرها. نعم كلنا لا يحب النصح، ولا يريد التواضع وكلنا يبغى التكبر وكلنا يحرص على قرشه كحرصه على نفسه بل أشد. 

وهكذا تعالوا الآن من أجل دراسة هذه الآثار التي أنتجها العنف والقهر وهي آثار كارثية، لعلنا نتعظ والتجربة أكبر برهان، كما يقولون.

وأخيراً اسمع مني: هناك معادلة العنف ومعادلة اللاعنف. أما الأولى فاجتنبها وبيّن سوءها. وأما الثانية فادعُ إليها واتبعها وطبقها ونفذها. فالمعادلة الأولى هي استعلاء بغير حق فاعتداء. وأما الثانية فتعارف وتآلف وتعاون "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".

شكراً لكم ولموقعكم وارفعوا أصواتكم دائماً لكن بالحق والذوق واللطف والله معكم. وحفظ الله سورية الغالية وشعبها الغالي من كل مكروه.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.