بقلم إلسي مِلكونيان:
يشغل الشيخ محمود عكام منصب المفتي العام لمدينة حلب، عاصمة سورية الاقتصادية. كما أنّه عضو في اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأستاذ محاضر في كليتي الحقوق والتربية بجامعة حلب.
الشيخ عكام عايش استعادة الحكومة السورية لغالبية المدينة بعد خمس سنوات من المعارك الشرسة. فهل هناك من خطة للمؤسسة الدينية لإعادة التسامح بين الناس؟
للإجابة عن هذا السؤال وغيره من القضايا الشائكة، كان لموقع (إرفع صوتك) هذا الحوار مع مفتي حلب الذي أرسل أجوبته مكتوبة ولخّص فيها رؤيته ومعالجته للأمور على النحو التالي:
*أحدثت الأزمة السورية وتغلغل الجماعات الإرهابية كداعش والنصرة وغيرهما انقساماً في المجتمع. ماذا تفعلون لإعادة التسامح بين الناس والشباب بشكل خاص، الآن وبعد استعادة الحكومة لغالبية مدينة حلب؟
-في مجتمعاتنا السورية والشامية، الأصل فيها هو التسامح. والطارئ العابر هو التعصب. فإذا ما زال هذا العابر، فإن الحق سيعود إلى نصابه تلقائياً. ولا يمكن لعابر غريب طارئ أن يطغى على أصيل دائم متجذر في النفوس والأرض. والمهم الآن هو وقفة صمود قوية لأولي التسامح في مواجهة أعداء التسامح ودعاة العنف والإرهاب وأكبر دليل على ما قلت هو الصمود وكون الأغلبية الساحقة هي التي رفضت وترفض الانقسام والتعصب والعنف. الشعب السوري شعب أصيل محب للحياة ويسعى من أجل عيش مشترك متضامن ومتعاون.
*ما هي التحديات التي تعترض طريقكم وكيف تسعون إلى التغلب عليها؟
-بالنسبة لي التحدي الأفظع هو التشاؤم، والمتشائمون والناظرون بسواد إلى المستقبل. وإلى هؤلاء نقول: هناك 100 سبب وسبب وألف داع وداع للتفاؤل. أما التشاؤم فليست أسبابه مقارنة مع الأسباب التفاؤلية بمذكورة. ومن جملة دواعي التفاؤل: إيماننا بالله الذي وعد المظلومين بالنصر، ثم ثقتنا بالشباب الواعي الذي أثبت عبر الأزمة أنه مدرك لمعادلات الحياة في كل تجلياتها الصعبة والشاقة واليسيرة، فيما هو يدرس ويتابع دراسته في الجامعة والمدرسة والمعهد. وها هو يقاتل ويقاوم في المسجد والكنيسة والجبهة والشارع. وها هو يعمل وفي أقسى الظروف في المعمل والمتجر والمصنع والمديرية والدائرة وها هم جميعاً متعاونون ومتضامنون. وصدق الله إذ قال في الحديث القدسي "أنا عند ظن عبدي، فليظن بي ما شاء".
*ما هي خطتكم لإبعاد الماضي وصراعاته وكل ما يتعلق بالعنف والتطرف عن عقول الشباب السوري؟ هل هناك تجديد للخطاب الديني؟ هل هناك خطة لتجديد المناهج المدرسية بحيث تحارب الأفكار المتطرفة التي روج لها تنظيما داعش والنصرة؟
-خطتي تنبع من سلوك وحال وأسوة عملية، نقدمها في مختلف ميادين الحياة. ولذا أنا أدعو -ومن هذا المنبر- مسؤولي التربية والإعلام والقضاء والجيش إلى الانضباط بمعايير الأخلاق التي يدعو إليها الإيمان الحق وهي الصبر والأمانة والتسامح والرحمة والحوار والتسامح والتضامن والعمل. ودعك من الخطاب الديني وتجديده، فهذه كلمات ألغاز، لا دلالة لها سوى إضاعة الوقت. أنا أدعو إلى تجديد الإنسانية لتعود في كل واحد منا إلى ما يجب أن تكون إليه من محبة وعدل وعقل ووعي. وأدعو إلى أن يكون كل واحد منا ممثلاً صادقاً لنيته: فالمسلم يمثل بأمانة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والمسيحي يمثل بوفاء سيدنا عيسى عليه السلام، والآخر عابر أن يمثل أسوة من بني الإنسان، إذ لا بد من أن يكون عظيماً بوعيه وخلفه وفهمه وعقله.
لا تكلمني عن العنف في الماضي ولا العنف في الحاضر، لأننا جميعاً معنيون به ويكاد يكون جليسنا الذي لا ينفك عنا في البيت والمدرسة والمصنع والدائرة والثكنة والمسجد والكنيسة. لقد مضت علينا سنوات وسنوات وكلنا يقهر، كلنا في صغير الأمور وكبيرها. نعم كلنا لا يحب النصح، ولا يريد التواضع وكلنا يبغى التكبر وكلنا يحرص على قرشه كحرصه على نفسه بل أشد.
وهكذا تعالوا الآن من أجل دراسة هذه الآثار التي أنتجها العنف والقهر وهي آثار كارثية، لعلنا نتعظ والتجربة أكبر برهان، كما يقولون.
وأخيراً اسمع مني: هناك معادلة العنف ومعادلة اللاعنف. أما الأولى فاجتنبها وبيّن سوءها. وأما الثانية فادعُ إليها واتبعها وطبقها ونفذها. فالمعادلة الأولى هي استعلاء بغير حق فاعتداء. وأما الثانية فتعارف وتآلف وتعاون "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".
شكراً لكم ولموقعكم وارفعوا أصواتكم دائماً لكن بالحق والذوق واللطف والله معكم. وحفظ الله سورية الغالية وشعبها الغالي من كل مكروه.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم0012022773659